درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

على قسمين منها ما يدل على عدم صدور الخبر المخالف للكتاب والسنة عنهم عليهم‌السلام وان المخالف لها باطل وانه ليس بحديثهم ومنها ما يدل على عدم جواز تصديق الخبر المحكى عنهم اذا خالف الكتاب والسنة كما يدل عليه ذيل خبر ابن ابى يعفور فالذى جاءكم اولى به.

(اما الطائفة الاولى) الدالة على عدم الصدور فالاقرب حملها على الاخبار الواردة فى اصول الدين مثل مسائل الغلو والجبر والتفويض التى ورد فيها الآيات والاخبار النبوية يعنى المسائل التى ورد فى ردها الآيات والاخبار النبوية وهذه الاخبار غير موجودة فى كتبنا الجوامع الاربعة لانها اخذت عن الاصول اى الاصول الأربعمائة المعروفة بعد تهذيبها من تلك الاخبار.

(اما الثانية) فيمكن حملها على ما ذكر فى الاولى من حملها على الاخبار الواردة فى اصول الدين ويمكن حملها على صورة تعارض الخبرين كما يشهد به مورد بعضها ويمكن حملها على خبر غير الثقة لما سيجىء من الادلة على اعتبار خبر الثقة هذا كله فى الطائفة الدالة على طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة.

١٦١

(واما الطائفة الآمرة) بطرح ما لا يوافق الكتاب او لم يوجد عليه شاهد من الكتاب والسنة فالجواب عنها بعد ما عرفت من القطع بصدور الاخبار الغير الموافقة لما يوجد فى الكتاب منهم عليهم‌السلام كما دل عليه روايتا الاحتجاج والعيون المتقدمتان المعتضدتان بغيرهما من الاخبار انها محمولة على ما تقدم فى الطائفة الآمرة بطرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة وان ما دل منها على بطلان ما لم يوافق وكونه زخرفا محمول على الاخبار الواردة فى اصول الدين مع احتمال كون ذلك من اخبارهم الموافقة للكتاب والسنة على الباطن الذى يعلمونه منها ولهذا كانوا يستشهدون كثيرا بآيات لا نفهم دلالتها وما دل على عدم جواز تصديق الخبر الذى لا يوجد عليه شاهد من كتاب الله على خبر غير الثقة او صورة التعارض كما هو ظاهر غير واحد من الاخبار العلاجية (ثم) ان الاخبار المذكورة على فرض تسليم دلالتها وان كانت كثيرة إلّا انها لا تقاوم الادلة الآتية فانها موجبة للقطع بحجية خبر الثقة فلا بد من مخالفة الظاهر فى هذه الاخبار.

(واما الجواب عن الاجماع) الذى ادعاه السيد والطبرسى قدس‌سرهما فبأنه لم يتحقق لنا هذا الاجماع والاعتماد على نقله تعويل على خبر الواحد مع معارضته بما سيجىء من دعوى الشيخ المعتضدة بدعوى جماعة اخرى الاجماع على حجية خبر الواحد فى الجملة وتحقق الشهرة على خلافها بين القدماء والمتأخرين واما نسبة بعض العامة كالحاجبى والعضدى عدم الحجية الى الرافضة فمستندة الى ما رأوا من السيد من دعوى الاجماع بل ضرورة المذهب على كون خبر الواحد كالقياس عند الشيعة.

(اقول) حاصل الجواب عن الاخبار الآمرة بطرح ما لا يوافق الكتاب او لم يوجد عليه شاهد من الكتاب والسنة انا نعلم بصدور الاخبار الغير الموافقة للكتاب عنهم عليهم‌السلام كما دل عليه روايتا الاحتجاج والعيون وحينئذ فلا بد اما من تخصيص اخبار العرض وهو تخصيص الاكثر او التصرف فى عدم الموافقة ولا ريب

١٦٢

ان الثانى اولى.

(ودعوى) انه حينئذ على اى شيء تحمل تلك الاخبار الكثيرة الدالة على طرح ما لا يوافق الكتاب (مدفوعة) بانها محمولة على ما تقدم فى الطائفة الاولى من الوجوه الثلاثة وهى حملها على ما ورد فى اصول الدين او على صورة التعارض او حملها على خبر غير الثقة وان ما دل منها على بطلان ما لم يوافق وكونه زخرفا محمول على الاخبار الواردة فى اصول الدين مثل بعض الاخبار الواردة فى بعض تفاصيل المحشر والميزان واوصاف اهل الجنة والنار والحور والقصور مما لم يرد كتاب وسنة قطعية فى بيانها وليس مما يخالف ضرورة الدين او المذهب او العقل فلا بد من البناء فى مرحلة الظاهر على كونها زخرفا وباطلا.

(قوله مع احتمال كون ذلك من اخبارهم الخ) هذا جواب آخر عن الطائفة الآمرة لطرح ما لا يوافق الكتاب والمشار اليه فى قوله ذلك هو الخبر الغير الموافق سواء ورد فى اصول الدين او غيره حاصله كون الحمل على البطلان وعدم الصدور مبنيا على الظاهر مع احتمال الموافقة بحسب الواقع وباطن القرآن عند الائمة عليهم‌السلام وان كان ذلك مجهولا لنا وهذا بخلاف ما اذا وجدناه مخالفا للكتاب فانه يحمل على كونه باطلا بحسب الواقع.

(ولما ذكر فى هذا الجواب) كانوا يستشهدون كثيرا بآيات لا نفهم دلالتها الا بعد بيانهم كاستشهاد الامام عليه‌السلام على كون المراد من الجزء فى الوصية به العشر بقوله تعالى (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) متمثلا بالجبال العشرة التى جعل على كل واحد منها جزء من الطيور الاربعة واستدلاله عليه‌السلام فى صحيح البزنطى على كون المراد منه السبع بقوله تعالى (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) واستشهاده عليه‌السلام على كون المراد من السهم فيها الثمن بقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) الآية بتقريب ان الثمانية سهام الزكاة وغير ذلك من الاستشهادات الصادرة عنهم عليهم‌السلام (ولا يخفى) ان هذه

١٦٣

التعليلات المذكورة فى كلامهم عليهم‌السلام لا تصلح للعلية وانما ذكروها عليهم‌السلام على وجه التقريب والتمثيل.

(وما دل) على عدم جواز تصديق الخبر الذى لا يوجد عليه شاهد من كتاب الله يحمل على خبر غير الثقة او صورة التعارض كما هو ظاهر غير واحد من الاخبار العلاجية الواردة فى علاج المتعارضين.

(ثم) ان الاخبار المذكورة على فرض تسليم دلالتها على المنع وان كانت كثيرة إلّا انها لا تقاوم الادلة الآتية فانها موجبة للقطع بحجية خبر الثقة فلا بد من مخالفة الظاهر فى هذه الاخبار وقد تقدم الجواب عنها تفصيلا.

(قوله واما الجواب عن الاجماع الذى ادعاه السيد والطبرسى قدس‌سرهما الخ) واما الجواب عن الاجماع الذى ادعاه السيد والطبرسى فبان المحصل من هذا الاجماع غير حاصل لو لم نقل ان المتحقق خلافه والمنقول منه مع انه غير حجة معارض بالاجماع الذى ادعاه الشيخ والسيد رضى الدين والعلامة رحمهم‌الله تعالى على جواز العمل بخبر الواحد وستطلع على عباراتهم فى المتن مع ان الترجيح فى جانب اجماعهم لذهاب المعظم اليه ولسائر المؤيدات التى يجىء الاشارة اليها ويجىء فى ادلة المجوزين ما يزيدك توضيحا (هذا) مع امكان توجيه كلام السيد قدس‌سره بارادة الاخبار الخالية عن شواهد الصدق على الصدور لابتلائه فى زمانه بالعامة واخبارهم المروية بطرقهم غير النقية فلاجل ذلك أنكر هو حجية اخبار الآحاد للتخلص عن محذور عدم العمل باخبارهم هذا كله فى ادلة النافين واما المثبتون لحجية الخبر الواحد فقد استدلوا ايضا بالادلة الاربعة.

١٦٤

(واما المجوزون) فقد استدلوا على حجيته بالادلة الاربعة اما الكتاب فقد ذكروا منه آيات ادعوا دلالتها منها قوله تعالى فى سورة الحجرات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) والمحكى فى وجه الاستدلال بها وجهان.

(احدهما) انه سبحانه علّق وجوب التثبت على مجيء الفاسق فينتفى عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط واذا لم يجب التثبت عند مجيء غير الفاسق فاما ان يجب القبول وهو المطلوب او الرد وهو باطل لانه يقتضى كون العادل أسوأ حالا من الفاسق وفساده بين

(الثانى) انه تعالى امر بالتثبت عند اخبار الفاسق وقد اجتمع فيه وصفان ذاتى وهو كونه خبر واحد وعرضى وهو كونه فاسقا ومقتضى التثبت هو الثانى للمناسبة والاقتران فان الفسق يناسب عدم القبول فلا يصلح الاول للعلية وإلّا لوجب الاستناد اليه اذا التعليل بالذاتى الصالح للعلية اولى من التعليل بالعرضى لحصوله قبل حصول العرضى فيكون الحكم قد حصل قبل حصول العرضى واذا لم يجب التثبت عند اخبار العدل فاما ان يجب القبول وهو المطلوب او الرد فيكون حاله أسوأ من حال الفاسق وهو محال

(اقول) قد استدل المشهور على حجية الخبر الواحد بالادلة الاربعة اما الكتاب فبآيات منها قوله عزّ من قائل آية النبأ هى فى سورة الحجرات بعد سورة الفتح قال الطبرسى فى مجمع البيان قوله ان جاءكم فاسق الآية نزل فى خصوص وليد بن عتبة بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى بنى المصطلق ليأخذ منهم صدقاتهم فخرجوا يتلقونه تعظيما له وكانت بينهم عداوة فى الجاهلية فظن انهم همّوا بقتله فرجع الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال انهم منعوا صدقاتهم وكان الامر بخلافه وقد يروى انه اخبر بارتدادهم فنزلت الآية فى حقه قال الطبرسى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ثم ذكر قولا آخر فى الآية

١٦٥

(ثم) انه قرء الاكثرون فتبينوا بالباء والنون من التبين والظاهر ان البيان بمعنى الظهور كما هو ظاهر النهاية والمغرب والمجمل على ما حكى عنهم وجعله المحقق القمى مأخوذا من بان بمعنى ظهر حيث قال ان المراد بالتبين والتثبت طلب ظهور حال خبر الفاسق والثبات والقرار حتى يظهر حال خبر الفاسق فكانه قال تبينوا خبر الفاسق.

(وفى المصباح) بان الامر يبين فهو بين وجاء بائن على الاصل وأبان ابانة وبين وتبين واستبان كلها بمعنى الوضوح والانكشاف والاسم البيان وجمعها يستعمل لازما ومتعديا الا الثلاثى فلا يكون الا لازما وبان الشىء اذا انفصل فهو بائن وأبنته بالالف فصلته وبانت المرأة بالطلاق فهى بائن بغير هاء وابانها زوجها بالالف فهى مبانة انتهى.

(والظاهر) ان التبين يشمل التبين العلمى والظنى وان كان مبدأ اشتقاقه يقتضى الاختصاص بالعلم لان التبين هو طلب البيان والظهور وهو لا يصدق إلّا مع العلم وعلى اى حال فالمقصود بالتبين فى الآية اما مجرد وجوب التفحص من دون دلالة على لزوم كون الحاصل بعد الفحص هو خصوص العلم او كفاية الظن كما هو مقتضى كلام البيضاوى حيث فسر بقوله فتعرّفوا وتفحصوا فلا دلالة فى الآية على المنع من القبول لو لم يتحصل بعد التفحص شىء حتى الظن او وجوب التفحص مع الدلالة على الحاصل بعد الفحص ايضا بلزوم كونه هو العلم او كفاية الظن المعتبر او كفاية مطلق الظن على الخلاف.

(ويمكن ان يقال) كما قيل على تقدير كون البيان اعم من العلم والظن ودلالة الآية على الحاصل ايضا ان اطلاق الامر بالتبين وارد مورد عدم جواز المسارعة الى القبول والعمل وبيان وجوب التبين من باب التقريب لبيان عدم جواز المسارعة حيث ان وجوب التبين يستلزم عدم جواز المسارعة نظير ما يقال تامل فى اقوالك وافعالك فان المقصود منه عدم جواز المسارعة الى القول والفعل بدون التأمّل ولا يكون المتكلم فى مقام تفصيل التأمل علما وظنا.

١٦٦

(وعن الحمزة والكسائى) القراءة بباء بين ثاء مثلثة وتاء بنقطتين فوقانيتين قال البيضاوى اى توقفوا حتى يتبين لكم الحال فمقتضى تفسيره عدم لزوم الفحص على هذه القراءة فالمعنى اطلبوا القرار قال فى المجمع ثبت الشيء ثباتا وثبوتا دام واستقر ويمكن ان يكون المقصود اطلبوا ثبوت النبأ فيتحد المعنى مع القراءة بالنون بناء على كون المقصود على تلك القراءة هو مجرد التفحص واليه يرشد ما قاله فى الكشاف من ان التثبت والتبين متقاربان وهما طلب الثبات والبيان والفرق بين القراءتين على تقدير كون المقصود بالتبين هو التفحص وبالتثبت هو التوقف هو لزوم الفحص على القراءة الاولى دون الثانية.

(وكيف كان) تقريب الاستدلال بهذه الآية المباركة من وجوه ولكن المحكى فى وجه الاستدلال بها على ما افاده الشيخ قدس‌سره وجهان احدهما من جهة مفهوم الشرط وثانيهما من جهة مفهوم الوصف.

(اما الاستدلال) بمفهوم الشرط فبتقريب انه تعالى علق وجوب التبين عن الخبر على مجيء الفاسق به فاذا انتفى الشرط وكان المخبر عادلا ينتفى وجوب التبين عن خبره واذا لم يجب التبين عن خبر العادل فاما ان يردّ واما ان يقبل ولا سبيل الى الاول لانه يلزم ان يكون العادل أسوأ حالا من الفاسق فيتعين الثانى وهو المطلوب.

(واما الاستدلال) بمفهوم الوصف فتقريبه انه قد تقدم ان الآية الشريفة نزلت فى شأن الوليد لما اخبر بمنع بنى المصطلق صدقاتهم وقد اجتمع فى خبر الوليد وصفان (احدهما) ذاتى وهو كونه خبر الواحد(والآخر) عرضى وهو كون المخبر فاسقا فمن اقتران الكلام بالوصف واستناد الحكم اليه فى ظاهر الآية يستفادان ما هو لعلة لوجوب التبين هو هذا العنوان العرضى لا العنوان الذاتى نظير قوله اكرم عالما حيث يستفاد منه ان ما له الدخل فى الحكم هو العالمية لا الانسانية وإلّا يلزم بمقتضى طريقة اهل المحاورة استناده الى العنوان الذاتى اعنى الانسانية فى المثال ووصف كونه خبر واحد فى المقام لكونه فى رتبة سابقة على العنوان العرضى وحصوله

١٦٧

قبل حصوله خصوصا مع لزوم خلوّ ذكر الوصف عن الفائدة.

(وحيث كان) المذكور فى الآية الشريفة هو الوصف العرضى وهو عنوان الفاسق فيستفاد منها ان منشأ وجوب التبين هو كون المخبر فاسقا لا كون خبره من الخبر الواحد فاذا لم يكن المخبر فاسقا وكان عادلا فاما ان يجب قبول خبره بلا تبين واما ان يردّ ولا سبيل الى الثانى لانه يلزم ان يكون أسوأ حالا من الفاسق فيتعين الاول وهو المطلوب.

(ولا يخفى عليك) انه ليس مراد الشيخ قدس‌سره من الذاتى فى المقام هو الذاتى فى باب الكليات اى الجنس والفصل بل مراده هو الذاتى فى باب البرهان اى ما يكفى مجرد تصوره فى صحة حمله عليه من دون احتياج الى لحاظ امر خارج كالامكان بالنسبة الى الانسان مثلا فانه ليس جنسا ولا فصلا له ليكون ذاتيا فى باب الكليات بل ذاتى له فى باب البرهان بمعنى ان تصور الانسان يكفى فى صحة حمل الامكان عليه بلا حاجة الى لحاظ امر خارجى.

(قوله ومقتضى التثبت هو الثانى للمناسبة والاقتران) اقول يحتمل على ما افاده صاحب بحر الفوائد ان يكون المراد من الاقتران هو المناسبة فيكون العطف للبيان (ولكن) يحتمل الفرق بينهما اما وجه المناسبة فقد ذكره قدس‌سره فى المتن بقوله فان الفسق يناسب عدم القبول فلا يصلح الاول اى الوصف الذاتى للعلية الخ كما اشرنا الى توضيحه فيما تقدم.

(واما وجه الاقتران) فتوجيهه على ما فى بحر الفوائد ان الفاسق فى الآية الشريفة فاعل الشرط وقوله بنبإ مفعول الشرط ومن المعلوم ان الجزاء الذى هو معلول الشرط اقرب بفاعله بالنسبة الى مفعوله لان نسبة الفعل الى المفعول بالملاحظة الثانوية والى الفاعل بالملاحظة الاولية فاذا ثبت كون الظاهر من القضية استناد الحكم يعنى وجوب التبين الى الوصف يعنى الفسق فيستكشف عدم صلاحية الوصف الذاتى اى كونه خبر الواحد للعلية والاستناد وإلّا لوجب الاستناد اليه لحصول الذاتى قبل

١٦٨

حصول العرضى الذى فرض الاستناد اليه فيكون معلوله فى مرتبته فيلزم ان يكون مقدما ولو طبعا على العرضى ضرورة كون لوازم الذات مقدمة على عوارضه والاستناد الى العرضى يقتضى تأخره عنه فيلزم تقدم الشىء على نفسه فيكشف من ذلك كله انحصار العلية والسببية فى الوصف فينتج ثبوت المفهوم والدلالة على الانتفاء عند انتفائه كما هو واضح.

١٦٩

(اقول) الظاهر ان اخذهم للمقدمة الاخيرة وهى انه اذا لم يجب التثبت وجب القبول لان الرد مستلزم لكون العادل أسوأ حالا من الفاسق مبنى على ما يتراءى من ظهور الامر بالتبين فى الوجوب النفسى فيكون هنا امور ثلاثة الفحص عن الصدق والكذب والرد من دون تبين والقبول كذلك لكنك خبير بان الامر بالتبين مسوق لبيان الوجوب الشرطى وان التبين شرط للعمل بخبر الفاسق دون العادل فالعمل بخبر العادل غير مشروط بالتبين فيتم المطلوب من دون ضم مقدمة خارجية وهى كون العادل أسوأ حالا من الفاسق والدليل على كون الامر بالتبين للوجوب الشرطى لا النفسى مضافا الى انه المتبادر عرفا فى امثال المقام والى ان الاجماع قائم على عدم ثبوت الوجوب النفسى للتبين فى خبر الفاسق وانما اوجبه من اوجبه عند ارادة العمل به لا مطلقا هو ان التعليل فى الآية بقوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا) الخ لا يصلح ان يكون تعليلا للوجوب النفسى لان حاصله يرجع الى انه لئلا تصيبوا قوما بمقتضى العمل بخبر الفاسق فتندموا على فعلكم بعد تبين الخلاف ومن المعلوم ان هذا لا يصلح إلّا علة لحرمة العمل بدون التبين فهذا هو المعلول ومفهومه جواز العمل بخبر العادل من دون تبين.

(اقول) حاصله ان اخذ هذه المقدمة الاخيرة فى تقريب الدلالة على الوجهين المذكورين وهى انه لو لم يجب قبول قول العادل يلزم ان يكون أسوأ حالا من الفاسق مبنى على كون التبين فى الآية واجبا نفسيا فى خبر الفاسق.

(واما) بناء على كون التبين واجبا شرطيا فى جواز العمل بقول الفاسق فلا يحتاج الى هذه المقدمة من جهة تمامية الاستدلال بدونها ايضا فانه على هذا يكون مفاد المنطوق وجوب التبين عند العمل بخبر الفاسق ومفاد المفهوم عدم وجوب التبين عند العمل بخبر العادل فيتم الاستدلال بلا ضم تلك المقدمة(ولا اشكال) فى ان وجوب التبين يكون شرطيا لا نفسيا ويدل عليه مع وضوحه فى نفسه التعليل المذكور فى ذيل الآية الشريفة وهو قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) الخ فان اصابة القوم بالجهالة انما

١٧٠

تكون عند العمل بخبر الفاسق لا مطلقا فلا يحتمل الوجوب النفسى فى التبين وذلك واضح.

(وقد اشار الشيخ قدس‌سره) الى ما ذكرنا من كون الامر بالتبين للوجوب الشرطى لا النفسى بقوله والدليل على كون الامر بالتبين واجبا شرطيا لا نفسيا مضافا الى انه المتبادر عرفا لان المتبادر من مادة التبين هو الاستكشاف به عن خبر الفاسق من حيث صدقه وكذبه وهذا ليس الامن حيث العمل بخبر الفاسق فيكون الامر بالتبين واجبا شرطيا لا نفسيا وهذا واضح.

ومضافا الى ان الاجماع قائم على عدم ثبوت الوجوب النفسى للتبين فى خبر الفاسق بل وجوبه شرط للعمل بخبر الفاسق وانما اوجب التبين من اوجبه عند ارادة العمل به لا مطلقا هو ان التعليل فى الآية بقوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا) الخ لا يصلح ان يكون تعليلا للوجوب النفسى لان اصابة القوم بالجهالة انما تكون عند العمل بخبر الفاسق فتندموا على فعلكم بعد تبين الخلاف ومن المعلوم ان هذا لا يصلح إلّا علة لحرمة العمل بدون التبين فهذا اى حرمة العمل بخبر الفاسق بدون التبين هو المعلول ومفهومه جواز العمل بخبر العادل من دون التبين.

(قوله من ظهور الامر بالتبين) وجه الظهور ما هو المقرر فى محله من ان مفاد الامر المجرد عن القرينة هو الوجوب النفسى.

(قوله فى امثال المقام) من نظائره نزح الدلاء فى باب المنزوحات فان وجوبه او استحبابه مشروط بمقام العمل (قوله والدليل) مبتدأ خبره (قوله هو ان التعليل).

١٧١

مع ان فى الاولوية المذكورة فى كلام الجماعة بناء على كون وجوب التبين نفسيا ما لا يخفى لان الآية على هذا ساكتة عن حكم العمل بالخبر قبل التبين او بعده فيجوز اشتراك الفاسق والعادل فى عدم جواز العمل قبل التبين كما انهما يشتركان قطعا فى جواز العمل بعد التبين والعلم بالصدق لان العمل (ح) بمقتضى التبين لا باعتبار الخبر فاختصاص الفاسق بوجوب التعرض بخبره والتفتيش عنه دون العادل لا يستلزم كون العادل أسوأ حالا بل مستلزم لمزية كاملة للعادل على الفاسق فتأمل.

(وكيف كان) فقد أورد على الآية ايرادات كثيرة ربما تبلغ الى نيّف وعشرين إلّا ان كثيرا منها قابلة للدفع فلنذكر أولا ما لا يمكن الذبّ عنه ثم نتبعه بذكر بعض ما أورد من الايرادات القابلة للدفع اما ما لا يمكن الذب عنه فايرادان (احدهما) ان الاستدلال ان كان راجعا الى اعتبار مفهوم الوصف اعنى الفسق ففيه ان المحقق فى محله عدم اعتبار المفهوم فى الوصف خصوصا فى الوصف الغير المعتمد على موصوف محقق كما فيما نحن فيه فانه اشبه بمفهوم اللقب ولعل هذا مراد من اجاب عن الآية كالسيدين وامين الاسلام والمحقق والعلامة وغيرهم بان هذا الاستدلال مبنى على دليل الخطاب ولا نقول به.

(اقول) يراد من الاولوية فى كلام الجماعة انه اذا لزم من عدم قبول خبر العادل كونه أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل بداهة فحينئذ يكون خبره حجة بطريق اولى بالنسبة الى خبر الفاسق بعد التبين وهذه الاولوية بناء على كون وجوب التبين شرطيا لا اشكال فيها.

(واما) بناء على كون وجوب التبين نفسيا ففيها مضافا الى فساد حمل وجوب التبين على الوجوب النفسى للوجوه التى تقدم ذكرها فى كلامه قدس‌سره ما لا يخفى لان الآية بناء على وجوب التبين نفسيا ساكتة عن حكم العمل بالخبر قبل التبين او بعده فيجوز اشتراك الفاسق والعادل فى عدم جواز العمل قبل التبين اذ نفى وجوب التبين عن خبر العادل بالوجوب النفسى لا يلازم وجوب القبول والحجية

١٧٢

كما انهما يشتركان قطعا فى جواز العمل بعد التبين والعلم بالصدق لان العمل بعد العلم بالصدق يكون بمقتضى التبين لا باعتبار الخبر(ويفترقان) فى وجوب التفتيش فى حال خبر الفاسق من حيث الصدق والكذب وعدم وجوبه فى خبر العادل وهذا الفرق موجب لمزية كاملة للعادل على الفاسق لا لمنقصته بالنسبة الى الفاسق اللهم إلّا ان يقال ان التبين فى الخبر نوع من الاعتناء بشأن المخبر فلا يصلح أن يكون فارقا ولعل الامر بالتأمل يكون اشارة اليه فافهم.

(وكيف كان) فقد اورد على الآية ايرادات كثيرة ربما تبلغ الى نيّف وعشرين إلّا ان كثيرا منها قابلة للدفع فذكر الشيخ قدس‌سره أولا ما لا يمكن ذبّه اى دفعه ثم اتبعه بذكر بعض ما اورد من الايرادات القابلة للدفع اما ما لا يمكن الذب عنه فايراد ان

(احدهما) ان الاستدلال بالآية ان كان راجعا الى اعتبار مفهوم الوصف اعنى الفسق ففيه ان المحقق فى محله عدم اعتبار المفهوم فى الوصف خصوصا فى الوصف الغير المعتمد على موصوف مذكور كما فيما نحن فيه فان الموصوف ليس مذكورا فى الآية الشريفة فانه اشبه بمفهوم اللقب يعنى ان الوصف الغير المعتمد على موصوف مذكور اشبه بمفهوم اللقلب لان النزاع فى مبحث مفهوم الوصف على ما يظهر من جماعة فى الوصف المعتمد على موصوف مذكور ويكون الوصف الغير المعتمد على موصوف مذكور داخلا فى مفهوم اللقب.

(ولا يخفى) ان مراده قدس‌سره من عدم اعتبار مفهوم الوصف عدم ثبوت المفهوم فى التعليق على الوصف لا عدم حجيته مع ثبوته ضرورة عدم الفرق فى حجية ظواهر الالفاظ بين الظهور المنطوقى والمفهومى فكلامهم فى باب المفاهيم انما هو فى الصغرى لا فى الكبرى بعد ثبوتها كما صرح به غير واحد من الاعلام.

(ومن هنا) اجاب غير واحد كالسيدين وامين الاسلام الطبرسى والمحقق والعلامة وغيرهم عن الاستدلال

بالآية بانه مبنىّ على دليل الخطاب اى على اعتبار مفهوم المخالفة ولا نقول به.

١٧٣

(ثم) ان المراد من دليل الخطاب كما فسّرنا هو مفهوم المخالفة على اقسامه من مفهوم الشرط والغاية والصفة والحصر واللقب وغير ذلك (ويقابله) المفهوم الموافقة وهو كما صرح به المحقق القمى كون الحكم المدلول عليه بالالتزام موافقا للحكم المذكور فى النفى والاثبات كدلالة حرمة التأفيف على حرمة الضرب ويسمى بلحن الخطاب وفحوى الخطاب ايضا

(قوله الى نيف وعشرين) اقول فى المجمع تكرّر فى الحديث ذكر النيّف ككيّس وقد يخفّف وهو الزيادة وكلما زاد على العقد فنيّف الى ان يبلغ العقد الثانى فيكون بغير تأنيث للمذكر والمؤنث ولا يستعمل إلّا معطوفا على العقود فان كان بعد العشرة فهو لما دونها وان كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونها وان كان بعد الالف فهو للعشرة فاكثر كذا تقرر بينهم وفى بعض كتب اللغة وتخفيف النون لحن عند الفصحاء وحكى عن ابى العباس انه قال الذى حصّلناه من اقاويل حذّاق البصريين والكوفيين ان النيّف من واحد الى ثلاثة والبضع من اربعة الى تسعة ولا يقال نيّف الا بعد عقد نحو عشرة ونيّف ومائة ونيّف والف ونيّف ومنه يظهر ان بين القولين تدافعا وانافت الدراهم على المائة زادت واناف على الشىء اشرف.

١٧٤

وان كان باعتبار مفهوم الشرط كما يظهر من المعالم والمحكى عن جماعة ففيه ان مفهوم الشرط عدم مجيء الفاسق بالنبإ وعدم التبين هنا لاجل عدم ما يتبين فالجملة الشرطية هنا مسوقة لبيان تحقق الموضوع كما فى قول القائل ان رزقت ولدا فاختنه وان ركب زيد فخذ ركابه وان قدم من السفر فاستقبله وان تزوجت فلا تضيع حق زوجتك واذا قرأت الدرس فاحفظه قال سبحانه (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) و (إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) الى غير ذلك مما لا يحصى ومما ذكرنا ظهر فساد ما يقال تارة ان عدم مجىء الفاسق يشمل ما لو جاء العادل بنبإ فلا يجب تبيّنه فيثبت المطلوب واخرى ان جعل مدلول الآية هو عدم وجوب التبين فى خبر الفاسق لاجل عدمه يوجب حمل السالبة على المنتفية بانتفاع الموضوع وهو خلاف الظاهر وجه الفسادان الحكم اذا ثبت بخبر الفاسق بشرط مجىء الفاسق به كان المفهوم بحسب الدلالة العرفية او العقلية انتفاء الحكم المذكور فى المنطوق عن الموضوع المذكور فيه عند انتفاء الشرط المذكور فيه ففرض مجىء العادل بنبإ عند عدم الشرط وهو مجىء الفاسق بالنبإ لا يوجب انتفاء التبين عن خبر العادل الذى جاء به لانه لم يكن مثبتا فى المنطوق حتى ينتفى فى المفهوم فالمفهوم فى الآية وامثالها ليس قابلا لغير السالبة بانتفاء الموضوع وليس هنا قضية لفظية سالبة دار الامر بين كون سلبها لسلب المحمول عن الموضوع الموجود او لانتفاع الموضوع

(اقول) ان كان الاستدلال بالآية باعتبار مفهوم الشرط كما يظهر من المعالم حيث قال فى تقريب الاستدلال انه سبحانه علّق وجوب التثبت على مجىء الفاسق فينتفى عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط واذا لم يجب التثبت عند مجىء غير الفاسق فاما ان يجب القبول وهو المطلوب او الرد وهو باطل لانه يقتضى كونه أسوأ حالا من الفاسق وفساده بين.

(ففيه) ان مفهوم الشرط عدم مجىء الفاسق بالنبإ وعدم التبين هنا لاجل عدم ما يتبين فالشرط المذكور فى الآية لما كان ممّا يتوقف عليه وجود الجزاء

١٧٥

والمشروط عقلا بحيث لا يمكن فرض وجود الجزاء بلا فرض وجود الشرط كانت من القضايا المسوقة لبيان تحقق الموضوع كما فى قولك ان رزقت ولدا فاختنه وان ركب الامير فخذ ركابه وكقوله تعالى (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) و (إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها).

(وبالجملة) الضابط فى كون القضية هو امكان فرض وجود الجزاء بلا فرض وجود الشرط بنحو كان السلب فيها من قبيل السلب بانتفاء المحمول وهذا المعنى لا يتصور فى المقام وانما المتصور فيه كونه من قبيل السلب بانتفاء الموضوع.

(وقوله مما ذكرنا) يعنى من ان الشرط المذكور فى الآية كان مسوقا لبيان تحقق الموضوع ظهر فساد ما يقال تارة ان عدم مجىء الفاسق يشمل ما لو جاء العادل بنبإ فلا يجب تبينه فيثبت المطلوب واخرى ان جعل مدلول الآية هو عدم وجوب التبين فى خبر الفاسق لاجل عدمه اى الخبر يوجب حمل السالبة على المنتفية بانتفاء الموضوع وهو خلاف الظاهر.

(قوله وجه الفساد ان الحكم الخ) حاصل توجيه وجه الفساد ان الجزاء فى الآية لما كان هو وجوب التبين فى خبر الفاسق فلا بد ان يكون هذا الجزاء منفيا عند انتفاء الشرط وهو مجىء الفاسق بالخبر فيكون المعنى انه عند انتفاء مجىء الفاسق بالخبر لا يجب التبين فى خبره فلا دلالة فى الآية على عدم وجوب التبين فى خبر العادل عند مجيئه به ولا على وجوبه بل تكون ساكتة عن حكمه اصلا مع ان الشرط لا بد ان تكون علة للجزاء نفيا واثباتا ولا معنى لجعل مجىء العادل بالخبر علة لعدم وجوب التبين فى خبر الفاسق لعدم ارتباطه به وكذلك جعل عدم مجىء الخبر اصلا علة له فلا نظر للآية على حكم مجيء العادل بالخبر اصلا ومنه يظهر عدم امكان اعتبار التعميم فى الشرط بحيث يشمل مجيء العادل بالخبر وعدم مجىء الخبر اصلا لان معنى اخذ المفهوم الحكم بانتفاء الحكم المذكور فى المنطوق اعنى وجوب التبين عن الموضوع المذكور فيه وهو خبر الفاسق عند عدم الشرط وهو مجيء الفاسق

١٧٦

بالخبر وهو واضح بملاحظة ما ذكروه من رجوع النفى والاثبات الى القيد الاخير.

(فالمقصود) من الآية انه على تقدير اتيان الفاسق بخبر يجب التبين فى خبره ومفهومه انه على تقدير عدم اتيانه بخبر اصلا لا يجب التبين فى خبره لاجل عدم الخبر كما فى قولك ان جاءك زيد فاكرمه مثلا كان مفهومه سلب الجزاء وهو وجوب الاكرام عن زيد عند عدم الشرط وهو مجيء زيد لا سلب الاكرام عن عمرو الجائى مثلا فانه موضوع آخر لم يكن مثبتا فى القضية اصلا فاذا فرض التعليق على الشرط فى الآية دالا على قضية اخرى يعبّر عنها بالمفهوم كانت تلك القضية ان لم يجئكم فاسق بنبإ فلا يجب التبين فى نبأه لا ان جاءكم عادل بنبإ فلا يجب التبين فى نبأه فان المفهوم عبارة عن انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط عن الموضوع المذكور فى القضية لا عن الموضوع الاجنبى ففى مثال المذكور اذا انتفى المجيء ينتفى الوجوب عن اكرام زيد المذكور فى القضية لا عن اكرام عمرو الغير المذكور فيها.

(فالمفهوم) فى الآية وامثالها ليس قابلا لغير السالبة بانتفاء الموضوع وليس هنا قضية لفظية سالبة دار الامر بين كون سلبها لسلب المحمول عن الموضوع الموجود او لانتفاع الموضوع هذا.

(قوله بحسب الدلالة العرفية او العقلية) الترديد من جهة الاختلاف فى دلالة الكلام على مفهوم المخالفة هل هى بحسب التبادر وفهم اهل اللسان او بحسب العقل فمن قال بالاول قال بالاول ومن قال بالثانى قال بالثانى ويرشدك الى الاول تمسكهم فى اثبات المفهوم بفهم العرف والى الثانى تمسكهم واثباته بانه لو لا ارادة المفهوم كان التقييد لغوا.

(ولكن الانصاف) انه يمكن استظهار كون الموضوع فى الآية مطلق النبأ والشرط وهو مجيء الفاسق به من مورد النزول فان موردها على ما تقدمت الاشارة اليه كان اخبار الوليد بمنع بنى المصطلق صدقاتهم او اخباره بارتدادهم على رواية فقد اجتمع فى اخباره عنوانان كونه من الخبر الواحد وكون المخبر فاسقا فالآية الشريفة انما وردت لافادة كبرى كلية لتمييز الاخبار التى يجب التبين عنها عن الاخبار

١٧٧

التى لا يجب التبين عنها وقد علّق وجوب التبين فيها على كون المخبر فاسقا فيكون الشرط لوجوب التبين هو كون المخبر فاسقا لا كون الخبر واحدا اذ لو كان الشرط ذلك لعلّق وجوب التبين فى الآية عليه لانه باطلاقه شامل لخبر الفاسق فعدم التعرض لخبر الواحد وجعل الشرط خبر الفاسق كاشف عن انتفاء التبين فى خبر غير الفاسق.

ولما اجتمع فى مورد النزول عنوانان وعلق الحكم على احدهما دون الآخر كان الجزاء مترتبا على خصوص ما علّق عليه فى القضية وهو كون المخبر فاسقا مع فرض وجود العنوان الآخر وعدم دخله فى الجزاء وإلّا لعلق الجزاء عليه فيكون مفاد منطوق الآية بعد ضم المورد اليها ان الخبر الواحد ان كان الجائى به فاسقا فتبينوا ومفاد المفهوم ان الخبر الواحد ان لم يكن الجائى به فاسقا بل كان عادلا لم يجب التبين وهو المطلوب.

١٧٨

(الثانى) ما اورده فى محكى العدة والذريعة والغنية ومجمع البيان والمعارج وغيرها من انا لو سلّمنا دلالة المفهوم على قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن نقول ان مقتضى عموم التعليل وجوب التبين فى كل خبر لا يؤمن الوقوع فى الندم من العمل به وان كان المخبر عادلا فيتعارض المفهوم والترجيح مع ظهور التعليل (لا يقال) ان النسبة بينهما وان كان عموما من وجه فيتعارضان فى مادة الاجتماع وهى خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن يجب تقديم عموم المفهوم وادخال مادة الاجتماع فيه اذ لو خرج عنه وانحصر مورده فى خبر العادل المفيد للعلم كان لغوا لان خبر الفاسق المفيد للعلم ايضا واجب العمل بل الخبر المفيد للعلم خارج عن المنطوق والمفهوم معا فيكون المفهوم اخصّ مطلقا من عموم التعليل (لانا نقول) ما ذكره اخيرا من ان المفهوم اخص مطلقا من عموم التعليل مسلم الا انا ندعى التعارض بين ظهور عموم التعليل فى عدم جواز العمل بخبر العادل الغير العلمى وظهور الجملة الشرطية او الوصفية فى ثبوت المفهوم فطرح المفهوم والحكم بخلوّ الجملة الشرطية عن المفهوم اولى من ارتكاب التخصيص فى التعليل واليه اشار فى محكى العدة بقوله لا نمنع ترك دليل الخطاب لدليل والتعليل دليل وليس فى ذلك منافاة لما هو الحق وعليه الاكثر من جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة لاختصاص ذلك اولا بالمخصص المنفصل

(اقول) ان الايراد الثانى من الايرادين المشهورين بعدم امكان ذبّهما ما ما اورده فى محكى العدة للشيخ والذريعة للسيد المرتضى والغنية لابن زهرة ومجمع البيان للطبرسى والمعارج للمحقق وغيرها من انا لو سلّمنا دلالة المفهوم على قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن نقول ان مقتضى عموم التعليل وجوب التبين فى كل خبر لا يؤمن الوقوع فى الندم من العمل به وان كان المخبر عادلا فيتعارض المفهوم والترجيح مع ظهور التعليل.

(ومحصل هذا الاشكال) انا سلمنا ان الآية الشريفة تدل مفهوما اما من جهة الوصف او الشرط على ان خبر العادل حجة مطلقا ولو لم يفد العلم ولكن عموم

١٧٩

التعليل فى ذيل الآية وهو قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) مما يدل منطوقا على ان الخبر الذى لا يؤمن الوقوع فى الندم من العمل به ليس بحجة ولو كان المخبر عادلا فلا محالة يكون المراد من التعليل ان العمل بخبر الفاسق معرض للوقوع فى المفسدة ومظنة للندامة وهذه لعلة تقتضى التبين فى خبر العادل ايضا لان عدم تعمّده بالكذب لا يمنع عن احتمال غفلته وخطأه فيكون العمل بخبره ايضا على قولهم معرضا للوقوع فى المفسدة فيكون مفاد التعليل عدم جواز العمل بكل خبر لا يفيد العلم بلا فرق بين ان يكون الآتي به فاسقا او عادلا فان المراد من الجهالة عدم العلم بمطابقة المخبر به للواقع وهو مشترك بين خبر العادل والفاسق فعموم التعليل يقتضى وجوب التبين عن خبر العادل ايضا فيقع التعارض بينه وبين المفهوم والترجيح فى جانب عموم التعليل لانه اقوى ظهورا من ظهور القضية الشرطية فى المفهوم (قيل) ان هذا الايراد الثانى مبنى على ان يكون المراد من الجهالة فى التعليل عدم العلم كما تعرضنا له فى بيان استدلالهم ولكن الظاهر ان المراد من الجهالة السفاهة والاتيان بما لا ينبغى صدوره من العاقل فان الجهالة كما تستعمل بمعنى عدم العلم كذلك تستعمل بمعنى السفاهة ايضا وليس العمل بخبر العادل سفاهة كيف والعقلاء يعملون بخبر الثقة فضلا عن خبر العادل بخلاف خبر الفاسق فان الاعتماد عليه يعدّ من السفاهة والجهالة فخبر العادل لا يشارك خبر الفاسق فى العلة.

(ويؤيد) استعمال الجهالة بمعنى السفاهة قوله تعالى فى سورة النساء (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) الآية فان الظاهر من الجهالة فى الآية بقرينة قوله ثم يتوبون من قريب ليس ما يقابل العلم بل المراد منها صدور ما لا ينبغى صدوره عن العاقل المتأمل فى عواقب الامور اى انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بسفاهة ثم يندمون ويتوبون من قريب فيتوب الله عليهم.

(وقد ذكر الطبرسى) قدس‌سره فى تفسير الآية انه روى عن أبى عبد الله عليه‌السلام انه قال كل ذنب عمله العبد وان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه

١٨٠