واشتركت المدينة في هذه اللوثة وشاع أمر الغناء بينها وبين مكة ولكن مكة سبقت الى الشعر الغنائي بما شاع فيها من شعر ابن ابي ربيعة وأصحابه ، واشتهر بين المدينتين من الموالي المغنيين والمغنيات جميلة ، وهيت ، وطويس ، والدلال ، وبرد الفؤاد ونومة الضحى ، ورحمة ، وهبة الله ، ومعبد ، ومالك ، وابن عائشة ، ونافع ، وعزة الميلاء ، وحبابة وسلامة القس (١) وبلبلة ، ولذة العيش ، وسعيدة ، والزرقاء ، وتجد أخبار ذلك مفصلة في كتاب الأغاني.
وشاع التندر والفكاهة في مكة كما شاعت خفة الروح وكثرت التائهات بحسنهن والمعتزات بجمالهن القاتل :
نحن أهل الخيف من أهل منى |
|
ما لمقتول قتلناه قود |
وأغرقن في حلل من الخز والديباج |
|
وزينتهن من الياقوت والزبرجد |
يرفلن في مطرفات السوس آونة |
|
وفي العقيق من الديباج والقصب |
ترى عليهن حلى الدر متسقا |
|
مع الزبرجد والياقوت كالشهب |
وكلف هؤلاء بمنتزهاتهم في أطراف مكة والزاهر وفي عقيق المدينة وضواحي الطائف كما يذكر صاحب الأغاني فكانوا يمتطون الدواب الفارهة في أعناقها القلائد الذهبية أو يمشون في أقبيتهم المطرزة بالوشى تحت الثياب الرقيقة المصبغة من الكتان أو القز بعضها أطول من بعض كأنها المدارج تقوم قياما من شدة الصقال كما كلف أغنياؤهم بتشييد القصور في ضواحي المدن ومن أشهرها قصور العقيق بضاحية المدينة.
__________________
(٢) القس هو عبد الرحمن بن أبي عمار الجشيمي اشتهر بالعبادة فسمى القس وقد عرفت سلامة به لأنه سمعها على غير عمد منه فبلغ غناؤها منه كل مبلغ واشتهر بها كما اشتهرت به. راجع الأغاني ٨ / ٣٣٣ وما بعدها.