تقتضي الفعل فلا بدّ من إضمار" كان" أو نحوها ، فإذا أضمرنا كان ونصبنا ، فقد جعلنا اسم كان مع" كان" مضمرا محذوفا ، والفعل متى أضمر أضمر معه الفاعل ، لأن الفعل والفاعل كشيء واحد ، وإذا أضمرنا كان وجعلنا الاسم الذي بعد" إن" مرفوعا فالذي أضمر مع" كان" الخبر الذي هو بمنزلة المفعول ، فكأنك أضمرت الفعل مع المفعول ، ولا يدل على المفعول كدلالته على الفاعل لأنه لا يستغني عن الفاعل.
وأما رفع الجواب بعد الفاء فإنما صار الاختيار الرفع ؛ لأن الفاء جواب الشرط ، وإنما أتي بها ليكون ما بعدها مبتدأ وخبرا ، وذلك أنّ جواب الشرط إذا كان فعلا لم تحتج إلى فاء ، كقولك : إن أكرمني زيد أكرمته ، وإن يكرمني أكرمه ، ولا يجوز أن تقول : إن تأتني زيد مقيم عندي ، حتى تقول : إن تأتني فزيد مقيم عندي ، فقد تبين لك أن الفاء إنما أتي بها للاسم ، فالاختيار أن يكون المضمر بعدها مبتدأ ، فإذا قلت : إن خير فخير ، فتقديره : إن كان في عمله خير فالذي يجزى به خير.
وإن قلت : إن خيرا فخيرا ، فتقديره : إن كان عمله خيرا فيكون الذي يجزى به خيرا ، وإن قلت : إن خيرا فخير فتقديره : إن كان عمله خيرا فالذي يجزى به خير ، وإن قلت : إن خير فخيرا ، فتقديره : إن كان في عمله خير فيكون الذي يجزى به خيرا.
وقد فسر سيبويه قوله : إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا قال : كأنه قال : إن كان خيرا جزي خيرا ، فجاء بفعل ماض ليس فيه فاء على تقدير المعنى لا على تقدير اللفظ ، وذلك أنه لا يجوز أن يكون الفعل الماضي في جواب الشرط تدخل عليه الفاء ، لا تقول إن تأتني فأكرمتك ، إنما تقول كما قال الله عزوجل : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(١) إلّا أن يكون دعاء كقولك : إن يأتني زيد فأحسن الله جزاءه ، فلما كانت الفاء إنما تدخل على المستقبل وجب أن تقدّر ما بعد الفاء مستقبلا ، فقدّره سيبويه على ما يجوز في المعنى لا على حقيقة اللفظ.
وقال : (فإذا أضمرت فأن تضمر الناصب أحسن ؛ لأنّك إذا أضمرت الرافع أضمرت أيضا خبرا أو شيئا يكون في موضع خبر ، فكلما كثر الإضمار كان أضعف ، فإن أضمرت الرافع كما أضمرت الناصب فهو عربي حسن).
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٩٥.