درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

(فهنا مقامان) الاول حجيته بالاعتبار الاول وهى مبتنية من جهتى الثبوت والاثبات على مقدمات : الاولى دلالة اللفظ على السبب وهذه لا بد من اعتبارها وهى محققة ظاهرا فى الالفاظ المتداولة بينهم ما لم يصرف عنها صارف وقد يشتبه الحال اذا كان النقل بلفظ الاجماع فى مقام الاستدلال لكن من المعلوم ان مبناه ومبنا غيره ليس على الكشف الذى يدعيه جهال الصوفية ولا على الوجه الاخير الذى ان وجد فى الاحكام ففى غاية الندرة مع انه على تقدير بناء الناقل عليه وثبوته واقعا كاف فى الحجية فاذا انتفى الامر ان تعيّن ساير الاسباب المقررة واظهرها غالبا عند الاطلاق حصول الاطلاع بطريق القطع او الظن المعتد به على اتفاق الكل فى نفس الحكم ولذا صرح جماعة منهم باتحاد معنى الاجماع عند الفريقين وجعلوه مقابلا للشهرة وربما بالغوا فى أمرها بانها كادت تكون اجماعا ونحو ذلك وربما قالوا ان كان هذا مذهب فلان فالمسألة اجماعية واذا لوحظت القرائن الخارجية من جهة العبارة والمسألة والنقلة واختلف الحال فى ذلك فيؤخذ بما هو المتيقن او الظاهر وكيف كان فحيث دل اللفظ ولو بمعونة القرائن على تحقق الاتفاق المعتبر كان معتبرا وإلّا فلا.

(اقول) هاهنا مقامان (الاول) حجية الاجماع بالاعتبار الاول وهو كونه حجة باعتبار نقل السبب الكاشف ولم ينقل الشيخ قدس‌سره من كلام المحقق اعلى الله مقامه المقام الثانى ولكن احتمل بعض ان المراد من المقام الثانى عدم حجية الاجماع بالاعتبار الثانى وهو ما انكشف للناقل من السبب بحسب ادعائه

(وكيف كان) ان حجيته مبتنية من جهتى الثبوت والاثبات على مقدمات والمراد من جهة الثبوت ثبوت دلالة اللفظ على السبب بان كان لفظ الاجماع او غيره من ساير الالفاظ دالا على اتفاق جماعة يلازم قولهم قول الامام عليه‌السلام عادة والمتكفل لها المقدمة الاولى (والمراد) من جهة الاثبات اثبات حجية نقل السبب المذكور واثبات استكشاف الحجة المعتبرة من ذلك والمتكفل لهذه الجهة المقدمة

١٠١

الثانية وذكر صاحب بحر الفوائد ان الفرق بين الجهتين انما هو بحسب الاعتبار وإلّا فليس هنا امران انتهى.

(المقدمة الاولى) فى ثبوت دلالة اللفظ على السبب وهذه الدلالة لا بد من اعتبارها اذ لو لا هذه الدلالة فلا يكون الوجه للحجية وهى متحققة ظاهرا فى الالفاظ المتداولة بينهم كما اذا قال الناقل اجمع العلماء اتفق الاصحاب او العلماء او اجمع الاصحاب مثلا ولا ريب فى دلالة هذه الالفاظ وامثالها على السبب الكاشف ما لم يصرف صارف عنها اى ما لم تقم قرينة على ارادة الشهرة منها او تدوين الرواية فى الكتب او الاجماع على العمل بالاصل وغير ذلك من الامور التى تقدم ذكرها

(وقد تشتبه الحال) من حيث الدلالة على السبب الكاشف اذا كان النقل بلفظ الاجماع كما اذا قال المسألة كذا اجماعا من دون اضافته الى العلماء او الاصحاب سيما اذا كان ذلك فى مقام الاستدلال دون نقل الاقوال اذ نقل الاجماع فى مقام نقل الاقوال له ظهور تام فى اتفاق الكل بحسب الفتوى بخلاف نقل الاجماع فى مقام الاستدلال اذ يحتمل كون نقل الاجماع فى مقام الاستدلال مبنيا على الاجتهادات وتطبيق الكبريات على الصغريات بزعم الناقل مع عدم المطابقة فى نفس الامر

(وكيف كان) اذا كان النقل بلفظ الاجماع من دون اضافته الى الاصحاب او العلماء كما اذا قال المسألة كذا اجماعا فربما يحتمل فيه حصول العلم بقول الامام عليه‌السلام فيها للناقل من طريق المكاشفة التى تدعيه الصوفية حيث انهم يقولون ان العارف السالك بعد الرياضات النفسانية ينكشف له الاشياء كشفا حقيقيا بحيث يراها على وجه المشاهدة او السماع الغير المتعارف بان يرى الفقيه الامام عليه‌السلام فى امثال زماننا ويأخذ منه الفتوى لكنه يريد ان يجمع بين اظهار الحق وكتمان السر فيدعى الاجماع فى المسألة(ولكن) من المعلوم ان الاجماعات المنقولة فى كلمات العلماء سواء نقلت فى مقام الاستدلال او نقل الاقوال ليست على احد الوجهين المذكورين وان وجد ففى غاية القلّة فلا تحمل عليه الاطلاقات

(قوله ولا على الوجه الاخير) قيل ان المراد منه هو الثانى عشر الذى اضافه

١٠٢

المحقق الى وجوه الاجماع وهو ان يرى الفقيه الامام عليه‌السلام ويأخذ منه الفتوى لكنه يريد ان يجمع بين اظهار الحق وكتمان السر فيدعى الاجماع فى المسألة

(فاذا انتفى الامران) اى طريق المكاشفة والسماع الغير المتعارف تعيّن ساير الاسباب المقررة لكشف قول الامام عليه‌السلام واظهرها غالبا عند الاطلاق حصول الاطلاع على اتفاق الكل فى نفس الحكم بطريق القطع كما اذا تتبع جميع الاقوال او الظن المعتد به كما اذا اخبره العادل باتفاق الكل

(قوله ولذا صرح جماعة الخ) يعنى لاجل ان لفظ الاجماع وامثاله ظاهر فى اتفاق جميع العلماء على نفس الحكم صرح جماعة منهم باتحاد معنى الاجماع عند الفريقين وجعلوه مقابلا للشهرة وربما بالغوا فى امر الشهرة بانها كادت ان تكون اجماعا وربما قالوا ان كان هذا مذهب فلان فالمسألة اجماعية واذا لوحظت القرائن الخارجية من جهة العبارة من حيث الدلالة على اتفاق الكل والمسألة من حيث كونها من الفروع المعنونة فى كلمات القدماء او الفروع الجديدة والنقلة من حيث الكثرة والقلة ومن حيث كون الناقل كثير التتبع فى الاقوال وعدمه واختلف الحال فى ذلك فيؤخذ بما هو المتيقن كاتفاق ارباب الكتب الحاضرة عنده او اتفاق المعروفين فى عصره او الظاهر وهو ارادة اتفاق الكل فى عصر وكيف كان فحيث دل اللفظ ولو بمعونة القرائن على تحقق الاتفاق المعتبر كان معتبرا وإلّا فلا.

١٠٣

(الثانية) حجية نقل السبب المذكور وجواز التعويل عليه وذلك لانه ليس إلّا كنقل فتاوى العلماء وأقوالهم وعباراتهم الدالة عليها لمقلديهم وغيرهم ورواية ما عدا قول المعصوم عليه‌السلام ونحوه من ساير ما تضمنه الاخبار كالأسئلة التى تعرف منها أجوبته والاقوال والافعال التى يعرف منها تقريره ونحوهما مما تعلق بها وما نقل من سائر الرواة المذكورين فى الاسانيد وغيرها أو كنقل الشهرة واتفاق ساير اولى الآراء والمذاهب والفتوى أو جماعة منهم وغير ذلك.

وقد جرت طريقة السلف والخلف من جميع الفرق على قبول اخبار الآحاد فى كل ذلك مما كان النقل فيه على وجه الاجمال او التفصيل وما تعلق بالشرعيات او غيرها حتى انهم كثيرا ما ينقلون شيئا مما ذكر معتمدين على نقل غيرهم من دون تصريح بالنقل عنه والاستناد اليه لحصول الوثوق به وان لم يصل الى مرتبة العلم فيلزم قبول خبر الواحد فيما نحن فيه ايضا لاشتراك الجميع فى كونها نقل غير معلوم من غير معصوم وحصول الوثوق بالناقل كما هو المفروض وليس شىء من ذلك من الاصول حتى يتوهم عدم الاكتفاء فيه بخبر الواحد مع ان هذا الوهم فاسد من أصله كما قرر فى محله ولا من الامور المتجددة التى لم يعهد الاعتماد فيها على خبر الواحد فى زمان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام والصحابة ولا مما يندر اختصاص معرفته ببعض دون بعض مع ان هذا لا يمنع من التعويل على نقل العارف به لما ذكر.

(اقول) انه قد تقدمت الاشارة الى ان المتكفل لاثبات حجية نقل السبب الكاشف هو المقدمة الثانية وهى تشتمل على عدة ادلة لاثبات حجية نقل السبب الكاشف وجواز التعويل عليه.

(احدها) جريان سيرة الخلف والسلف على الاعتماد باخبار الآحاد فى امثال المقام وفى المحكى انه قد ادعى السيرة من لدن آدم الى يومنا هذا على حجية خبر العادل قال المحقق الاصفهانى فى هداية المسترشدين كما قال المحقق التسترى لان نقل السبب ليس إلّا كنقل فتاوى العلماء وأقوالهم وعباراتهم الدالة عليها لمقلديهم وغيرهم.

١٠٤

(وثانيها) ان نقل الثقة فيما نحن فيه ليس إلّا كنقله ما عدا قول المعصوم عليه‌السلام ونحوه من سائر ما تضمنه الاخبار كالأسئلة التى تعرف منها اجوبتها مثل ما روى انه عليه‌السلام سئل عن جواز بيع الرطب بالتمر فقال أينقص اذا جف فقالوا نعم فقال لا وكذا الاقوال والافعال التى يعرف منها تقريره عليه‌السلام بان يفعل فى حضرته فعل أو يذكر قول فيسكت عن الرد عليه مع تمكنه منه.

(وثالثها) ان نقل الثقة فيما نحن فيه ليس إلّا كنقل تذكية الرواة او جرح بعضهم بعضا كما قال المحقق ونحوهما مما تعلق بها وما نقل من ساير الرواة المذكورين فى الاسانيد وغيرها.

(ورابعها) ان نقل الثقة فيما نحن فيه ليس إلّا كنقله للشهرة واتفاق سائر اولى الآراء والمذاهب والفتوى او جماعة منهم وغير ذلك وقد جرت طريقة السلف والخلف من جميع الفرق على قبول اخبار الآحاد فى كل ذلك مما كان النقل فيه على وجه الاجمال كنقل الشهرة والاتفاق او التفصيل كنقل الفتوى للمقلد وما تعلق بالشرعيات كنقل الفتوى والأسئلة والاقوال والافعال التى تنقل معها جواب الامام وتقريره او غيرها كنقل قول اللغوى والادباء والجرح والتعديل للرواة حتى انهم كثيرا ما ينقلون شيئا مما ذكر معتمدين على نقل غيرهم من دون تصريح بالنقل عن الغير والاستناد اليه لحصول الوثوق بالغير وان لم يصل الى مرتبة العلم فيلزم بمقتضى السيرة المذكورة قبول خبر الواحد فيما نحن فيه ايضا لاشتراك الجميع فى كونها نقل امر غير معلوم للمنقول اليه من غير معصوم وحصول الوثوق بالناقل كما هو المفروض.

(وليس شىء من ذلك الخ) يعنى انه ليس شىء من نقل الفتاوى وقول اللغويين ونقل الشهرة مندرجة تحت مسائل اصول الفقه حتى يتوهم عدم الاكتفاء فيه بخبر الواحد مع ان هذا الوهم اى عدم كفاية خبر الواحد فى المسألة الاصولية فاسد من أصله لفساد مبناه لان مبناه اما اصالة حرمة العمل بالظن او استبعاد اثبات المسائل الاصولية التى هى مبانى الفروع بمثل خبر الواحد ويرد على الاول ان

١٠٥

الخارج من الاصل ليس خصوص الفروع لعموم أدلة أخبار الآحاد كما سيأتى فى محله لها وللاصول وعلى الثانى ان مجرد الاستبعاد غير مفيد.

(قوله ولا من الامور المتجددة الخ) يعنى لا يتوهم ان الامور المذكورة اى الفتوى وحالات الرواة وغيرها والشهرة والاتفاق وامثال ذلك امور حدثت بعد زمن المعصومين عليهم‌السلام ولم تكن معهودة فى زمانهم حتى يحرز رضاهم بالعمل بالخبر الواحد فيها لان هذه الامور المذكورة كانت موجودة من لدن آدم الى يومنا هذا وعمل العقلاء فيها بخبر الواحد ولم يمنعهم المعصوم عليه‌السلام فتأمل.

١٠٦

(ويدل) عليه مع ذلك ما دل على حجية خبر الثقة العدل بقول مطلق وما اقتضى كفاية الظن فيما لا غنى عن معرفته ولا طريق اليه غيره غالبا اذ المعلوم شدة الحاجة الى معرفة اقوال علماء الفريقين وآراء ساير ارباب العلوم لمقاصد شتّى لا محيص عنها كمعرفة المجمع عليه والمشهور والشاذ من الاخبار والاقوال والموافق للعامة او اكثرهم والمخالف لهم والثقة والاوثق والاورع والافقه وكمعرفة اللغات وشواهدها المنثورة والمنظومة وقواعد العربية التى عليها يبتنى استنباط المطالب الشرعية وفهم معانى الاقارير والوصايا وساير العقود والايقاعات المشتبهة وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل ولا طريق الى ما اشتبه من جميع ذلك غالبا سوى النقل الغير الموجب للعلم والرجوع الى الكتب المصححة ظاهر او ساير الامارات الظنية فيلزم جواز العمل بها والتعويل عليها فيما ذكر فيكون خبر الواحد الثقة حجة معتمدا عليها فيما نحن فيه ولا سيما اذا كان الناقل من الافاضل الاعلام والاجلاء الكرام كما هو الغالب بل هو اولى بالقبول والاعتماد من اخبار الآحاد فى نفس الاحكام ولذا بنى على المسامحة فيه من وجوه شتى بما لم يتسامح فيها كما لا يخفى.

(قوله ولا مما يندر اختصاص الخ) قال فى بحر الفوائد فى توضيح وتفسير هذه العبارة ما هذا لفظه الموجود فى نسخ الكتاب وفى نسخة عندى من الرسالة للمحقق المتقدم ذكره هذا الذى عرفت نقله وهو اما غلط من الناسخ او سهو من قلم المحقق المذكور قدس‌سره وحق العبارة ان يقول ولا مما يختص معرفته ببعض والامر فى ذلك سهل بعد وضوح المراد انتهى.

(قوله ويدل عليه مع ذلك الخ) يعنى يدل على حجية الخبر فى الامور المذكورة مضافا الى السيرة ما دل من الكتاب والسنة على حجية خبر الثقة العدل بقول مطلق ويدل على حجيته ايضا فى الموارد المذكورة الانسداد الذى اقتضى كفاية الظن فيما لا غنى عن معرفته ولا طريق اليه غيره غالبا اذ المعلوم شدة الحاجة الى معرفة اقوال علماء الفريقين العامة والخاصة وآراء ساير ارباب العلوم كاللغوى

١٠٧

والنحوى والرجالى لمقاصد شتى لا محيص عنها كمعرفة المجمع عليه والمشهور والشاذ من الاخبار والاقوال ومعرفة الموافق للعامة او اكثرهم والمخالف لهم فيؤخذ الخبر المخالف ويترك الموافق ومعرفة الثقة والاوثق والاورع والافقه من الرواة ليمتاز الحجة عن غيرها والراجح عن المرجوح عند تعارض الخبرين.

وكمعرفة اللغات وشواهدها المنثورة من آية او رواية او من كلام الفصحاء والمنظومة ومعرفة قواعد العربية التى يبتنى عليها استنباط المطالب الشرعية من ألفاظ الكتاب والسنة من اللغة والنحو والصرف وفهم معانى الاقارير والوصايا وساير العقود والايقاعات المشتبهة وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل.

ولا طريق الى ما اشتبه من جميع ذلك غالبا سوى النقل الغير الموجب للعلم او الرجوع الى الكتب المصححة ظاهرا وساير الامارات الظنية فيلزم جواز العمل بها والتعويل عليها فيما ذكر من الموارد فيكون خبر الواحد الثقة حجة معتمدا عليها فيما نحن فيه ولا سيما اذا كان الناقل من الافاضل الاعلام والاجلاء الكرام كما هو الغالب فى الاجماعات المنقولة.

بل هو اولى بالقبول من اخبار الآحاد فى نفس الاحكام مثلا قول شيخ الطائفة ان هذه المسألة اجماعى اولى بالقبول من قول بعض الرواة ولاجل هذه الاولوية بنى على المسامحة فى الناقل للاجماع بما لا يتسامح فى الاخبار(من وجوه شتى) منها اشتراط كون كل واحد من رواة الخبر فى الاحكام مزكى بعدلين ولم يشترط فى غيرها كما قال به الشهيد الثانى على ما حكى عنه (ومنها) عدم جواز العمل باخبار الآحاد رأسا فى الاحكام مع جوازه بها فى اللغات وغيرها كما قال به السيد المرتضى واتباعه (ومنها) اعتبار جمع كون راوى الخبر فى الاحكام عدلا اماميا بل ادعى الاجماع عليه كما ستعرف من كلام الشيخ فى العدة ولم يعتبروا ذلك فى غيره بل استقر عملهم على العمل بخبر مثل صاحب القاموس والصحاح وغيرهما وغير ذلك من الوجوه.

١٠٨

(الثالثة) حصول استكشاف الحجة المعتبرة من ذلك السبب ووجهه ان السبب المنقول بعد حجيته كالمحصّل فيما يستكشف منه والاعتماد عليه وقبوله وان كان من الادلة الظنية باعتبار ظنية أصله ولذا كانت النتيجة فى الشكل الاول تابعة فى الضرورية والنظرية والعلمية والظنية وغيرها لاخسّ مقدمتيه مع بداهة انتاجه فينبغى (ح) ان يراعى حال الناقل حين نقله من جهة ضبطه وتورعه فى النقل وبضاعته فى العلم ومبلغ نظره ووقوفه على الكتب والاقوال واستقصائه لما تشتت منها ووصوله الى وقائعها فان احوال العلماء مختلف فيها اختلافا فاحشا وكذلك حال الكتب المنقول فيها الاجماع فرب كتاب لغير متتبع موضوع على مزيد التتبع والتدقيق ورب كتاب لمتتبع موضوع على المسامحة وقلة التحقيق ومثله الحال فى آحاد المسائل فانها تختلف ايضا فى ذلك.

وكذا حال لفظه بحسب وضوح دلالته على السبب وخفائها وحال ما يدل عليه من جهة متعلقه وزمان نقله لاختلاف الحكم بذلك كما هو ظاهر ويراعى ايضا وقوع دعوى الاجماع فى مقام ذكر الاقوال او الاحتجاج فان بينهما تفاوتا من بعض الجهات وربما كان الاولى اولى بالاعتماد بناء على اعتبار السبب كما لا يخفى فاذا وقع التباس فيما يقتضيه ويتناوله كلام الناقل بعد ملاحظة ما ذكر اخذ بما هو المتيقن او الظاهر.

(اقول) ان المتحصّل من المقدمة الاولى والثانية حصول استكشاف الحجة المعتبرة من ذلك السبب وبعبارة اخرى اذا دل اللفظ على السبب وثبت حجية نقل السبب فيحصل للمنقول اليه استكشاف قول الامام عليه‌السلام او وجود الدليل المعتبر.

(ووجهه) ان الاجماع المنقول بعد حجيته من جهة ادلة حجية خبر العادل من العقل والنقل يكون كالاجماع المحصّل فيما يستكشف منه والاعتماد عليه وقبوله وان كان من الادلة الظنية باعتبار ظنية أصله وهو الاتفاق والاجماع لفرض حصوله بالنقل ولذا كانت النتيجة تابعة لاخسّ المقدمتين فلو كان احدى المقدمتين ظنية والاخرى قطعية تكون ظنية كما انه اذا كانت إحداهما نظرية والاخرى ضرورية

١٠٩

تكون النتيجة نظرية وكذلك اذا كانت إحداهما ضرورية والاخرى دائمة تكون دائمة وكذلك من ساير الجهات.

(فينبغى حينئذ) بعد تمهيد المقدمات المذكورة ان يراعى حال الناقل حين نقله من جهة ضبطه وتورعه فى النقل وبضاعته فى العلم ومبلغ نظره ووقوفه على الكتب والاقوال واستقصائه لما تشتت منها ووصولها الى وقائعها فان احوال العلماء مختلف فيها اى متفاوتة فى الجهات المذكورة اختلافا فاحشا وكذلك يختلف حال الكتب المنقول فيها الاجماع فرب كتاب لغير متتبع موضوع على مزيد التتبع والتدقيق ورب كتاب لمتتبع موضوع على المسامحة وقلة التحقيق.

(ومثله الحال فى آحاد المسائل) كما ان احوال العلماء واحوال الكتب المنقول فيها الاجماع مختلف فيها وكذلك الحال فى آحاد المسائل فانها ايضا تختلف من حيث كون المسألة من الفروع الجديدة او القديمة المعنونة فى كتب الاصحاب وكذا يختلف حال لفظ الناقل بحسب وضوح دلالته على السبب كقوله اجمع العلماء كلهم على كذا وخفائها كذكر الاجماع بقول مطلق كما اذا قال المسألة كذا اجماعا (وكذا يراعى) حال ما يدل عليه اللفظ وهو السبب الكاشف من جهة متعلقه هل هو كاشف عن دليل قطعى او ظنى معتبر عند الكل او الناقل ومن جهة زمان نقله اى نقل السبب الكاشف فانه ربما يختلف الحال بحسب زمان النقل فانه فى زمان قوة بضاعته فى العلم والاطلاع يكون اقوى منه فى غير هذا الزمان كما هو ظاهر ويراعى ايضا وقوع دعوى الاجماع فى مقام ذكر الاقوال والاحتجاج فان بينهما تفاوتا من بعض الجهات وربما كان الاولى اولى بالاعتماد بناء على اعتبار السبب كما لا يخفى فاذا روعى الجهات المذكورة فان اتضح مقدار السبب المنقول فهو وان وقع التباس فيما يقتضيه ويتناوله كلام الناقل بعد ملاحظة ما ذكر اخذ بما هو المتيقن او الظاهر

١١٠

(ثم) ليلحظ مع ذلك ما يمكن معرفته من الاقوال على وجه العلم واليقين اذ لا وجه لاعتبار المظنون المنقول على سبيل الاجمال دون المعلوم على التفصيل مع انه لو كان المنقول معلوما لما اكتفى به فى الاستكشاف عن ملاحظة ساير الاقوال التى لها دخل فيه فكيف اذا لم يكن كذلك ويلحظ ايضا ساير ما له تعلق فى الاستكشاف بحسب ما يعتمد من تلك الاسباب كما هو مقتضى الاجتهاد سواء كان من الامور المعلومة او المظنونة ومن الاقوال المتقدمة على النقل او المتأخرة او المقارنة ربما يستغنى المتتبع بما ذكر عن الرجوع الى كلام ناقل الاجماع لاستظهاره عدم مزيّة عليه فى التتبع والنظر وربما كان الامر بالعكس وانه ان تفرد بشىء كان نادرا لا يعتد به فعليه ان يستفرغ وسعه ويتبع نظره وتتبعه سواء تأخر عن الناقل ام عاصره وسواء ادى فكره الى الموافقة له او المخالفة كما هو الشأن فى معرفة ساير الادلة وغيرها مما تعلق بالمسألة فليس الاجماع الا كاحدها فالمقتضى للرجوع الى النقل هو مظنة وصول الناقل الى ما لم يصل هو اليه من جهة السبب او احتمال ذلك فيعتمد عليه فى هذا خاصة بحسب ما استظهر من حاله ونقله وزمانه ويصلح كلامه مؤيدا فيما عداه مع الموافقة لكشفه عن توافق النسخ وتقويته للنظر.

(اقول) حاصله انه لا بد من الملاحظة مع السبب المنقول ما يمكن معرفته من الاقوال للمنقول اليه على وجه العلم واليقين اذ لا وجه لاعتبار المظنون المنقول على سبيل الاجمال دون المعلوم على التفصيل مع انه لو كان المنقول معلوما لما اكتفى به فى الاستكشاف عن ملاحظة ساير الاقوال التى لها دخل فى الاستكشاف

(ثم) لا بد من ان يلاحظ ايضا ساير ما له تعلق فى الاستكشاف من آية او رواية او شهرة منقولة وغير ذلك بحسب ما يعتمد المنقول اليه من تلك الاسباب كما ان الملاحظتين المذكورتين يقتضيهما الاجتهاد سواء كان الملحوظ من الامور المعلومة كتتبع اقوال الفقهاء او المظنونة كنقل الشهرة والاجماع وسواء كان من الاقوال المتقدمة على زمان النقل او المتأخرة عنه او المقارنة.

١١١

(واعلم ان لصاحب بحر الفوائد) حاشية فى لابدّية الملاحظة المذكورة لا يخلو نقلها عن الفائدة وهى ان لزوم ملاحظة ساير الاقوال والامارات الموجودة فى المسألة التى ادعى فيها الاجماع فيما كان المنقول جزء السبب لا خفاء فيه واما لزوم ملاحظة ما كان النقل كاشفا عنه ظنا على وجه الاجمال فيما كان تمام السبب او جزئه كما ربما يستظهر من كلامه قدس‌سره سيما قوله وربما يستغنى المتتبع بما ذكر الخ فلا معنى له إلّا اذا ادعى كون نقل الاجماع ظنا خاصا مقيدا بالعجز عن تحصيل العلم بالمنقول او ظنا مطلقا فيكون اعتباره مشروطا بالعجز.

(نعم) مقتضى الاجتهاد الفحص عن معارضات الادلة لا الفحص عن صدقها وكذبها اللهم إلّا ان يقال ان الفحص عن المعارض بالنسبة الى خصوص نقل الاجماع يوجب الاطلاع العلمى على حال نقل الاجماع غالبا ومن هنا قد يستغنى المتتبع من الرجوع الى النقل لاستظهاره عدم مزية الناقل عليه انتهى كلامه رفع مقامه.

(وربما يستغنى المتتبع) بمراعات ساير ما له تعلق بالمسألة عن الرجوع الى كلام ناقل الاجماع اذ بعد التتبع تفصيلا لا حاجة الى رجوع كلامه لاستظهاره عدم مزية عليه فى التتبع والنظر وربما كان الامر بالعكس بمعنى يظهر للمنقول اليه انه وصل الى اقوال لم يصل اليها الناقل وانه ان تفرد بشىء كان نادرا لا يعتد به فحينئذ لا بد للمجتهد ان يستفرغ وسعه ويتبع نظره سواء تأخر عن الناقل ام عاصره وسواء ادى فكره الى الموافقة للناقل او المخالفة كما هو الشأن فى معرفة ساير الادلة وغيرها مما تعلق بالمسألة فليس الاجماع الا كاحدها فالمقتضى للرجوع الى النقل هو مظنة وصول الناقل الى ما لم يصل المجتهد اليه من جهة السبب او احتمال ذلك فيعتمد على النقل فى هذا خاصة اى فيما لم يصل المنقول اليه خاصة بحسب ما استظهر من حاله ونقله وزمانه.

(قوله ويصلح كلامه مؤيدا فيما عداه مع الموافقة الخ) يعنى يصلح كلام الناقل مؤيدا فيما وصل اليه المنقول اليه مع الموافقة لكشف كلام الناقل عن توافق

١١٢

النسخ الموجودة عند الناقل والمنقول اليه وتقوية كلام الناقل لنظر المنقول اليه سيما اذا كان الناقل فى المرتبة العليا من الاجتهاد والتتبع (وهذا نظير) ما ذكره المحقق القمى قدس‌سره فى مباحث الاجتهاد والتقليد فى مسئلة تقليد المجتهد من المجتهد قبل الاجتهاد فى المسألة من ان المجتهد لا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين اجماعا اذا اجتهد فى المسألة واما قبل الاجتهاد فى المسألة ففيها اقوال الجواز مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بضيق الوقت وعدمه والتفصيل بما يخصه وما لا يخصه من الاحكام والتفصيل بتقليد الاعلم منه وغيره (الى ان قال).

(واما تقليد الاعلم) فهو ايضا لا يجوز لانه لا يلزم من كونه اعلم عدم الخطاء فى اجتهاده نعم ربما يكون اجتهاد الاعلم معينا فى اجتهاد نفسه مثل ان يلاحظ المجتهد المسألة ملاحظة اجمالية والتفت الى ادلتها على سبيل الاجمال ولم يعمق النظر فيها ولكن حصل فى نظره الظن باحد طرفى المسألة فحينئذ اذا صادف ذلك موافقة رأى المجتهد الاعلم الاورع فقد تطمئن نفسه بذلك فيصير اجتهاد ذلك المجتهد وموافقته له من جملة ادلة المسألة والامارات المحصلة للظن الموجبة للاطمينان عنده واما مجرد اجتهاد الاعلم والاورع فلا يكفى ويتفاوت المسائل فى هذا المعنى باعتبار المأخذ وباعتبار عموم البلوى وعدمه وباعتبار كونها من الامهات او من الفروع ونحو ذلك وربما يوجد فى نهاية مرتبة التحصيل التردد للمحصل بين ان يجوز له الاعتماد على المجتهد او يجب عليه النظر وحينئذ فموافقة رأى المجتهد الاعلم يصير معينا لاعتماده على نظره ولا يبعد (ح) العمل عليه مع قطع النظر عن كونه تقليدا بل اعتمادا على ما حصل له انتهى.

١١٣

فاذا لوحظ جميع ما ذكر وعرف الموافق والمخالف ان وجد فليفرض المظنون منه كالمعلوم لثبوت حجيته بالدليل العلمى ولو بوسائط ثم لينظر فان حصل من ذلك استكشاف معتبر كان حجة ظنية حيث كان متوقفا على النقل الغير الموجب للعلم بالسبب او كان المنكشف غير الدليل القاطع وإلّا فلا واذا تعدد ناقل الاجماع او النقل فان توافق الجميع لوحظ كل ما علم على ما فصل واخذ بالحاصل وان تخالف لوحظ جميع ما ذكر واخذ فيما اختلف فيه النقل بالارجح بحسب حال الناقل وزمانه ووجود المعاضد وعدمه وقلته وكثرته.

ثم ليعمل بما هو المحصل ويحكم على تقدير حجيته بانه دليل ظنى واحد وان توافق النقل وتعدد الناقل وليس ما ذكرنا مختصا بنقل الاجماع المتضمن لنقل الاقوال اجمالا بل يجرى فى نقلها تفصيلا ايضا وكذلك فى نقل ساير الاشياء التى يبتنى عليها معرفة الاحكام والحكم فيما اذا وجد المنقول موافقا لما وجد او مخالفا مشترك بين الجميع كما هو ظاهر.

وقد اتضح بما بيّناه وجه ما جرت عليه طريقة معظم الاصحاب من عدم الاستدلال بالاجماع المنقول على وجه الاعتماد والاستقلال غالبا وردّه بعدم الثبوت او بوجدان الخلاف ونحوهما فانه المتجه على ما قلنا ولا سيما فيما شاع فيه النزاع والجدال اذ عرفت فيه الاقوال او كان من الفروع النادرة التى لا يستقيم فيها دعوى الاجماع لقلة المتعرض لها الاعلى بعض الوجوه التى لا يعتد بها او كان الناقل ممن لا يعتد بنقله لمعاصرته او قصور باعه او غيرهما مما يأتى بيانه فالاحتياج اليه مختص بقليل من المسائل بالنسبة الى قليل من العلماء ونادر من النقلة الافاضل انتهى كلامه رفع مقامه.

(اقول) انه بعد ملاحظة جميع ما ذكر ومعرفة الموافق والمخالف ان وجد فلا بد من فرض المظنون من السبب المنقول كالمعلوم لثبوت حجيته بالدليل العلمى ولو بوسائط مثل ان يستدل على حجية خبر الواحد بمفهوم آية النبأ او بظاهر آية

١١٤

النفر والسؤال مثلا ويثبت حجية ظواهرها من جهة الاجماع او الاخبار المتواترة على حجية ظواهر الكتاب.

(ثم) لينظر فان حصل من ذلك استكشاف معتبر اى استكشاف قول الامام او وجود الدليل المعتبر كان حجة ظنية حيث كان متوقفا على النقل الغير الموجب للعلم بالسبب او كان المنكشف غير الدليل القاطع وإلّا فلا.

واذا تعدد ناقل الاجماع او تعدد النقل بان ينقل واحد الاجماع فى كتب متعددة فان توافق الجميع لوحظ كل ما علم على ما فصل واخذ بالحاصل وان تخالف لوحظ جميع ما ذكر واخذ فى المورد الذى اختلف فيه النقل بالارجح بحسب حال الناقل من حيث الضبط والتورع ومبلغ العلم وغير ذلك من الامور التى ذكرها المحقق بقوله وزمانه ووجود المعاضد وعدمه الخ.

(وقد اتضح) بما بيّناه من كون الاجماع المنقول حجة من نقل السبب وجه ما جرت عليه طريقة معظم الاصحاب من عدم الاستدلال بالاجماع المنقول على وجه الاعتماد والاستقلال غالبا بل يذكرونه تأييدا للمطلب وردّه كما رد الشيخ الحمصى الذى اثنى عليه غير واحد من الاعلام من معاصريه والفاضلين الاجماعات المدعاة من ابن زهرة والسيد وابن ادريس وغيرهم بعدم الثبوت او بوجدان الخلاف ونحوهما من قيام الدليل على خلافه فان رد الاجماع هو المتجه على ما قلنا اى من جهة اعتبار الاجماع المنقول من باب نقل السبب الكاشف ولا سيما فيما شاع فيه النزاع والجدال اذ عرفت فيه الاقوال او كان من الفروع النادرة التى لا يستقيم دعوى الاجماع لقلة المتعرض لها الا على بعض الوجوه التى لا يعتد بها او كان الناقل ممن لا يعتد بنقله لمعاصرته او قصور باعه اى اطلاعه او غيرهما مما يأتى بيانه فى كتابه قدس‌سره.

فالاحتياج الى الاجماع المنقول مختص بقليل من المسائل بالنسبة الى قليل من العلماء ونادر من النقلة الافاضل انتهى كلام المحقق التسترى رفع مقامه.

١١٥

لكنك خبير بان هذه الفائدة للاجماع المنقول كالمعدومة لان القدر الثابت من الاتفاق باخبار الناقل المستند الى حسه ليس مما يستلزم عادة موافقة الامام عليه‌السلام وان كان هذا الاتفاق لو ثبت لنا امكن ان يحصل العلم بصدور مضمونه لكن ليس علة تامة لذلك بل هو نظير اخبار عدد معين فى كونه قد يوجب العلم بصدق خبرهم وقد لا يوجب وليس ايضا مما يستلزم عادة وجود الدليل المعتبر حتى بالنسبة الينا لان استناد كل بعض منهم الى ما لا نريه دليلا ليس امرا مخالفا للعادة ألا ترى انه ليس من البعيد ان يكون القدماء القائلون بنجاسة البئر بعضهم قد استند الى دلالة الاخبار الظاهرة فى ذلك مع عدم الظفر بما يعارضها وبعضهم قد ظفر بالمعارض ولم يعمل به لقصور سنده او لكونه من الآحاد عنده او لقصور دلالته او لمعارضته لاخبار النجاسة وترجيحها عليها بضرب من الترجيح فاذا ترجّح فى نظر المجتهد المتأخر اخبار الطهارة فلا يضره اتفاق القدماء على النجاسة المستند الى الامور المختلفة المذكورة

وبالجملة فالانصاف بعد التامل وترك المسامحة بابراز المظنون بصورة القطع كما هو متعارف محصلى عصرنا ان اتفاق من يمكن تحصيل فتاويهم على امر كما لا يستلزم عادة موافقة الامام عليه‌السلام كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر عند الكل من جهة او من جهات شتى فلم يبقى فى المقام ان يحصل المجتهد امارات أخر من اقوال باقى العلماء وغيرها ليضيفها الى ذلك.

(محصل) اعتراض الشيخ على المحقق قدس‌سرهما ان الفائدة المذكورة للاجماع المنقول كالمعدومة لان القدر الثابت من الاتفاق وهو اتفاق ارباب الكتب باخبار الناقل المستند الى حسه ليس مما يستلزم عادة موافقة الامام عليه‌السلام وان كان هذا المقدار من الاتفاق لو ثبت لنا بالوجدان والتتبع امكن ان يحصل العلم لنا بصدور مضمونه لكن ليس علة تامة لذلك بل هو نظير اخبار عدد معين فى كونه قد يوجب العلم بصدق خبرهم وقد لا يوجب.

وليس الاتفاق المذكور ايضا مما يستلزم عادة وجود الدليل المعتبر حتى

١١٦

بالنسبة الينا لامكان تمسكهم الى الادلة التى لو وصلت الينا لوجدناها مخدوشة كما قال لان استناد كل بعض منهم الى ما لا نريه دليلا ليس امرا مخالفا للعادة ألا ترى انه ليس من البعيد ان يكون القدماء القائلون بنجاسة البئر بعضهم قد استند الى دلالة الاخبار الظاهرة فى ذلك مع عدم الظفر بما يعارضها وبعضهم قد ظفر بالمعارض ولكن لم يعمل به لقصور سنده او لكونه من الآحاد عنده او القصور دلالته او لمعارضته لاخبار النجاسة وترجيح اخبار النجاسة على اخبار الطهارة بضرب من انواع الترجيح فاذا ترجّح فى نظر المجتهد المتأخر اخبار الطهارة فلا يضره اتفاق القدماء على النجاسة مستندين الى الامور المختلفة المذكورة.

(وبالجملة) فالانصاف بعد التأمل وترك المسامحة بابراز المظنون بصورة القطع كما ان ابراز المظنون بصورة القطع متعارف محصلى عصرنا بمعنى ان محصلى عصرنا ربما يتسامحون ويبرزون المظنون بصورة القطع ان اتفاق من يمكن تحصيل فتاويهم على امر كما لا يستلزم عادة موافقة الامام عليه‌السلام كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر عند الكل من جهة او من جهات شتى من حيث الخدشة فى السند والدلالة والتعارض وغير ذلك.

١١٧

فيحصل من مجموع المحصل له والمنقول اليه الذى فرض بحكم المحصل من حيث وجوب العمل به تعبدا القطع فى مرحلة الظاهر باللازم وهو قول الامام عليه‌السلام أو وجود دليل معتبر الذى هو ايضا يرجع الى حكم الامام عليه‌السلام بهذا الحكم الظاهرى المضمون لذلك الدليل لكنه ايضا مبنى على كون مجموع المنقول من الاقوال والمحصل من الامارات ملزوما عاديا لقول الامام عليه‌السلام أو وجود الدليل المعتبر وإلّا فلا معنى لتنزيل المنقولة منزلة المحصل بادلة حجية خبر الواحد كما عرفت سابقا ومن ذلك ظهر ان ما ذكره هذا البعض ليس تفصيلا فى مسئلة حجية الاجماع المنقول ولا قولا بحجيته فى الجملة من حيث انه اجماع منقول.

وانما يرجع محصله الى ان الحاكى للاجماع يصدق فيما يخبره عن حس فان فرض كون ما يخبره عن حسه ملازما بنفسه او بضميمة امارات أخر لصدور الحكم الواقعى او مدلول الدليل المعتبر عند الكل كانت حكايته حجة لعموم أدلة حجية الخبر فى المحسوسات وإلّا فلا وهذا يقول به كل من يقول بحجية الخبر فى الجملة وقد اعترف بجريانه فى نقل الشهرة وفتاوى آحاد العلماء ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام فى المتواتر المنقول وان نقل التواتر فى خبر لا يثبت حجيته ولو قلنا بحجية خبر الواحد لان التواتر صفة فى الخبر تحصل باخبار جماعة تفيد العلم للسامع

(اقول) قد ذكر ان مقتضى الانصاف ان اتفاق من يمكن تحصيل فتاويهم على امر لا يستلزم عادة موافقة قول الامام عليه‌السلام ولا وجود الدليل المعتبر فحينئذ لم يبق فى المقام إلّا أن يحصل المجتهد امارات أخر من أقوال باقى العلماء وغيرها من القرائن الخارجية ليضيفها الى السبب المنقول وهو اتفاق من يمكن تحصيل فتاويهم حتى يحصل من مجموع المحصل له والمنقول اليه الذى فرض بحكم المحصل من حيث وجوب العمل به تعبدا القطع فى مرحلة الظاهر باللازم وهو قول الامام عليه‌السلام او وجود دليل معتبر الذى هو ايضا يرجع الى حكم الامام عليه‌السلام بهذا الحكم الظاهرى المضمون لذلك الدليل لكن اضافات ساير

١١٨

الامارات الى سبب المنقول وتنزيله منزلة المحصل مبنى ايضا على كون مجموع المنقول من الاقوال والمحصل من الامارات ملزوما عاديا لقول الامام عليه‌السلام او وجود الدليل المعتبر وإلّا فلا معنى لتنزيل المنقول منزلة المحصل بادلة حجية خبر الواحد لان غاية مؤدى ادلة حجية خبر الواحد هو وجوب تصديق المخبر فى خبره واعتبار نقل الناقل فى حق المنقول اليه لا استكشاف المنقول عن السنة لظهور عدم كونه من الامور المجعولة التى يترتب على ذلك بادلة حجيه الخبر.

(قوله ومن ذلك ظهر) يعنى من ان القدر الثابت من الاتفاق باخبار الناقل المستند الى حسه ليس مما يستلزم عادة قول الامام عليه‌السلام وليس ايضا مما يستلزم عادة وجود الدليل المعتبر ظهر ان ما ذكره هذا البعض اى المحقق التسترى ليس تفصيلا فى مسئلة حجية الاجماع المنقول ولا قولا بحجيته فى الجملة من حيث انه اجماع منقول.

بل انما يرجع محصل كلام المحقق الى ان الحاكى للاجماع يصدق فيما يخبره عن حس فان فرض كون ما يخبره عن حسه ملازما بنفسه او بضميمة امارات أخر لصدور الحكم الواقعى او مدلول الدليل المعتبر عند الكل كانت حكايته حجة لعموم ادلة حجية الخبر فى المحسوسات من الآية والرواية وإلّا فلا وهذا يقول به كل من يقول بحجية الخبر فى الجملة ولو فى المحسوسات فقط وقد اعترف المحقق بجريان تصديق المخبر فيما يخبره عن حس فى نقل الشهرة وفتاوى آحاد العلماء.

١١٩

(ويختلف) عدده باختلاف خصوصيات المقامات وليس كل تواتر لشخص مما يستلزم فى نفس الامر عادة تحقق المخبر به فاذا أخبر بالتواتر فقد أخبر باخبار جماعة افاد له العلم بالواقع وقبول هذا الخبر لا يجدى شيئا لان المفروض ان تحقق مضمون المتواتر ليس من لوازم اخبار الجماعة الثابتة بخبر العادل نعم لو أخبر باخبار جماعة يستلزم عادة لتحقق المخبر به بان يكون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لاخبار الجماعة كان اخبر مثلا باخبار الف عادل او ازيد بموت زيد وحضور جنازته كان اللازم من قبول خبره الحكم بتحقق الملزوم وهو اخبار الجماعة فيثبت اللازم وهو تحقق موت زيد إلّا ان لازم من يعتمد على الاجماع المنقول وان كان أخبار الناقل مستندا الى حدس غير مستند الى المبادى المحسوسة المستلزمة للمخبر به هو القول بحجية التواتر المنقول لكن ليعلم ان معنى قبول نقل التواتر مثل الاخبار بتواتر موت زيد مثلا يتصور على وجهين الاول الحكم بثبوت الخبر المدعى تواتره اعنى موت زيد نظير حجية الاجماع المنقول بالنسبة الى المسألة المدعى عليها الاجماع وهذا هو الذى ذكرنا ان الشرط فى قبول خبر الواحد هو كون ما اخبر به مستلزما عادة لوقوع متعلقه الثانى الحكم بثبوت تواتر الخبر المذكور ليترتب على ذلك الخبر آثار المتواتر واحكامه الشرعية كما اذا نذر ان يحفظ او يكتب كل خبر متواتر ثم احكام التواتر.

(قوله ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام فى المتواتر المنقول) يعنى مما قدمنا يظهر المال فى نقل التواتر من ان ناقل الاجماع ينقل قول الامام عن حدس مستند الى المبادى المحسوسة غير ملازمة عادة لقول الامام عليه‌السلام يظهر الكلام فى المتواتر المنقول وان نقل التواتر لا يثبت حجيته من حيث التواتر ولو قلنا بحجية خبر الواحد لان التواتر صفة حاصلة فى الخبر تحصل باخبار جماعة تفيد العلم للسامع ويختلف عدده باختلاف خصوصيات المقامات اذ ليس له حد معين وليس كل تواتر ثبت لشخص مما يستلزم فى نفس الامر عادة تحقق المخبر به فاذا أخبر بالتواتر فقد

١٢٠