كأنه قال : كلمته جاعلا فاه إلى في ، ولو كان على ما قالوا من إضمار : جاعل ما كان فيه شذوذ ، ولجاز أن يقال : كلمته وجهه إلى وجهي ، وعينه إلى عيني ، ولم يقل هذا أحد فدلّ على أنه شاذ ، كما قال أصحابنا فلذلك لم يقس عليه ، وأكثر أصحابنا أجاز تقديم فاه منصوبا لما كان العامل فيه : كلمته ، وهو فعل ومعمول ، كقولك : قائما ضحك زيد ، وضحك زيد قائما.
ولهذا أجاز المازني والمبرد : شحما تفقأت ، ولم يجيزا : زيد ثوبا أنظف منك ، تريد : زيد أنظف منك ثوبا ، لاختلاف العاملين. ومن أصحابنا من زعم أن مذهب سيبويه يمنع أن يقال : فاه إلى فيّ كلمته ، لأن هذا كلام في غير موضعه ، وقد منع سيبويه : جاء زيد سرعة قياسا على جاءني زيد مشيا ، لأن مشيا بمعنى : ماشيا ، ليس بقياس يطرد في نظائره ، فإذا منع القياس في هذا كان في تقديم فاه أولى.
والكوفيون يمنعون تقديمه ـ أيضا ـ مع قولهم : إن العامل فيه : جاعل ، ويلزمهم جوازه لأن جاعلا لا يمنع من العمل فيما قبله.
قال سيبويه : (وبعض العرب يقول : كلمته فوه إلى في ، كأنه قال : كلمته وفوه إلى في ، أي كلمته ، وهذه حاله).
قال أبو سعيد : من رفع فالتقدير : كلمته أي : كلمته وهذه حاله ، ومن نصب فليس على تقدير الواو ألا تراك تقول : كلمت زيدا قائما ، وكلمت زيدا وهو قائم إذا أتيت بالواو في موضع الحال لم يكن ما بعدها إلا مبتدأ وخبر ، فأما بايعته يدا بيد فلا يجوز بايعته يد بيد ولا بايعته ويد بيد ، وليس إلا النصب لأنك لو رفعت كان التقدير : بايعته ويده في يدي ، وليس هذا هو الغرض بل معنى قولهم : بايعته يدا بيد ، أي : بايعته بالنقد والتعجيل سواء كان منه قريبا أو بعيدا ، وإذا قال كلمته فوه إلى في فإنما تريد أن تخبر عن قربه منه وأنه مشافهة وليس بينهما أحد ، ومثله من المصادر مما تلزمه الإضافة ويجوز فيما بعده الابتداء وأن يكون حالا قولهم : رجع فلان عوده على بدئه ، كأنه قال :
أتاني فلان عودا على بدء ، غير أنه لا يستعمل مفردا في الكلام وإنما قدرناه مفردا ليبين ، ومن قال كلمته فوه إلى في ، أجاز الرفع في قوله قال : رجع فلان عوده على بدئه ، كأنه قال : أتاني فلان عودا على بدء ، غير أنه لا يستعمل مفردا وإنما قدرناه مفردا ، والمعنى : رجع فلان وعوده على بدئه ، والمعنى لم يتغير.