عاصم بالنون فيهما (١) ونصب طائفة.
ثمّ بيّن أحوال المنافقين منهم بقوله : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي : متشابهة في النفاق والبعد عن الإيمان ، كأبعاض الشيء الواحد. وهو تكذيب لهم فيما حلفوا (بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) (٢) وتقرير لقوله : (وَما هُمْ مِنْكُمْ) (٣) ، وما بعده كالدليل عليه ، فإنّه يدلّ على مضادّة حالهم لحال المؤمنين ، وهو قوله : (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) بالكفر والمعاصي (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) عن الإيمان والطاعات (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن المبرّات. وقبض اليد كناية عن الشحّ ، أي : شحّوا بالخيرات أو الصدقات والإنفاق في سبيل الله (نَسُوا اللهَ) أغفلوا ذكر الله وتركوا طاعته (فَنَسِيَهُمْ) فتركهم من لطفه وفضله (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الكاملون في التمرّد والانسلاخ عن دائرة الخير.
(وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) أي : مقدّرين الخلود فيها (هِيَ حَسْبُهُمْ) عقابا وجزاء. وفيه دليل على عظم عذابها ، وأنّه لا شيء أبلغ منه ، نعوذ بالله منها (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم من رحمته وأهانهم (وَلَهُمْ عَذابٌ) ولهم نوع من العذاب سوى الصلي بالنار (مُقِيمٌ) دائم لا ينقطع في الآخرة عنهم ، وهو عذاب النار. أو عذاب مقيم معهم في العاجل لا ينفكّون عنه ، وهو ما يقاسونه من تعب النفاق ، وما يخافونه من الفضيحة.
(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) محلّ الكاف رفع ، تقديره : أنتم مثل الّذين من قبلكم. أو نصب ، تقديره : فعلتم مثل فعل الّذين من قبلكم.
ثمّ بيّن تشبيههم بهم ، ومثّل حالهم بحالهم ، فقال : (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) نصيبهم من ملاذ الدنيا. واشتقاقه من الخلق
__________________
(١) أي : قراءة «نعف» و «نعذّب» بالنون. وقرئ بالياء وبناء الفاعل فيهما.
(٢) التوبة : ٥٦.
(٣) التوبة : ٥٦.