العدم ، ألا ترى أنّه صرّح أيضاً بملازمة ( تعلّم ) للأمر ، مع ورودها للماضي؟ صرّح به الأزهري في ( التصريح ) واستشهد له بقول بعضهم : ( تعلّمت أنّ زيداً خارجٌ ) ، أي : علمت (١).
ويؤيّده أنّ الفيروزآبادي أطلق كونها بمعنى الجعل (٢) ، ولم ينصّ على عدم التصرّف ، ولو صحّ عنده لنصّ عليه كما نصّ عليه في ( هب ) ، على أنّه لا مانع من جعل كلام هذا الإمام شاهداً على هذا المرام ، إلّا إنّ فيه نوع تأمّل لا يخفى على المتأمّل بالتأمّل التّام.
وكلُّ هذه الوجوه مشتركة في الدلالة على معنى التنزّل في تسليم الحجّة وفي المناسبة لهذا المقام العظيم ، كما يحكم به الذوق السليم والطبع المستقيم.
لا يقال : لمّا كانت أسماءُ الله وصفاته جلّ شأنُه توقيفيّة أي : يتوقّف وصفُه وتسميته بشيء منها على الورود عن الشارع ، فلا يوصف ولا يسمّى إلّا بما وصف وسمّى به نفسه ، أو وصفه وسمّاه بها حججه ، ولا يتجاوز عنه إلى غيره وإنْ كان معناه صادقاً عليه تعالى لم يصلح شيء من معانيها المذكورة.
لِأنّا نقول : أوّلاً : إنّ الإطلاق عليه هنا إطلاق إسنادي ، والممنوعُ منه المتوقّف على الورود أنّما هو الإسناد الاسمي أو الوصفي ، ألا ترى أنّه أُطلق عليه تعالى : المعرفة ، والخذلان ، والمقاتلة ، والتعريف ، واللعن ، والإدخال ، والإخراج ، ففي الخبر المشهور : « لا يعرفك يا عليّ ، إلّا الله وأنا » (٣) .. الى آخره ، وفي غير واحد من الزيارات المأثورة والأدعية المشهورة : « اللهمَّ اخذل من خذله » (٤) ، وفي القرآن ( قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ ) (٥) ، وفي الدعاء : « اللهم عرّفني نفسك » (٦) .. الى آخره ، وقال تعالى ( وَإِنْ يَدْعُونَ إِلّا شَيْطاناً
__________________
(١) شرح التصريح على التوضيح ١ : ٢٤٧.
(٢) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.
(٣) مختصر بصائر الدرجات : ١٢٥ ، باختلاف.
(٤) عيون أخبار الرضا ١ : ٥٥ / ٢٠ ، مصباح الزائر : ١٢٦ ، المزار ( الشهيد الأوّل ) : ١١٨ ، البحار ٣٧ : ١٢١ / ١٤.
(٥) التوبة : ٣٠ ، المنافقون : ٤.
(٦) الكافي ١ : ٣٤٢ / ٢٩ ، البحار ٥٢ : ١٤٦ / ٧٠.