مصر ليلا ، فخرج معهم ، وتبعهم فرعون وجنوده مشرقين حتّى انتهوا إلى البحر ، وأمر الله سبحانه موسى عليهالسلام فضرب البحر بعصاه فانفلق اثني عشر فرقا ، وصار لكلّ سبط طريق يابس ، وارتفع الماء بين كلّ طريقين كالجبل ، وصار في الماء شبه الخروق ، فجعل بعضهم ينظر إلى بعض. فلمّا وصل فرعون بجنوده إلى البحر فرأوا البحر بتلك الهيئة فهابوا دخول البحر ، وكان فرعون على حصان أدهم (١) ، فجاء جبرئيل على فرس وديق (٢) ، وخاض البحر وميكائيل يسوقهم ، فلمّا شمّ أدهم فرعون ريح فرس جبرئيل انسلّ (٣) خلفه في الماء ، واقتحمت الخيول خلفه ، فلمّا دخل آخرهم البحر وهمّ أوّلهم أن يخرج انطبق الماء عليهم.
(حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ) لحقه (الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) أي : بأنّه (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). وقرأ حمزة والكسائي : إنّه بالكسر ، على إضمار القول ، أو الاستئناف بدلا وتفسيرا لـ «آمنت».
والمعنى : نكث فرعون عن الإيمان أوان القبول ، وبالغ فيه حين لا يقبل ، بأن كرّر المعنى الواحد ثلاث مرّات في ثلاث عبارات حرصا على القبول ، فلم يقبل منه حيث أخطأ وقته ، وقاله حين لم يبق له اختيار قطّ ، وكانت المرّة الواحدة كافية في حال الاختيار وعند بقاء التكليف. ويحكى أنّه حين قال : آمنت بالله وحده ، أخذ جبرئيل من رمل البحر فدسّه في فيه ، وقال : (آلْآنَ) أتؤمن الآن وقد أيست من نفسك ، ولم يبق لك اختيار؟! (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) قبل ذلك مدّة عمرك (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) الضالّين المضلّين عن الإيمان.
روي أنّ جبرئيل أتاه على صورة مستفت حال جلوسه على سرير السلطنة ،
__________________
(١) أي : يضرب لونه إلى السواد. والدهمة : السواد.
(٢) ودقت ذات الحافر : أرادت الفحل ، فهي وديق.
(٣) أي : خرج.