(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) استفهام بمعنى الإنكار والاستبعاد لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه مع وغرة (١) صدورهم وغدرهم ، أو لأن يفي الله ورسوله بالعهد وهم نكثوه. وخبر «يكون» : «كيف» ، وقدّم للاستفهام ، أو «للمشركين» أو «عند الله». وهو على الأوّلين صفة للعهد ، أو ظرف له ، أو لقوله : «يكون». و «كيف» على الأخيرين حال من العهد. وقوله : «للمشركين» إن لم يكن خبرا فتبيين.
(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) هم المستثنون قبل من بني كنانة وبني ضمرة ونظرائهم. ومحلّه النصب على الاستثناء ، أو الجرّ على البدل ، أو الرفع على أنّ الاستثناء منقطع ، أي : ولكنّ الّذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام.
(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) ما تحتمل الشرطيّة والمصدريّة ، أي : فتربّصوا أمرهم فلا تقاتلوهم ، فإن استقاموا على العهد فاستقيموا على الوفاء. أو ما داموا باقين معكم على الطريقة المستقيمة فكونوا معهم كذلك. وهذا كقوله : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) (٢) غير أنّه مطلق وهذا مقيّد. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) للنكث والغدر ، فإنّ التربّص بهم من أعمال المتّقين.
(كَيْفَ) تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد ، أو بقاء حكمه ، مع التنبيه على العلّة. وحذف الفعل للعلم به ، أي : كيف يكون لهم عهد؟ (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أي : وحالهم أنّهم إن يظفروا بكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ) لا يراعوا ولا يحفظوا (إِلًّا) حلفا. وقيل : قرابة. وقيل : ربوبيّة. ولعلّه اشتقّ للحلف من الألّ ، وهو الجؤار (٣). يقال : له أليل ، أي : أنين يرفع به صوته ، لأنّهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا به أصواتهم ، ثم استعير للقرابة ، لأنّها تعقد بين الأقارب ما لا يعقده الحلف ، ثمّ للربوبيّة والتربية. وقيل : اشتقاقه من : ألّل الشيء إذا حدّده ، أو من : ألّ
__________________
(١) الوغر : الحقد والعداوة والضغن ، ووغرة الصدر : شدّة غيظه.
(٢) التوبة : ٤.
(٣) جأر يجأر جؤارا إلى الله : رفع صوته بالدعاء.