الّذين فعلوا بيوسف ما قصّه الله عنهم. وليس في ظاهر الكتاب أنّ جميع إخوة يوسف وسائر الأسباط فعلوا بيوسف ما حكاه الله تعالى من الكيد. ويجوز أن يكون هؤلاء الإخوة في تلك الحال لم يكونوا بلغوا الحلم ، ولا توجّه إليهم التكليف ، وقد يقع ممّن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الأفعال ، ويعاتب على ذلك ويلام ويضرب» (١). وهذا الوجه قول البلخي والجبائي. ويدلّ عليه قوله : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ).
وقوله : (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) لا ينافي ذلك ، فإنّ المراهق يجوز أن يعلم ذلك خاصّة ، خصوا إذا كان مربّى في حجر الأنبياء ومن أولادهم.
وروى أبو جعفر بن بابويه رحمهالله في كتاب النبوّة بإسناده عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حنان بن سدير ، قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام أكان أولاد يعقوب أنبياء؟
فقال : لا ، ولكنّهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ، ولم يفارقوا الدنيا إلّا سعداء ، تابوا وتذكّروا ما صنعوا».
وقال الحسن : كانوا رجالا بالغين ، ووقعت ذلك منهم صغيرة.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠))
ثمّ أخبر سبحانه عن واحد من جملتهم بقوله : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) أي : من إخوة يوسف ، وهو يهوذا. وكان أحسنهم فيه رأيا ، وهو الّذي قال : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) (٢) الآية. وقيل : روبيل ، وهو ابن خالة يوسف. وقيل : لاوي. رواه عليّ بن إبراهيم (٣) في تفسيره. (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) فإنّ القتل أمر عظيم (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) في قعره. سمّي به لغيبوبته عن عين الناظر. وقرأ نافع غيابات في الموضعين
__________________
(١) تنزيه الأنبياء : ٤٣ ـ ٤٤.
(٢) يوسف : ٨٠.
(٣) تفسير القمّي ١ : ٣٤٠.