الدقيقة والأفعال العجيبة حقّ التدبّر ، علم قطعا أنّه لا بدّ له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه.
قال صاحب المجمع : «ومن جملة عجائبه خروج العسل من فيه. ومنها : جعل الشفاء في موضع السمّ ، فإنّ النحل يلسع. ومنها : ما ركّب الله من البدائع والعجائب فيه وفي طباعه. ومن أعجبها أن جعل الله سبحانه لكلّ فئة يعسوبا هو أميرها ، يقدّمها ويحامي عنها ، ويدبّر أمرها ويسوسها ، وهي تتبعه وتقتفي أثره ، ومتى فقدته انحلّ نظامها ، وزال قوامها ، وتفرّقت شذر مذر. وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليهالسلام في قوله : «أنا يعسوب المؤمنين» (١).
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠))
ثمّ بيّن سبحانه نعمته علينا في خلقنا وإخراجنا من العدم إلى الوجود ، فقال :
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) بآجال مختلفة (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ) يعاد (إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أخسّه وأوضعه ، يعني : الهرم الّذي يشابه الطفوليّة في نقصان القوّة والعقل.
وقيل : هو خمس وتسعون سنة. وقيل : خمس وسبعون. وهذا مرويّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين عليهالسلام.
(لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفوليّة في النسيان وسوء الفهم.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بمقادير أعماركم (قَدِيرٌ) يميت الشابّ النشيط ، ويبقى الهرم الفاني. وفيه تنبيه على أنّ تفاوت آجال الناس ليس إلّا بتقدير قادر حكيم ، ركّب أبنيتهم ، وعدّل أمزجتهم على قدر معلوم ، ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ.
__________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٣٧٢.