(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧))
ولمّا ذكر سبحانه إهلاك الأمم الماضية والقرون الخالية ، عقّب ذلك بأنّهم أتوا في هلاكهم من قبل نفوسهم ، ولو كان فيهم مؤمنون يأمرون بالصلاح وينهون عن الفساد لما استأصلناهم رحمة منّا ، ولكنّهم لمّا عمّهم الكفر استحقّوا عذاب الاستئصال ، فقال بيانا لذلك : (فَلَوْ لا كانَ) أي : فهلّا كان. وقد حكوا عن الخليل كلّ «لولا» في القرآن فمعناها : هلّا ، إلّا الّتي في الصافّات (١) ، (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) (٢) (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ) (٣) (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ) (٤).
(مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) من الرأي والعقل ، أو أولوا فضل وخير.
وإنّما سمّي بقيّة لأنّ الرجل يستبقي أفضل ما يخرجه وأجوده ، فصار مثلا في الفضل والجودة ، ومنه يقال : فلان من بقيّة القوم ، أي : من خيارهم. ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى البقوى ، كالتقيّة بمعنى التقوى ، أي : ذوو بقاء على أنفسهم
__________________
(١) الصافّات : ٥٧.
(٢) القلم : ٤٩.
(٣) الفتح : ٢٥.
(٤) الإسراء : ٧٤.