فقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة. وكان مناصحا لهم ، لأنّ عياله وماله وولده كانت عندهم.
فبعثه رسول الله ، فأتاهم. فقالوا : ما ترى يا أبا لبابة أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه أنّه الذبح فلا تفعلوا. فأتاه جبرئيل عليهالسلام فأخبره بذلك.
قال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتّى عرفت أنّي قد خنت الله ورسوله. فنزلت في شأنه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) من الخون ، وهو النقص ، كما أنّ أصل الوفاء التمام. ومنه : تخوّنه ، أي : تنقّصه ، ثمّ استعمل في ضدّ الأمانة والوفاء ، لأنّك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه.
والمعنى : لا تخونوا الله بترك أوامره ، والرسول بترك سننه وشرائعه.
وعن الحسن : أنّ من ترك شيئا من الدين وضيّعه فقد خان الله ورسوله.
(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) ولا تخونوا الأمانات فيما بينكم ، بأن لا تحفظوها.
وهو مجزوم بالعطف على الأوّل ، أو منصوب على الجواب بالواو. (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّكم تخونون. أو أنتم علماء تميّزون الحسن من القبيح. أو أنتم تعلمون ما في الخيانة من الذمّ والعقاب.
ولمّا نزلت هذه الآية شدّ أبو لبابة نفسه على سارية من سواري المسجد ، وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله عليّ ، فمكث سبعة أيّام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا ، حتّى خرّ مغشيّا عليه ، ثمّ تاب الله عليه. فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك. فقال : لا والله لا أحلّ نفسي حتّى يكون رسول الله هو الّذي يحلّني ، فحلّه بيده.
ثمّ قال أبو لبابة : إنّ من تمام توبتي أن أهجر دار قومي الّتي أصبت فيها