وكانت مكة في عهد قريش تضم الى هذا ما تضمه عواصم اليوم تقريبا من جاليات أجنبية يهبطون اليها بفنونهم وأموالهم وبعض علومهم فلا تلبث أن تتسع لما يهبط إليها وتفسح لها من المجال ما تفسحه اليوم ، وكثير من كتب السير في مجموعها تحدثنا بأنه كان من سكانها نصارى الروم ووثنيون من فارس وأنه سكنها جاليات من العراق ومصر والحبشة والسريان ، ونحن لا نستبعد أن يكون نزوح هذا الجاليات فرارا من الثورات وألوان الاضطهاد (١) وتحت عوامل اخرى شبيهة بالتي تؤثر في انتقال الموجات البشرية في كل دور من أدوار التاريخ.
ولست أرى رأي من يقول بشيوع الأمية شيوعا مطلقا في هذه البيئة التي ندرسها ولا ممن يرى أن وسائل الكتابة يومها كانت تقتصر على العظام والحجارة لأن القرآن ذكر عن الصحف المنشرة (٢) وسجلات الكتب (٣) والمداد (٤) والأقلام (٥) ما يشير الى معرفتهم بها وأنهم كانوا لا يجهلونها.
ومما يلفت النظر أن القرآن في أوائل نزوله بمكة كان يكتب وينسخ ويذكر ابن هشام في سيرته أن عمر دخل على شقيقته قبل اسلامه وفي يدها صحيفة قرآنية ويؤيد هذه الرواية أكثر المؤرخين ، وهي تدل فيما تدل على وجود الصحف يومها
__________________
(١) ذكروا أن بعض رجالات قريش شعروا باضطهاد بعض الجاليات الأجنبية في بيوت بعض كبار القوم فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان وتعاهدوا أن لا يقر ببطن مكة ظالم وأن يكونوا يدا واحدة مع المظلوم ثم جاءوا بماء من بئر زمزم فغسلوا به أركان الكعبة ثم شربوه توكيدا لعهدهم وقد حضر النبي صلىاللهعليهوسلم حلفهم قبل البعثة وقال فيه بعد ذلك لو دعيت به في الاسلام لأجببت (راجع ابن هشام ١ / ١٤٥).
(٢) أن يؤتى صحفا منشر (٥٢ المدثر).
(٣) كطي السجل للكتب (١٠٤)
(٤) قل لو كان البحر مدادا (١٠٩) الكهف.
(٥) من شجرة أقلام (٢٧) لقمان.