درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

الاجمالى بصدور بعضها وإلّا لكان مانعا عن التواتر المعنوى واللفظى ايضا اذ كل خبر فى نفسه محتمل للصدق والكذب.

(وبالجملة) التواتر الاجمالى مما لا مجال لانكاره فان كثرة الاخبار المختلفة ربما تصل الى حد يقطع بصدور بعضها وان لم يتميز بعينه والوجدان اقوى شاهد عليه فانا نعلم علما وجدانيا بصدور جملة من الاخبار الموجودة فى كتاب الوسائل ولا نحتمل كذب الجميع.

(قال بعض المحققين) ان الاحاديث المذكورة فى هذه الرواية التى يترتب على حفظها الجزاء المذكور وان كانت مطلقة شاملة لما يتعلق بالامور الدينية مثل الاعتقادات والعبادات والاخلاق وما يتعلق بالامور الدنيوية كسعة الارزاق والاطعمة والاشربة ونحوها لكن المراد بها هو القسم الاول لتقييدها فى بعض الروايات بما يحتاجون اليه فى امر دينهم مثل ما رواه موسى بن ابراهيم المروزى عن الكاظم موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال قال رسول الله (ص) من حفظ على امتى اربعين حديثا فيما يحتاجون اليه فى امر دينهم بعثه الله عزوجل يوم القيامة فقيها عالما.

(والقاعدة) تقتضى حمل المطلق على المقيد وابقاء المطلق على اطلاقه ايضا محتمل.

(والمراد) بحفظها ضبطها وحراستها عن الاندراس ونقلها بين الناس والتفكر فى معناها والعمل بمقتضاها سواء حفظها عن ظهر القلب ونقشها فى لوح الخاطر او كتبها ورسمها فى الكتاب والدفاتر وقال بعض الاصحاب الظاهر ان المراد بحفظها الحفظ عن ظهر القلب فانه كان متعارفا معهودا فى الصدر السالف اذ مدارهم كان على النقش فى الخاطر لا على الرسم فى الدفاتر وفيه ان الحفظ اعم من ذلك والتخصيص بلا مخصص وما ذكره للتخصيص ممنوع اذ كتب الحديث فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد امير المؤمنين عليه‌السلام ومن بعده من الائمة الطاهرين عليهم‌السلام معروف وامرهم بالكتابة مشهور يظهر كل ذلك لمن تصفح الروايات.

٢٨١

(وقال الشيخ) بهاء الملة والدين رحمه‌الله الظاهر من قوله من حفظ ترتب الجزاء على مجرد حفظ الحديث وان معرفة معناه غير شرط فى حصول الثواب اعنى البعث يوم القيامة فقيها عالما وهو غير بعيد فان حفظ الفاظ الحديث طاعة كحفظ الفاظ القرآن وقد دعا صلى‌الله‌عليه‌وآله لناقل الحديث وان لم يكن عالما بمعناه كما يظهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحم الله امرءا سمع مقالتى فوعاها فاداها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه ولا بعد ان يندرج يوم القيامة بمجرد حفظ اللفظ فى زمرة العلماء فان من تشبه بقوم فهو منهم انتهى واورد عليه بما ليس هذا المختصر موضع ذكره والمورد على ما قيل هو صدر المتألهين.

(ثم ان الظاهر) ان كلمة على فى بعض طرق الحديث بمعنى اللام اى حفظ لاجلهم كما فى قوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) اى لاجل هدايته اياكم ويحتمل ان يكون بمعنى من كما فى قوله تعالى (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) والقرينة عليه بعض طرق الحديث الذى فيه كلمة من بدل على ويحتمل على ما قيل تضمين معنى القراءة اى حفظ الحديث قارئا عليهم.

(ومنها) الاخبار الكثيرة الواردة فى الترغيب والحث على الرواية وابلاغ ما فى كتب الثقة مثل قول الراوى قال قلت لابى جعفر الثانى عليه‌السلام جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم فلما ماتوا صارت تلك الكتب الينا فقال حد ثوابها فانها حق

ومثل ما ورد فى مذاكرة الحديث والامر بكتابته مثل قول ابى عبد الله عليه‌السلام لمفضل بن عمر أكتب وبث علمك فى اخوانك فان مت فأورث كتبك بنيك فانه يأتى على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه الا بكتبهم وما ورد فى ترخيص النقل بالمعنى مثل قول محمد بن مسلم قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام اسمع الحديث منك فأزيد وانقص قال ان كنت تريد معانيه فلا بأس ومثل قول داود بن فرقد قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام انى اسمع الكلام منك فاريد

٢٨٢

ان ارويه كما سمعته منك فلا يجىء قال فتعمد ذلك قلت لا قال تريد المعانى قلت نعم قال فلا بأس.

وما ورد مستفيضا بل متواترا من قولهم عليهم‌السلام اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا

وما ورد من قولهم عليهم‌السلام لكل رجل منا من يكذب عليه وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستكثر بعدى القالة وان من كذب علىّ فليتبوأ مقعده من النار وقول ابى عبد الله عليه‌السلام انا اهل البيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا

٢٨٣

(وقوله عليه‌السلام) ان الناس اولعوا بالكذب علينا كان الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره وقوله عليه‌السلام لكل منا من يكذب عليه فان بناء المسلمين لو كان على الاقتصار على المتواترات لم يكثر القالة والكذابة والاحتفاف بالقرينة القطعية فى غاية القلة الى غير ذلك من الاخبار التى يستفاد من مجموعها رضاء الائمة عليهم‌السلام بالعمل بالخبر وان لم يفد القطع وادعى فى الوسائل تواتر الاخبار بالعمل بخبر الثقة إلّا ان القدر المتيقن منها هو خبر الثقة التى يضعف فيه احتمال الكذب على وجه لا يعتنى به العقلاء ويقبحون التوقف فيه لاجل ذلك الاحتمال كما دل عليه الفاظ الثقة والمأمون والصادق وغيرها الواردة فى الاخبار المتقدمة وهى ايضا منصرف اطلاق غيرها واما العدالة فاكثر الاخبار المتقدمة خالية عنها بل وفى كثير منها التصريح بخلافه مثل رواية العدة الآمرة بالاخذ بما رووه عن على عليه‌السلام والواردة فى كتب بنى فضال ومرفوعة الكنانى وتاليها نعم فى غير واحد منها حصر المعتمد فى اخذ معالم الدين فى الشيعة لكنه محمول على غير الثقة او على اخذ الفتوى جمعا بينها وبين ما هو اكثر منها وفى رواية بنى فضال شهادة على هذا الجمع مع ان التعليل للنهى فى ذيل الرواية بانهم ممن خانوا الله ورسوله يدل على انتفاء النهى عند انتفاء الخيانة المكشوف عنه بالوثاقة فان الغير الامامى الثقة مثل ابن فضال وابن بكير ليسوا خائنين فى نقل الرواية وسيأتى توضيحه عند ذكر الاجماع إن شاء الله تعالى.

(ومنها) قوله عليه‌السلام ان الناس اولعوا بالكذب علينا كأنّ الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره وقوله عليه‌السلام لكل منّا من يكذب عليه فان بناء المسلمين لو كان على الاقتصار على المتواترات لم يكثر القالة والكذابة والاحتفاف بالقرينة القطعية فى غاية القلة الى غير ذلك من الاخبار التى يستفاد من مجموعها رضاء الائمة عليهم‌السلام بالعمل بالخبر وان لم يفد القطع.

(وادعى فى الوسائل) تواتر الاخبار بالعمل بخبر الثقة إلّا ان القدر المتيقن منها هو خبر الثقة التى يضعف فيه احتمال الكذب على وجه لا يعتنى به العقلاء ويقبحون

٢٨٤

التوقف فيه لاجل ذلك الاحتمال كما يدل عليه الالفاظ الواردة فى الاخبار المتقدمة من لفظ الثقة والمأمون والصادق وغيرها.

(واما اعتبار العدالة) فى حجية الخبر فاكثر الاخبار المتقدمة خالية عنها بل فى كثير منها التصريح بخلافه مثل رواية العدة الآمرة بالاخذ بما رووه عن على عليه‌السلام ومثل الاخبار الواردة فى اعتبار كتب بنى فضال ومرفوعة الكنانى (نعم) فى غير واحد من الاخبار حصر المعتمد فى اخذ معالم الدين فى الشيعة كما فى قوله عليه‌السلام لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا لكنه محمول على غير الثقة او على اخذ الفتوى بمعنى انه لا يجوز الرجوع الى غير الشيعة فى باب التقليد لا فى اخذ الرواية جمعا بينها وبين ما هو اكثر منها وفى رواية بنى فضال شهادة على هذا الجمع حيث سئل عليه‌السلام عن كتب بنى فضال فقال خذوا بما رووا وذروا ما رأوا مع ان التعليل للنهى فى ذيل رواية على بن سويد السابى بانهم ممن خانوا الله ورسوله يدل على انتفاء النهى عند انتفاء الخيانة المكشوف عنه بالوثاقة فان الغير الامامى الثقة مثل ابن فضال وابن بكير ليسوا خائنين فى نقل الرواية وسيأتى توضيحه عند ذكر الاجماع إن شاء الله تعالى.

(الى غير ذلك) مما يظهر من المجموع جواز العمل بخبر الثقة المأمون وصحة الاعتماد عليه وانه امر مفروغ عنه فى الجملة وان اردت الاطلاع تفصيلا فى المقام فراجع الابواب الثلاثة من قضاء الوسائل اعنى باب وجوب العمل باحاديث النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام وباب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة وباب وجوب الرجوع فى القضاء والفتوى الى الرواة وان كان فيما ذكره الشيخ قدس‌سره من الطوائف الاربع غنى وكفاية عن غيرها اذا التواتر الاجمالى فى هذه الطوائف الاربع المذكور غير قابل للانكار ومقتضاه الالتزام بحجية الخبر الموثوق به

(ولكن قد نسب) الى بعض المحققين اعتبار العدالة فى الراوى حيث قال ان ظاهر جملة من الاخبار اعتبار العدالة كقوله عليه‌السلام فى الاخبار العلاجية

٢٨٥

خذ باعدلهما وقوله عليه‌السلام عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا وبعضها ظاهر فى اعتبار الوثاقة كقوله عليه‌السلام (نعم) بعد ما قال السائل افيونس بن عبد الرحمن ثقة نأخذ معالم ديننا عنه.

وبعضها ظاهر فى اعتبار كونه اماميا ايضا كقوله عليه‌السلام لا عذر لاحد فيما يرويه ثقاتنا فان اضافة الثقات الى ضمير المتكلم واسنادها اليهم عليهم‌السلام ظاهرة فى ان المراد منها كون الراوى من اهل الولاية لهم وحيث ان المراد من الثقة فى الاخبار هو المعنى اللغوى لا ما هو المصطلح عليه عند المحدثين فانهم يطلقون الثقة على الامامى العادل ومنه اطلاقهم ثقة الاسلام على الكلينى ره فالنسبة بين العادل والموثوق به هى العموم من وجه اذ قد يكون الراوى عادلا غير موثوق به لكثرة خطائه وسهوه وقد يكون موثقا غير عادل بمعنى انه ضابط حافظ متحرز عن الكذب إلّا انه فاسق من غير ناحية الكذب كما يوجد كثيرا وقد يكون عادلا موثقا وعليه فالقدر المتيقن منها هو الجامع للعدالة والوثاقة فبناء على التواتر الاجمالى لا يستفاد منها إلا حجية الخبر الصحيح الاعلائى انتهى.

(ولا يخفى) ما فيه من ان المستفاد من الاخبار جواز العمل بخبر الثقة المأمون وصحة الاعتماد عليه وان ظاهر بعض الاخبار كون حجية خبر الثقة مفروغا عنها بين الامام عليه‌السلام والسائل كرواية عبد العزيز بن المهتدى عن الرضا عليه‌السلام المتقدمة فى الطائفة الثانية من الاخبار الدالة على حجية خبر الواحد.

٢٨٦

(واما الاجماع) فتقريره من وجوه احدها الاجماع على حجية خبر الواحد فى مقابل السيد واتباعه وطريق تحصيله احد وجهين على سبيل منع الخلوّ احدهما تتبع اقوال العلماء من زماننا الى زمان الشيخين فيحصّل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضى الامام عليه‌السلام بالحكم او عن وجود نص معتبر فى المسألة ولا يعتنى بخلاف السيد واتباعه اما لكونهم معلومى النسب كما ذكر الشيخ فى العدة واما للاطلاع على ان ذلك لشبهة حصلت لهم كما ذكره العلامة فى النهاية ويمكن ان يستفاد من العدة ايضا واما لعدم اعتبار اتفاق الكل فى الاجماع على طريق المتأخرين المبنى على الحدس (والثانى) تتبع الاجماعات المنقولة فى ذلك فمنها ما حكى عن الشيخ قدس‌سره فى العدة فى هذا المقام حيث قال واما ما اخترته من المذهب فهو ان الخبر الواحد اذا كان واردا من طريق اصحابنا القائلين بالامامة.

وكان ذلك مرويا عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله او عن احد الائمة وكان ممن لا يطعن فى روايته ويكون سديدا فى نقله ولم يكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر لانه اذا كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجبا للعلم كما تقدمت القرائن جاز العمل به والذى يدل على ذلك اجماع الفرقة المحقة فانى وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التى رووها فى تصنيفاتهم ودونوها فى اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون حتى ان واحدا منهم اذا افتى بشىء لا يعرفونه سألوه من اين قلت هذا فاذا احالهم على كتاب معروف او اصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الامر وقبلوا قوله هذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده من الائمة عليهم‌السلام الى زمان جعفر بن محمد عليهما‌السلام الذى انتشر منه العلم وكثرت الرواية من جهته فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزا لما اجمعوا على ذلك لان اجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو

(اقول) وممّا استدل به على حجية الخبر الاجماع وقد ذكر فى تقريره وجوه من الاجماع القولى والعملى (واما الاول) فهو عبارة عن اتفاق ارباب الفتوى على الفتوى بحكم فرعى او اصولى وهذا بين قسمين محصل ومنقول وعلى

٢٨٧

التقديرين تارة يدعى الاجماع القولى من جميع العلماء عدا السيد المرتضى واتباعه حيث ذهبوا الى السلب الكلى والايجاب الجزئى كاف فى ردهم واخرى يدعى حتى من السيد واتباعه بدعوى انهم اختاروا عدم الحجية لاعتقادهم انفتاح باب العلم بالاحكام الشرعية ولو كانوا فى زماننا المنسد فيه باب العلم لعملوا بخبر الواحد جزما وقد اشار اليهما قدس‌سره بقوله وطريق تحصيله احد وجهين على سبيل منع الخلو.

(احدهما) تتبع اقوال العلماء من زماننا الى زمان الشيخين فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضاء الامام عليه‌السلام بالحكم او عن وجود نص معتبر فى المسألة ولا يعتنى بمخالفة السيد واتباعه اما لكونهم معلومى النسب كما ذكره الشيخ فى العدة واما للاطلاع على ان ذلك لشبهة حصلت لهم كما ذكره العلامة فى النهاية ويمكن ان يستفاد من العدة ايضا واما لعدم اعتبار اتفاق الكل فى الاجماع على طريق المتأخرين المبنى على الحدس.

(والثانى) تتبع الاجماعات المنقولة فى ذلك الخ.

(واما الاجماع العملى) على ما افاده بعض المحققين فهو عبارة عن عمل المجتهدين فى المسألة الاصولية بحيث يستندون اليها فى مقام الاستنباط ويعتمدون عليها عند الفتوى كاجماعهم على التمسك بالاستصحاب فى ابواب الفقه سواء اجمعوا على الفتوى بحجيته ايضا او كان مجرد الاجماع على الاستناد اليه فى مقام الاستنباط غايته انه فى صورة الاجماع على الفتوى يجتمع الاجماع القولى والعملى فالاجماع العملى لا يكون إلّا فى المسائل الاصولية التى تقع فى طريق الاستنباط ولا معنى للاجماع العملى فى المسائل الفرعية لاشتراك المجتهد فى العمل بها مع غيره وليس العمل فى المسألة الفرعية من مختصات المجتهد بما انه مجتهد والاجماع الذى يكون من الادلة انما هو اجماع المجتهدين بما انهم مجتهدون فالاجماع العملى لا يكاد يتحقق فى المسائل الفرعية بل يختص بالمسائل الاصولية انتهى فتأمل وهذا القسم الثانى اعنى الاجماع العملى قد يقرر

٢٨٨

بوجوه يأتى بيانها فى كلامه قدس‌سره إن شاء الله تعالى فانتظر.

(قوله لشبهة حصلت لهم) بيان الشبهة التى حصلت للسيد واتباعه على ما سيجىء فى المتن انه يمكن ان يدعى الاجماع حتى من السيد واتباعه على وجوب العمل بالخبر الغير العلمى فى زماننا هذا وشبهه مما انسدّ فيه باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر فان الظاهر ان السيد انما منع من ذلك لعدم الحاجة الى خبر الواحد المجرد كما يظهر من كلامه المتضمن للاعتراض على نفسه بقوله فان قلت اذا سددتم طريق العمل باخبار الآحاد فعلى اىّ شىء تعوّلون فى الفقه كله فاجاب بما حاصله ان معظم الفقه يعلم بالضرورة والاجماع والاخبار العلمية وما يبقى من المسائل الخلافية يرجع فيها الى التخيير انتهى.

(وفيه) ان هذا التقرير لا يجدى فى اثبات حجية الخبر بالخصوص اذا الظاهر ان عمل السيد بالخبر على تقدير الانسداد ليس لاجل خصوصية فيه بل لاجل كونه موجبا للظن المطلق الذى ينوب مناب العلم عند التعذر بحكم العقل فسيجيء فيما بعد ان مثل هذا الاجماع لا يجدى فى اثبات الحجية بالخصوص.

(قوله الشيخين) واعلم ان كل موضع يقع فيه الكتاب بالشيخ فالمراد به الشيخ السعيد محمد بن الحسن الطوسى شيخ المذهب وبالشيخين هو مع شيخه المفيد محمد بن النعمان البغدادى وبالثلاثة هما مع السيد المرتضى علم الهدى وبالاربعة هم مع ابى جعفر محمد بن على بن بابويه ويعبر عنه بالصدوق والفقيه وبالخمسة هم مع ابيه على بن بابويه القمى ويعبر عنه بالفقيه وعنهما بالصدوقين والفقيهين وبالحسن عن ابن ابى عقيل العمانى وبابى على عن محمد بن احمد بن الجنيد الكاتب الاسكافى وعنهما بالقديمين وبالقاضى عن عبد العزيز بن العزيز بن بن الجرير البراج ويعبر عنه بالطرابلسى لانه تولى قضاء طرابلسى عشرين سنة وهو تلميذ الشيخ الطوسى وبابى يعلا عن سلار وهو تلميذ المفيد وبالتقى عن ابى الصلاح الحلبى وبالحلى عن محمد بن ادريس وبابن سعيد عن نجم الدين جعفر بن سعيد

٢٨٩

الحلبى ويعبر عنه بابى القاسم والمحقق بالعلامة عن جمال الدين الحسن بن يوسف بن مطهر ويعبر عنه وعن شيخه ابن سعيد بالفاضلين وعنه بالفاضل وعن ولده فخر الدين بالسعيد وعن محمد بن مكى بالشهيد والحليّون ابن ادريس وابو القاسم وجمال الدين والشاميون ابو الصلاح وابن زهرة وابن البراج والمعظم يعنى به معظم الاصحاب واذا قلنا قال الشيخ فى الكتابين او كتابى الفروع فهما المبسوط والخلاف وبالثلاثة هما مع النهاية والمراد بكتاب الصدوق وهو كتاب من لا يحضره الفقيه وبكتابيه هو مع المقنع والمراد بكتابى القاضى هما المهذب والكامل ورمز المبسوط (ط) والخلاف (ف) والتهذيب (يب) والشرائع (يع) والقواعد (عد) والمختلف (لف والمخ) والتحرير (ير) والارشاد (د) والدروس (س) والتذكرة (كره) والذكرى (كرى) والبيان (ن) والمعتبر (بر).

(قوله وكان ممن لا يطعن فى روايته ويكون سديدا فى نقله) الضمير المستتر فى كان يرجع الى الخبر يعنى كان الخبر صادرا من راو لا يطعن فى روايته ويكون قوله يطعن فعلا مجهولا وقوله ويكون سديدا فى نقله عطف على قوله لا يطعن ويكون الضمير فيه راجعا الى من يعنى ويكون الخبر صادرا من راو يكون سديدا فى نقله.

(والمراد) من عدم الطعن فى روايته ان لا يقال فيه انّه متّهم فى حديثه او كذّاب وغير ذلك من الطعون.

(واما المراد) من كونه سديدا فى نقله فيحتمل ان يكون المراد منه ان لا يكون فى متن خبره فساد كالجبر والتشبيه والغلوّ وغيرها (ويحتمل) ان يكون المراد منه كونه ضابطا كما اعتبره جمع فى خبر الواحد وهذا الاحتمال هو الاظهر وغير ذلك من الاحتمالات التى تعرض لها بعض المحشين فراجع.

(قوله الى زمان جعفر بن محمد (ع)) قال بعض المحشين ان العبارة

٢٩٠

من زمن جعفر بن محمد عليهما‌السلام اعتمادا على النسخة التى عنده من العدّة مؤبدا بانه هو الصحيح لان العمل بخبر الواحد المجرد كان متداولا فى زمانه وازمنة من بعده من الائمة ايضا بل وبعدهم فى زمان الغيبة الصغرى والكبرى وان المقصود من الاستدلال كون العمل بالخير شايعا فى جميع الازمنة لا فى زمان دون زمان (قوله فيه معصوم) ظاهر فى الاجماع الدخولى.

٢٩١

والذى يكشف عن ذلك انه لما كان العمل بالقياس محظورا عندهم فى الشريعة لم يعملوا به اصلا واذا شذّ منهم واحد عمل به فى بعض المسائل واستعمله على وجه المحاجة لخصمه وان لم يكن اعتقاده ردّوا قوله وانكروا عليه وتبرءوا من قوله حتى انهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياته لما كان عاملا بالقياس فلو كان العمل بالخبر الواحد جرى بذلك المجرى لوجب فيه ايضا مثل ذلك وقد علمنا خلافه فان قيل كيف تدعون اجماع الفرقة المحقة على العمل بخبر الواحد والمعلوم من حالها انها لا ترى العمل بخبر الواحد كما ان المعلوم انها لا ترى العمل بالقياس فان جاز ادعاء احدهما جاز ادعاء الآخر قيل له المعلوم من حالها الذى لا ينكر انهم لا يرون العمل بخبر الواحد الذى يرويه مخالفوهم فى الاعتقاد ويختصون بطريقه فاما ما كان رواته منهم وطريقة اصحابهم فقد بينا ان المعلوم خلاف ذلك وبينا الفرق بين ذلك وبين القياس وانه لو كان معلوما حظر العمل بالخبر الواحد لجرى مجرى العلم بحظر القياس وقد علم خلاف ذلك فان قيل أليس شيوخكم لا يزالون يناظرون خصومهم فى ان خبر الواحد لا يعمل به ويدفعونهم عن صحة ذلك حتى ان منهم من يقول لا يجوز ذلك عقلا ومنهم من يقول لا يجوز ذلك سمعا لان الشرع لم يرد به وما رأينا احدا تكلم فى جواز ذلك ولا صنف فيه كتابا ولا أملى فيه مسئلة فكيف انتم تدعون خلاف ذلك.

(اقول) الذى يكشف عن اجماع الفرقة المحقة على العمل بالخبر انه لما كان العمل بالقياس محظورا اى ممنوعا عند الفرقة المحقة لم يعملوا به اصلا واذا شذّ وندر منهم واحد كابن الجنيد عمل بالقياس فى بعض المسائل واستعمله على وجه المحاجة لخصمه وان لم يكن اعتقاده ردّ واقوله وانكروا عليه وتبرءوا من قوله حتى انهم يتركون تصانيف من وصفناه وتركوا رواياته لما كان عاملا بالقياس فلو كان العمل بالخبر الواحد جرى بمجرى القياس لوجب فيه ايضا مثل ذلك وقد علمنا خلافه.

٢٩٢

(فان قيل) كيف تدعون اجماع الفرقة المحقة على العمل بخبر الواحد والمعلوم من حال الفرقة انها لا تجوّز العمل بخبر الواحد كما لا تجوّز بالقياس فان جاز ادعاء احدهما جاز ادعاء الآخر بمعنى ان العمل بالخبر والقياس سيّان فى نظر الفرقة المحقة فى عدم جواز العمل بهما.

(قيل له) اى قيل فى الجواب ان المعلوم من حال الفرقة الذى لا ينكر عدم جواز العمل بالخبر الواحد الذى يرويه مخالفوهم فى الاعتقاد اى غير الشيعة فلا يعمل الفرقة المحقة الخبر الذى يختص المخالفون بنقله فاما الخبر الذى كان راويه منهم فهم متفقون على العمل به.

(فان قيل) أليس شيوخكم كانوا يناظرون ويباحثون خصومهم اى العامة فى انه لا يجوز العمل بخبر الواحد ويدفعون خصومهم عن صحة العمل به حتى ان من الشيوخ من يقول لا يجوز العمل بخبر الواحد عقلا كابن قبة ومنهم من يقول لا يجوز ذلك سمعا اى شرعا لان الشرع لم يرد به وما رأينا احدا تكلم فى جواز ذلك ولا صنف فيه كتابا ولا املى فيه مسئلة فكيف انتم تدعون خلاف ذلك وتقولون بانهم مجمعون على العمل به.

٢٩٣

(قيل له) من اشرت اليهم من المنكرين للاخبار الآحاد انما تكلموا من خالفهم فى الاعتقاد ودفعوهم من وجوب العمل بما يروونه من الاخبار المتضمنة للاحكام التى يروون خلافها وذلك صحيح على ما قدمناه ولم تجدهم اختلفوا فيما بينهم وانكر بعضهم على بعض العمل بما يروونه الا فى مسائل دلّ الدليل الموجب للعلم على صحتها فاذا خالفوهم فيها انكروا عليهم لمكان الادلة الموجبة للعلم والاخبار المتواترة بخلافه على ان الذين اشير اليهم فى السؤال اقوالهم متميزة بين اقوال الطائفة المحقة وقد علمنا انهم لم يكونوا أئمة معصومين وكل قول قد علم قائله وعرف نسبه وتميز من اقاويل ساير الفرقة المحقة لم يعتد بذلك القول لان قول الطائفة انما كان حجة من حيث كان فيهم معصوم فاذا كان القول من غير معصوم علم ان قول المعصوم داخل فى باقى الاقوال ووجب المصير اليه على ما بيّنته فى الاجماع انتهى موضع الحاجة من كلامه ثم اورد على نفسه بان العقل اذا جوز التعبد بخبر الواحد والشرع ورد به فما الذى يحملكم على الفرق بين ما يرويه الطائفة المحقة وبين ما يرويه اصحاب الحديث من العامة ثم اجاب عن ذلك بان خبر الواحد اذا كان دليلا شرعيا فينبغى ان يستعمل بحسب ما قررته الشريعة والشارع يرى العمل بخبر طائفة خاصة فليس لنا التعدى الى غيرها على ان العذالة شرط فى الخبر بلا خلاف ومن خالف الحق لم يثبت عدالته بل ثبت فسقه.

(حاصل الجواب) عن السؤال المذكوران من اشرت اليهم من المنكرين لاخبار الآحاد انما انكروا الاخبار التى اختص بطريقها المخالفون وهو مما لا ضير فيه كما تقدم.

(واما) انكارهم للاخبار التى وقعت فى طريقها الامامية فغير مسلم فلم يكن بنائهم على الانكار على من افتى بحكم استنادا الى خبر الواحد الذى رواه غير المخالف إلّا اذا عارضه الدليل العقلى الصريح او الخبر المتواتر او غيرهما من الادلة المفيدة للقطع.

على ان الذين اشير اليهم فى السؤال اقوالهم متميّزة بين اقوال الطائفة

٢٩٤

المحقة وقد علمنا انهم لم يكونوا أئمة معصومين وكل قول قد علم قائله وعرف نسبه وتميز من اقاويل ساير الفرقة المحقة لم يعتد بذلك القول لان قول الطائفة انما كان حجة من حيث كان فيهم معصوم فاذا كان القول من غير معصوم علم ان قول المعصوم داخل فى باقى الاقوال ووجب المصير اليه انتهى موضع الحاجة من كلامه.

(ثم اورد) على نفسه بان العقل اذا جوز التعبد بخبر الواحد والشرع ورد به للاجماع على حجيته فما الذى يحملكم على الفرق بين ما يرويه الطائفة المحقة وبين ما يرويه اصحاب الحديث من العامة.

(ثم اجاب عن ذلك) بان خبر الواحد اذا كان دليلا شرعيا للاجماع على حجيته فينبغى ان يستعمل الخبر بحسب ما قررته وجوزته الشريعة والشارع يرى العمل بخبر طائفة خاصة وهى الامامية فليس لنا التعدى الى غيرها على ان العدالة شرط فى الخبر بلا خلاف ومن خالف الحق لم يثبت عدالته بل ثبت فسقه.

٢٩٥

(ثم اورد على نفسه) بان العمل بخبر الواحد يوجب كون الحق فى جهتين عند تعارض خبرين ثم اجاب اولا بالنقض بلزوم ذلك عند من منع العمل بخبر الواحد اذا كان هناك خبر ان متعارضان فانه يقول مع عدم الترجيح بالتخيير فاذا اختار كلا منهما انسان لزم كون الحق فى جهتين وايد ذلك بانه قد سئل الصادق عليه‌السلام عن اختلاف اصحابه فى المواقيت وغيرها فقال عليه‌السلام انا خالفت بينهم ثم قال بعد ذلك فان قيل كيف تعملون بهذه الاخبار ونحن نعلم ان رواتها كما رووها رووا ايضا اخبار الجبر والتفويض وغير ذلك من الغلو والتناسخ وغير ذلك من المناكر فكيف يجوز الاعتماد على ما يرويه امثال هؤلاء قلنا لهم ليس كل الثقات نقل حديث الجبر والتشبيه ولو صح انه نقل لم يدل على انه كان معتقدا لما تضمنه الخبر ولا يمتنع ان يكون انما رواه ليعلم انه لم يشذ عنه شيء من الروايات لا لانه معتقد ذلك ونحن لم نعتمد على مجرد نقلهم بل اعتمادنا على العمل الصادر من جهتهم وارتفاع النزاع فيما بينهم واما مجرد الرواية فلا حجية فيه على حال فان قيل كيف تعوّلون على هذه الروايات واكثر رواتها المجبّرة والمشبهة والمقلدة والغلاة والواقفية والفطحية وغير هؤلاء من فرق الشيعة المخالفة للاعتقاد الصحيح ومن شرط خبر الواحد ان يكون راويه عدلا عند من اوجب العمل به وان عوّلت على عملهم دون روايتهم فقد وجدنا عملوا بما طريقه هؤلاء الذين ذكرناهم وذلك يدل على جواز العمل باخبار الكفار والفساق.

(حاصل ما اورده) على نفسه ان حجية خبر الواحد يوجب كون الحق فى جهتين عند تعارض خبرين لان مقتضى التعارض بين الخبرين مع عدم المرجح التخيير وهو يوجب كون الحق فى كل واحد منهما (ثم اجاب اولا) بالنقض بلزوم ذلك الاشكال اى كون الحق فى جهتين عند تعارض الخبرين عند من منع العمل بخبر الواحد اذا كان هناك خبر ان متعارضان فانه يقول مع عدم الترجيح بالتخيير فاذا اختار كلا منهما انسان لزم كون الحق فى جهتين (وايد ذلك) اى وقوع صدور خبرين متعارضين عن الائمة عليهم‌السلام بانه قد سئل الصادق عليه‌السلام عن اختلاف

٢٩٦

اصحابه فى المواقيت وغيرها فقال عليه‌السلام انا خالفت بينهم والظاهر ان المراد من المواقيت مواقيت اليومية ونوافلها فضيلة واجزاء.

(قوله اذا كان هناك خبران متعارضان) الظاهر ان المراد من الخبرين المتعارضين عند المانع عن العمل بخبر الواحد هو الخبرين المحفوفين بالقرينة المعتبرة او المستفيضين او المقطوعى الصدور وإلّا فهما ليسا بمعتبرين عند من منع عن العمل بخبر الواحد ليقول فيه بالتخيير عند عدم المرجح لكن يرد النقض عليه

(قوله فان قيل الخ) ثم قال بعد الايراد المذكوران قيل كيف تعملون بهذه الاخبار التى نقلها الشيعة ونحن نعلم ان رواتها كما رووها فى الفروع رووا ايضا اخبار الجبر والتفويض وغير ذلك من الغلو والتناسخ وغير ذلك من المناكر فكيف يجوز الاعتماد على ما يرويه امثال هؤلاء واهل الغلو هم الذين غلوا فى حق امير المؤمنين او احد الائمة عليهم‌السلام وهم على فرق ليس هذا المختصر موضع ذكرها وحكمهم من حيث الكفر والنجاسة قد ذكر مبسوطا فى الفقه وكذا ساير الفرق من الخوارج والنواصب فراجع.

(واما اهل التناسخ) فهم الذين يقولون بقدم الارواح وردها الى الابدان فى هذا العالم وينكرون الآخرة والجنة والنار وفى مجمع البحرين بعد نقل قول الفخر الرازى والتناسخية يقولون بقدمها وردها اليها فى هذا العالم وينكرون الآخرة والجنة والنار وانما كفروا من هذا الانكار.

(قوله قلنا لهم الخ) حاصل الجواب عن السؤال المذكور اما اولا فليس كل ثقة نقل حديث الجبر والتشبيه واما ثانيا فعلى فرض نقله لهما لا يدل على انه معتقد لما تضمنه الخبر ولا ان يكون انما رواه ليعلم انه لم يشد عنه شيء من الروايات لا لانه معتقد ذلك ونحن لم نعتمد على مجرد نقلهم بل اعتمادنا على العمل الصادر من جهتهم وارتفاع النزاع فيما بينهم واما مجرد الرواية فلا حجية فيه على حال.

(فان قيل) كيف تعوّلون على هذه الروايات واكثر رواتها (المجبرة) فى

٢٩٧

مجمع البحرين : الجبر وزان فلس خلاف القدر وهو القول بان الله تعالى يجبر عباده على فعل المعاصى ومنه الحديث لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين الى ان قال والجبرية باسكان الباء خلاف القدرية وفى عرف اهل الكلام يسمون المجبرة والمرجئة لانهم يؤخرون امر الله ويرتكبون الكبائر والمفهوم من كلام الائمة ان المراد من الجبرية الاشاعرة ومن القدرية المعتزلة لانهم شهروا انفسهم بانكار ركن عظيم من الدين وهو كون الحوادث بقدرة الله تعالى وقضائه وزعموا ان العبد قبل ان يقع منه الفعل مستطيع تام يعنى لا يتوقف فعله على تجدد فعل من افعاله تعالى وهذا معنى التفويض يعنى ان الله تعالى فوض اليهم افعالهم واعمالهم انتهى.

(فى الملل والنحل) الجبر هو نفى الفعل حقيقة عن العبد واضافته الى الرب تعالى والجبرية اصناف فالجبرية الخالصة هى التى لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل اصلا والجبرية المتوسطة هى التى تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة اصلا (الارجاء) على معنيين.

(احدهما) بمعنى التأخير كما فى قوله تعالى (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) اى امهله وآخره.

(والثانى) اعطاء الرجاء اما اطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الاول فصحيح لانهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد واما بالمعنى الثانى فظاهر فانهم كانوا يقولون لا تضر مع الايمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة(وقيل) الارجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة الى يوم القيامة فلا يقضى عليه بحكم ما فى الدنيا من كونه من اهل الجنة او من اهل النار فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان (وقيل) الارجاء تاخير على رضى الله عنه عن الدرجة الاولى الى الرابعة فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان انتهى.

(والمشبه) هم الذين شبهوا الخالق بالخلق او الخلق بالخالق وهم من فرق الغلاة والغلاة على اصناف منهم من يعتقد الربوبية لامير المؤمنين او احد الائمة عليهم‌السلام ومنهم من يعتقد باله الخلق إلّا انه يعتقد ان امير المؤمنين او احد الائمة او

٢٩٨

الانبياء مظاهر اوصاف الله وان ازمة الامور بيدهم فيرى انه المحيى والمميت والخالق والرازق ومنهم من يعتقد حلوله تعالى فيهم او فى احدهم عليهم‌السلام.

(والمقلدة) قيل ان المراد منهم الاخباريون الذين بناء اصول عقايدهم على التقليد ويكون دليلهم فيها روينا كذا وكذا وفى بحر الفوائد ان المراد من المقلد للحق فى كلامه من علم بالحق استنادا الى ما لا يجوز الاستناد اليه فى مقام الاستناد.

(والغلاة) وهم الذين غلوا فى حق امير المؤمنين او احد الائمة عليهم‌السلام.

(والواقفية) كل من وقف فى الامامة على موسى بن جعفر عليهما‌السلام وينكر موته ويدعى انه قائم الائمة.

(والفطحية) كل من قال بامامة الافطح عبد الله بن جعفر بن محمد عليهما‌السلام وكان افطح الرأس او الرجلين او سموا بذلك لانهم نسبوا الى رئيس منهم من اهل الكوفة يقال له عبد الله بن فطيح.

(والاسماعيلية) كل من قال بامامة إسماعيل بن الصادق عليه‌السلام بعده.

(والناووسية) كل من وقف فى عداد الائمة على جعفر بن محمد عليهما‌السلام وقالوا انه حى لن يموت حتى يظهر فيظهر امره وهو القائم المهدى عليه‌السلام وفى الملل والنحل الناووسية اتباع رجل يقال له ناووس وقيل نسبوا الى قرية ناووسا الى ان قال وحكى ابو حامد الزوزنى ان الناووسية زعمت ان عليا عليه‌السلام باق وسنشق الارض عنه يوم القيامة فيملأ الارض عدلا انتهى وغير هؤلاء من فرق الشيعة المخالفة للاعتقاد الصحيح ومن شرط خبر الواحد ان يكون راويه عدلا عند من اوجب العمل به وان عوّلت على عملهم دون روايتهم فقد وجدنا عملوا بما طريقه هؤلاء الذين ذكرناهم وذلك يدل على جواز العمل باخبار الكفار والفسّاق.

٢٩٩

(قيل لهم) لسنا نقول ان جميع اخبار الآحاد يجوز العمل بها بل لها شرائط نذكرها فيما بعد ونشير هاهنا الى جملة من القول فيه فاما ما يرويه العلماء المعتقدون للحق فلا طعن على ذلك به واما ما يرويه قوم من المقلدة فالصحيح الذى اعتقده ان المقلدة للحق وان كان مخطئا فى الاصل معفو عنه ولا احكم فيهم بحكم الفساق ولا يلزم على هذا ترك ما نقلوه على ان من اشاروا اليه لا نسلم انهم كلهم مقلدة بل لا يمتنع ان يكونوا عالمين بالدليل على سبيل الجملة كما يقوله جماعة اهل العدل فى كثير من اهل الاسواق والعامة وليس من حيث يتعذر عليهم ايراد الحجج ينبغى ان يكونوا غير عالمين لان ايراد الحجج والمناظرة صناعة ليس يقف حصول المعرفة على حصولها كما قلنا فى اصحاب الجملة وليس لاحد ان يقول هؤلاء ليسوا من اصحاب الجملة لانهم اذا سألوا عن التوحيد او العدل او صفات الائمة او صحة النبوة قالوا روينا كذا ويروون فى ذلك كله الاخبار وليس هذا طريق اصحاب الجملة وذلك انه ليس يمتنع ان يكون هؤلاء اصحاب الجملة وقد حصل لهم المعارف بالله غير انهم لما تعذر عليهم ايراد الحجج فى ذلك احالوا على ما كان سهلا عليهم وليس يلزمهم أن يعلموا ان ذلك لا يصح ان يكون دليلا الا بعد ان يتقدم منهم المعرفة بالله وانما الواجب عليهم ان يكونوا عالمين وهم عالمون على الجملة كما قررنا فما يتفرع عليه من الخطاء لا يوجب التكفير ولا التضليل

(محصل الجواب) عن السؤال المذكور انا لا نقول ان جميع اخبار الآحاد يجوز العمل بها بل للعمل باخبار الآحاد شرائط ذكرت فى محله ويذكرها رحمه‌الله فيما بعد واشار هاهنا الى جملة من القول فيه وهى قوله :

(فاما ما يرويه) العلماء المعتقدون للحق يعنى الامامية فلا طعن على ذلك به وبعبارة اخرى الايراد المذكور فى السؤال لا يرد على ما يرويه العلماء الامامية.

(واما ما يرويه) قوم من المقلدة كالاخباريين فالصحيح الذى اعتقده رحمه‌الله ان المقلدة للحق وان كان مخطئا فى الاصل لكنه معفو عنه ومراده من الاصل طريق

٣٠٠