كل من الفريقين بدلائل مذكورة في محلها ، كلها قاصرة عن افادة المرام ، كما يظهر عند التأمل فيها ، ولم نتعرض لذكرها هنا ، بل نشير الى ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب.
فنقول : الظاهر أن الاستصحاب بهذا المعنى لا حجية فيه أصلا بكلا قسميه ، اذ لا دليل عليه تاماً لا عقلا ولا نقلا. نعم الظاهر حجية الاستصحاب بمعنى آخر ، وهو أن يكون دليل شرعي على أن الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت الى حدوث حال كذا ووقت كذا مثلا ، معين في الواقع بلا اشتراطه بشيء أصلا.
فحينئذ اذا حصل ذلك الحكم ، فيلزم الحكم باستمراره الى أن يعلم وجود جعل مزيلا له ، ولا يحكم بنفيه بمجرد الشك في وجوده ، والدليل على حجيته أمران :
الاول : أن ذلك الحكم : اما وضعي ، أو اقتضائي ، أو تخييري ، ولما كان الاول أيضاً عند التحقيق يرجع اليهما فينحصر في الاخيرين ، وعلى التقديرين يثبت ما ذكرنا.
أما على الاول ، فلأنه اذا كان أمر أو نهي بفعل الى غاية مثلا ، فعند الشك بحدوث تلك الغاية لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظن بالامتثال والخروج عن العهدة ، وما لم يحصل الظن لم يحصل الامتثال ، فلا بد من بقاء ذلك التكليف عند الشك أيضاً وهو المطلوب.
وأما على الثاني ، فالامر كما لا يخفى.
والثاني ما ورد في الروايات من أن اليقين لا ينقض بالشك.
فان قلت : هذا كما يدل على حجية المعنى الذي ذكرته ، كذلك يدل على حجية ما ذكره القوم ، لانه اذا حصل اليقين في زمان ، فينبغي أن لا ينقض في زمان آخر بالشك ، نظراً الى الرواية ، وهو بعينه ما ذكروه.