حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩))
ولمّا تقدّم ذكر النعم أتبعه سبحانه بذكر ما يلزم عليها من الشكر ، فقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) هو ايضا من كلام موسى عليهالسلام. و «تأذّن» بمعنى : آذن ، كـ : توعّد وأوعد ، غير أنّه أبلغ ، لما في التفعّل من معنى التكلّف والمبالغة ، ولا بدّ في «تفعّل» من زيادة معنى ليس في «أفعل». كأنّه قال : وإذ أذن ربّكم إيذانا بليغا تنتفي عنده الشكوك.
(لَئِنْ شَكَرْتُمْ) يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم (لَأَزِيدَنَّكُمْ) نعمة إلى نعمة (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) جحدتم نعمتي (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) بمعنى : أعذّبكم على الكفران عذابا شديدا. ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرّح بالوعد ويعرّض بالوعيد.
والجملة مقول قول مقدّر ، أو مفعول «تأذّن» ، على أنّه جار مجرى «قال» ، لأنّه ضرب منه.
(وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من الثقلين (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ) عن شكركم ، وأنتم محاويج إليه (حَمِيدٌ) مستحقّ للحمد في ذاته ، محمود تحمده الملائكة ، وتنطق بنعمته ذرّات المخلوقات ، فما ضررتم بكفرانكم إلّا أنفسكم ، حيث حرّمتموها مزيد الإنعام ، وعرّضتموها للعذاب الشديد.
قال أبو عبد الله الصادق عليهالسلام في هذه الآية : «أيّما عبد أنعمت عليه نعمة فأقرّ بها بقلبه ، وحمد الله تعالى عليها بلسانه ، لم ينفذ كلامه حتّى يأمر الله له بالزيادة».