درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

فى معصية ربه فقد حكى الله تعالى قول يوسف لاخوته (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) فنسبهم الى الجهل لمخاطرتهم بانفسهم فى معصية الله انتهى وبالجملة لا اشكال فى ان الاعتماد على خبر الفاسق يكون من الجهالة دون الاعتماد على خبر العادل.

(ولكن قد اورد) الشيخ قدس‌سره على هذا القول فيما يأتى عن قريب بقوله وفيه مضافا الى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة ان الاقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا اذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الامور من دون وثوق بخبر المخبر بها فالآية تدل على المنع عن العمل بغير العلم لعلّة هى كونه فى معرض المخالفة للواقع فانتظر التفصيل فيما يأتى إن شاء الله تعالى.

(قوله لا يقال) توضيح هذا الايراد بوجهين (احدهما) ان النسبة بين المفهوم وظهور التعليل وان كان عموما من وجه اذ مقتضى المفهوم حجية خبر العادل مطلقا سواء افاد العلم ام لا ومقتضى التعليل عدم حجية الخبر الواحد الظنى مطلقا سواء كان المخبر فاسقا أو عادلا فيتعارضان فى مادة الاجتماع وهى خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن الترجيح مع الاول اى عموم المفهوم وادخال مادة الاجتماع فيه دون الثانى اى ظهور التعليل كيف ولو قدم ظهور التعليل وانحصر مورد المفهوم فى خبر العادل المفيد للعلم يلزم اللّغوية فى الكلام لان خبر الفاسق المفيد للعلم ايضا واجب العمل.

(وثانيهما) ان النسبة بين المفهوم والتعليل العموم والخصوص المطلق فان المفهوم يختص بخبر العدل الغير المفيد للعلم لان الخبر المفيد للعلم خارج عن المنطوق والمفهوم اذ الموضوع فى القضية هو الخبر القابل لان يتبين عنه وهو ما لا يكون مفيدا للعلم فالمفهوم خاص بخبر العدل الذى لا يفيد العلم والتعليل عامّ لكل ما لا يفيد العلم فلا بدّ من تخصيص عموم التعليل بالمفهوم وإلّا يبقى المفهوم بلا مورد وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى هذا الوجه الثانى بقوله بل الخبر المفيد للعلم خارج عن المنطوق والمفهوم معا فيكون المفهوم اخص مطلقا من عموم التعليل.

١٨١

(قوله لانا نقول ما ذكره اخيرا الخ) حاصل الجواب عن الاشكال المذكور مع التسليم بان المفهوم اخص مطلقا من عموم التعليل انه تدّعى التعارض بين ظهور عموم التعليل فى عدم جواز العمل بخبر العادل الغير العلمى وظهور الجملة الشرطية او الوصفية فى ثبوت المفهوم فطرح المفهوم والحكم بخلوّ الجملة الشرطية عن المفهوم اولى من ارتكاب التخصيص فى التعليل والى هذه الاولوية اشار فى محكى العدة بقوله لا نمنع ترك دليل الخطاب اى طرح مفهوم المخالفة لدليل والتعليل دليل وليس فى طرح المفهوم والاخذ بعموم التعليل منافاة لما هو الحق وعليه الاكثر من جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة لاختصاص ذلك اولا بالمخصص المنفصل

١٨٢

(ولو سلم) جريانه فى الكلام الواحد منعناه فى العلة والمعلول فان الظاهر عند العرف ان المعلول يتبع العلة فى العموم والخصوص فالعلة تارة تخصّص مورد المعلول وان كان عاما بحسب اللفظ كما فى قول القائل لا تأكل الرمّان لانه حامض فيخصصه بالافراد الحامضة فيكون عدم التقييد فى الرمّان لغلبة الحموضة فيه وقد توجب عموم المعلول وان كان بحسب الدلالة اللفظية خاصا كما فى قول القائل لا تشرب الادوية التى يصفها لك النسوان او اذا وصفت لك امرأة دواء فلا تشربه لانك لا تأمن ضرره فيدل على ان الحكم عامّ فى كل دواء لا يأمن ضرره من اىّ واصف كان ويكون تخصيص النسوان بالذكر من بين الجهال لنكتة خاصة أو عامة لاحظها المتكلم وما نحن فيه من هذا القبيل فلعل النكتة فيه التنبيه على فسق الوليد كما نبّه عليه فى المعارج وهذا الايراد مبنى على ان المراد بالتبين هو التبين العلمى كما هو مقتضى اشتقاقه ويمكن ان يقال ان المراد منه ما يعم الظهور العرفى الحاصل من الاطمينان الذى هو مقابل الجهالة وهذا وان كان يدفع الايراد المذكور عن المفهوم من حيث رجوع الفرق بين الفاسق والعادل فى وجوب التبين الى ان العادل الواقعى يحصل منه غالبا الاطمينان المذكور بخلاف الفاسق فلهذا وجب فيه تحصيل الاطمينان من الخارج لكنك خبير بان الاستدلال بالمفهوم على حجية الخبر العادل المفيد للاطمينان غير محتاج اليه اذ المنطوق على هذا التقرير يدل على حجية كل ما يفيد الاطمينان كما لا يخفى فيثبت اعتبار مرتبة خاصة من مطلق الظن.

(اقول) انه قدس‌سره ذكر قبيل هذا ان طرح المفهوم والحكم بخلوّ الجملة الشرطية عن المفهوم اولى من ارتكاب التخصيص فى التعليل وذكر ايضا انه ليس فى ذلك منافاة لما هو الحق وعليه الاكثر من جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة لاختصاص ذلك اولا بالمخصص المنفصل.

(ولو سلم) ان جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة لا يختص بالمخصص المنفصل بل يجرى فى المخصص المتصل ايضا منعناه فى العلة والمعلول فان الظاهر

١٨٣

عند العرف ان المعلول يتبع العلة فى العموم والخصوص فالعلة تارة تخصص مورد المعلول وان كان بحسب اللفظ عاما كما فى قول القائل لا تأكل الرمّان لانه حامض فيخصصه بالافراد الحامضة فيكون عدم التقييد فى الرمّان لغلبة الحموضة فيه يعنى مما كان غالب افراد الرمّان هو الحامض اكتفى باطلاق لفظ الرمّان ولم يقيده بالحموضة.

(وقد توجب العلة) عموم المعلول وان كان المعلول بحسب الدلالة اللفظية خاصا كما فى قول القائل لا تشرب الادوية التى تصفها لك النسوان او اذا وصفت لك امرأة دواء فلا تشربه لانك لا تأمن ضرره المثال الاول للوصف والثانى للشرط فيدل التعليل فى المثال على ان الحكم عام فى كل دواء لا يأمن ضرره من اىّ واصف كان ويكون تخصيص النسوان بالذكر من بين الجهال لنكتة خاصة اى ـ للاشارة الى ضعف عقولهن اذا الاصل فيهن الجهالة او عامة كالحموضة فى المثال الاول فانه عامّ يشمل كل ما فيه الحموضة وما نحن فيه من هذا القبيل اى من قبيل سببية العلة عموم المعلول لان مورد الحكم فى الآية هو خبر الفاسق فيكون المفهوم عدم وجوب التبين فى خبر العادل إلّا ان التعليل فيها يدل على وجوب التبين فى كل خبر يحتمل فيه الوقوع فى الندم سواء كان المخبر فاسقا او عادلا.

(فلعل النكتة فيه) التنبيه على فسق الوليد حيث نزلت الآية فى خصوص وليد بن عتبة بعثه النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله الى بنى المصطلق ليأخذ منهم صدقاتهم فخرجوا يتلقّونه فرحا به فظن انهم همّوا بقتله فعاد الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله واخبره بانهم منعوا صدقاتهم وكان الامر بخلافه فغضب النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهمّ ان يغزوهم فنزلت الآية.

(قوله وهذا الايراد مبنى الخ) يعنى تعارض المفهوم والتعليل مبنى على ان المراد بالتبين هو التبين العلمى كما هو مقتضى اشتقاقه على ما ادعاه الشيخ قدس‌سره فحينئذ مقتضى المفهوم عدم وجوب تحصيل العلم فى خبر العادل

١٨٤

ومقتضى التعليل وجوب تحصيل العلم فى كل خبر سواء كان المخبر فاسقا او عادلا فيتعارضان.

(لكن يمكن) ان يقال ان التبين عرفا عبارة عن الظهور والانكشاف واقل مراتب الظهور والانكشاف هو الظن واعلى مرتبته هو العلم فيشمل الاطمينان والامر بالتبين مع قطع النظر عن التعليل لا يوجب إلّا ما يصدق عليه الاظهار مطلقا بحسب العرف إلّا ان التعليل بمخافة اصابة القوم يقتضى وجوب تحصيل العلم حتى لا يكون فى معرض الخوف المذكور

(والجهالة فى اللغة) عبارة عن خلاف العلم وان استعمل فى غيره ايضا مجارا فانه قد استعمل تارة فى اختيار اللذة الفانية على اللذة الباقية كما نقله فى مجمع البحرين واخرى فى فعل يعد فاعله سفيها وقد قيل ان الجهالة فى قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) هى السفاهة باجماع الصحابة وان ثبت استعمالها فى احد المعانى المذكور لها على حد يوجب منع ظهورها فى المعنى الحقيقى فهو وإلّا فلا بد من حملها على الحقيقة ومقتضاه وجوب التبين فى كل خبر لا يفيد العلم بالواقع حتى يحصل العلم به من الخارج فيشمل الاطمينان ايضا إلّا ان ذيل الآية اعنى فتصبحوا على ما فعلتم نادمين هو كفاية الاطمينان لعدم حصول الندامة بفعل يصدر على وجه الاطمينان ولو كان مخالفا للواقع فان الفعل لا يكون فى معرض الندامة اذا صدر على وجه يكون بناء العقلاء على الاقدام به.

١٨٥

(ثم) ان المحكى عن بعض منع دلالة التعليل على عدم جواز الاقدام على ما هو مخالف للواقع بان المراد بالجهالة السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله لا مقابل العلم بدليل قوله تعالى (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) ولو كان المراد الغلط فى الاعتقاد لما جاز الاعتماد على الشهادة والفتوى (وفيه) مضافا الى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة ان الاقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا اذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الامور من دون وثوق بخبر المخبر بها فالآية تدل على المنع عن العمل بغير العلم لعلة هى كونه فى معرض المخالفة للواقع واما جواز الاعتماد على الفتوى والشهادة فلا يجوز القياس بها لما تقدم فى توجيه كلام ابن قبة من ان الاقدام على ما فيه مخالفة الواقع احيانا قد يحسن لاجل الاضطرار اليه وعدم وجود الاقرب الى الواقع منه كما فى الفتوى وقد يكون لاجل مصلحة يزيد على مصلحة ادراك الواقع فراجع.

(فالاولى) لمن يريد التفصى عن هذا الايراد التشبث بما ذكرنا من ان المراد بالتبين تحصيل الاطمينان وبالجهالة الشك او الظن الابتدائى الزائل بعد الدقة والتامل فتأمل ففيها ارشاد الى عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره وان حصل منه الاطمينان إلّا ان الاطمينان الحاصل من الفاسق يزول بالالتفات الى فسقه وعدم مبالاته بالمعصية وان كان متحرزا عن الكذب ومنه يظهر الجواب عما ربما يقال من ان العاقل لا يقبل الخبر من دون اطمينان بمضمونه عادلا كان المخبر او فاسقا فلا وجه للامر بتحصيل الاطمينان فى الفاسق.

(اقول) حاصل المحكى عن بعض ان المراد بالجهالة ليس ما يقابل العلم كى يكون التعليل مشتركا بين كل من خبر الفاسق والعادل الغير المفيد للعلم جميعا ويوجب نفى المفهوم للآية الشريفة بل المراد بالجهالة السفاهة وفعل ما لا ينبغى صدوره من العاقل فيختص بخبر الفاسق فقط ولا يكاد يشمل خبر العادل كى ينافى المفهوم وحجية خبره مطلقا ولو لم يفد العلم.

١٨٦

(وبعبارة اخرى) غرض البعض المذكور دفع التنافى بين المفهوم والتعليل ودفع الايراد الثانى المبنى عليه من جهة ان التنافى بينهما انما يكون اذا كان المراد بالجهالة هو عدم العلم الشامل لخبر العادل واما اذا كان المراد السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله عند العقلاء فلا تشمل خبر العادل لان العمل بخبر العادل لا يكون سفاهة قطعا بدليل قوله تعالى (فَتُصْبِحُوا) الآية بدعوى ان الندامة انما تحصل بفعل ما يكون سفاهيا غير مجوّز عند العقلاء لا بغيره ولو كان المراد من الجهالة الغلط فى الاعتقاد يعنى لو كان المراد منها عدم العلم الذى يكون مخالفا للواقع احيانا لدلت الآية على عدم جواز الاعتماد على الشهادة والفتوى وغيرهما لجريان التعليل فيها.

(قوله وفيه مضافا الى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة الخ) حاصل ما اورد عليه الشيخ قدس‌سره مضافا الى كون الجهالة بمعنى السفاهة خلاف ظاهر لفظ الجهالة ان الاقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا اذا العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الامور من دون وثوق بخبر المخبر بها فالآية تدل على المنع عن العمل بغير العلم لعلة هى كونه فى معرض المخالفة للواقع.

(ثم) ان الشيخ قدس‌سره قد ذكر فيما تقدم معنى آخر للجهالة يحصل به التفصى ايضا وهو ان يكون المراد من التبين فى قوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا) هو الظهور والانكشاف الاطمينانى لا التبين العلمى ويكون المراد من الجهالة ما يقابل الظهور والانكشاف الاطمينانى فيختص التعليل بخبر الفاسق فقط ولا يعم خبر العادل كى ينافى المفهوم فان خبر العادل مما يورث الانكشاف الاطمينانى غالبا بخلاف خبر الفاسق.

(واما جواز الاعتماد على الفتوى والشهادة) فلا يجوز قياسهما بحجية خبر الواحد بمعنى ان الاعتماد عليهما ليس من جهة ان مفهوم الآية تدل على حجية خبر العادل رواية كان او الفتوى او الشهادة بل الاعتماد عليهما لما تقدم فى توجيه كلام ابن قبة من ان الاقدام على ما فيه مخالفة الواقع احيانا كالفتوى والشهادة قد يحسن

١٨٧

لاجل الاضطرار اليه وعدم وجود الاقرب الى الواقع منه كما فى الفتوى فانه قدس‌سره قال فى البحث عن ما ادعاه ابن قبة ومما ذكرنا ظهر انه لا مجال للنقض عليه بمثل الفتوى لان المفروض انسداد باب العلم على المستفتى وليس له شىء ابعد من تحريم الحلال وتحليل الحرام من العمل بقول المفتى حتى انه لو تمكن من الظن الاجتهادى فالاكثر على عدم جواز العمل بفتوى الغير وكذلك نقضه بالقطع مع احتمال كونه فى الواقع جهلا مركبا فان باب هذا الاحتمال منسد على القاطع وقد يكون الاقدام لاجل مصلحة تزيد على مصلحة ادراك الواقع ولو كانت سلوكية او غيرها فانه قدس‌سره قد ذكر فيما تقدم ان الخبر قد يكون حجة لاجل اشتماله على مصلحة هى مساوية لمصلحة الواقع او ارجح منها.

(فالاولى لمن يريد) التفصى عن هذا الايراد الثانى وهو تعارض المفهوم والتعليل فى الآية التشبث بما ذكرنا من ان المراد من التبين فى قوله فتبينوا هو الظهور والانكشاف الاطمينانى لا التبين العلمى ويكون المراد من الجهالة الشك او الظن الابتدائى الزائل بعد الدقة والتأمل فيختص التعليل بنبإ الفاسق فقط ولا يعم نبأ العادل كى ينافى المفهوم فان خبر العادل مما يورث الانكشاف الاطمينانى غالبا بخلاف خبر الفاسق ففى الآية ارشاد الى عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره وان حصل من قوله الاطمينان فان خبر الفاسق وان كان قد يحصل منه الاطمينان كخبر العادل إلّا ان الاطمينان الحاصل من قول الفاسق يزول بالالتفات الى فسقه وعدم مبالاته بالمعصية وان كان متحرزا عن الكذب (ومنه) يظهر الجواب عمّار بما يقال من ان العاقل لا يقبل الخبر من دون اطمينان بمضمونه عادلا كان المخبر او فاسقا فلا وجه للامر بتحصيل الاطمينان فى الفاسق :

(قوله فتامل) يمكن ان يكون وجه التامل اشارة الى ان الحمل المذكور يوجب كون الآية دالة على حجية مرتبة خاصة من مطلق الظن وهو الظن الاطمينانى والمقصود دلالتها على حجية خبر الواحد بالخصوص لا من حيث كونه من مصاديق الظن المطلق او ان حمله على ذلك خلاف ظاهر لفظ الجهالة ولفظ التبين لان الاول ظاهر فى عدم العلم والثانى فى تحصيل العلم.

١٨٨

(واما ما اورد على الآية) بما هو قابل للذبّ عنه فكثير منها معارضة مفهوم الآية بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم والنسبة عموم من وجه فالمرجع الى اصالة عدم الحجية وفيه ان المراد بالنبإ فى المنطوق ما لا يعلم صدقه ولا كذبه فالمفهوم اخص مطلقا من تلك الآيات فيتعين تخصيصها بناء على ما تقرر من ان ظهور الجملة الشرطية فى المفهوم اقوى من ظهور العام فى العموم واما منع ذلك فيما تقدم من التعارض بين عموم التعليل وظهور المفهوم فلما عرفت من منع ظهور الجملة الشرطية المعللة بالتعليل الجارى فى صورتى وجود الشرط وانتفائه فى افادة الانتفاء عند الانتفاء فراجع وربما يتوهم ان للآيات الناهية جهة خصوص اما من جهة اختصاصها بصورة التمكن من العلم واما من جهة اختصاصها بغير البينة العادلة وامثالها مما خرج عن تلك الآيات قطعا ويندفع الاول بعد منع الاختصاص بانه يكفى المستدل كون الخبر حجة بالخصوص عند الانسداد والثانى بان خروج ما خرج من ادلة حرمة العمل بالظن لا يوجب جهة عموم فى المفهوم لان المفهوم ايضا دليل خاص مثل الخاص الذى خصص ادلة حرمة العمل بالظن فلا يجوز تخصيص العام باحدهما اولا ثم ملاحظة النسبة بين العام بعد ذلك التخصيص وبين الخاص الاخير فاذا ورد اكرم العلماء ثم قام الدليل على عدم وجوب اكرام جماعة من فساقهم ثم ورد دليل ثالث على عدم وجوب اكرام مطلق الفساق منهم فلا مجال لتوهم تخصيص العام بالخاص الاول اولا ثم جعل النسبة بينه وبين الخاص الثانى عموما من وجه وهذا امر واضح نبهنا عليه فى باب التعارض.

(اقول) واما الاشكالات التى اوردت على الآية وهى قابلة للذبّ عنها فكثيرة منها وقوع التعارض بين مفهوم الآية وبين عموم الآيات الناهية عن العمل بالظن وما وراء العلم فيكون المرجع بعد التعارض اصالة عدم الحجية ولا يخفى ان هذا الاشكال لا يختص بالآية بل يعم جميع الادلة الدالة على حجية خبر الواحد(وفيه) ما فيه من منع صلاحية الآيات الناهية للمعارضة مع مفهوم الآية لان أدلة الحجية التى منها مفهوم الآية حسب اقتضائها لتتميم الكشف كانت حاكمة على تلك الآيات

١٨٩

حيث انها توجب خروج العمل بالخبر الواحد عن كونه عملا بالظن او بما وراء العلم بالحكومة فلا مجال لتوهم المعارضة.

(قوله والنسبة عموم من وجه) اذ مقتضى المفهوم حجية خبر العادل مطلقا أفاد العلم أو الظن ومفاد الآيات الناهية عدم حجية الظن مطلقا سواء حصل من خبر العادل أو من غيره ومادة التعارض هو خبر العادل المفيد للظن.

(قوله وفيه ان المراد بالنبإ فى المنطوق الخ) توضيح الجواب منه قدس‌سره عن الاشكال المذكور ان النسبة بين المفهوم والآيات الناهية عن العمل بالظن هى العموم والخصوص لان المفهوم يختص بنبإ العادل الذى لا يفيد العلم ولا يعم ما يفيد العلم وذلك لان المفهوم يتبع المنطوق فى العموم والخصوص ولا اشكال فى ان المنطوق يختص بنبإ الفاسق الذى لا يفيد العلم كما يظهر من التعليل فالمفهوم ايضا يختص بذلك فتكون النسبة بينه وبين عموم الآيات العموم والخصوص فيتعين تخصيصها بناء على ما تقرر من ان ظهور الجملة الشرطية فى المفهوم اقوى من ظهور العام فى العموم لا التساقط والرجوع الى اصالة عدم الحجية.

(واما) منع ذلك فيما تقدم من التعارض بين عموم التعليل وظهور المفهوم فلما عرفت من منع ظهور الجملة الشرطية المعللة بالتعليل الجارى فى صورتى وجود الشرط وانتفائه فى افادة الانتفاء عند الانتفاء واما فى غير العلة والمعلول فيجوز تخصيص العام بالمفهوم فتخصص الآيات الناهية بمفهوم آية النبأ.

(قوله وربما يتوهم ان للآيات الناهية جهة خصوص اما من جهة اختصاصها بصورة التمكن من العلم الخ) حاصله ربّما يتوهم ان الآيات الناهية ايضا مختصة بصورة التمكن من العلم وبما عدى البيّنة وبعد تخصيصها بذلك تنقلب النسبة بينها وبين المفهوم الى العموم من وجه بعد ما كانت النسبة العموم والخصوص المطلق لان المفهوم وان كان يختص بما لا يفيد العلم ولكن يعم صورة التمكن من تحصيل العلم وعدمه والآيات الناهية وان كانت اعم من خبر العدل وغيره إلّا انها تختص بصورة التمكن من العلم فيقع التعارض بينهما فى خبر العدل مع التمكن

١٩٠

من العلم وبعد التعارض يرجع الى اصالة عدم الحجية.

(ولا يخفى) ما فيه من ان انقلاب النسبة مبنى على ملاحظة العام اولا مع بعض المخصصات وتخصيصه به ثم ملاحظة النسبة بينه وبين المخصصات الأخر فربما تنقلب النسبة بينه وبينهما الى نسبة اخرى ولكن هذا مما لا وجه له فان نسبة العام الى جميع المخصصات على حدّ سواء ولا بد من تخصيصه بالجميع فى عرض واحد إلّا اذا كان التخصيص بالجميع يوجب الاستيعاب او التخصيص المستهجن تفصيل ذلك كله ذكروا فى مبحث التعادل والتراجيح ففى هذا المقام خبر العادل ومورد عدم التمكن من العلم والبينة والفتوى كلها فى عرض واحد خارجة عن عموم الآيات الناهية عن العمل بالظن بالتخصيص وذلك امر واضح فلا تغفل.

(واعلم) ان الترديدين المذكورين فى عبارته قدس‌سره بقوله اما من جهة اختصاصها بصورة الخ وقوله واما من جهة اختصاصها بغير البينة الخ ليس كل منهما بايراد على حدة بل كلاهما ايراد واحد على سبيل منع الخلوّ وحينئذ فقوله ره بعد ذلك فى مقام الجواب ويندفع الاول والثانى ليس فى محله مع ان الجواب الثانى ليس مختصا به بل يصلح جوابا لكليهما هذا ما نبّه عليه بعض المحشين ره من تلامذته قدس‌سره.

(قوله ثم جعل النسبة بينه وبين الخاص الثانى عموما من وجه) تصويره فى المثال انما هو من جهة جعل مادة الافتراق للخاص الاعم يعنى لا تكرم فساقهم هو الخاص الاخص يعنى لا تكرم فساق النحويين مثلا كما أن مادة افتراق اكرم العلماء هى العدول ومادة الاجتماع هى فساق غير النحويين وقد تعارضا فيها حيث دلّ اكرم العلماء على وجوب اكرامهم ولا تكرم فسّاقهم على حرمة اكرامهم وكيف كان فالنسبة بين العام المذكور وخاصته قبل التخصيص هو عموم مطلق وبعد التخصيص باحدهما يصير النسبة بين العام والخاص الآخر عموما من وجه.

١٩١

(ومنها) ان مفهوم الآية لو دلّ على حجية خبر العادل لدلّ على حجية الاجماع الذى اخبر به السيد المرتضى واتباعه قدس‌سرهم من عدم حجية خبر العادل لانهم عدول اخبروا بحكم الامام عليه‌السلام بعدم حجية الخبر وفساد هذا الايراد اوضح من ان يبين اذ بعد الغض عما ذكرنا سابقا فى عدم شمول آية النبأ للاجماع المنقول وبعد الغض عن ان اخبار هؤلاء معارض باخبار الشيخ قدس‌سره نقول انه لا يمكن دخول هذا الخبر تحت الآية امّا اولا فلان دخوله يستلزم خروجه لانه خبر عادل فيستحيل دخوله ودعوى انه لا يعم نفسه مدفوعة بانه وان لا يعم نفسه لقصور دلالة اللفظ عليه إلّا انه يعلم ان الحكم ثابت لهذا الفرد للعلم بعدم خصوصية مخرجة له عن الحكم ولذا لو سألنا السيد عن انه اذا ثبت اجماعك لنا بخبر واحد هل يجوز الاتكال عليه فيقول لا واما ثانيا فلو سلمنا جواز دخوله لكن نقول انه وقع الاجماع على خروجه من النافين لحجية الخبر ومن المثبتين فتأمل واما ثالثا فلدوران الامر بين دخوله وخروج ما عداه وبين العكس ولا ريب ان العكس متعين لا لمجرد قبح انتهاء التخصيص الى الواحد بل لان المقصود من الكلام ينحصر فى بيان عدم حجية خبر العادل ولا ريب ان التعبير عن هذا المقصود بما يدل على عموم حجية خبر العادل قبيح فى الغاية وفضيح الى النهاية كما يعلم من قول القائل صدق زيدا فى جميع ما يخبرك فاخبرك زيد بالف من الاخبار ثم اخبر بكذب جميعها فاراد القائل من قوله صدق الخ خصوص هذا الخبر وقد اجاب بعض من لا تحصيل له بان الاجماع المنقول مظنون الاعتبار وظاهر الكتاب مقطوع الاعتبار.

(اقول) ومما اورد على التمسك بالآية هو ان المفهوم لو دل على حجية خبر الواحد لدل على حجية خبر السيد واتباعه فى نقلهم الاجماع على عدم حجية خبر الواحد ويلزم من حجيته عدم حجية خبر الواحد وهذا الاشكال ايضا لا يختص بمفهوم آية النبأ بل يعم جميع الادلة.

(وهذا الايراد) اوضح من ان يبين اذ فيه بعد الغض عن منع شمول المفهوم

١٩٢

لنقل الاجماع الذى لا يكون مستنده الا الحدس وتسليم شموله لنقل مثل السيد رأى الامام عليه‌السلام بلحاظ قرب عصره من عصر الامام عليه‌السلام وامكان اطلاعه على رأيه ولو بمقدمات حدسية قريبة الى الحس وبعد الغضّ عن معارضته بمثل اجماع الشيخ قدس‌سره ومن تبعه على الحجية.

(اولا) انه يلزم من دخول خبر السيد تحت مفهوم الآية خروجه اذ لو كان خبر السيد حجة لزم منه عدم حجية كل خبر غير علمى وبما ان خبر السيد بنفسه غير علمى لزم كونه غير حجة فيلزم من حجية خبر السيد عدم حجيته وما لزم من وجوده عدمه محال بداهة استحالة اجتماع النقيضين.

(ودعوى) انه لا يعم نفسه بيان ذلك ان اهل العرف يفهمون فى المقام ونظائره عدم شمول الكلام لنفسه فاذا قال المولى لعبده اعمل باخبار الآحاد البالغة اليك من قبلى فبلغ اليه من مولاه اخبار كثيرة فى الوقائع المختلفة منها النهى عن العمل باخباره فلا شك ان العبد يأخذ بهذا الخبر ويترك سائر الاخبار فيصرف مضمون هذا الخبر الى غير نفسه لقصور اللفظ عن الشمول لنفسه.

(مدفوعة) بان خبر السيد وان لا يعم نفسه لقصور دلالة اللفظ عليه بمعنى ان قول السيد خبر العادل ليس بحجة ظاهر فى الاخبار الأخر سوى نفس هذا الخبر إلّا انه يعلم ان الحكم ثابت لهذا الفرد ايضا بتنقيح المناط لانه ايضا خبر عدل غير علمى للعلم بعدم خصوصية مخرجة له عن الحكم ولذا لو سألنا السيد عن انه اذا ثبت اجماعك لنا بخبر واحد هل يجوز الاتكال عليه فيقول لا.

(ثانيا) انه لو سلمنا جواز دخول خبر السيد تحت مفهوم الآية لكن نقول انه وقع الاجماع على خروجه من النافين لانهم يمنعون العمل بخبر الواحد فكيف يعملون بخبر السيد واما خروجه عند المثبتين لحجية خبر الواحد فواضح لانهم يقولون بحجية العادل فلازم ذلك القول بعدم حجية خبر السيد عن الامام عليه‌السلام بعدم حجية الخبر وإلّا يلزم التناقض.

(قوله فتامل) اقول انه قد اختلف المحشون فى وجهه ولكن لا يبعد ان يكون

١٩٣

وجهه اشارة الى ان وقوع الاجماع من المثبتين لا يعقل إلّا بعد تصحيح عدم شمول الخبر لنفسه وقد عرفت الاشكال فيه.

(وثالثا) انه على فرض الدوران بين دخول خبر السيد فى ادلة الحجية وخروج ما عداه وبين العكس لا شبهة فى تعيّن العكس لا لمجرد قبح انتهاء التخصيص الى الواحد بل لان المقصود من الكلام ح ينحصر فى بيان عدم حجية خبر العادل ولا ريب ما فى هذا التعبير عن هذا المقصود بما يدل على عموم حجية خبر العادل من القبح الى الغاية والفضاحة الى النهاية كما يعلم من قول القائل صدّق زيدا فى جميع ما يخبرك فاخبرك زيد بالف من الاخبار ثم اخبر بكذب جميعها فاراد القائل من قوله صدّق الخ خصوص هذا الخبر.

(قوله وقد اجاب بعض من لا تحصيل له الخ) حاصله انه قد اجاب بعض عن الاشكال المذكور بان الاجماع المنقول مظنون الاعتبار وظاهر الكتاب مقطوع الاعتبار.

(ولا يخفى عليك) ان هذا الجواب فى كمال الوضوح من الفساد لان حجية الاجماع المنقول الذى نقله السيد على زعم المورد داخل فى ظاهر الكتاب وفى مفهوم آية النبأ فاذا كان ظاهر الكتاب قطعى الاعتبار فيكون هو كذلك فكيف يقال ان ظاهر الكتاب مقطوع الاعتبار والاجماع المنقول مظنون الاعتبار فلا يكون هناك تعارض حتى يقدّم عليه مع ان مظنون الاعتبار لا يكون حجة وبالجملة الجواب المذكور ساقط جدا.

١٩٤

(ومنها) ان الآية لا تشمل الاخبار مع الواسطة لانصراف النبأ الى الخبر بلا واسطة فلا يعم الروايات المأثورة عن الائمة عليهم‌السلام لاشتمالها على وسائط وضعف هذا الايراد على ظاهره واضح لان كل واسطة من الوسائط انما يخبر خبرا بلا واسطة فان الشيخ قدس‌سره اذا قال حدثنى المفيد قال حدثنى الصدوق قال حدثنى ابى قال حدثنى الصفار قال كتبت الى العسكرى عليه‌السلام فان هناك بمقتضى الآية اخبارا متعددة بتعدد الوسائط فخبر الشيخ قوله حدثنى المفيد الخ وهذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه فاذا حكم بصدقه وثبت شرعا ان المفيد حدث الشيخ بقوله حدثنى الصدوق فهذا الاخبار اعنى قول المفيد الثابت بخبر الشيخ حدثنى الصدوق ايضا خبر عادل وهو المفيد فيحكم بصدقه وان الصدوق حدثه فيكون كما لو سمعنا من الصدوق اخباره بقوله حدثنى ابى والصدوق ايضا عادل فيصدق فى خبره فيكون كما لو سمعنا اباه يحدث بقوله حدثنى الصفار فنصدقه لانه عادل فيثبت خبر الصفار انه كتب اليه العسكرى عليه‌السلام واذا كان الصفار عادلا وجب تصديقه والحكم بان العسكرى صلى‌الله‌عليه‌وآله كتب اليه ذلك القول كما لو شاهدنا الامام عليه‌السلام يكتب اليه فيكون المكتوب حجة فيثبت بخبر كل لاحق اخبار سابقه ولهذا يعتبر العدالة فى جميع الطبقات لان كل واسطة مخبر بخبر مستقل هذا.

(اقول) من الاشكالات التى لا تختص بمفهوم آية النبأ اشكال شمول ادلة الحجية للاخبار الحاكية لقول الامام عليه‌السلام بواسطة او بوسائط كاخبار الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن الصفار عن العسكرى عليه‌السلام تقريب هذا الاشكال من حيث دعوى انصراف ادلة الحجية الى الاخبار الحاكية لقول الامام بلا واسطة.

(واجاب عنه) الشيخ قدس‌سره بان كل واسطة من الوسائط يخبر خبرا بلا واسطة فاذا قال الشيخ حدثنى المفيد انه قال حدثنى الصفار انه قال سمعت العسكرى عليه‌السلام يقول كذا فهناك اخبار متعددة حسب تعدد الوسائط فخبر الشيخ قوله حدثنى المفيد الخ وهذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه فاذا حكم بصدقه وثبت شرعا ان المفيد

١٩٥

حدث الشيخ بقوله حدثنى الصدوق فهذا الاخبار اعنى قول المفيد الثابت بخبر الشيخ حدثنى الصدوق ايضا خبر عادل وهو المفيد فنحكم بصدقه وان الصدوق حدثه فيكون كما لو سمعنا من الصدوق اخباره بقوله حدثنى ابى والصدوق عادل فيصدق فى خبره فيكون كما لو سمعنا اباه يحدث بقوله حدثنى الصفار فنصدقه لانه عادل فيثبت خبر الصفار انه كتب اليه العسكرى عليه‌السلام واذا كان الصفار عادلا وجب تصديقه والحكم بان العسكرى عليه‌السلام كتب اليه ذلك القول كما لو شاهدنا الامام عليه‌السلام يكتب اليه فيكون المكتوب حجة فيثبت بخبر كل لاحق اخبار سابقه ولهذا يعتبر العدالة فى جميع الطبقات لان كل واسطة مخبر بخبر مستقل.

(يمكن دفع) الايراد المذكور بوجهين آخرين ما تعرض لهما الشيخ قدس‌سره الاول منع الظهور وانصراف النبأ الى الخبر بلا واسطة بل يعم الخبر مع الواسطة ايضا فراجع الى العرف والوجدان والثانى انه يتم الكلام فى الاخبار مع الواسطة بعدم القول بالفصل ولذلك ترى بناء الاصحاب حتى فى الصدر الاول على الاخذ بالاخبار المروية عن الامام ولو بوسائط عديدة من غير تشكيك منهم فى الحجية من جهة تعدد الوسائط.

(واجيب) عن الاشكال المذكور ايضا بان كل واحد من الوسائط حيث انه مجاز عن شيخه فى نقل الرواية يدخل خبره فى الاخبار عن الامام عليه‌السلام بلا واسطة لان كل مجاز باجازة شيخه يكون بمنزلة المجيز فى نقل الرواية وهكذا فنقل الشيخ قدس‌سره باعتبار كونه مجازا عن المفيد بمنزلة نقل المفيد لنا الذى نقله ايضا بمنزلة نقل الصفار عن الامام ولذا كان الاصحاب من أرباب الحديث يهتمّون باخذ الاجازة فى نقل الرواية لفوائد شتى منها هذه الجهة التى يدفع بها هذا الاشكال المذكور.

(وفيه) انه لو تم ذلك فغاية ما يجدى انما هو فى صحة نقل الرواية عن الامام عليه‌السلام

١٩٦

بالغاء الوسائط من البين لا بالنسبة الى مرحلة الحجية المفروض انصراف ادلتها الى الاخبار الحاكية لقول الامام عليه‌السلام بلا واسطة حتى يصح ان يدفع به الاشكال فالاولى فى الجواب هو منع الانصراف ولذلك ترى بناء الاصحاب حتى فى الصدر الاول على الاخذ بالاخبار المروية عن الامام ولو بوسائط عديدة من غير تشكيك منهم فى الحجية من جهة تعدد الوسائط.

١٩٧

(ولكن) قد يشكل الامر بان ما يحكيه الشيخ عن المفيد صار خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق فكيف يصير موضوعا بوجوب التصديق الذى لم يثبت موضوع الخبرية الا به ويشكل الامر ايضا بان الآية انما تدل على وجوب تصديق كل مخبر ومعنى وجوب تصديقه ليس إلّا ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على صدقه عليه فاذا قال المخبر ان زيدا عادل فمعنى وجوب تصديقه وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على عدالة زيد من جواز الاقتداء به وقبول شهادته واذا قال المخبر أخبرنى عمرو ان زيدا عادل فمعنى تصديق المخبر على ما عرفت وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على أخبار عمرو بعدالة زيد ومن الآثار الشرعية المترتبة على أخبار عمرو بعدالة زيد اذا كان عادلا وان كان هو وجوب تصديقه فى عدالة زيد إلّا ان هذا الحكم الشرعى لاخبار عمرو انما ثبت بهذه الآية وليس من الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به مع قطع النظر عن الآية حتى يحكم بمقتضى الآية بترتيبه على اخبار عمرو والحاصل ان الآية تدل على ترتيب الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به الواقعى على اخبار العادل ومن المعلوم ان المراد من الآثار غير هذا الاثر الشرعى الثابت بنفس الآية فاللازم على هذا دلالة الآية على ترتيب جميع الآثار المخبر به على الخبر إلّا الاثر الشرعى الثابت بهذه الآية للمخبر به اذا كان خبرا وبعبارة اخرى الآية لا تدل على وجوب قبول الخبر الذى لم يثبت موضوع الخبرية له إلّا بدلالة الآية على وجوب قبول الخبر لان الحكم لا يشمل الفرد الذى يصير موضوعا له بواسطة ثبوته لفرد آخر ومن هنا يتجه ان يقال ان أدلة قبول الشهادة لا تشمل الشهادة على الشهادة لان الاصل لا يدخل فى موضوع الشاهد الا بعد قبول شهادة الفرع.

(اقول) انه قدس‌سره قد اشار فى صدر كلامه الى ان الآية لا تشمل الاخبار مع الواسطة لانصراف النبأ الى الخبر بلا واسطة فلا يعم الروايات الماثورة عن الائمة عليهم‌السلام لاشتمالها على وسائط ثم قال فى الجواب عن هذا الاشكال بقوله المتقدم وضعف هذا الايراد على ظاهره واضح لان كل واسطة من الوسائط انما يخبر خبرا

١٩٨

بلا واسطة فان الشيخ اذا قال حدثنى المفيد قال حدثنى الصدوق قال حدثنى ابى قال حدثنى الصفار قال كتبت الى العسكرى عليه‌السلام بكذا فان هناك اخبارا متعددة بتعدد الوسائط فخبر الشيخ قوله حدثنى المفيد الخ.

(قوله ولكن قد يشكل الامر الخ) اقول انه قدس‌سره بعد ما ذكر الوجه الاول من تقريب الاشكال اشار الى هذا الوجه الثانى من تقريب الاشكال ولكن ليس فى كلماته الشريفة جواب عن هذا التقريب (حاصل) الاشكال ان ما يحكيه الشيخ عن المفيد انما يصير خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق اذ ما لم يحكم بوجوب التصديق لا يثبت خبر المفيد وبعد الحكم به يثبت فلا يمكن ان يشمل وجوب التصديق لخبر المفيد اصلا للزوم كون المحمول مؤخرا عن الموضوع فلو شمله لزم كون المحمول مقدما على الموضوع وهو بديهى البطلان.

(قوله ويشكل الامر ايضا الخ) بان آية النبأ انما تدل على وجوب تصديق كل مخبر ومعنى وجوب التصديق ترتيب الآثار الشرعية فلا بد ان يكون هناك اثر شرعى آخر يترتب على خبر الواسطة من جهة الحكم بوجوب التصديق والمفروض انه ليس لخبر الواسطة اثر شرعى غير وجوب التصديق بتقريب انه لا معنى للتعبد بقول العادل ووجوب تصديق مضمونه الا ترتيب ما للمخبر به من الآثار الشرعية فلا بد فى صحة التعبد بالخبر من ان يكون للمخبر به فى نفسه مع قطع النظر عن هذا الحكم اثر شرعى كى يكون الامر بالتصديق بلحاظه كما هو الشأن فى التعبد فى كلية الامارات القائمة على الموضوعات الخارجية وفى المقام لما لم يترتب على خبر الشيخ عن المفيد فى نفسه اثر شرعى غير وجوب التصديق الثابت بهذا الانشاء لا يكاد يشمله دليل وجوب التصديق.

(والحاصل) ان الآية تدل على ترتيب الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به الواقعى على اخبار العادل ومن المعلوم ان المراد من الآثار غير هذا الاثر الشرعى الثابت بنفس الآية فاللازم على هذا دلالة الآية على ترتيب جميع آثار المخبر به على الخبر إلّا الاثر

١٩٩

الشرعى الثابت بهذه الآية للمخبر به اذا كان خبرا.

(وبعبارة اخرى) الآية لا تدل على وجوب قبول الخبر الذى لم يثبت موضوع الخبرية له إلّا بدلالة الآية على وجوب قبول الخبر لان الحكم لا يشمل الفرد الذى يصير موضوعا له بواسطة ثبوته لفرد آخر(ومن هنا) يتجه ان يقال ان ادلة قبول الشهادة لا تشمل الشهادة على الشهادة لان الاصل لا يدخل فى موضوع الشاهد الا بعد قبول شهادة الفرع.

(فتبين مما ذكر) ان التعبد بحجية الخبر يتوقف على أن يكون المخبر به بنفسه حكما شرعيا أو ذا أثر شرعى مع قطع النظر عن الحجية ليصح التعبد بها بلحاظه فان التعبد بحجية الخبر فيما لم يكن المخبر به حكما شرعيا ولا ذا أثر شرعى لغو محض وعليه فدليل الحجية لا يشمل مثل أخبار الشيخ عن خبر المفيد لان المخبر به وهو خبر المفيد ليس حكما شرعيا ولا ذا اثر شرعى مع قطع النظر عن دليل الحجية وهذا الاشكال جار فى اخبار جميع سلسلة الرواة الا الاخير الذى ينقل عن المعصوم عليه‌السلام فان المخبر به فى خبره هو قول المعصوم عليه‌السلام فلا محالة يكون حكما شرعيا من وجوب أو حرمة أو غيرهما كما هو ظاهر.

(ولا يخفى عليك) ان هذا الاشكال يسقط من أصله على القول بان المجعول فى باب الطرق والامارات هو الكاشفية والطريقية بتتميم الكشف بمعنى ان الشارع يعتبر الكاشف الناقص كاشفا تاما والامارة الغير العلمية علما اذ عليه يكون التعبد ناظرا الى نفس الطريقية والكاشفية من دون حاجة الى كون المؤدى حكما شرعيا أو ذا اثر شرعى نعم على القول بان المجعول فى باب الطرق والامارات هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع يرد الاشكال المذكور بان التنزيل المذكور متوقف على ان يكون المؤدى حكما شرعيا او ذا أثر شرعى وإلّا فلا معنى لتنزيله منزلة الواقع.

(واما على القول الاول) من ان المجعول هو الطريقية والكاشفية فلا حاجة الى اعتبار كون المؤدى حكما شرعيا او ذا اثر شرعى اذا التعبد ناظر الى نفس الطريقية والكاشفية لا الى المؤدى غاية الامر انه يلزم ان لا يكون التعبد المذكور لغوا

٢٠٠