النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بإنذار عشيرته أوّلا. ولو نزّل على من بعث إلى أمم مختلفة كتب على ألسنتهم استقلّ ذلك بنوع من الإعجاز ، ولكن أدّى إلى اختلاف الكلمة ، وإضاعة فضل الاجتهاد في تعلّم الألفاظ ومعانيها والعلوم المتشعّبة منها ، وما في إتعاب القرائح وكدّ النفوس من القرب المقتضية لجزيل الثواب.
وقيل : الضمير في «قومه» لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنه تعالى أنزل الكتب كلّها بالعربيّة ، ثمّ ترجمها جبرئيل عليهالسلام أو كلّ نبيّ بلغة المنزل عليهم.
(فَيُضِلُّ اللهُ) فيخلّي في الضلال خذلانا ، بمنع الألطاف وأسباب التوفيق (مَنْ يَشاءُ) من هو راسخ في الكفر ومصمّم على العناد (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ويوفّق للهداية من هو طالب الرشاد والصواب ، مثل قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (١) (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فلا يغلب على مشيئته (الْحَكِيمُ) فلا يخذل إلّا أهل الخذلان ، ولا يلطف إلّا بأهل اللطف.
ثمّ ذكر سبحانه إرسال موسى عليهالسلام تخصيصا بعد التعميم ، فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) يعني : اليد والعصا وسائر معجزاته (أَنْ أَخْرِجْ) «أن» مفسّرة ، فمعناه : أي أخرج ، لأنّ الإرسال فيه معنى القول ، فكأنّه قال : أرسلناه وقلنا له : أن أخرج (قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ) ظلمات الكفر (إِلَى النُّورِ) إلى نور الإسلام. ويجوز أن تكون مصدريّة ، أي : بأن أخرج ، فإنّ صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر ، فيصحّ أن توصل بها «أن» الناصبة.
(وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) بوقائعه الّتي وقعت على الأمم الدارجة ، ومنه أيّام العرب ، أي : حروبها وملاحمها. وعن ابن عبّاس : هي نعماؤه وبلاؤه. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) يصبر على بلائه (شَكُورٍ) يشكر على نعمائه ، فإنّه إذا سمع بما نزل على من قبله من البلاء ، وأفيض عليهم من النعماء ، اعتبر وتنبّه لما يجب عليه
__________________
(١) التغابن : ٢.