وكذا الأعاريض المصرّعة والمقفاة (١) ، كقوله [من الطويل] :
١٦ ـ قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان |
|
... (٢) |
وقوله [من الطويل] :
١٧ ـ قفانبك من ذكرى حبيب ومترل |
|
... (٣) |
والفرق بين التقفية والتصريع أنّ التقفية على المشهور جعل العروض الموافق للضّرب في الزنة موافقا له في الرويّ ، والتصريع جعل العروض الّذي حقّه أن يخالف الضّرب في الوزن موافقا له فيه ، والعروض اسم لآخر جزء في النصف الأوّل من البيت ، والضرب اسم لآخر جزء من البيت ، والرويّ هو الحرف الّذي تعزّى إليه القصيدة ، وأمّا القافية فالمختار عندهم من أقوال سبعة أنّها عبارة عن المحرّك قبل الساكنين إلى آخر البيت وعمّا بينهما.
أيضا إن كان كما قرّر في محلّه وظاهر كلام جماعة أنّ هذا التنوين محصّل للترنّم ، وبه صرّح ابن يعيش (٤) ، زاعما أن الترنّم يحصل بالنّون نفسها ، لأنّها حرف أغنّ ، وتبعه السّيّد في شرح اللباب (٥) فقال : هذا التنوين يستعمل في القوافي للتّطريب ، وذلك لأنّ حرف العلّة مدّه في الحلق ، فإذا أبدل منها التنوين حصل الترنّم ، لأنّ الترنّم غنّة ، في الخيشوم ، انتهى.
وعلى هذا تكون تسميته بتنوين الترنّم حقيقة ، والمحقّقون على أنّه جيء به لقطع التّرنّم الحاصل من حرف الإطلاق لقبوله لمدّ الصّوت بها ، فإذا أنشدوا ، ولم يترنّموا ، جاؤوا بالنون بدلا منه لقطعه ، فعلى هذا تكون تسميته إمّا مجازا من باب الحذف ، أي تنوين ترك الترنّم ، أو من باب التّضاد ، كقولهم : داود القياسيّ (٦) ، وفي الحديث ، القدريّة
__________________
(١) المصرّع هو الّذي دخله التصريع ، فتتوافق عروضه مع ضربه في الوزن والرويّ. المقفي هو الّذي وافقت عروضه ضربه في الوزن والرويّ دون أن تودّي هذه الموافقة إلى تغيير في العروض بزيادة أو نقص. إميل بديع يعقوب ، المعجم المفصّل في علم العروض والقافية وفنون الشعر. الطبعة الاولي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤١١ ه ، ص ١٧٧.
(٢) هذا البيت مطلع قصيدة لامري القيس بن حجر الكندي وتمامه «وربع عفت آثاره منذ أزمان» ، اللغة : عرفان الديار : معرفتها ، الربع : الدار عفت : محت.
(٣) هو لامرئ القيس ، مطلع معلّقته ، وتمامه : بسقط اللوي بين الدخول فحومل ، اللغة : السقط : منقطع الرمل حيث يستدقّ من طرفه. الدخول وحومل : موضعان.
(٤) يعيش بن علي بن يعيش أبو البقاء المشهور بابن يعيش وكان يعرف بابن الصانع ، وكان من كبار ائمة العربية ، ماهرا في النحو والتصريف ، صنف : شرح المفصّل ، شرح تصريف ابن جني. بغية الوعاة ، ٢ / ٣٥١.
(٥) اللباب في النحو. للعلامة الإمام تاج الدين محمّد بن محمّد ابن أحمد بن السيف المعروف بالفاضل الإسفرايني المتوفي سنة ٦٨٤ ه ، وعليه شروح ، منها العباب للسيد جمال الدين عبد الله بن محمد الحسيني المتوفّي سنة ٧٧٦ ه ، كشف الظنون ، ٣ / ١٥٤٣.
(٦) داود الظاهري (٢٠١ ـ ٢٧٠ ه) داود بن علي بن خلف الإصبهاني الملقّب بالظاهري ، أحد الأئمة المجتهدين في الإسلام تنسب إليه الطائفة الظاهرية ، سمّيت بذالك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس. الأعلام للزركلي ٣ / ٨.