(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) أي : الّذي ثبت بالحجّة عندهم ، وتمكّن في قلوبهم ، فاعتقدوه ، واطمأنّت إليه أنفسهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فلا يزلّون إذا فتنوا في دينهم ، كزكريّا ويحيى وجرجيس وشمعون ، والّذين فتنهم أصحاب الأخدود (وَفِي الْآخِرَةِ) فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف ، ولا تدهشهم أهوال يوم القيامة.
وقيل : معناه الثبات عند سؤال القبر. وهذا قول أكثر المفسّرين ، منقول عن ابن عبّاس وابن مسعود. وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهمالسلام.
وعن سويد بن غفلة عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : قال : «إنّ المؤمن الصالح إذا كان في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة ، أتاه عمله الصالح أطيب الناس ريحا ، وأحسنهم منظرا ، وأحسنهم رياشا ، فقال : أبشر بروح وريحان وجنّة نعيم ، ومقدمك خير مقدم.
فيقول له : من أنت؟
فيقول : أنا عملك الصالح ، ارتحل من الدنيا إلى الجنّة ، وإنّه ليعرف غاسله ، ويناشد حامله أن يعجّله.
فإذا أدخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما ، ويخدّان الأرض بأنيابهما ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، فيقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟
فيقول : الله ربّي ، وديني الإسلام ، ونبييّ محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فيقولان : ثبّتك الله فيما تحبّ وترضى.
وهو قوله سبحانه وتعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ). ثمّ يفسحان له في القبر قدّ بصره ، ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنّة ، ثمّ يقولان له : نم قرير العين نوم الشابّ الناعم ، فإنّ الله سبحانه يقول : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (١)».
__________________
(١) الفرقان : ٢٤.