درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

لا معنى لحسن الحذر ورجحانه فان المقتضى للحذر ان كان موجودا فقد وجب الحذر وإلّا فلا يحسن من أصله بل لا يمكن الحذر بدون المقتضى اصلا وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى هذا الوجه العقلى بقوله اما لما ذكره فى المعالم الخ.

(واما شرعا) فللاجماع المركب فان الامة بين من لا يجوّز العمل بخبر الواحد اصلا وبين من يجوّزه ويلتزم بوجوبه فالقول بجواز العمل به ورجحانه دون وجوبه قول بالفصل وقد اشار قدس‌سره الى هذا الوجه بقوله واما لان رجحان العمل بخبر الواحد الخ.

(الثانى) ان الحذر غاية للانذار الواجب الذى هو ايضا غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا التحضيضية واذا وجب النفر وجب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب واذا وجب الانذار وجب التحذر والقبول من المنذر وإلّا لغا وجوب الانذار وبعبارة اخرى غاية الواجب اذا كان من الافعال الاختيارية واجبة لا محالة لان عدم وجوبها ملازم لجواز تركها وهو ينافى كونه غاية للنفر الواجب.

(الثالث) استلزام ايجاب الانذار لايجاب الحذر حيث جعل الحذر فى الآية الشريفة غاية للانذار الواجب فيستفاد منها كون الحذر واجبا لا محالة للزوم لغوية ايجاب الانذار بدونه كما فى آية حرمة كتمان النساء ما فى ارحامهن حيث استدلوا بهذه الآية على وجوب تصديق المرأة وقبول قولها فى العدة فرارا عن لزوم اللغوية بدونه.

(والفرق) بين هذا الوجه وسابقه ان فى الوجه السابق اثبت المستدل وجوب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب واثبت الحذر للملازمة بين وجوب الانذار ووجوب التحذر والقبول وإلّا لغا وجوب الانذار وفى الوجه الثانى قد اثبت وجوب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب واثبت وجوب التحذر ايضا لكونه غاية للانذار الواجب ولكن يمكن المناقشة فى الوجوه الثلاثة المذكورة ليس هذا المختصر موضع ذكرها فراجع الى مظانها فان بنائنا فى الشرح على الاقتصار مخافة التطويل.

٢٢١

ولا يخفى عليك ان دلالة هذه الآية اى آية النفر على حجية الخبر اظهر من دلالة آية النبأ عليها.

(ثم ان الشيخ) قدس‌سره قد اشار الى كل من الوجه الثانى والثالث بقوله الثانى ان ظاهر الآية وجوب الانذار لوقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا فاذا وجب الانذار افاد الحذر لوجهين.

(احدهما) وقوعه غاية للواجب فان الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الآمر به بانتفائه سواء كان من الافعال المتعلقة للتكليف مثل قول المولى لعبده ادخل السوق واشتر اللحم ام لا كما فى قولك تب لعلك تفلح واسلم لعلك تدخل الجنة وقوله تعالى (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (الثانى) انه اذا وجب الانذار ثبت وجوب القبول وإلّا لغا الانذار ونظير ذلك ما تمسك فى المسالك على وجوب قبول قول المرأة وتصديقها فى العدة من قوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) فاستدل بتحريم الكتمان ووجوب الاظهار عليهن على قبول قولهن بالنسبة الى ما فى الارحام هذا تمام الكلام فيما يتعلق بآية النفر من تقريب الاستدلال بها.

(وفى القوانين) وجه الدلالة انه تعالى اوجب الحذر عند انذار الطوائف للاقوام وهو يتحقق بانذار كل طائفة من الطوائف لقومهم ولما لم يدل لفظ الفرقة على كونهم عدد التواتر فلفظ الطائفة اولى بعدم الدلالة بل الظاهر ان الفرقة يطلق على الثلاثة فيصدق الطائفة على الاثنين بل الواحد ايضا.

(اقول) فى المجمع الطائفة الفرقة من الناس ومنه قوله تعالى (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وعن ابن عباس الطائفة من الواحد فما فوقه وفى الغريبين قوله طائفة منهم اى جماعة ويجوز ان يقال للواحد طائفة والطائفة من الشىء القطعة منه قال البصريون هو جمع واحدة طوفاءة وقال الكوفيون هو مصدر كالرجحان والنقصان انتهى

(ثم) قال قدس‌سره ولا يضر ضمير الجمع فى قوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا) فى شموله للواحد ايضا لانه عبارة عن الطوائف ولا يلزم من ذلك لزوم اعتبار الانذار من جميع

٢٢٢

الطوائف لصدق حصوله بانذار كل واحد منهم كل واحد من الاقوام ثم يصدق حصوله بملاحظة كل واحد واحد منهم بالنسبة الى قومهم وكيف كان فالمقصود بيان حجية خبر الواحد فى الجملة لا حجية مجرد خبر رجل واحد مع انه لا قائل بالفرق فى جانب المنع واما دلالة الآية على وجوب الحذر فلان التهديد المستفاد من كلمة لو لا يدل على وجوب النفر وتعليل النفر بالتفقه يدل على وجوبه وكذا تعليله بالانذار ومن المستبعد جدا وجوب الانذار وعدم وجوب اطاعة المستمع بل المتبادر وجوب الاطاعة للمنذرين انتهى كلامه رفع مقامه.

(قوله كما فى قولك تب لعلك تفلح الخ) هذا المثال وما ذكره بعده مثال للفعل الغير المتعلق به التكليف لان كلا من الفلاح ودخول الجنة وتذكر الغير وخشيته امر قهرى غير داخل تحت قدرة العبد قال بعض المحشين ان المثال الاخير مثال للفعل المتعلق به التكليف والمراد بالخشية هو الخشية فى مقام العمل لا ما حصل فى القلب

٢٢٣

(فان قلت) المراد بالنفر النفر الى الجهاد كما يظهر من صدر الآية وهو قوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) ومن المعلوم ان النفر الى الجهاد ليس للتفقه والانذار نعم ربما يترتبان عليه بناء على ما قيل من ان المراد حصول البصيرة فى الدين من مشاهدة آيات الله وظهور اوليائه على اعدائه وساير ما يتفق فى حرب المسلمين مع الكفار من آيات عظمة الله وحكمته فيخبروا بذلك عند رجوعهم الى الفرقة المختلفة الباقية فى المدينة فالتفقه والانذار من قبيل الفائدة لا الغاية حتى يجب وجوب ذيها.

(قلت) اولا انه ليس فى صدر الآية دلالة على ان المراد النفر الى الجهاد وذكر الآية فى آيات الجهاد لا يدل على ذلك وثانيا لو سلم ان المراد النفر الى الجهاد لكن لا يتعين ان يكون النفر من كل قوم طائفة لاجل مجرد الجهاد بل لو كان لمحض الجهاد لم يتعين ان ينفر من كل قوم طائفة فيمكن ان يكون التفقه غاية لايجاب النفر على طائفة من كل قوم لا لايجاب اصل النفر وثالثا انه قد فسر الآية بان المراد نهى المؤمنين عن نفى جميعهم الى الجهاد كما يظهر من قوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة وامر بعضهم بان يتخلفوا عند النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يخلوه وحده فيتعلموا مسائل حلالهم وحرامهم حتى ينذروا قومهم النافرين اذا رجعوا اليهم والحاصل ان ظهور الآية فى وجوب التفقه والانذار مما لا ينكر فلا محيص عن حمل الآية عليه وان لزم مخالفة الظاهر فى سياق الآية او بعض الفاظها.

(حاصل الاشكال) ان المراد بالنفر فى الآية النفر الى الجهاد كما يظهر من صدر الآية وهو قوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) وهذا نفى معناه النهى اى ليس للمؤمنين ان ينفروا ويخرجوا الى الجهاد باجمعهم ويتركوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فريدا وحيدا.

(ومن المعلوم) ان النفر الى الجهاد ليس للتفقه والانذار بل هما يترتبان عليه بناء على ما قيل يعنى انه ليس المراد من التفقه هو الفقه المصطلح عليه عند المتشرعة اعنى تفهم خصوص الاحكام العملية بل المراد حصول البصيرة فى الدين بمشاهدة آيات الله وغلبة اوليائه على اعدائه وساير ما يتفق فى حرب المسلمين مع الكفار من آيات عظمة الله وحكمته فيخبروا بذلك عند رجوعهم الى الفرقة المتخلفة الباقية فى المدينة

٢٢٤

فعلى هذا المعنى المذكور تخرج الآية عن مورد البحث فالتفقه والانذار من قبيل الفائدة لا الغاية حتى يجب وجوب ذيها والمراد من الاول هو ما يترتب على الفعل من دون ان يكون باعثا للفاعل على صدور ذلك الفعل منه والثانى هو ما يترتب على الفعل مع كونه باعثا وداعيا الى صدوره من الفاعل هذا.

(قيل فى تفسير الآية وجوه) قال الطبرسى قدس‌سره فى تفسيره اختلف فى معناه على وجوه.

(احدها) ان معناه فهلّا خرج الى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة ليتفقهوا فى الدين يعنى الفرقة القاعدين يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والاحكام فاذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن وتعلّمه القاعدون قالوا لهم اذا رجعوا اليهم ان الله قد انزل بعدكم على نبيكم قرآنا وقد تعلمناه فيتعلمه السرايا فذلك قوله ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم اى وليعلموهم القرآن ويخوّفوهم به اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون فلا يعملون بخلافه عن ابن عباس فى رواية الوالبى وقتادة والضحاك وقال الباقر عليه‌السلام كان هذا حين كثر الناس فأمرهم الله ان تنفر منهم طائفة وتقيم طائفة للتفقه وان يكون الغزو نوبا (فعلى هذا التفسير) ان التفقه والانذار فيها من وظيفة المتخلفين القاعدين لا من وظيفة النافرين الى الجهاد.

(وثانيها) ان التفقه والانذار يرجعان الى الفرقة النافرة وحثها الله تعالى على التفقه لترجع الى المتخلفة فتحذرها ومعنى ليتفقهوا فى الدين يتبصروا ويتيقنوا بما يريهم الله عزوجل من الظهور على المشركين ونصرة الدين ولينذروا قومهم من الكفار اذا رجعوا اليهم من الجهاد فيخبرونهم بنصر الله النبى والمؤمنين ويخبرونهم انهم لا يدان لهم بقتال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين لعلهم يحذرون ان يقاتلوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فينزل بهم ما نزل باصحابهم من الكفار عن الحسن وابى مسلم قال ابو مسلم اجتمع للنافرة ثواب الجهاد والتفقه فى الدين وانذار قومهم (فعلى هذا التفسير) ان التفقه والانذار من وظيفة النافرين الى الجهاد.

٢٢٥

(ثالثها) ان التفقه راجع الى النافرة والتقدير ما كان لجميع المؤمنين ان ينفروا الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ويخلو ديارهم ولكن لينفر اليه من كل ناحية طائفة لتسمع كلامه وتتعلم الدين منه ثم ترجع الى قومها فتبين لهم ذلك وينذرهم عن الجبائى قال والمراد بالنفر هنا الخروج لطلب العلم انتهى ويؤيد هذا التفسير بعض الاخبار الذى يأتى ذكره عن قريب فعلى هذا التفسير الثالث فلا كلام فى ان التفقه والانذار من وظيفة النافرين.

(قوله قلت اولا انه ليس فى صدر الآية دلالة على ان المراد النفر الى الجهاد الخ) وقد اجاب قدس‌سره عن الاشكال المذكور بوجوه :

(الاول) انه ليس فى صدر الآية دلالة على ان المراد النفر الى الجهاد لاحتمال ان يكون المراد منها بيان كون التفقه وتحصيل الاحكام الشرعية واجبا كفائيا لا عينيا ومجرد ذكر الآية فى آيات الجهاد لا يدل على ان يكون المراد النفر الى الجهاد.

(والثانى) لو سلمنا ان المراد بالنفر هو النفر الى الجهاد لكن تقييد الفرقة بالطائفة انما هو لاجل التفقه لان غرضه تعالى هو الجهاد ودفع الكفار سواء ذهبوا جميعا ام طائفة خاصة وحينئذ فالتقييد بالطائفة من جهة التفقه فالتفقه غاية لايجاب النفر على طائفة من كلام قوم لا لايجاب اصل النفر فعلى هذا الجواب الثانى ان الضمير فى قوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا) و (لِيُنْذِرُوا) راجع الى النافرين.

(والثالث) انه قد فسر الآية بان المراد نهى المؤمنين عن نفر جميعهم الى الجهاد كما يظهر من قوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة وامر بعضهم بان يتخلفوا عند النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يخلوه وحده فيتعلموا مسائل حلالهم وحرامهم حتى ينذروا قومهم النافرين اذا رجعوا اليهم وقد اشرنا الى ذلك التفسير الثالث نقلا عن المجمع والحاصل ان ظهور الآية فى وجوب التفقه والانذار مما لا ينكر فلا محيص عن حمل الآية عليه ويؤيد هذا ان اللام موضوعة للغاية لا للفائدة واستعمالها فى بعض المواضع للفائدة للقرينة لا يستلزم حملها عليها مطلقا مع ان الاصل الحقيقة.

(قوله وان لزم مخالفة الظاهر فى سياق الآية الخ) هذا بناء على ان صدر

٢٢٦

الآية ظاهر فى النفر الى الجهاد واما على الجواب الثانى والثالث فيلزم مخالفة ظاهر بعض الفاظ الآية وهى لزوم التفكيك فى الضمائر.

(واعلم) انه قد تقدم اختلاف التفاسير فى آية النفر بناء عليه الضمير فى قوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا) وما بعده اما راجع الى الطوائف من الفرق وهى النافرة او الى غير الطوائف منها وهى الباقية المتخلفة منها فالمعنى على الاول ليس لجميع المؤمنين ان ينفروا الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخلو ديارهم ولكن لينفر اليه من كل ناحية طائفة لتسمع كلامه وتتعلم احكام الدين منه ثم ترجع الى قومها فتبين لهم ذلك وينذرهم فيكون النفر بمعنى الخروج لطلب العلم وعلى الثانى ليس للمؤمنين ان يخرجوا الى الجهاد باجمعهم ويتركوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وحيدا فريدا ولكن عليهم ان يخرجوا الى الغزو على سبيل التوزيع بان يخرج من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة ليتفقهوا فى احكام الدين يعنى الفرقة القاعدين يتعلّمون القرآن والسنن والفرائض والاحكام وينذروا الطائفة الخارجة الى الجهاد اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون.

٢٢٧

(ومما يدل) على ظهور الآية فى وجوب التفقه والانذار استشهاد الامام بها على وجوبه فى اخبار كثيرة منها ما عن الفضل بن شاذان فى علله عن الرضا عليه‌السلام فى حديث قال انما امروا بالحج لعلة الوفادة الى الله وطلب الزيادة والخروج عن كل ما اقترف العبد الى ان قال ولاجل ما فيه من التفقه ونقل اخبار الائمة عليهم‌السلام الى كل صفح وناحية كما قال الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية ومنها ما ذكره فى ديباجة المعالم من رواية على بن حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول تفقهوا فى الدين فان من لم يتفقه منكم فى الدين فهو اعرابى فان الله عزوجل يقول (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا) الآية ومنها ما رواه فى الكافى فى باب ما يجب على الناس عند مضى الامام عليه‌السلام عن صحيحة يعقوب بن شعيب قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام اذا حدث على الامام حدث كيف يصنع الناس قال اين قول الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ) الآية قال هم فى عذر ما داموا فى الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهم فى عذر حتى يرجع اليهم اصحابهم ومنها صحيحة عبد الاعلى قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول العامة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من مات وليس له امام مات ميتة جاهلية قال الحق والله قلت فان اماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيه لم يسعه ذلك قال لا يسعه ان الامام اذا مات وقعت حجة وصيه على من هو معه فى البلد وحق النفر على من ليس بحضرته اذا بلغهم ان الله عزوجل يقول (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) الآية ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام وفيها قلت افيسع الناس اذا مات العالم ان لا يعرفوا الذى بعده فقال اما اهل هذه البلدة فلا يعنى اهل المدينة واما غيرها من البلد ان فبقدر مسيرهم ان الله عزوجل يقول (فَلَوْ لا نَفَرَ) الخ ومنها صحيحة البزنطى المروية فى قرب الاسناد عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام

(حاصل ما افاده) قدس‌سره انه يؤيد كون الآية ظاهرة فى وجوب النفقة والانذار استشهاد الامام عليه‌السلام بها على وجوبه فى اخبار كثيرة(منها) ما عن الفضل بن شاذان فى علله عن الرضا عليه‌السلام فى حديث قال انما امروا بالحج لعلة الوفادة اى

٢٢٨

الورود الى الله وطلب الزيادة اى طلب زيادة المعرفة او الثواب والخروج عن كل ما اقترف العبد اى ارتكب العبد من الذنوب الى ان قال ولاجل ما فيه من التفقه ونقل اخبار الائمة عليهم‌السلام الى كل صفح وناحية كما قال عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية يعنى ان الناس اذا سافروا الى الحج يلاقون الائمة عليهم‌السلام فى سفرهم ويسألون عنهم عن السنن والفرائض والاحكام وينقلونها واخبارهم الى كل صفح وناحية يرجع اليها الحاج ثم استشهد عليه‌السلام على وجوب التفقه بقوله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) الآية.

(منها) ما ذكره فى ديباجة المعالم من رواية على بن حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول تفقهوا فى الدين فان من لم يتفقه منكم فى الدين فهو اعرابى فان الله عزوجل يقول (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا) الآية(فى المجمع) اعرابىّ هو بفتح الهمزة نسبة الى الاعراب وهم سكان البادية خاصة ويقال لسكان الامصار عرب وليس الاعراب جمعا للعرب بل هو مما لا واحد له نص عليه الجوهرى والعرب اسم مؤنث ولهذا يوصف بالمؤنث فيقال العرب العاربة والعرب العرباء وهم خلاف العجم.

(وقيل) هم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان وهو اللسان القديم والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل بن ابراهيم عليهما‌السلام الى ان قال وفى الحديث من ولد فى الاسلام فهو عربى وفيه الناس ثلاثة عربى ومولى وعلج فاما العرب فنحن واما المولى فمن والانا واما العلج فمن تبرأ منا وناصبنا.

(ومنها) ما رواه فى الكافى فى باب ما يجب على الناس عند مضى الامام عليه‌السلام عن يعقوب بن شعيب قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام اذا حدث على الامام حدث كيف يصنع الناس قال اين قول الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية قال هم فى عذر ما داموا فى الطلب وهؤلاء الذين ينظرونهم فى عذر حتى يرجع اليهم اصحابهم.

(اقول) يستفاد من حدا الحديث انه يجب على الناس النفر على سبيل

٢٢٩

الكفاية ليعلموا الامام بعده ويخبروا به قومهم اذا رجعوا اليهم والنفر انما يجب لو لم يعلموا ان خبره يصل اليهم قبل بلوغهم بلد الموت وما يتوقف عليه النفر يجب على النافر وقومه على سبيل الكفاية كاصل النفر ولو تعذر كانوا فى سعة الى حين زواله ويجب عليهم حينئذ الاقرار اجمالا بان للامام الماضى نائبا يقوم بالامر بعده وان لم يعلموا اسمه وشخصه ولو ماتوا حينئذ خرج موتهم عن موتة الجاهلية.

(ومنها) صحيحة عبد الاعلى قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول العامة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من مات وليس له امام مات ميتة جاهلية فقال الحق والله قلت فان اماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيه لم يسعه ذلك قال لا يسعه ان الامام اذا هلك وقعت حجة وصيه على من هو معه فى البلد وحق النفر على من ليس بحضرته اذا بلغهم ان الله عزوجل يقول (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية.

(اقول) قوله سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول العامة قال بعض الافاضل ان المراد عن قول العامة عامة الامة بمعنى جميعهم او قول اكثر الامة المخالفين للفرقة الناجية القائلين بخلافة الثلاثة ولحديث حجة عليهم فى نفى الامام من عترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فى كل عصر لنقلهم هذا الحديث فى كتبهم وقبولهم وما ذهب اليه قد ماؤهم من ان المراد بالامام فيه صاحب الشوكة والاقتدار من ملوك الامة كائنا من كان عالما او جاهلا عادلا او فاسقا فى غاية السخافة لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأمر امته بمتابعة الجاهل الفاسق لان متابعته يوجب الخروج عن الدين لمخالفة الحق (قوله فقال الحق والله) خبر مبتداء محذوف اى هو الحق.

(قوله ان الامام اذا هلك) فى موضع التعليل لما سبق توضيح ذلك ان الناس عند موت الامام على صنفين صنف حاضرون فى بلد موته عالمون بمن هو وصى له بوصية ظاهرة أو باطنة فوجب عليهم الاذعان له والاعتقاد به من غير مهلة وصنف ناءون عنه قد بلغهم خبر موت الامام دون خبر وصيه وهذا الصنف يجب عليهم الايمان اجمالا بان له وصيا يقوم مقامه ثم يجب عليهم النفر(قوله وحق النفر) جملة فعلية

٢٣٠

بمعنى ثبت ولزم (قوله لم يسعه ذلك) فيه تقدير الاستفهام يعنى اذا كان الرجل بخراسان ألم يسعه ذلك.

(فى المحكى) قال العلامة المجلسى قدس‌سره الحديث حسن على الظاهر وقوله من مات وليس له امام الخ المشهور من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية ولعله نقله بالمعنى والحديث فى غاية الظهور فى ان المراد من الامام الامام المعصوم من جهة ظهور لفظ الامام فى ذلك وان صح اطلاقه على القرآن كما فى قوله تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) ومن العجيب ما ذكره بعض العامة من ان المراد بالامام هو القرآن وهو فى غاية الضعف انتهى.

(ثم) ان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ميتة جاهلية بكسر الميم الهيئة التى تكون عليها الانسان من الموت ونصب على المصدرية والمفعول المطلق فيه نوعى كما فى قوله تعالى (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ).

(ومنها) صحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبد الله عليه‌السلام وفيها قلت أفيسع الناس اذا مات العالم ان لا يعرفوا الذى بعده فقال أما أهل هذه البلدة فلا يعنى اهل المدينة وأما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم ان الله عزوجل يقول (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية.

(ومنها) صحيحة البزنطى المروية فى قرب الاسناد عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام قوله فى قرب الاسناد بكسر الهمزة وقرب الاسناد اسم كتاب للشيخ الجليل على بن حسين بن موسى بن بابويه القمى ابو الحسن شيخ القميين فى عصره وفقيههم وثقتهم وقبره فى مقبرة بقم.

٢٣١

(ومنها) رواية عبد المؤمن الانصارى الواردة فى جواب من سئل عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اختلاف امتى رحمة قال اذا كان اختلافهم رحمة فاتفاقهم عذاب ليس هذا يراد انما يراد الاختلاف فى طلب العلم على ما قال الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الحديث منقول بالمعنى ولا يحضرنى الفاظه وجميع هذا هو السر فى استدلال اصحابنا بالآية الشريفة على وجوب تحصيل العلم وكونه كفائيا هذا غاية ما قيل ويقال فى توجيه الاستدلال بالآية الشريفة لكن الانصاف عدم جواز الاستدلال بها من وجوه (الاول) انه لا يستفاد من الكلام الا مطلوبية الحذر عقيب الانذار بما يتفقهون فى الجملة لكن ليس فيها اطلاق وجوب الحذر بل يمكن ان يتوقف وجوبه على حصول العلم فالمعنى لعله يحصل لهم العلم فيحذروا فالآية مسوقة لبيان مطلوبية الانذار بما يتفقهون ومطلوبية العمل من المنذرين بما انذروا وهذا لا ينافى اعتبار العلم فى العمل ولهذا صح ذلك فيما يطلب فيه العلم فليس فى هذه الآية تخصيص للادلة الناهية عن العمل بما لم يعلم ولذا استشهد الامام عليه‌السلام فيما سمعت من الاخبار المتقدمة على وجوب النفر فى معرفة الامام عليه‌السلام وانذار النافرين للمتخلفين مع ان الامامة لا تثبت إلّا بالعلم

(من الاخبار) التى تدل على ان آية النفر ظاهرة فى وجوب التفقه رواية عبد المؤمن الانصارى (فى معانى الاخبار) ص ١٥٤ حدثنا على بن احمد بن محمد رحمه‌الله قال حدثنا محمد بن ابى عبد الله الكوفى عن ابى الخير صالح بن ابى حماد قال حدثنى احمد بن هلال عن محمد بن ابى عمير عن عبد المؤمن الانصارى قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ان قوما رووا ان رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال (ان اختلاف امتى رحمة) فقال صدقوا قلت ان كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب قال ليس حيث ذهبت وذهبوا انما اراد قول الله عزوجل فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون فامرهم ان ينفروا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويختلفوا اليه فيتعلموا ثم يرجعوا الى قومهم فيعلموهم انما

٢٣٢

اراد اختلافهم من البلدان لا اختلافا فى دين الله انما الدين واحد انتهى جميع الاستشهادات من الامام عليه‌السلام فى الاخبار المذكورة هو السرّ فى استدلال اصحابنا بالآية الشريفة على وجوب تحصيل العلم وكونه كفائيا هذا غاية ما قيل ويقال فى توجيه الاستدلال بالآية الشريفة

(قوله لكن الانصاف عدم جواز الاستدلال بها من وجوه الخ) اقول ما يقتضيه انصافه قدس‌سره عدم جواز الاستدلال بآية النفر من وجوه (الاول) حاصله منع انسباق الآية لبيان وجوب الحذر مطلقا لان المنساق منها مطلوبية الحذر عقيب الانذار فى الجملة لكن ليس فى الآية اطلاق وجوب الحذر بل يمكن ان يتوقف وجوب الحذر على حصول العلم فالمعنى لعله يحصل لهم العلم فيحذروا فالآية مسوقة لبيان مطلوبية الانذار بما يتفقهون ومطلوبية العمل من المنذرين بالفتح بما انذروا وهذا المقدار من مطلوبية الانذار والحذر لا ينافى اعتبار العلم فى العمل ولهذا صح الاستدلال بالآية الشريفة فيما يطلب فيه العلم كمعرفة الامام عليه‌السلام

فليس فى الآية تخصيص للادلة الناهية عن العمل بما لم يعلم ولذا استشهد الامام عليه‌السلام فيما سمعت من الاخبار المتقدمة على وجوب النفر فى معرفة الامام عليه‌السلام وانذار النافرين للمتخلفين مع ان الامامة لا تثبت إلّا بالعلم

٢٣٣

(الثانى) ان التفقه الواجب ليس إلّا معرفة الامور الواقعية من الدين فالانذار الواجب هو الانذار بهذه الامور المتفقه فيها فالحذر لا يجب إلّا عقيب الانذار بها فاذا لم يعرف المنذر بالفتح ان الانذار هل وقع بالامور الدينية الواقعية او بغيرها خطاء او تعمدا من المنذر بالكسر لم يجب الحذر حينئذ فانحصر وجوب الحذر فيما اذا علم المنذر صدق المنذر فى انذاره بالاحكام الواقعية فهو نظير قول القائل اخبر فلانا بأوامري لعله يمتثلها فهذه الآية نظير الامر بنقل الروايات فان المقصود من هذا الكلام ليس إلّا العمل بالامور الواقعية لا وجوب تصديقه فيما يحكى ولو لم يعلم مطابقته للواقع ولا يعد هذا ضابطا لوجوب العمل بالخبر الظنى الصادر من المخاطب فى الامر الكذائى ونظيره جميع ما ورد من بيان الحق للناس ووجوب تبليغه اليهم فان المقصود منه اهتداء الناس الى الحق الواقعى لا انشاء حكم ظاهرى لهم بقبول كل ما يخبرون به وان لم يعلم مطابقته للواقع ثم الفرق بين هذا الايراد وسابقه ان هذا الايراد مبنى على ان الآية ناطقة باختصاص مقصود المتكلم بالحذر عن الامور الواقعية المستلزم لعدم وجوبه الابعد احراز كون الانذار متعلقا بالحكم الواقعى واما الايراد الاول فهو مبنى على سكوت الآية عن التعرض لكون الحذر واجبا على الاطلاق او بشرط حصول العلم

(حاصل ما افاده) فى الوجه الثانى ان وجوب الحذر انما يكون عقيب انذار المنذر بما تفقه والتفقه عبارة عن العلم باحكام الدين من الواجبات والمحرمات الواقعية فلا بد فى وجوب الحذر عقيب الانذار من ان يكون المنذر بالفتح عالما بان انذار المنذر بالكسر كان بالمحرمات والواجبات الواقعية وإلّا فلا يجب عليه الحذر فيختص اعتبار قول المنذر بما اذا حصل للمنذر بالفتح العلم بالحكم الشرعى من قوله وانذاره.

(فهذه الآية) نظير الامر بنقل الروايات فان المقصود من امر الائمة عليهم‌السلام اصحابهم بنشر الاخبار بين المسلمين ليس إلّا العمل بالامور الواقعية لا وجوب تصديقه فيما يحكى ولو لم يعلم مطابقته للواقع ولا يعد تصديق المخبر ضابطا لوجوب العمل

٢٣٤

بالخبر الظنى الصادر من المخاطب فى الامر الكذائى ونظيره جميع ما ورد من بيان الحق للناس ووجوب تبليغه اليهم فان المقصود منه اهتداء الناس الى الحق الواقعى لا انشاء حكم ظاهرى لهم بقبول كل ما يخبرون به وان لم يعلم مطابقته للواقع

(ثم الفرق) بين هذا الايراد وسابقه ان الايراد الثانى مبنى على ان الآية ناطقة باختصاص مقصود المتكلم بالحذر عن الامور الواقعية المستلزم لعدم وجوبه الا بعد احراز كون الانذار متعلقا بالحكم الواقعى واما الايراد الاول فهو مبنى على سكوت الآية عن التعرض لكون الحذر واجبا على الاطلاق او بشرط حصول العلم

٢٣٥

(الثالث) لو سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند انذار المنذرين ولو لم يفد العلم لكن لا يدل على وجوب العمل بالخبر من حيث انه خبر لان الانذار هو الابلاغ مع التخويف فانشاء التخويف مأخوذ فيه والحذر هو التخوف الحاصل عقيب هذا التخويف الداعى الى العمل بمقتضاه فعلا ومن المعلوم ان التخويف لا يجب إلّا على الوعاظ فى مقام الايعاد على الامور التى يعلم المخاطبون بحكمها من الوجوب والحرمة كما يوعد على شرب الخمر وفعل الزنا وترك الصلاة وعلى المرشدين فى مقام ارشاد الجهال فالتخوف لا يجب الاعلى المتعظ او المسترشد ومن المعلوم ان تصديق الحاكى فيما يحكيه من لفظ الخبر الذى هو محل الكلام خارج عن الامرين توضيح ذلك ان المنذر اما ان ينذر ويخوّف على وجه الافتاء ونقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده واما ان ينذر ويخوّف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجة فالاول كان يقول يا ايها الناس اتقوا الله فى شرب العصير فان شربه يوجب المؤاخذة والثانى كان يقول فى مقام التخويف قال الامام عليه‌السلام من شرب العصير فكانما شرب الخمر اما الانذار على الوجه الاول فلا يجب الحذر عقيبه الاعلى المقلدين لهذا المفتى واما على الثانى فله جهتان إحداهما جهة تخويف وايعاد والثانية جهة لحكاية قول من الامام عليه‌السلام

(حاصل الوجه الثالث) ان الانذار الذى رتب عليه وجوب الحذر ليس مطلق الاخبار عن الحكم بل هو الاخبار المشتمل على التخويف فانشاء التخويف مأخوذ فيه والتخويف ليس من شأن الراوى لان وظيفته ليست إلّا مجرد حكاية الرواية بالفاظها او بمضمونها وقضية حجيته ليس إلّا وجوب تصديقه فيما يحكيه عن الامام عليه‌السلام لا الحذر عند تخويفه.

(ومن المعلوم) ان التخويف لا يجب الاعلى الوعاظ الذين شأنهم التذكير بما يعرفه الناس من الحلال والحرام او على المرشدين الذين شأنهم الارشاد الى ما يجهله الناس من الواجبات والمحرمات فالتخوف والتحذر يجب على المتعظ

٢٣٦

والمسترشد عقيب الوعظ والارشاد وشيء منهما لا ربط له بتصديق الحاكى فيما يحكيه من الخبر الذى هو محل الكلام ومحط النقض والابرام.

(توضيح ذلك) ان الانذار اى الابلاغ مع التخويف اما ان يكون على وجه الافتاء مثل ان يقول ايها الناس اتقوا الله فى شرب العصير فانه محرم يوجب استحقاق العقاب اولا على وجه الافتاء بل بلفظ الخبر والحكاية مثل ان يقول اتقوا الله فى شرب العصير فانى سمعت الامام عليه‌السلام يقول من شرب العصير فكانما شرب الخمر(اما الانذار) على الوجه الاول فلا يجب الحذر عقيبه الاعلى المقلدين لهذا المفتى.

(واما الانذار على الوجه الثانى) فله جهتان جهة تخويف وايعاد والثانية جهة الحكاية والنقل لقول الامام عليه‌السلام (ثم) ان الفرق بين الوعظ والامر بالمعروف والنهى عن المنكر على ما قيل ان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فى فرض ارتكاب المكلفين بالمنكر وتركهم المعروف بخلاف الوعظ فانه لا يعتبر فيه ذلك والفرق بينهما وبين الارشاد ان الثانى فى مقام جهل المكلف بخلافهما.

٢٣٧

(ومن المعلوم) ان الجهة الاولى ترجع الى الاجتهاد فى معنى الحكاية فهى ليست حجة الاعلى من هو مقلد له اذ هو الذى يجب عليه التخوف عند تخويفه واما الجهة الثانية فهى التى ينفع المجتهد الآخر الذى يسمع منه هذه الحكاية لكن وظيفته مجرد تصديقه فى صدور هذا الكلام عن الامام عليه‌السلام واما ان مدلوله متضمن لما يوجب التحريم الموجب للخوف او الكراهة فهو مما ليس فهم المنذر حجة فيه بالنسبة الى هذا المجتهد فالآية الدالة على وجوب التخوف عند تخويف المنذرين مختصة بمن يجب عليهم اتباع المنذر فى مضمون الحكاية وهو المقلد له للاجماع على انه لا يجب على المجتهد التخوف عند انذار غيره انما الكلام فى انه هل يجب عليه تصديق غيره فى الالفاظ والاصوات التى يحكيها عن المعصوم عليه‌السلام ام لا والآية لا تدل على وجوب ذلك على من لا يجب عليه التخوف عند التخويف فالحق ان الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العوام اولى من الاستدلال بها على وجوب العمل بالخبر وذكر شيخنا البهائى قدس‌سره فى اول أربعينه ان الاستدلال بالنبوى صلى‌الله‌عليه‌وآله المشهور من حفظ على امتى أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما على حجية الخبر لا يقصر عن الاستدلال عليها بهذه الآية وكان فيه اشارة الى ضعف الاستدلال بها لان الاستدلال بالحديث المذكور ضعيف جدا كما سيجىء إن شاء الله تعالى عند ذكر الاخبار هذا ولكن ظاهر الرواية المتقدمة عن علل الفضل يدفع هذا الايراد لكنها من الآحاد فلا ينفع فى صرف الآية من ظاهرها فى مسئلة حجية الآحاد مع امكان منع دلالتها على المدعى لان الغالب تعدد من يخرج الى الحج من كل صقع بحيث يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعى عن الامام عليه‌السلام وحينئذ فيجب الحذر عقيب انذارهم فاطلاق الرواية منزل على الغالب.

(اقول) قد تقدم ان الانذار على الوجه الثانى اى الانذار والتخويف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجة له جهتان جهة تخويف وايعاد والثانية جهة الحكاية

٢٣٨

والنقل لقول الامام عليه‌السلام (ومن المعلوم) ان الجهة الاولى ترجع الى الاجتهاد والاستنباط اذ لو لم يفهم من الخبر حكما تحريميا او وجوبيا لم يخوف عليه وهذه الجهة مما يختص اعتبارها بالمقلدين فهم الذين يجب عليهم التخوف عقيب الانذار والتخويف دون غيرهم.

(اما الجهة الثانية) اى جهة الحكاية والنقل لقول الامام عليه‌السلام فهى التى ينفع المجتهد الآخر الذى يسمع منه هذه الحكاية لكن وظيفته مجرد تصديقه فى صدور هذا الكلام عن الامام عليه‌السلام واما ان مدلوله متضمن لما يوجب التحريم الموجب للخوف او الكراهة فهو مما ليس فهم المنذر حجة فيه بالنسبة الى هذا المجتهد فالآية الدالة على وجوب التخوف عند تخويف المنذرين مختصة بمن يجب عليهم اتباع المنذر فى مضمون الحكاية وهو المقلد له للاجماع على انه لا يجب على المجتهد التخوف عند انذار غيره.

(انما الكلام) فى انه هل يجب عليه تصديق غيره فى الالفاظ والاصوات التى يحكيها عن المعصوم عليه‌السلام ام لا والآية لا تدل على وجوب التصديق على من لا يجب عليه التخوف عند التخويف (فالحق) ان الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العوام اولى من الاستدلال بها على وجوب العمل بالخبر وذكر الشيخ البهائى رحمه‌الله فى اول أربعينه ان الاستدلال بالنبوى المشهور من حفظ على امتى اربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما على حجية الخبر لا يقصر عن الاستدلال عليها بهذه الآية وكان فيه اشارة الى ضعف الاستدلال بها لان الاستدلال بالحديث المذكور ضعيف جدا كما سيجىء عند ذكر الاخبار هذا.

(ولكن) ظاهر الرواية المتقدمة عن علل الفضل يدفع هذا الايراد لكنها من الآحاد فلا ينفع فى صرف الآية من ظاهرها فى مسئلة حجية الآحاد مع امكان منع دلالتها على المدعى لان الغالب تعدد من يخرج الى الحج من كل صقع بحيث يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعى عن الامام عليه‌السلام وحينئذ فيجب الحذر عقيب انذارهم فاطلاق الرواية منزل على الغالب.

٢٣٩

(قوله من حفظ على امتى اربعين حديثا) ان حفظ من باب علم ومصدره الحفظ بالكسر ويحتمل ان يكون كلمة على بمعنى اللام اى حفظ لاجل امتى اى لانتفاعهم والمراد من حفظ الاحاديث ضبطها وحراستها عن الاندراس ونقلها بين الناس والتفكر فى معناها والعمل بمقتضاها سواء حفظها عن ظهر القلب ونقشها فى لوح الخاطر او كتبها ورسمها فى الكتاب والدفاتر.

(وقال) بعض الاصحاب على ما حكى عنه ان المراد بحفظها الحفظ عن ظهر القلب فانه كان متعارفا معهودا فى الصدر السالف اذ مدارهم كان على النقش فى الخاطر لا على الرسم فى الدفاتر وفيه ان الحفظ اعم من ذلك والتخصيص بلا مخصص وما ذكره للتخصيص ممنوع اذ كتب الحديث فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وعهد امير المؤمنين عليه‌السلام ومن بعده من الائمة الطاهرين عليهم‌السلام معروف وامرهم بالكتابة مشهور يظهر كل ذلك لمن تصفح الروايات.

(وقال) بعضهم المراد بحفظها تحملها على احد الوجوه المقررة فى اصول الفقه أعنى السماع من الشيخ والقراءة عليه والسماع حال قراءة الغير والاجازة والمناولة والكتابة وفيه ان تحملها على هذه الوجوه اصطلاح جديد فحمل كلام الشارع عليه بعيد على انه لم يثبت جواز تحملها بالثلاثة الاخيرة اى الاجازة والمناولة والكتابة.

(وقال) الشيخ بهاء الملة والدين (ره) فى المحكى ان الظاهر من قوله من حفظ ترتب الجزاء على مجرد حفظ الحديث وان معرفة معناه غير شرط فى حصول الثواب اعنى البعث يوم القيمة فقيها عالما قيل وما قاله الشيخ غير بعيد فان حفظ الفاظ الحديث طاعة كحفظ الفاظ القرآن وقد دعا (ص) لناقل الحديث وان لم يكن عالما بمعناه كما يظهر من قوله (ص) رحم الله امرءا سمع مقالتى فوعاها فاداها كما سمعها فربّ حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه ولا بعد ان يندرج يوم القيامة بمجرد حفظ اللفظ فى زمرة العلماء فان من تشبه بقوم فهو منهم انتهى وفيه ما لا يخفى من الاشكال الذى ليس هذا المختصر موضع ذكره فراجع الى كتب الحديث.

٢٤٠