كان قبل من الرسل ، أو كونه مدبرا للأمور من قبل غيره.
قوله : ( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) [ ٢ / ٣٠ ].
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام إِنَّ اللهَ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقاً بِيَدِهِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ الْجِنِّ وَالنَّسْنَاسِ فِي الْأَرْضِ سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ خَلْقُ آدَمَ ، كَشَطَ عَنْ أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : انْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِي مِنْ الْجِنِّ وَالنَّسْنَاسِ ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا يَعْمَلُونَ فِيهَا مِنْ الْمَعَاصِي وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَغَضِبُوا لِلَّهِ وَتَأَسَّفُوا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَمْلِكُوا غَضَبَهُمْ ، فَقَالُوا : رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الْقَادِرُ الْجَبَّارُ الْقَاهِرُ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ وَهَذَا خَلْقُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ يَتَقَلَّبُونَ فِي قَبْضَتِكَ وَيَعِيشُونَ بِرِزْقِكَ وَيَتَمَتَّعُونَ بِعَافِيَتِكَ وَهُمْ يَصْنَعُونَ مِثْلَ هَذِهِ الذُّنُوبِ وَلَا تَأْسَفْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَغْضَبْ وَلَا تَنْتَقِمُ لِنَفْسِكَ لِمَا تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَتَرَى وَقَدْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَأَكْبَرْنَاهُ فِيكَ ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَالَ : ( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) الْآيَةِ (١).
قَوْلِهِ : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ) [ ٢٤ / ٥٥ ] قَالَ الصادق عليه السلام : هُمْ الْأَئِمَّةُ (٢).
قوله ( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) وهي ملة الإسلام ، ولكنه مكنهم من الاختيار ليستحقوا الثواب فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل فاختلفوا ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) [ ١١ / ١١٨ ]. قوله : ( وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأول أي لذلك التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم ليثبت الذي يختار الحق ويحسن اختياره.
وَعَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ : ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أَيْ فِي إِصَابَةِ
__________________
(١) تفسير علي بن إبراهيم ص ٣٢.
(٢) البرهان ج ٣ ص ١٤٦.