الذهن يرتبك. ومَنْ وقف على كتاب ( الحيوان ) للجاحظ ، وغالب تصانيفه ورأى تلك الاستطرادات التي يستطردها ، والانتقالات التي ينتقل إليها ، والجمل التي يعترض بها في غضون كلامه ، ويدرجها في أثناء عباراته بأدنى ملابسة وأيسر مشابهة ، علم ما يلزم الأديب وما يتعيّن عليه من مشاركة المعارف ، هكذا هكذا ، وإلّا فلا ) (١). انتهى ما أردنا نقله منه ، وهو قويّ متين ، بل درّ ثمين.
وثانياً : أنّا لم نتعرّض للسائل بنقض ولا إبرام ، وإنّما قصارى الأمر ذكر اشتقاقات لفظ ( الإله ) ومعناه ، وهذا لا بأس به ولا نكر فيه بين أحدٍ من اولي الأفهام لما مرّ عليك في الكلام.
وأمّا قوله : على أنّ الاشتقاق لهذا الاسم الجليل بالكلّيّة غير ثابت عندنا ولا مرضيّ لدينا ، بل إنّه علم جامدٌ وإنْ زيّف فيه الكلام المخالفُ المعاند.
ففيه : أنّ الاشتقاق إنْ كان غير ثابت عنده فهو ثابت ومرضيٌّ عند الإمام الصادق والكتاب الناطق وبحر العلم الدافق ، وقوله أوْلى بالاتّباع عند الموافق والمنافق ؛ لأنّه من أهل الذكر المنصوص في الذكر عليهم ، والمأمور بسؤالهم وعند التنازع إليهم.
روى ثقةُ الإسلام ، وعلمُ الأعلام محمّد بن يعقوب الكليني في موضعين من جامعه ( الكافي ) ، والمنهل العذب الصافي ، في الحسن ، بل الصحيح على الصحيح ، عن هشام بن الحكم ، أنّه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله ممّا هو مشتقّ؟ فقال لي : « يا هشام ، اللهُ مشتقٌّ من إله ، والإله يقتضي مألوهاً » (٢). إلى آخر كلامه عليه أفضل صلاة الله وسلامه.
وهو نصٌّ صريحٌ في الباب لا يجسر على مخالفته أحدٌ من اولي الألباب ، بل دلّ أيضاً على أنّ الاشتقاق هو المعروفُ بين أصحاب الأئمّة الأطياب ، ولهذا لم يسأل عن نفس الاشتقاق ؛ لكونه معلوماً بلا شقاق ، وإنّما سأل عمّا منه الاشتقاق ، كما هو
__________________
(١) الغيث المسجم في شرح لامية العجم ١ : ١١ ـ ١٢.
(٢) الكافي ١ : ١١٤ / ٢.