والواحد ، وإنّما يجري فيما عداهما ، كقولك : رجال ثلاثة وأفراس أربعة ، لأنّ المعدود فيما عداهما عار عن الدلالة على العدد الخاصّ ، بخلاف رجل ورجلان ، فإنّهما يدلّان على العدد ، فلا حاجة إلى أن يقال : رجل واحد ورجلان اثنان ، لكن ذكر ها هنا ليدلّ دلالة صريحة على أنّ المقصود نهي الاثنينيّة لا ذات المعدود.
أو إيماء بأنّ الاثنينيّة تنافي الألوهيّة ، كما ذكر الواحد في قوله : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) للدلالة على أنّ المقصود إثبات الوحدانيّة دون الإلهيّة. ألا ترى أنّك لو قلت : إنّما هو إله ، ولم تؤكّده بواحد ، خيّل أنّك تثبت الإلهيّة لا الوحدانيّة الّتي قصدتها ، فكذا إذا قلت : لا تتّخذوا إلهين بدون ذكر العدد ، لخيّل أنّك قصدت المعدود لا العدد ، ولمّا شفّعتهما بذكر الاثنين دلّ دلالة صريحة على أنّ مقصودك نفي الاثنينيّة لا الجنسيّة ، أو للتنبيه على أنّ الوحدة من لوازم الإلهيّة.
(فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) نقل من الغيبة إلى التكلّم مبالغة في الترهيب ، وتصريحا بالمقصود ، فكأنّه قال : فأنا ذلك الإله الواحد ، فإيّاي فارهبون لا غير.
عن بعض الحكماء : أنّه قال : نهاك ربّك أن تتّخذ إلهين فاتّخذت آلهة ، عبدت نفسك وهواك ودنياك وطبعك ومرادك ، وعبدت الخلق ، فأنّى تكون موحّدا؟! (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلقا وملكا (وَلَهُ الدِّينُ) أي : الطاعة (واصِباً) ثابتا لازما ، لما تقرّر من أنّه الإله وحده ، وأنّه الحقيق بأن يرهب منه.
وقيل : واصبا من الوصب ، أي : وله الدين ذا كلفة. وقيل : الدين الجزاء ، أي : وله الجزاء دائما ، لا ينقطع ثوابه لمن آمن ، وعقابه لمن كفر. وعلى التقادير ، هو حال عمل فيه الظرف.
(أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) ولا ضارّ حقيقة سواه ، كما لا نافع غيره ، كما قال : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) وأيّ شيء اتّصل بكم من نعمة فهو من الله. و «ما» شرطيّة ، أو موصولة متضمّنة معنى الشرط باعتبار الإخبار دون الحصول ، فإنّ استقرار النعمة