تقرير المذاهب فليس بحجّة إجماعاً ، وإن كان في أثناء الخلاف فاختلف فيه ، فقيل : ليس إجماعاً ولا حجّة. وقيل : إنّه حجّةٌ لا إجماعٌ. وقيل بالعكس. وقيل : حجّة وإجماعٌ بعد انقراض أهل العصر. وقيل : حجّةٌ وإجماعٌ مطلقاً.
احتجّ الأوّلون بأنّ الإجماع هو الوفاق لا عدم العلم بالخلاف لجواز كون مذهب الساكت التصويب ، وإنّما لم ينكر على ذلك القائل ؛ لأنّ مذهبه كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ ، أو أنّ اجتهاده أدّاهُ إلى التوقّف لتعارض الأدلّة ، أو للتمهّل في النظر ، أو لخوف الفتنة بالإنكار ، أو إنّ عدم الإنكار لظنّ أنّ غيره ينكر عليه. وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.
واحتجّ مَنْ قال بالحجيّة فقط بأنّ الأصل والظاهر خلاف ذلك كلّه ، لما علم من أنّ عادتهم ترك السكوت في موضع الإنكار ، كما قال معاد لعمر حين أمر بجلد الحامل : ( ما جعل الله على ما في بطنها سبيلاً ) (١).
ولأنّ احتمال التصويب والتمهّل والتوقّف وغير ذلك احتمالٌ مرجوحٌ وهو لا يضرّ بالاستدلال إلّا إذا كان راجحاً أو مساوياً.
واحتجّ مَنْ قال : إنّه إجماعٌ فقط ، ومَنْ قال : إنّه إجماعٌ وحجّةٌ ، بوجوه :
منها : أنّ الساكتين لا بدّ أنْ يعتبر فيهم دخول المعصوم كاعتباره في كلّ إجماع عندنا ؛ إذ بدونه لا يكون الإجماع حجّة عندنا سواء كانوا متّفقين أو مختلفين ساكتين أو ناطقين.
ومنها : أنّه لا بدّ من علمه واطّلاعه على الأقوال وبدونهما ليس إجماعاً ، سواء كان سكوتيّاً أو غيره ؛ لأنّهم لا يخفى عليهم شيءٌ من أفعالنا وأقوالنا ؛ لأنّ لهم مع كلّ وليّ اذُناً سامعة وعيناً ناظرة ، فإذا قال القائل بحكم فلا بدّ من اطّلاع الحجّة عليه ؛ لقوله عليهالسلام : « إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام كيما إنْ زاد المؤمنون ردّهم وإنْ نقصوا أتمّه لهم » (٢) ، ولا يجوز سكوته عليهالسلام في مثل هذه الحال ، ولا كتمان علمه عند ظهور البدعة.
__________________
(١) المغني ( ابن قدامة ) ٨ : ١٧١.
(٢) الكافي ١ : ١٧٨ / ٢.