وهو المعبّر عنه في حديث ( مصباح الشريعة ) (١) بصفاء السرّ وإخلاص العمل والعلانية ، والبرهان من الربّ ، من باب ذكر السبب وإرادة المسبّب مجازاً ، فإنّ المفهوم منه أنّ هذه الأُمور سببٌ لحصول هذا النور وبالأصل الكتاب والسنة فقط.
والاجتهاد بهذا المعنى هو المتنازع فيه بين الفريقين ، فأثبته المجتهدون ونفاهُ المحدِّثون ، وأوّل مَنْ وضعه بالاتّفاق علماء العامّة كأبي حنيفة وأتباعه ؛ لخلعهم رِبْقَة الانقياد إلى أوامر خلفاء رسول الله صلىاللهعليهوآله ، واستكبارهم عن الحقّ وحبّاً للرئاسة ، واتّكالاً على النكراء الكاسدة والآراء الفاسدة ، زعموا أنّه فوّض إليهم العمل بالظنون ، وأنْ يقولوا على الله ما لا يعلمون ، وهو يناديهم ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٢) ، ( فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ) (٣) ، ( فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٤) ، وعنه صلىاللهعليهوآله : « شرّ الأُمور محدثاتها ، [ وكلّ محدثة بدعة (٥) ] ، وكلّ بدعة ضلالة » (٦).
وأمّا قدماء الأصحاب فحرَّموا الاجتهاد وخلعوا رِبْقَته عن الأجياد (٧) ، وأوجبوا التمسّك أُصولاً وفروعاً بالروايات الواردة عن الأمجاد ، المتضمّنة للقواعد القطعيّة بدل الخيالات الظنّية ، كما صرّح به جملة من المحدِّثين والمجتهدين (٨).
بل قال المحدِّث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح : إنّ مَنْ تقدّم على العلّامة إلى زمن الشهيد لا يقولون إلّا بما عليه نصّ ، ثمّ تداعى الحال إلى أنْ خاض معهم بعضٌ منّا لمصلحة رأوها ومماشاة مع مخالفيهم لمنفعة رعوها.
كما نقل عن بعضهم أنّ سبب تدوينهم لتلك القواعد والأُصول أنّما وقع جرياً ومماشاة مع أُولئك الأشرار حيث أزروا عليهم بالعمل بمجرّد الأخبار ، وأَلّا دقّة لهم في الأنظار فدوّنوها لا لاعتمادٍ عليها ، وإنّما عملهم على أخبار الأطهار ، ثمّ سرت
__________________
(١) مصباح الشريعة : ١٦. (٢) المائدة : ٤٧.
(٣) المائدة : ٤٥. (٤) المائدة : ٤٤.
(٥) من المصدر.
(٦) الأمالي ( الطوسي ) : ٣٣٧ / ٦٨٦ ، البحار ٢ : ٣٠١ / ٣١ ، المعجم الكبير ( الطبراني ) ٩ : ٩٨ / ٨٥٢٣.
(٧) الجِيدُ : العُنُق ، والجمع أجْيَاد. الصحاح ٢ : ٤٦٢ باب الدال / فصل الجيم.
(٨) رسالة المحكم والمتشابه ( السيد المرتضى ) : ٩٦.