وقد بيّنا اختيار إضمار الناصب في الشرط.
وقوله فكلما كثر الإضمار كان أضعف يريد أنك إذا أضمرت الرافع أضمرت خبرا وهو منفصل من الرافع كأنك قلت : إن كان في عمله خير ، وإن كان معه خنجر ، وإن أضمرت الناصب جعلت اسم كان مستكنّا في كان وهو ضمير متصل. ألا ترى أنك تقول : من كذب كان شرا له ، فتجعل في كان ضمير الكذب مستكنّا غير منفصل منه ، فلذلك صار الضمير المرفوع أكثر ، وكان أضعف من المنصوب ، وهو مع ضعفه جائز قال هدبة بن خشرم :
فإن تك في أموالنا لا نضق بها |
|
ذرعا وإن صبر فنصبر للصّبر (١) |
أي وإن وقع فينا صبر ، أي وإن وقع صبر ، والصبر في هذا الموضع : الأمر الذي يجب الصبر عليه ، ويكون كرما وهو فعله ، قال وأمّا قوله :
قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا |
|
فما اعتذارك من شيء إذا قيلا (٢) |
فالنصب على التفسير الأول ، ويجوز إن حقّ وإن كذب على معنى : إن وقع حق وإن وقع كذب ، أو على : إن كان فيه حقّ وإن كان فيه كذب.
(ومثل ذلك قول العرب في مثل من أمثالها :
" إن لا حظيّة فلا أليّة" أي إن لا تكن لك في الناس حظيّة فإنّي غير أليّة ، كأنها قالت في المعنى : إن كنت ممّن لا يحظى عنده فإنّي غير أليّة ، ولو عنت بالحظّية نفسها لم يكن إلّا نصبا إذا جعلت الحظية على التفسير الأول).
أصل هذا أنّ رجلا تزوج امرأة فلم تحظ عنده ، ولم تكن بالمقصّرة في الأشياء التي تحظي النّساء عند أزواجهن فقالت : " إن لا حظية فلا ألية" أي : إن لم تكن حظية النساء لأن طبعك لا يلائم طباعهن فإنّي غير مقصّرة فيما يلزمني للزوج. يقال من ذلك : ما
__________________
(١) خزانة الأدب ٩ : ٣٣٧ ؛ تفسير الطبري ١٤ : ٨٢ ؛ مغني اللبيب ٤ : ٣٨ ؛ معاني القرآن ٢ : ١٠٥ (بدون نسبة) وروايته :
إن العقل في أموالنا لا نضق به |
|
ذراعا وإن صبرا فنعرف للصبر |
(٢) البيت منسوب إلى (النعمان بن المنذر) :
خزانة الأدب ٤ : ١٠ ؛ الأغاني ١٥ : ٣٦٦ ؛ شرح المفصل ٢ : ٩٧ (وما) بدلا من (فما) ؛ شرح ابن عقيل ١ : ٢٠٦ (من قول) بدلا من (من شيء).