ثمّ ذمّ الله سبحانه الكفّار ، فقال : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ) إنّ شرّ من يدبّ على وجه الأرض في معلوم الله أو في حكمه (الَّذِينَ كَفَرُوا) أصرّوا على الكفر ورسخوا فيه (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لإصرارهم على الكفر ، ولجاجهم وعنادهم فيه ، فلا يتوقّع منهم إيمان ، وهم قوم مطبوعون على الكفر بأنّهم لا يؤمنون. وذكر الفاء العاطفة للتنبيه على أنّ تحقّق المعطوف عليه مستدع لتحقّق المعطوف.
وقوله : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) بدل من (الَّذِينَ كَفَرُوا) بدل البعض ، للبيان والتخصيص. وهم بنو قريظة ، عاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن لا يمالئوا عليه عدوّا فنكثوا ، بأن أعانوا مشركي مكّة بالسلاح ، وقالوا :
نسينا وأخطأنا ، ثمّ عاهدهم فنكثوا ومالأوا عليه الأحزاب يوم الخندق ، وركب كعب بن الأشرف إلى مكّة فحالفهم.
و «من» لتضمين المعاهدة معنى الأخذ. والمراد بالمرّة مرّة المعاهدة أو مرّة المحاربة ، أي : كلّما عاهدتم نقضوا العهد ولم يفوا به. وجعلهم الله شرّ الدّوابّ ، لأنّ شرّ الناس الكفّار ، وشرّ الكفّار المصرّون منهم ، وشرّ المصرّين الّذين ينقضون العهد.
(وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) لا يخافون عاقبة الغدر وتبعته ، ولا يبالون ما فيه من العار والنار ، أو نصر الله للمؤمنين وتسليطه إيّاهم عليهم.
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨))
ثمّ حكم سبحانه في هؤلاء الناقضين للعهود ، فقال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فَإِمَّا