درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

(واما القائلون بالاعتبار) فهم مختلفون من جهة ان المعتبر منها كل ما فى الكتب المعتبرة كما يحكى عن بعض الاخباريين ايضا وتبعهم بعض المعاصرين من الاصوليين بعد استثناء ما كان مخالفا للمشهور او ان المعتبر بعضها وان المناط فى الاعتبار عمل الاصحاب كما يظهر من كلام المحقق او عدالة الراوى او وثاقته او مجرد الظن بصدور الرواية من غير اعتبار صفة فى الراوى او غير ذلك من التفصيلات فى الاخبار والمقصود هنا بيان اثبات حجيته بالخصوص فى الجملة فى مقابل السلب الكلى ولنذكر اولا ما يمكن ان يحتج به القائلون بالمنع ثم نعقبه بذكر ادلة الجواز (فنقول) اما حجة المانعين فالادلة الثلاثة اما الكتاب فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم والتعليل المذكور فى آية النبأ على ما ذكره امين الاسلام من ان فيها دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد.

(واما السنة) فهى اخبار كثيرة تدل على المنع من العمل بالخبر الغير المعلوم الصدور إلّا اذا احتف بقرينة معتبرة من كتاب او سنة معلومة مثل ما رواه فى البحار عن بصائر الدرجات عن محمد بن عيسى قال اقرأنى داود بن فرقد الفارسى كتابه الى ابى الحسن الثالث عليه‌السلام وجوابه يخطه عليه‌السلام فكتب نسألك عن علم المنقول عن آبائك واجدادك اجمعين قد اختلفوا علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه فكتب عليه‌السلام بخطه ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه الينا.

(اقول) قد تقدم ان المشهور حجية خبر الواحد بل يمكن دعوى الاجماع عليه فى الاعصار المتأخرة خصوصا بالنسبة الى الاخبار المدوّنة فيما بايدينا من الكتب المعروفة حيث يظهر منهم كون وجوب العمل بهذه الاخبار من المسلمات عندهم.

(ولكن) اختلف القائلون بالاعتبار من جهة ان المعتبر من الاخبار كل ما فى

١٤١

الكتب المعتبرة كما يحكى عن بعض الاخباريين وتبعهم بعض المعاصرين اى صاحب المناهج فيما حكى عنه بعد استثناء ما كان مخالفا للمشهور او ان المعتبر بعضها وان المناط فى الاعتبار عمل الاصحاب كما يظهر من كلام المحقق او عدالة الراوى او وثاقته او مجرد الظن بصدور الرواية من غير اعتبار صفة فى الراوى او غير ذلك من الجهات فى الاخبار.

(ولا يخفى) ان المهمّ هنا بيان اثبات حجيّته بالخصوص فى الجملة قبال السلب الكلى كما يدعيه القائل بالمنع ولنقدم الكلام اولا فى ذكر ادلة النافين للحجية ثم نعقبه بذكر ادلة المثبتين لها.

(فنقول) قد استدل النافون بالادلة الثلاثة أما الكتاب فبآيات منها ما دل على النهى عن اتباع غير العلم كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) ومنها ما دل على النهى عن الاستطراق بالظن والعمل به كقوله سبحانه (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ومنها التعليل المذكور فى آية النبأ على ما ذكره امين الاسلام الشيخ الطبرسى قدس‌سره من دعوى دلالته على عدم حجية خبر الواحد والمراد من التعليل المذكور فى آية النبأ قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ).

(واما السنة) فهى لغة الطريقة واصطلاحا ما يضاف الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله او مطلق المعصوم عليه‌السلام من قول أو فعل او تقرير(وفى القوانين) الظاهر ان حكاية الحديث القدسى داخلة فى السنة وحكاية هذه الحكاية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله داخل فى الحديث واما نفس الحديث القدسى فهو خارج عن السنة والحديث والقرآن والفرق بينه وبين القرآن ان القرآن هو المنزل للتحدى والاعجاز بخلاف الحديث القدسى انه الكلام المنزل لا على وجه الاعجاز الذى حكاه أحد الانبياء او احد اوصيائه عليهم‌السلام وقد يعرّف الحديث بانه قول المعصوم عليه‌السلام او حكاية قوله أو فعله أو تقريره ليدخل فيه اصل الكلام المسموع عن المعصوم عليه‌السلام الى أن قال.

١٤٢

(ثم) ان الخبر قد يطلق على ما يرادف الحديث كما هو مصطلح أصحاب الدراية وقد يطلق على ما يقابل الانشاء وقد عرفت تعريفه الاول وأما على الثانى فهو كلام لنسبته خارج يطابقه او لا يطابقه والمراد بالخارج هو الخارج عن مدلول اللفظ وان كان فى الذهن ليدخل مثل علمت انتهى.

١٤٣

(ومثله) عن مستطرفات السرائر والاخبار الدالة على عدم جواز العمل بالخبر المأثور إلّا اذا وجد له شاهد من كتاب الله او من السنة المعلومة فيدل على المنع عن العمل بالخبر المجرد عن القرينة مثل ما ورد فى غير واحد من الاخبار ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ما جاءكم عنى ما لا يوافق القرآن فلم اقله وقول أبى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام لا يصدق علينا الا ما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا جاءكم حديث عنا فوجدتم عليه شاهدا او شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلّا فقفوا عنده ثم ردوه الينا حتى نبيّن لكم ورواية ابن ابى يعفور قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومن لا نثق به قال اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله او من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخذوا به وإلّا فالذى جاءكم به اولى به.

وقوله عليه‌السلام لمحمد بن مسلم ما جاءك من رواية من بر او فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به وقوله عليه‌السلام ما جاءكم من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل وقول ابى جعفر عليه‌السلام ما جاءكم عنا فان وجدتموه موافقا للقرآن فخذوا به وان لم تجدوه موافقا فردوه وان اشتبه الامر عندكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح من ذلك ما شرح لنا وقول الصادق عليه‌السلام كل شىء مردود الى كتاب الله والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.

وصحيحة هشام بن حكم عن ابى عبد الله لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق الكتاب والسنة او تجدون معه شاهدا من احاديثنا المتقدمة فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس فى كتب اصحاب ابى أحاديث لم يحدث بها ابى فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا وللاخبار الواردة فى طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة ولو مع عدم المعارض متواترة جدا.

(وكيف كان) ان الاخبار التى استدل النافون على طوائف (الاولى) ما دل على الاخذ بما علم صدوره عنهم عليهم‌السلام والتوقف والرد اليهم فيما لا يعلم انه منهم فمن ذلك قوله عليه‌السلام فى المروى عن بصائر الدرجات ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه الينا.

١٤٤

(الثانية) ما دل على عرض الاخبار المروية عنهم عليهم‌السلام على كتاب الله عزوجل وهى على طائفتين (احدهما) تدل على الاخذ بما يوافق الكتاب وردّ ما لا يوافقه (واخرى) ما تدل على الاخذ بما لا يخالف الكتاب وردّ ما يخالفه وكل منهما على قسمين من حيث كونه بلسان نفى الصدور تارة ولسان نفى الحجية اخرى.

(فمن الطائفة الاولى) قوله عليه‌السلام ما جاءكم عنّى ما لا يوافق القرآن فلم اقله وقوله عليه‌السلام وما اتاكم من حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل وقوله عليه‌السلام كل شىء مردود الى كتاب الله عزوجل والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ونحو ذلك من الاخبار الكثيرة الظاهرة فى نفى صدور ما لا يوافق القرآن عنهم.

(ومن الطائفة الثانية) قوله عليه‌السلام ما جاءكم من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل وقوله عليه‌السلام اذا جاءكم حديث عنا فوجدتم عليه شاهدا او شاهدين من كتاب الله عزوجل فخذوا به وإلّا فقفوا عنده ثم ردوه الينا حتى نبين لكم وقوله عليه‌السلام فى خبر ابن ابى يعفور بعد ان سأله عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومن لا نثق به قال اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله او من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخذوا به وإلّا فالذى جاءكم به اولى به وقوله عليه‌السلام ما جاءكم عنا فان وجدتموه موافقا للقرآن فخذوا به وان لم تجدوه موافقا فردّوه وان اشتبه الامر عندكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك وقوله عليه‌السلام لمحمد بن مسلم ما جاءك من رواية من برّ او فاجر يوافق كتاب الله فخذ به وما جاءك من رواية من برّ او فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به ونحو ذلك من الاخبار الظاهرة فى عدم حجية ما لا يوافق الكتاب.

(ومن الطائفة الثالثة) قوله عليه‌السلام ما خالف كتاب الله عزوجل فليس من حديثى او لم اقله كما فى خبر آخر قوله عليه‌السلام ما جاءكم عنّى يخالف كتاب الله فلم اقله او فاضربوه على الجدار كما فى آخر او زخرف كما فى ثالث او باطل كما فى رابع.

(ومن الطائفة الرابعة) قوله عليه‌السلام لا تقبلوا عنا خلاف القرآن فانا ان حدثنا

١٤٥

حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة وقوله عليه‌السلام لا تقبلوا عنا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحو ذلك من النصوص الظاهرة بل الصريحة فى عدم حجية ما يخالف الكتاب والسنة هذا.

(قوله الى ابى الحسن الثالث) المراد منه الامام الهادى عليه‌السلام وابو الحسن الاول يراد منه موسى بن جعفر عليهما‌السلام وابو الحسن الثانى يراد منه على بن موسى الرضا عليهما‌السلام.

(واعلم) انه اذا اطلق فى الرواية قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فالمراد به النبى (ص) واذا قيل احدهما فالمراد به الباقر او الصادق عليهما‌السلام اذ من الرواة من روى عن كل منهما فاشتبه عليه فنسبه اليهما واذا اطلق ابو جعفر عليه‌السلام فالمراد به الباقر عليه‌السلام واذا قيد بابى جعفر الثانى فالمراد به الامام الجواد عليه‌السلام واذا اطلق ابو عبد الله فالصادق عليه‌السلام واذا اطلق ابو الحسن فالكاظم عليه‌السلام واذا اطلق العالم او الفقيه او العبد الصالح او ابو ابراهيم فالمراد بهم الكاظم عليه‌السلام ايضا وقد يرقم بحرف اختصارا فالصاد الصادق عليه‌السلام والقاف الباقر عليه‌السلام والظاء الكاظم عليه‌السلام والضاد الرضا عليه‌السلام.

(قوله كتاب الله وسنة نبيه) الظاهر ان الواو بمعنى او لما سيأتى من بعض الاخبار الدال على ذلك ويمكن ان تكون بمعناها لتطابق الكتاب والسنة غالبا

(قوله لا يصدقه كتاب الله) اقول لعل الاقتصار فى بعض الاخبار على ذكر الكتاب فقط لعدم الاحتياج الى ذكر السنة لتطابقهما غالبا.

(قوله وان لم تجدوه موافقا) يمكن ان يراد ان تجدوه غير موافق لا الاعم من ذلك ومما لم يعلم موافقته ولا مخالفته لقوله عليه‌السلام وان اشتبه الامر.

(قوله او تجدون معه شاهدا من احاديثنا المتقدمة) يمكن ان يكون المراد بالشاهد من الاحاديث المتقدمة هو ما يكون قطعى الصدور باحد اسبابه من التواتر اللفظى او المعنوى او الاحتفاف بالقرينة وغير ذلك من الاسباب التى توجب قطعية الصدور وقيل يمكن ان يراد به الاعم بان يكون المراد به ما يكون قبل زمان

١٤٦

مغيرة بن سعيد لعنه الله ودسّه وان لم يكن قطعيا وعليه لا يكون دليلا للمستدل.

(قوله متواترة جدا) قيل انه قدس‌سره اراد التواتر المعنوى بان يكون القدر المشترك بين جميع الاخبار والقدر المتيقن منها وهو عدم حجية الخبر الظنى الغير المحفوف بالقرينة القطعية من الادلة الاربعة مقطوعا به ويمكن ان يريد التواتر الاجمالى لكن لا بد فيه من القطع بتمامية دلالة الصادر المعلوم اجمالا على المراد ووجه الاحتياج الى ادعاء التواتر باحد معنييه واضح لعدم امكان الاستدلال بالخبر الظنى الصدور جوازا او منعا كما هو واضح.

١٤٧

(وجه الاستدلال) بها ان من الواضحات ان الاخبار الواردة عنهم صلوات الله عليهم فى مخالفة ظواهر الكتاب والسنة فى غاية الكثرة

(والمراد) من المخالفة للكتاب فى تلك الاخبار الناهية عن الاخذ بمخالفة الكتاب والسنة ليس هى المخالفة على وجه التباين الكلى بحيث يتعذر او يتعسّر الجمع اذ لا يصدر من الكذابين عليهم ما يباين الكتاب والسنة كلية اذ لا يصدقهم احد فى ذلك فما يصدر عن الكذابين من الكذب لم يكن الا نظير ما كان يرد من الائمة عليهم‌السلام فى مخالفة ظواهر الكتاب والسنة فليس المقصود من عرض ما يرد من الحديث على الكتاب والسنة إلّا عرض ما كان منها غير معلوم الصدور عنهم وانه ان وجد له قرينة او شاهد معتمد فهو وإلّا فليتوقف فيه لعدم افادته العلم بنفسه وعدم اعتضاده بقرينة معتبرة ثم ان عدم ذكر الاجماع ودليل العقل من جملة قرائن الخبر فى هذه الروايات كما فعله الشيخ فى العدة لان مرجعهما الى الكتاب والسنة كما يظهر بالتأمل ويشير الى ما ذكرنا من ان المقصود من عرض الخبر على الكتاب والسنة هو فى غير معلوم الصدور تعليل العرض فى بعض الاخبار بوجود الاخبار المكذوبة فى اخبار الامامية

(واما الاجماع) فقد ادعاه السيد المرتضى قدس‌سره فى مواضع من كلامه وجعله فى بعضها بمنزلة القياس فى كون ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة وقد اعترف بذلك الشيخ على ما يأتى فى كلامه إلّا انه اوّل معقد الاجماع بارادة الاخبار التى يرويها المخالفون وهو ظاهر المحكى عن الطبرسى فى مجمع البيان قال لا يجوز العمل بالظن عند الامامية الا فى شهادة العدلين وقيم المتلفات واروش الجنايات انتهى.

(اقول) توضيح الاستدلال بالاخبار المذكورة ان المخالفة للكتاب والسنة اما ان تكون على وجه التباين الكلى او غيره كالمخالفة بالعموم والخصوص والاطلاق والتقييد وهذا القسم هو الاكثر فى الاخبار لقلة المخالفة على الوجه الاول فحينئذ

١٤٨

يحمل الاخبار الآمرة بطرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة على الوجه الثانى لا الوجه الاول لان المخالفة على الوجه الاول لو وجدت ففى غاية الندرة ولا يناسبها التأكيد الاكيد فى الاخبار المتكثرة فعلى هذا يكون كل ما خالف الكتاب والسنة ولو على غير وجه التباين الكلى مردودا ومقتضى ذلك عدم العمل بالخبر الواحد وقد اشار قدس‌سره الى ما ذكرنا من توضيح الاستدلال بقوله والمراد من المخالفة للكتاب فى تلك الاخبار الناهية عن الاخذ بمخالفة الكتاب والسنة ليس هى المخالفة على وجه التباين الكلى الى ان قال فليس المقصود من عرض ما يرد من الحديث على الكتاب والسنة الا عرض ما كان منها غير معلوم الصدور عنهم وانه ان وجد له قرينة وشاهد معتمد فهو وإلّا فليتوقف فيه لعدم افادته العلم بنفسه وعدم اعتضاده بقرينة معتبرة

(قوله ثم ان عدم ذكر الاجماع ودليل العقل الخ) اما الاول فلرجوعه الى السنة لان حجية الاجماع عند الخاصة للكشف عن قول المعصوم او فعله او تقريره ولذا لم يكن دليلا اصطلاحيا واما جعل الادلة اربعة من جملتها الاجماع فلمتابعة العامة لكون الاجماع عندهم دليلا على الحكم الواقعى لا للكشف عن السنة واما الثانى فلقاعدة الملازمة قيل ووجه عدم ذكر العقل عدم تطرّقه فى كل الاحكام حتى التوقيفيات فافهم

(قال صاحب بحر الفوائد) فى رجوع الاجماع ودليل العقل الى الكتاب والسنة ما هذا لفظه اقول رجوع الاجماع الى السنة بمعنى كون الموافق له موافقا للسنة على طريقة الامامية امر واضح لا سترة فيه اصلا كما عرفت تفصيل القول فيه فى مسئلة نقل الاجماع واما رجوع العقل اليهما مع كونه دليلا مستقلا وكاشفا عن حكم الشارع فى قبال الكتاب والسنة على القول بلزوم تأكيد العقل بالنقل من باب اللطف كما اختاره غير واحد فانما هو من جهة التلازم بينه وبين الكتاب والسنة وان لم يكن كاشفا عنهما ابتداء كالاجماع واما على القول بعدم اللزوم وان اتفق كثيرا ما توافقهما فيشكل الامر فيه جدا بل قد يشكل الحكم برجوعه اليهما على التقدير الاول ايضا فضلا عن هذا التقدير ووجه الاشكال على التقدير ظاهر.

١٤٩

(قوله واما الاجماع فقد ادعاه السيد الخ) ادعاه السيد فى مواقع من كلامه حتى جعل العمل بالخبر الواحد بمنزلة العمل بالقياس فى قيام الضرورة على بطلانه قال السيد فيما حكاه صاحب المعالم فى جواب المسائل التبانيات ان اصحابنا لا يعملون بخبر الواحد وان ادعاء خلاف ذلك عليهم دفع للضرورة قال لانا نعلم علما ضروريا لا يدخل فى مثله ريب ولا شك ان علماء الشيعة الامامية يذهبون الى ان اخبار الآحاد لا يجوز العمل بها فى الشريعة ولا التعويل عليها وانها ليست بحجة ولا دلالة وقد ملئوا الطوامير وسطروا الاساطير فى الاحتجاج على ذلك والنقض على مخالفيهم فيه ومنهم من يزيد على تلك الجملة ويذهب الى انه مستحيل من طريق العقول ان يتعبد الله تعالى بالعمل باخبار الآحاد ويجرى ظهور مذهبهم فى اخبار الآحاد مجرى ظهوره فى ابطال القياس فى الشريعة وحظره وقال فى المسألة التى افردها فى البحث عن العمل بخبر الواحد انه تبيّن فى جواب المسائل التبانيات ان العلم الضرورى حاصل لكل مخالف للامامية او موافق بانهم لا يعملون فى الشريعة بخبر لا يوجب العلم وان ذلك قد صار شعارا لهم يعرفون به كما ان نفى القياس فى الشريعة من شعارهم الذى يعلمه منهم كل مخالط لهم انتهى

(قوله وهو ظاهر المحكى عن الطبرسى الخ) قال الطبرسى قدس‌سره فيما حكاه بعض المحشين فى مجمع البيان فى سورة الانبياء عند تفسير قوله تعالى (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ) الآية ما هذا لفظه على ان الحكم بالظن والاجتهاد والقياس قد بين أصحابنا فى كتبهم انه لم يتعبد به الشرع الا فى مواضع مخصوصة ورد النص بجواز ذلك فيها نحو قيم المتلفات واروش الجنايات وجزاء الصيد والقبلة وما جرى هذا المجرى انتهى كلامه رفع مقامه.

(واما الدليل العقلى) فهو البرهان المعروف المحكى عن ابن قبة فى امتناع جعل الطرق الغير العلمية من جهة محذور اجتماع الضدين ولزوم تحليل الحرام وعكسه وقد تقدمت هذه الشبهة فى اول الظن وقد اجيب عنها فيه بما لا مزيد عليه فعلى هذا لا وجه لتخصيص ادلة النافين بالثلاثة.

١٥٠

(والجواب) اما عن الآيات فبانها بعد تسليم دلالتها عمومات مخصصة بما سيجىء من الادلة واما عن الاخبار فعن الرواية الاولى فبانها خبر واحد لا يجوز الاستدلال بها على المنع عن الخبر الواحد واما أخبار العرض على الكتاب فهى وان كانت متواترة بالمعنى إلّا انها بين طائفتين إحداهما ما دل على طرح الخبر الذى يخالف الكتاب والثانية ما دل على طرح الخبر الذى لا يوافق الكتاب واما الطائفة الاولى فلا تدل على المنع عن الخبر الذى لا يوجد مضمونه فى الكتاب والسنة.

(فان قلت) ما من واقعة الا ويمكن استفادة حكمها عن عمومات الكتاب المقتصر فى تخصيصها على السنة القطعية مثل قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) الخ و (كُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ونحو ذلك فالاخبار المخصصة لها كلها ولكثير من عمومات السنة القطعية مخالفة للكتاب.

(قلت) أولا انه لا يعد مخالفة ظاهر العموم خصوصا مثل هذه العمومات مخالفة وإلّا لعدت الاخبار الصادرة يقينا عن الائمة عليهم‌السلام المخالفة لعموم الكتاب والسنة النبوية مخالفة للكتاب والسنة غاية الامر ثبوت الاخذ بها مع مخالفتها لكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخرج عن عموم أخبار العرض مع ان الناظر فى أخبار العرض على الكتاب والسنة يقطع بانها نأبى عن التخصيص وكيف يرتكب التخصيص فى قوله عليه‌السلام كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف وقوله ما آتيكم من حديث لا يوافقه كتاب الله فهو باطل وقوله عليه‌السلام لا تقبلوا علينا خلاف القرآن فانا ان حدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة وقد صح عن النبى (ص) انه قال ما خالف كتاب الله فليس من حديثى او لم اقله مع ان اكثر عمومات الكتاب قد خصص بقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(واما الجواب عن الآيات) بعد الغض عن كون مساقها حرمة العمل بالظن فى أصول العقائد واصول الدين وتسليم عمومها لمطلق الاحكام الشرعية فبانها

١٥١

عمومات مخصصة بما سيأتى من الادلة الدالة على جواز العمل بخبر الواحد اذ فى فرض تماميتها لا مجال للتمسك بتلك الآيات لحكومة تلك الادلة عليها فان تلك الادلة تقتضى القاء احتمال الخلاف وجعل الخبر محرزا للواقع فيكون حال الخبر حال العلم فى عالم التشريع فلا تعمّه الادلة الناهية عن العمل بالظن لنحتاج الى التخصيص.

(فعلى) هذا تعبير الشيخ قدس‌سره بلفظ التخصيص اما مسامحة فى لفظ التخصيص باستعماله فى غير ظاهره من الورود والحكومة او مبنى على تسامح القوم وتساهلهم وعدم فرقهم بين الاقسام المذكورة.

(واما الجواب عن الاخبار) فعن الرواية الاولى مضافا الى ما قيل من ان الاخباريين مع عدم كون دأبهم الخدشة فى سند الروايات لا يعملون بالاخبار المدوّنة فى بصائر الدرجات سيما مثل هذه الرواية التى هى من قبيل المكاتبة لكن المجلسى ره على ما حكى عنه قال فى مقدمات البحار انه من الاصول المعتبرة التى روى عنها الكلينى وغيره فبانها خبر واحد لا يجوز الاستدلال بها على المنع عن الخبر الواحد.

(واما اخبار العرض على الكتاب) فهى وان كانت متواترة بالمعنى إلّا انها بين طائفتين إحداهما ما دل على طرح الخبر الذى يخالف الكتاب والثانية ما دل على طرح الخبر الذى لا يوافق الكتاب واما الاخبار التى دلت على ان الخبر المخالف للكتاب باطل او زخرف او اضربوه على الجدار او لم نقله الى غير ذلك من التعبيرات الدالة على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة القطعية.

(والمراد) من المخالفة فى هذه الاخبار هى المخالفة بنحو لا يكون بين الخبر والكتاب جمع عرفى كما اذا كان الخبر مخالفا للكتاب بنحو التباين او العموم من وجه وهذا النحو من الخبر اى المخالف للكتاب او السنة القطعية بنحو التباين او العموم من وجه خارج عن محل الكلام لانه غير حجة بلا اشكال ولا خلاف واما الاخبار المخالفة للكتاب والسنة بنحو التخصيص او التقييد فليست مشمولة لهذه الطائفة للعلم بصدور المخصص لعموم الكتاب والمقيد لاطلاقاته عنهم عليهم‌السلام

١٥٢

كثيرا اذ لم يذكر فى الكتاب الا اساس الاحكام بنحو الاجمال واما تفصيل الاحكام وبيان موضوعاتها فهو مذكور فى الاخبار المروية عنهم عليهم‌السلام وان شئت قلت ليس المراد من المخالفة فى هذه الطائفة هى المخالفة بالتخصيص والتقييد وإلّا لزم تخصيصها بموارد العلم بتخصيص الكتاب فيها مع انها آبية عن التخصيص وكيف يمكن الالتزام بالتخصيص فى مثل قوله عليه‌السلام ما خالف قول ربنا لم نقله وبالجملة الخبر المخصص لعموم الكتاب او المقيد لاطلاقه لا يعد مخالفا له فى نظر العرف فالمراد من المخالفة فى هذه الطائفة هى المخالفة بنحو التباين او العموم من وجه.

(وبالجملة) ان المراد من الاخبار الدالة على طرح المخالف للكتاب وانه زخرف باطل لم اقله هو المخالف لنص الكتاب لا لظاهره وذلك للقطع بصدور كثير من الاخبار الصحيحة المخالفة لظاهر القرآن عن الائمة عليهم‌السلام فى الاحكام الشرعية وغيرها الشارحة لمراده فوق حد الاحصاء.

(قوله فان قلت ما من واقعة الا ويمكن استفادة حكمها الخ) لمّا ذكر قدس‌سره ان الطائفة الاولى لا تدل على المنع عن الخبر الذى لا يوجد مضمونه فى الكتاب والسنة توجه عليه السؤال المذكور وهو ان احكام جميع الوقائع مستفادة من عمومات الكتاب مثل الآيات المذكورة فحينئذ كل خبر وافقه يؤخذ به وكل خبر خالفه يطرح إلّا ان يكون قطعى الصدور فيخصص به الكتاب كما قال المقتصر فى تخصيصها على السنة القطعية الخ فالاخبار المخصصة لعمومات الكتاب كلها والمخصصة لكثير من عمومات السنة القطعية مخالفة للكتاب.

(قوله قلت اولا) حاصل الجواب عدم صدق المخالف على الخبر المخصص للعموم سيما مثل هذه العمومات وإلّا لعدّت الاخبار الصادرة يقينا عن الائمة عليهم‌السلام المخالفة لعمومات الكتاب والسنة النبوية مخالفة للكتاب والسنة.

١٥٣

(غاية الامر) ثبوت الاخذ بها مع مخالفتها لكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخرج عن عموم اخبار العرض مع ان الناظر فى اخبار العرض على الكتاب والسنة يقطع بانها تابى عن التخصيص وكيف يرتكب التخصيص فى قوله عليه‌السلام كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف وقوله ما آتيكم من حديث لا يوافقه كتاب الله فهو باطل وقوله عليه‌السلام لا تقبلوا علينا خلاف القرآن فانا ان حدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة وقد صح عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال ما خالف كتاب الله فليس من حديثى او لم اقله مع ان اكثر عمومات الكتاب قد خصص بقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٥٤

ومما يدل على ان المخالفة لتلك العمومات لا تعد مخالفة ما دل من الاخبار على بيان حكم ما لا يوجد حكمه فى الكتاب والسنة النبوية اذ بناء على تلك العمومات لا يوجد واقعة لا يوجد حكمها فيهما فمن تلك الاخبار ما عن البصائر والاحتجاج وغيرهما مرسلة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال ما وجدتم فى كتاب الله فالعمل به لازم ولا عذر لكم فى تركه وما لم يكن فى كتاب الله وكانت فيه سنة منى فلا عذر لكم فى ترك شىء وما لم يكن فيه سنة منى فما قال اصحابى فقولوا به فانما مثل اصحابى فيكم كمثل النجوم بايّها اخذ اهتدى وباىّ اقاويل اصحابى اخذتم اهتديتم واختلاف اصحابى رحمة لكم قيل يا رسول الله ومن اصحابك قال اهل بيتى الخبر فانه صريح فى انه قد يرد من الائمة عليهم‌السلام ما لا يوجد فى الكتاب والسنة.

ومنها ما ورد فى تعارض الروايتين من رد ما لا يوجد فى الكتاب والسنة الى الائمة عليهم‌السلام مثل ما رواه فى العيون عن ابى الوليد عن سعد بن محمد بن عبد الله المسمعى عن الميثمى وفيها ما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله الى ان قال وما لم يكن فى الكتاب فاعرضوهما على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ان قال وما لم تجدوا فى شيء من هذه فردوا الينا علمه فنحن اولى بذلك الخبر

والحاصل ان القرائن الدالة على ان المراد بمخالفة الكتاب ليس مجرد مخالفة عمومه واطلاقه كثيرة يظهر لمن له ادنى تتبع ومن هنا يظهر ضعف التامل فى تخصيص الكتاب بخبر الواحد لتلك الاخبار بل منعه لاجلها كما عن الشيخ فى العدة او لما ذكره المحقق من ان الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد الاجماع على استعماله فيما لا يوجد فيه دلالة ومع الدلالة القرآنية تسقط وجوب العمل به.

(اقول) ان الاخبار التى دلت على بيان حكم ما لا يوجد حكمه فى الكتاب والسنة النبوية تدل على ان المخالفة لتلك العمومات لا تعد مخالفة(فمنها) ما عن البصائر والاحتجاج وغيرهما مرسلة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال ما وجدتم فى كتاب الله فالعمل به لازم ولا عذر لكم فى تركه وما لم يكن فى كتاب الله تعالى وكانت

١٥٥

فيه سنة منى فلا عذر لكم فى ترك شيء وما لم يكن فيه سنة منى فما قال اصحابى فقولوا به فانما مثل اصحابى فيكم كمثل النجوم بايّها اخذ اهتدى وباىّ اقاويل اصحابى اخذتم اهتديتم واختلاف اصحابى رحمة لكم قيل يا رسول الله ومن اصحابك قال اهل بيتى الخبر فان هذا الخبر صريح فى انه قد يرد من الائمة عليهم‌السلام ما لا يوجد فى الكتاب والسنة.

(قوله عليه‌السلام بايها اخذ اهتدى) قيل كلاهما مبنيان للمفعول فيكون قوله بايّها فى مقام النائب عن الفاعل وهو محذوف لقوله اهتدى اى اهتدى به.

(قوله واختلاف اصحابى رحمة لكم) اقول قد علمت بتصريح النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ان المراد من الاصحاب اهل البيت عليهم‌السلام وليعلم انه كيف يكون اختلافهم عليهم‌السلام رحمة للامة قال الصدوق فى توجيهه ان اهل البيت لا يختلفون ولكن يفتون الشيعة بمر الحق وربما افتوهم بالتقية فما يختلف من قولهم فهو للتقية والتقية رحمة للشيعة هذا التوجيه بالعبارة المحكية فى معانى الاخبار ص ١٥٣

(ولكن) لا ينحصر وجه الاختلاف فى التوجيه المذكور فقط فحينئذ لا بأس بنقل جملة من الاخبار الدالة على ذلك فمن ذلك ما رواه فى الاحتجاج بسنده فيه عن حريز عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قلت له انه ليس شىء اشدّ على من اختلاف اصحابنا قال ذلك من قبلى.

هذا الحديث مذكور فى العلل باب ١٣١(العلة التى من اجلها حرم الله الكبائر) ولم ينقله المجلسى فى البحار إلّا عن العلل.

ومن ذلك ايضا ما رواه فى كتاب معانى الاخبار عن الخزاز عمن حدثه عن ابى الحسن عليه‌السلام قال اختلاف اصحابى لكم رحمة وقال عليه‌السلام اذا كان ذلك جمعتكم على امر واحد وسئل عن اختلاف اصحابنا فقال عليه‌السلام انا فعلت ذلك بكم ولو اجتمعتم على امر واحد لاخذ برقابكم.

هذا الحديث مذكور فى العلل فى الباب المتقدم ولم ينقله المجلسى فى البحار إلّا عن العلل وغير ذلك من الاخبار الدالة على وجه كون الاختلاف رحمة لكم.

١٥٦

(اقول) قد نقل ايضا فى بعض الروايات عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال اختلاف امتى رحمة(فى معانى الاخبار) عن محمد ابن ابى عمير عن عبد المؤمن الانصارى قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ان قوما يروون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال اختلاف امتى رحمة فقال صدقوا قلت ان كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب قال ليس حيث تذهب وذهبوا انما اراد قول الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فأمرهم ان ينفروا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيتعلموا ثم يرجعوا الى قومهم فيعلموهم انما اراد اختلافهم من البلدان لا اختلافا فى دين الله انما الدين واحد.

(ويؤيده) ما رواه فى الكافى عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام قال سألته عن مسئلة فاجابنى ثم جاءه رجل فسأله عنها فاجابه بخلاف ما اجابنى ثم جاء رجل آخر فاجابه بخلاف ما اجابنى واجاب صاحبى فلما خرج الرجلان قلت يا بن رسول الله رجلان من اهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فاجبت كل واحد منهما بغير ما اجبت به صاحبه فقال يا زرارة ان هذا خير لنا وابقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على امر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان اقل لبقائنا وبقائكم قال ثم قلت لابى عبد الله عليه‌السلام شيعتكم لو حملتموهم على الاسنّة او على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين قال فسكت فاعدت عليه ثلاث مرات فاجابنى بمثل جواب ابيه.

(ومنها) اى من الاخبار التى دلت على بيان حكم ما لا يوجد حكمه فى الكتاب والسنة النبوية ما ورد فى تعارض الروايتين من ردّ ما لا يوجد فى الكتاب والسنة الى الائمة عليهم‌السلام مثل ما رواه فى العيون عن ابى الوليد عن سعد بن محمد بن عبد الله المسمعى عن الميثمى وفيها ما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله الى ان قال وما لم يكن فى الكتاب فاعرضوهما على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ان قال وما لم تجدوا فى شىء من هذه فردوا الينا علمه فنحن اولى بذلك الخبر

(والحاصل) ان القرائن الدالة على ان المراد بمخالفة الكتاب ليس مجرد مخالفة عمومه واطلاقه كثيرة يظهر لمن له ادنى تتبع (ومن هنا) اى من جهة ما ذكر

١٥٧

من ان المخالفة من حيث التخصيص او التقييد ليست مخالفة يظهر ضعف التأمل فى تخصيص الكتاب بخبر الواحد للاخبار التى دلت على طرح الخبر المخالف للكتاب والسنة بل منع التخصيص لتلك الاخبار كما عن الشيخ فى العدة او لما ذكره المحقق من ان الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد الاجماع على استعماله فيما لا يوجد فيه دلالة ومع الدلالة القرآنية تسقط وجوب العمل به.

(ولا يخفى) انه لم يظهر مما ذكره قدس‌سره ضعف ما ذكره المحقق قدس‌سره كما هو مفاد العبارة بل وجه ضعف ما ذكره ره عدم انحصار دليل حجية خبر الواحد فى الاجماع حتّى يؤخذ بالقدر المتيقن.

١٥٨

وثانيا انا نتكلم فى الاحكام التى لم يرد فيها عموم من القرآن والسنة ككثير من احكام المعاملات بل العبادات التى لم ترد فيها الا آيات مجملة او مطلقة من الكتاب اذ لو سلمنا ان تخصيص العموم يعد مخالفة اما تقييد المطلق فلا يعد فى العرف مخالفة بل هو مفسر خصوصا على المختار من عدم كون المطلق مجازا عند التقييد (فان قلت) فعلى اى شىء تحمل تلك الاخبار الكثيرة الآمرة بطرح مخالف الكتاب فان حملها على طرح ما يباين الكتاب كلية حمل على فرد نادر بل معدوم فلا ينبغى لاجله هذا الاهتمام الذى عرفته فى الاخبار.

(قلت) هذه الاخبار على قسمين منها ما يدل على عدم صدور الخبر المخالف للكتاب والسنة عنهم عليهم‌السلام وان المخالف لها باطل وانه ليس بحديثهم ومنها ما يدل على عدم جواز تصديق الخبر المحكى عنهم اذا خالف الكتاب والسنة اما الطائفة الاولى فالاقرب حملها على الاخبار الواردة فى اصول الدين مثل مسائل الغلو والجبر والتفويض التى ورد فيها الآيات والاخبار النبوية وهذه الاخبار غير موجودة فى كتبنا الجوامع لانها اخذت عن الاصول بعد تهذيبها من تلك الاخبار اما الثانية فيمكن حملها على ما ذكر فى الاولى ويمكن حملها على صورة تعارض الخبرين كما يشهد به مورد بعضها ويمكن حملها على خبر غير الثقة لما سيجىء من الادلة على اعتبار خبر الثقة هذا كله فى الطائفة الدالة على طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة.

(اقول) ان الجواب الثانى عن الاشكال المتقدم فى مقام منع الصغرى وحاصله منع كون كل حكم ورد فيه عموم من القرآن او السنة والجواب الاول عنه راجع الى منع الكبرى فحينئذ كان تقديم الجواب الثانى على الاول اولى.

(وكيف كان) محصل الجواب الثانى انا نتكلم فى الاحكام التى لم يرد فيها عموم من القرآن والسنة ككثير من احكام المعاملات بل العبادات التى لم ترد فيها الا آيات مجملة بناء على كون اسامى العبادات والمعاملات موضوعة للصحيح منها او مطلقة بناء على كونها اسامى للاعم منها قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاة) وقوله سبحانه

١٥٩

(لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) و (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) وغير ذلك من الآيات الشريفة الواردة فى باب العبادات والمعاملات ولو سلمنا ان تخصيص العموم يعد مخالفة اما تقييد المطلق فلا يعد فى العرف مخالفة بل هو اى التقييد مفسر للمطلق خصوصا (على المختار) أى على مختار الشيخ قدس‌سره من عدم كون المطلق مجازا عند التقييد وهو الذى أختاره سلطان العلماء رحمة الله عليه حيث ذهب الى ان المطلق اذا قيد بشىء فهو حقيقة سواء كان المقيد متصلا او منفصلا اذ مبناه على ما ذكر فى محله ان المطلق موضوع للماهية لا بشرط شىء حتى بشرط الاطلاق فهو مستعمل دائما فى المفهوم الكلى وان خصوصية الفرد انما هى من جهة الخارج فاذا قيل اعتق رقبة مؤمنة فالرقبة انما اطلقت على الماهية لا بشرط وان قيد الايمان انما جاء من جهة قوله مؤمنة فهو من قبيل تعدد الدال والمدلول وهو مثل العهد الذهنى فى مثل قول القائل ادخل السوق واشتر اللحم حيث ان السوق واللحم انما استعملا فيما وضع له وان الخصوصية انما جاءت من قبل قوله ادخل واشتر فاستفادة التقييد انما جاءت من قبل ذكر المقيد والمطلق انما استعمل فى معناه الموضوع له وهو الماهية لا بشرط شىء.

(قوله فان قلت الخ) ان المناسب ذكر هذا السؤال قبل الجواب الثانى فانه من متعلقات الجواب الاول لا من متعلقات الجواب الثانى فانه لما نفى صدق المخالفة على المخالفة من حيث العموم والاطلاق فى الجواب الاول توجه عليه هذا السؤال المذكور فى المتن وحاصله اذا نفى صدق المخالفة على المخالفة من حيث العموم والاطلاق فعلى أى شىء تحمل الاخبار الآمرة بطرح مخالف الكتاب فان حملها على طرح ما يباين الكتاب كلية حمل على فرد نادر بل معدوم فلا ينبغى لاجله هذا الاهتمام الذى عرفته فى الاخبار.

(قوله قلت هذه الاخبار الخ) حاصله ان الاخبار الدالة على طرح المخالف

١٦٠