وهو كالفرخ المتمعّط (١) ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، فجعل يستظلّ تحتها ، ووكلّ الله به وعلا (٢) يشرب من لبنها. فيبست الشجرة ، فبكى عليها ، فأوحى الله تعالى إليه : تبكي على شجرة يبست ، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن أهلكهم. فخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى ، فقال : من أنت؟ قال : من قوم يونس.
قال : إذا رجعت إليهم فأخبرهم أنّك لقيت يونس. فأخبرهم الغلام ، وردّ الله عليه بدنه ، ورجع إلى قومه وآمنوا به. وقيل : إنّه عليهالسلام أرسل إلى قوم غير قومه الأوّلين.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠))
ولمّا تقدّم أنّ إيمان الملجأ غير نافع ، بيّن سبحانه أنّ ذلك لو كان ينفع لأكره أهل الأرض عليه ، فقال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) مشيئة إلجاء وقسر (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ) بحيث لا يشذّ منهم أحد (جَمِيعاً) مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه ، كما قال : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٣). ولكنّ الإلجاء مناف للتكليف الاختياري الّذي هو مناط الأعمال ومدارها. ولو كان المراد بالمشيئة مشيئة أزليّة ـ كما قال الأشاعرة ـ لم يصحّ تعليقها بالشرط ، ألا ترى أنّه لا يصحّ أن يقال : لو علم سبحانه ولو قدر ، كما صحّ : لو شاء ولو أراد.
__________________
(١) أي : الساقط شعره ، من : تمعّط الشعر ، أي : سقط.
(٢) الوعل : تيس الجبل ، له قرنان.
(٣) الشعراء : ٤.