وقتل حمزة وقد مثّل به ، وأخذت هند كبده ، فجعلت تلوكه ، وجدعوا أنفه وأذنه ، فقال المسلمون : لئن أمكننا الله منهم لنمثّلنّ بالأحياء فضلا عن الأموات ، فنزلت.
وفيه دليل على أنّ للمقتصّ أن يماثل الجاني ، وليس له أن يجاوزه. وحثّ على العفو تعريضا بقوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) ، وتصريحا بقوله : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ) أي : الصبر (خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) من الانتقام للمنتقمين.
(وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))
ثمّ صرّح بالأمر به لرسوله ، لأنّه أولى الناس به ، لزيادة علمه بالله ، ووثوقه عليه ، فقال : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) إلّا بتوفيقه وتثبيته (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) على الكافرين في إعراضهم عنك ، أو على قتلى بدر ، أو على المؤمنين وما فعل بهم (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) في ضيق صدر من مكرهم بك وبأصحابك ، فإنّ الله يردّ كيدهم في نحورهم ، ويحفظكم من شرورهم.
وقرأ ابن كثير : في ضيق ، هنا وفي النمل (١). وهما لغتان ، كالقول والقيل.
ويجوز أن يكون الضيق تخفيف ضيّق.
(إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك والكبائر بالنصرة والحفظ (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) في أعمالهم بالولاية والفضل. أو مع الّذين اتّقوا بتعظيم أمره ، والّذين هم محسنون في أعمالهم بالولاية والفضل. أو مع الّذين اتّقوا بتعظيم أمره ، والّذين هم محسنون بالشفقة على خلقه. والله أعلم بالصواب.
__________________
(١) النمل : ٧٠.