وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) متعلّق بـ «قاتلوا» أي : ليكن غرضكم في مقاتلتهم أن ينتهوا عمّا هم عليه ، لا إيصال الأذيّة بهم كما هو طريقة المؤذين. وهذا من غاية كرمه العميم وفضله الجسيم ، جلّ كرمه وعظم فضله.
(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣))
ثمّ حرّض المؤمنين على القتال ، فقال : (أَلا تُقاتِلُونَ) دخول الهمزة على «لا» للإنكار ، فأفادت المبالغة في الفعل والتحريض فيه ، أي : هلّا تقاتلون (قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) الّتي حلفوها مع الرسول والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم ، فعاونوا بني بكر على خزاعة (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) حين تشاوروا في أمره بدار الندوة ، فأذن الله له في الهجرة ، فخرج بنفسه ، على ما مرّ ذكره في قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١). وقيل : هم اليهود نكثوا عهد رسول الله ، وهمّوا بإخراجه من المدينة.
(وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بالمعاداة والمقاتلة ، لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بدأهم بالدعوة وإلزام الحجّة بالكتاب والتحدّي به ، فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة ، والبادي أظلم ، فما يمنعكم أن تقابلوهم وتقاتلوهم؟ (أَتَخْشَوْنَهُمْ) الهمزة للتوبيخ الّذي يتضمّن التشجيع ، أي : أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم؟ (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) فقاتلوا أعداءه ولا تتركوا أمره (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإنّ قضيّة الايمان أن لا يخشى المؤمن إلّا ربّه ، ولا يبالي بمن سواه ، كقوله : (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) (٢).
__________________
(١) راجع ص : ٣٣ ذيل الآية ٣٠ من سورة الأنفال.
(٢) الأحزاب : ٣٩.