درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

(ومن جملة الآيات التى) استدل بها جماعة تبعا للشيخ فى العدة على حجية الخبر قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) والتقريب فيه نظير ما بيناه فى آية النفر من ان حرمة الكتمان يستلزم وجوب القبول عند الاظهار ويرد عليها ما ذكرنا من الايرادين الاولين فى آية النفر من سكوتها وعدم التعرض فيها لوجوب القبول وان لم يحصل العلم عقيب الاظهار او اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالامر الذى يحرم كتمانه ويجب اظهاره فان من امره غيره باظهار الحق للناس ليس مقصوده إلّا عمل الناس بالحق ولا يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجية قول المظهر تعبدا ووجوب العمل بقوله وان لم يطابق الحق ويشهد لما ذكرنا ان مورد الآية كتمان اليهود لعلامات النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما بين الله لهم ذلك فى التورية ومعلوم ان آيات النبوة لا يكتفى فيها بالظن نعم لو وجب الاظهار على ما لا يفيد قوله العلم غالبا امكن جعل ذلك دليلا على ان المقصود العمل بقوله وان لم يفد العلم لئلا يكون القاء هذا الكلام كاللغو ومن هنا يمكن الاستدلال بما تقدم من آية تحريم كتمان ما فى الارحام على النساء على وجوب تصديقهن وبآية وجوب اقامة الشهادة على وجوب قبولها بعد الاقامة مع امكان كون وجوب الاظهار لاجل رجاء وضوح الحق من تعدد المظهرين.

(اقول) من الآيات التى استدل بها على حجية الخبر آية الكتمان هى فى سورة البقرة فى اوائل الجزء الثانى وتقريب الاستدلال بها على ما يظهر من عبارة شيخنا الانصارى قدس‌سره تبعا للشيخ فى العدة ما تقدم فى آية النفر فى الوجه الثانى لوجوب الحذر من انه اذا وجب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب وجب التحذر والقبول من المنذر وإلّا لغا وجوبه.

(وبعبارة اخرى) ان تقريب الاستدلال هى الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول من المظهر وإلّا لزم كون تحريم الكتمان لغوا ولذا حكموه بحجية اخبار

٢٤١

المرأة عن كونها حاملا تمسكا بقوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ).

(ويرد عليه) ما ذكره الشيخ قدس‌سره من الايرادين الاولين فى آية النفر من انه لا اطلاق لها يقتضى وجوب الحذر مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المنذر ومن ان وجوب الحذر فيها مشروط بما اذا حصل العلم من قول المنذر.

(قوله من سكوتها وعدم التعرض فيها الخ) اشارة الى الايراد الاول.

(قوله او اختصاص وجوب القبول الخ) عطف على سكوتها واشارة الى الايراد الثانى.

(ويشهد لما ذكر قدس‌سره) ان سوق الآية انما هو فى اصول العقائد ردا على اهل الكتاب الذين اخفوا شواهد النبوة وبيّناته على الناس وكتموا علائم النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله التى بيّنها الله سبحانه لهم فى الكتب السالفة ومعلوم ان آيات النبوة لا يكتفى فيها بالظن فلا ترتبط بما نحن بصدده وعلى فرض التعميم يقال انه من المحتمل قويا ان يكون وجوب الاظهار عليهم لاجل رجاء وضوح الحق بسبب اخبارهم من جهة حصول العلم لهم لاجل تعدد المظهرين كما يقتضيه ظهور سوقها فى اصول العقائد التى لا يكتفى فيها بغير العلم.

(نعم) لو كان للآية اطلاق يقتضى وجوب الاظهار عليهم ولو فى فرض عدم افادته للعلم بالواقع امكن التمسك بها على وجوب القبول بمقتضى ما ذكر من الملازمة ولكن الشأن فى اثبات هذه الجهة.

(ويؤيد ذلك) اى كون حرمة الكتمان لاجل ان يكثر المظهرون فيتضح الحق ويحصل العلم من قولهم فيعمل بالعلم لا بقول المظهرين تعبدا ما نسبه الطبرسى اعلى الله مقامه فى تفسير الآية الى ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة من ان المعنى بالآية علماء اليهود والنصارى الذين كتموا امر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونبوته وهم يجدونه مكتوبا فى التورية والانجيل اذ من المعلوم ان امر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس من الامور التى يكتفى فيها بقول المظهر تعبدا ولو لم يحصل العلم من قوله بل المقصود انهم

٢٤٢

يظهرون امر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ونبوته ولا يكتمون ما يجدونه فى التورية والانجيل من اوصافه وعلائمه فيتضح الحق للناس ويحصل لهم العلم من اظهارهم فيهتدون الى دين الحق ويدخلون فى دين الاسلام عن علم وبصيرة وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى ذلك كله مختصرا وجعله شاهدا لاختصاص وجوب القبول المستفاد منها بما اذا حصل العلم عقيب الاظهار بقوله ويشهد لما ذكرنا الخ.

٢٤٣

(ومن جملة الآيات) التى استدل بها بعض المعاصرين قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) بناء على ان وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب وإلّا لغا وجوب السؤال واذا وجب قبول الجواب وجب قبول كلما يصح ان يسأل عنه ويقع جوابا له لان خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعا فاذا سئل الراوى الذى هو من اهل العلم عمّا سمعه عن الامام عليه‌السلام فى خصوص الواقعة فاجاب بانى سمعته يقول كذا وجب القبول بحكم الآية فيجب قبول قوله ابتداء انى سمعت الامام يقول كذا لان حجية قوله هو الذى اوجب السؤال عنه لا ان وجوب السؤال اوجب قبول قوله كما لا يخفى ويرد عليه اولا ان الاستدلال ان كان بظاهر الآية فظاهرها بمقتضى السياق ارادة علماء اهل الكتاب كما عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة فان المذكور فى سورة النحل (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وان كان مع قطع النظر عن سياقها ففيه اولا انه ورد فى الاخبار المستفيضة ان اهل الذكر هم الائمة وقد عقد فى اصول الكافى بابا لذلك وقد ارسله فى المجمع عن على عليه‌السلام ورد بعض مشايخنا هذه الاخبار بضعف السند بناء على اشتراك بعض الرواة فى بعضها وضعف بعضها فى الباقى.

(اقول) ان آية السؤال فى موضعين من القرآن المجيد فى سورة النحل وفى سورة الانبياء وتمام الآية فى الموضعين هكذا (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ولكن فى الثانى بحذف كلمة من.

(وتقريب) الاستدلال بآية السؤال هو ما تقدم فى آية الكتمان وبعبارة اخرى هى الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول من المسئول وإلّا لغا وجوب السؤال.

(وقال الشيخ) قدس‌سره فى تقريب الاستدلال بها واذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح ان يسأل عنه ويقع جوابا له لان خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعا فاذا سئل الراوى الذى هو من اهل العلم عما سمعه عن الامام عليه‌السلام

٢٤٤

فى خصوص الواقعة فاجاب بانى سمعته يقول كذا وجب القبول بحكم الآية فيجب قبول قوله ابتداء انى سمعت الامام يقول كذا لان حجية قوله هو الذى اوجب السؤال عنه لا ان وجوب السؤال اوجب قبول قوله كما لا يخفى.

(ثم ان المستدل بها) هو بعض معاصرى الشيخ اعلى الله مقامه على ما صرح به ولعله صاحب الفصول رحمه‌الله تعالى فانه الذى استدل بها بعد آية الكتمان قال ما لفظه الرابع قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ثم قال وجه الدلالة انه تعالى امر عند عدم العلم بمسألة اهل الذكر والمراد بهم اما اهل القرآن او اهل العلم وكيف كان فالمقصود من الامر بسؤالهم انما هو استرشادهم والاخذ بما عندهم من العلم الى ان قال وقضية الامر بسؤالهم وجوب قبول ما عندهم فتوى كان او رواية ما لم يمنع عنه مانع فيدل على حجية اخبارهم انتهى.

(قوله ويرد عليه اولا الخ) حاصل الايراد الاول ان كان الاستدلال بظاهر الآية فظاهرها بمقتضى السياق فى ارادة علماء اهل الكتاب والسؤال منهم فيما يرجع الى علائم النبوة المكتوبة فى كتبهم السماوية كما عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة فان المذكور فى سورة النحل (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) وفى سورة الانبياء (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (محصله) ان سياق الآية فى كلا الموضعين بالنظر الى السابق واللاحق يدل على ان المراد من اهل الذكر علماء اهل الكتاب والمأمورون بالسؤال هم عوام اليهود فعلى هذا لا ترتبط آية السؤال بما نحن بصدده من الاستدلال بها على حجية خبر الواحد(وان كان) الاستدلال مع قطع النظر عن سياق الآية ففيه اولا انه ورد فى الاخبار المستفيضة ان اهل الذكر هم الائمة عليهم‌السلام وقد عقد فى اصول الكافى بابا لذلك بل نقل بطرق العامة ايضا وقد ارسله فى مجمع البيان فى سورة الانبياء عن على عليه‌السلام واما فى سورة النحل فقد ارسله عن ابى جعفر عليه‌السلام وفى مجمع البحرين ارسله عن ابى جعفر عليه‌السلام

(وقد ذكر الطبرسى) قدس‌سره فى مجمع البيان فى تفسير اهل الذكر

٢٤٥

اقوالا (احدها) ان المراد باهل الذكر اهل العلم باخبار من مضى من الامم سواء كانوا مؤمنين او كفارا وسمّى الذكر علما لان الذكر منعقد بالعلم فان الذكر هو ضد السهو.

(وثانيها) ان المراد باهل الذكر اهل الكتاب اى فاسألوا اهل التورية والانجيل ان كنتم لا تعلمون (وثالثها) ان المراد به اهل القرآن او اهل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى اقول ان الله تعالى قد سمى القرآن والرسول فى بعض الآيات ذكرا فراجع.

(المتخلص) من الايراد الاول ان المراد من اهل الذكر بمقتضى السياق هم اهل الكتاب وبمقتضى الاخبار المستفيضة هم ائمتنا عليهم‌السلام وعلى كلا التقديرين تكون الآية اجنبية عن ايجاب العمل بخبر الواحد تعبدا (اما على الاول) فواضح ضرورة عدم كون الآية فى مقام ايجاب العمل بجواب اهل الكتاب مطلقا ولو لم يحصل العلم من جوابهم سيما بعد ورودها فى الامر الاعتقادى الذى لا يكتفى فيه بالظن وهو كون الرسل من قبل نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله رجالا من البشر يوحى اليهم لا اشخاصا من الملائكة فان مشركى مكة على ما ذكره الطبرسى ره كانوا ينكرون ان يرسل اليهم بشر ويقترحون ارسال الملك فانزل الله تعالى الآية.

(واما على الثانى) فكذلك اذ وجوب العمل بجواب الائمة عليهم‌السلام وقبول قولهم وحجية كلامهم مما لا مساس له باعتبار قول الرواة اصلا (وقوله تعالى) (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) متعلق بمحذوف اى ارسلناهم بالحجج الواضحة والزبر اى الكتب وذكر بعض المفسرين انه صفة لكلمة رجالا اى رجالا متلبسين بالبينات والزبر.

٢٤٦

(وفيه نظر) لان روايتين منها صحيحتان وهما روايتا محمد بن مسلم والوشاء فلاحظ ورواية ابى بكر الحضرمى حسنة او موثقة نعم ثلث روايات أخر منها لا يخلو من ضعف ولا يقدح قطعا وثانيا ان الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل العلم لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا كما يقال فى العرف سل ان كنت جاهلا ويؤيده ان الآية واردة فى اصول الدين وعلامات النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله التى لا يؤخذ فيها بالتعبد اجماعا وثالثا لو سلم حمله على ارادة وجوب السؤال للتعبد بالجواب لا لحصول العلم منه قلنا ان المراد من اهل العلم ليس مطلق من علم ولو بسماع رواية من الامام عليه‌السلام وإلّا لدل على حجية قول كل عالم بشىء ولو من طريق السمع والبصر مع انه يصح سلب هذا العنوان من مطلق من احسّ شيئا بسمعه او بصره والمتبادر من وجوب سؤال اهل العلم بناء على ارادة التعبد بجوابهم هو سؤالهم عمّا هم عالمون به ويعدّون من اهل العلم فى مثله فينحصر مدلول الآية فى التقليد ولذا تمسك به جماعة على وجوب التقليد على العامى وبما ذكرنا يندفع ما يتوهم من انا نفرض الراوى من اهل العلم فاذا وجب قبول رواية من ليس من اهل العلم بالاجماع المركب حاصل وجه الاندفاع ان سؤال اهل العلم عن الالفاظ التى سمعها من الامام عليه‌السلام والتعبد بقوله فيها ليس سؤالا من اهل العلم من حيث انهم عالمون ألا ترى انه لو قال سل الفقهاء اذا لم تعلم او الاطباء لا يحتمل ان يكون قد اراد ما يشمل المسموعات والمبصرات الخارجية من قيام زيد وتكلم عمرو وغير ذلك.

(يعنى) فى ردّ بعض المشايخ الاخبار الواردة فى ان المراد من اهل الذكر هم الائمة عليهم‌السلام من جهة ضعف السند نظر لان روايتين منها صحيحتان.

(الاول) رواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام قال ان من عندنا يزعمون ان قول الله عزوجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) انهم اليهود والنصارى قال اذا يدعونكم الى دينهم قال قال اشار بيده الى صدره نحن اهل الذكر ونحن

٢٤٧

المسئولون (والثانى) رواية الوشاء انه بالشين المعجمة المشددة اسمه الحسن بن على بن زياد الوشاء قال سألت الرضا عليه‌السلام فقلت له جعلت فداك فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون فقال نحن اهل الذكر ونحن المسئولون قلت فانتم المسئولون ونحن السائلون قال نعم قلت حقا علينا ان نسألكم قال نعم قلت حقا عليكم ان تجيبونا قال لا ذاك الينا ان شئنا فعلنا وان شئنا لم نفعل اما تسمع قول الله تبارك وتعالى (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) هذه الرواية ضعيفة على ما نص عليه فى مرآة العقول واما رواية اخرى صحيحة للوشاء فهى ما رواه عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام قال سمعته يقول قال على بن الحسين عليهما‌السلام على الائمة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليس علينا امرهم الله عزوجل ان يسألونا قال (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فامرهم ان يسألونا وليس علينا الجواب ان شئنا اجبنا وان شئنا امسكنا.

(واما) رواية ابى بكر الحضرمى فهى حسنة او موثقة نعم ثلث روايات أخر منها لا يخلو من ضعف ولا يقدح قطعا الى غير ذلك من الاخبار المستفيضة الواردة فى ان المراد من اهل الذكر هم الائمة عليهم‌السلام.

(والحاصل) اذا ثبت اختصاص اهل الذكر بالائمة عليهم‌السلام فلا يتناول سائر اهل العلم ولا يشمل الروايات والذهاب الى عدم الفرق بين قولهم عليهم‌السلام وبين قول الرواة لا يخلو من ضعف لعدم الدليل على ذلك وظهور الامر فى ايجاب السؤال الحقيقى وهو ما كان بلا واسطة.

(قوله وثانيا ان الظاهر الخ) حاصله ان المتبادر من مثل هذه الجملة اى ـ فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ارادة وجوب السؤال لتحصيل العلم بالواقع كما يقال لمن ينكر شيئا لعدم العلم به سل فلانا ان كنت لا تعلم فالمراد فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون حتى تعلمون لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا.

(ومما يؤيد) ذلك ان الآية وارادة فى اصول العقائد ردا على اهل الكتاب الذين اخفوا شواهد النبوة وبيّناته على الناس وكتموا علائم النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله التى بيّنها الله سبحانه لهم فى الكتب السالفة ويعاضده ظاهر لفظ بالبينات والزبر.

٢٤٨

(قوله وثالثا لو سلم حمله الخ) حاصله انه لو سلمنا ارادة وجوب السؤال للتعبد بالجواب لا لحصول العلم منه قلنا ان المراد من اهل العلم ليس مطلق من علم بشىء ولو بسماع رواية من الامام عليه‌السلام والّا لدلّ على حجية قول كل عالم بشىء ولو من طريق السمع والبصر مع انه يصح سلب هذا العنوان عن مطلق من احس شيئا بسمعه وبصره.

(والمتبادر) من وجوب سؤال اهل العلم بناء على ارادة التعبد بجوابهم هو سؤالهم عماهم عالمون به ويعدّون من اهل العلم فى مثله فينحصر مدلول الآية فى التقليد ولذا تمسك به جماعة على وجوب التقليد على العامى فلا دلالة فى الآية على وجوب قبول قول الراوى مطلقا مع وضوح ان تحمّل الرواية غير ملازم لكون الراوى من اهل العلم.

(وبما ذكره قدس‌سره) من التبادر يندفع ما يتوهم من انا نفرض الراوى من اهل العلم فاذا وجب قبول روايته بمقتضى الآية وجب قبول رواية من ليس من اهل العلم بالاجماع المركب اذ لم يفرق احد بين الراوى العالم وغيره وجه الاندفاع ان سؤال اهل العلم عن الالفاظ التى سمعها من الامام عليه‌السلام والتعبد بقوله فيها ليس سؤالا من اهل العلم من حيث انهم عالمون ألا ترى انه لو قال سل الفقهاء اذا لم تعلم او الاطباء لا يحتمل ان يكون قد اراد ما يشمل المسموعات والمبصرات الخارجية من قيام زيد وتكلم عمرو وغير ذلك.

٢٤٩

(ومن جملة الآيات) قوله تعالى فى سورة البراءة (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) مدح الله عزوجل رسوله بتصديقه للمؤمنين بل قرنه بالتصديق بالله جل ذكره فاذا كان التصديق حسنا يكون واجبا ويزيد فى تقريب الاستدلال وضوحا ما رواه فى الكافى فى الحسن بابن هاشم انه كان لاسماعيل بن ابى عبد الله دنانير واراد رجل من قريش ان يخرج الى اليمن فقال له ابو عبد الله عليه‌السلام يا بنى اما بلغك انه يشرب الخمر قال سمعت الناس يقولون فقال يا بنى ان الله عزوجل يقول (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول يصدق الله ويصدق للمؤمنين فاذا شهد عندك المسلمون فصدقهم ويرد عليه اولا ان المراد بالاذن السريع التصديق والاعتقاد بكل ما يسمع لا من يعمل تعبدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه فمدحه بذلك لحسن ظنه بالمؤمنين وعدم اتهامهم.

(اقول) من جملة الآيات التى استدلوا بها على حجية الخبر آية الاذن هى فى سورة التوبة فى اواسطها وتقريب الاستدلال بها ان الله سبحانه وتعالى مدح نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بتصديقه للمؤمنين وقرنه بالتصديق بالله ولو لم يكن تصديقهم امرا حسنا لما مدحه به فاذا كان التصديق حسنا يكون واجبا اذ لا قائل بالفصل وبذلك يتم المطلوب وهو حجية خبر الواحد.

(ويزيد فى تقريب الاستدلال) وضوحا ما رواه فى محكى الفروع الكافى انه كانت لاسماعيل بن ابى عبد الله دنانير واراد رجل من قريش ان يخرج الى اليمن فقال إسماعيل يا أبت ان فلانا يريد الخروج الى اليمن وعندى كذا وكذا دينارا افترى ان ادفعها يبتاع لى بضاعة من اليمن فقال ابو عبد الله عليه‌السلام يا بنى اما بلغك انه يشرب الخمر فقال إسماعيل هكذا يقول الناس فقال عليه‌السلام يا بنى لا تفعل فعصى اباه ودفع اليه دنانيره فاستهلكها ولم يأت بشيء منها فخرج إسماعيل وقضى ان أبا عبد الله عليه‌السلام حج وحج إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف البيت ويقول اللهم اجرنى واخلف علىّ فلحقه ابو عبد الله عليه‌السلام فغمزه بيده من خلفه وقال له مه يا بنى ما لك على الله هذا ولا لك ان يؤجرك ولا يخلف

٢٥٠

عليك وقد بلغك انه يشرب الخمر فائتمنته فقال إسماعيل يا أبت ان لم اره يشرب الخمر انما سمعت الناس يقولون فقال ابو عبد الله عليه‌السلام يا بنى ان الله عزوجل يقول فى كتابه (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول يصدّق الله ويصدّق للمؤمنين فاذا شهد عندك المسلمون فصدقهم الحديث.

(قوله فى الحسن بابن هاشم) يعنى كون الخبر المذكور حسنا من جهة ابراهيم بن هاشم وهو امامى ممدوح لم يثبت عدالته ولا فسقه وقيل بانه ثقة فكيف كان ان الخبر المذكور يؤيد تقريب الاستدلال بالآية لما نحن فيه وهو حجية خبر الواحد هذا غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب الاستدلال.

(لا يقال) ان الآية وارادة فى الموضوعات ومورد البحث هو حجية خبر الواحد فى الاحكام الشرعية ولا معنى لحجية خبر الواحد فيها بالنسبة الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لانها تصل اليه صلى‌الله‌عليه‌وآله من الله تعالى بواسطة الوحى.

(فانه يقال) اذا قلنا بحجية خبر الواحد فى الموضوعات قلنا بحجيته فى الاحكام بالاجماع المركب فان كل من قال بحجيته فى الموضوعات قال بها فى الاحكام ولا عكس فان بعضهم قال بحجيته فى الاحكام ولم يقل بها فى الموضوعات.

(قوله ويرد عليه اولا الخ) حاصل الايراد الاول من الشيخ قدس‌سره ان المراد بالاذن سريع التصديق والاعتقاد بكل ما يسمع لا من يعمل تعبدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه فمدحه بذلك لحسن ظنه بالمؤمنين وعدم اتهامهم (وفيه) مضافا الى ان الاذن ليس سريع الاعتقاد بل الاذن كما فى الكشاف هو الرجل الذى يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل احد سمّى بالجارحة التى هى آلة السماع ومن المعلوم ان تصديق كل احد مما لا يستلزم الاعتقاد بكلامه ان سريع الاعتقاد لو لم يكن مرجوحا لا يكون ممدوحا سيما فى الاكابر والرؤساء الذين يتصدون امور الناس فلا بد من حمل الاذن فى الآية على غير سريع الاعتقاد بل على التصديق الخالى عن الاعتقاد.

(ولكن الاظهر) فى الايراد على الاستدلال بالآية هو منع كون المراد من

٢٥١

التصديق فى الآية هو التعبد بثبوت المخبر به وترتيب الاثر عليه بل المراد منه مجرد اظهار القبول وعدم المبادرة الى تكذيب المخبر وعدم نسبة الكذب اليه بالمواجهة وهذا امر اخلاقى دلّ عليه بعض الروايات كقوله عليه‌السلام كذّب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا وقال لم اقله فصدّقه وكذّبهم ومن الظاهر انه ليس المراد من التصديق هو العمل بقوله وترتيب الاثر عليه وإلّا لم يكن وجه لتقديم اخبار الواحد على اخبار الخمسين مع كونهم ايضا من المؤمنين بل المراد هو المعنى الذى ذكرناه من كونه مجرد اظهار القبول وعدم المبادرة الى تكذيبه.

(ومما يؤيد) ذلك ما فى تفسير على بن ابراهيم القمى من ان الآية الشريفة نزلت فى عبد الله بن نفيل فانه كان يسمع كلام النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وينقله الى المنافقين حتى اوقف الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذه النميمة فاحضره النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأله عنها فحلف انه لم يكن شيء مما ينمّ عليه فقبل منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فاخذ هذا الرجل يطعن عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول انه اذن يقبل كل ما يسمع اخبره الله انى انمّ عليه فقبل واخبرته انى لم افعل فقبل فرد عليه الله سبحانه بقوله (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) الآية ومن المعلوم ان تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للمنافق لم يكن إلّا بمعنى عدم اظهار تكذيبه بما فيه من ادائه الى العداوة والبغضاء فيما بينهم مع العمل بما تقتضيه المصلحة من الاحتياط حسب ما يقتضيه المقام فمدحه سبحانه نبيه (ص) انما كان من اجل هذه الجهة حيث انه (ص) من جهة محاسن اخلاقه ورأفته بالامة لم يكن يبادر الى تكذيب من يخبره بخبر يعلم بكذبه بل كان يظهر له القبول من غير ترتيب اثر عملى على اخباره هذا.

٢٥٢

(وثانيا) ان المراد من التصديق فى الآية ليس جعل المخبر به واقعا وترتيب آثاره عليه اذ لو كان المراد به ذلك لم يكن اذن خير لجميع الناس اذ لو اخبره احد بزنا احد او شربه او قذفه او ارتداده فقتله النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله او جلّده لم يكن فى سماعة ذلك الخبر خير للمخبر عنه بل كان محض الشر له خصوصا مع عدم صدور الفعل منه فى الواقع نعم يكون خيرا للمخبر من حيث متابعة قوله وان كان منافقا موذيا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما يقتضيه الخطاب فى لكم فثبوت الخير لكل من المخبر والمخبر عنه لا يكون إلّا اذا صدق المخبر بمعنى اظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح قوله رأسا مع العمل فى نفسه بما يقتضيه الاحتياط التام بالنسبة الى المخبر عنه فان كان المخبر به مما يتعلق بسوء حاله لا يؤذيه فى الظاهر لكن يكون على حذر منه فى الباطن كما هو مقتضى المصلحة فى حكاية إسماعيل المتقدمة ويؤيد هذا المعنى ما عن تفسير العياشى عن الصادق عليه‌السلام من انه يصدق المؤمنين لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رءوفا رحيما بالمؤمنين فان تعليل الصدق بالرأفة والرحمة على كافة المؤمنين ينافى ارادة قبول قول احدهم على الآخر بحيث يترتب عليه آثاره وان انكر المخبر عنه وقوعه اذ مع الانكار لا بد عن تكذيب احدهما وهو مناف لكونه اذن خير ورءوفا ورحيما بالجميع فتعين ارادة التصديق بالمعنى الذى ذكرنا ويؤيده ايضا ما عن القمى فى سبب نزول الآية انه ثمّ منافق على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فاخبره الله ذلك فاحضره النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأله فحلف انه لم يكن شىء مما ينمّ عليه فقبل منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فاخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبى ويقول انه يقبل كل ما يسمع اخبره الله انى انمّ عليه وانقل اخباره فقبل واخبرته انى لم افعل فقبل فرده الله تعالى بقوله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ومن المعلوم ان تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا وهذا التفسير صريح فى ان المراد من المؤمنين المقرون بالايمان من غير اعتقاد فيكون الايمان لهم على حسب ايمانهم.

(حاصل الايراد الثانى) منع كون المراد من التصديق فى الآية هو التعبد

٢٥٣

بثبوت المخبر به وترتيب آثاره عليه وانما هو بمعنى مجرد اظهار القبول وعدم المبادرة الى تكذيب المخبر فيما يخبر به والانكار عليه كما يشهد له تكرار لفظ الايمان وتعديته فى الاول بالباء وفى الثانى باللام لا ان المراد منه هو سريع الاعتقاد.

(كيف) وان ذلك لا يناسب مقام النبوة فضلا عن كونه كمالا له وموجبا لمدح الله سبحانه اياه فكانت الآية الشريفة فى مقام بيان آداب المعاشرة مع الناس من اظهار القبول فيما يقولون وعدم المبادرة الى تكذيبهم والانكار عليهم لما فيه من ادائه الى العداوة والبغضاء فيما بينهم مع العمل بما تقتضيه المصلحة من الاحتياط حسب ما يقتضيه المقام.

(فمدحه سبحانه) نبيه انما كان من اجل هذه الجهة حيث انه صلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة محاسن اخلاقه ورأفته بالامة لم يكن يبادر الى تكذيب من يخبره بخبر يعلم بكذبه بل كان يظهر له القبول من غير ترتيب اثر عملى على اخباره.

(ويؤيد المعنى المذكور) ما عن تفسير العياشى عن الصادق عليه‌السلام من انه يصدق المؤمنين لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رءوفا رحيما بالمؤمنين فان تعليل التصديق بالرأفة والرحمة على كافة المؤمنين ينافى ارادة قبول قول احدهم على الآخر بحيث يترتب عليه آثاره وان انكر المخبر عنه وقوعه اذ مع الانكار لا بد عن تكذيب احدهما وهو مناف لكونه اذن خير ورءوفا ورحيما لجميع المؤمنين على ما يقتضيه الخطاب فى لكم فثبوت الخبر لكل من المخبر والمخبر عنه لا يكون إلّا اذا صدق المخبر بمعنى اظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح قوله رأسا مع العمل فى نفسه بما يقتضيه الاحتياط التام بالنسبة الى المخبر عنه فتعين ارادة التصديق بالمعنى الذى ذكره قدس‌سره فى هذا الايراد الثانى

(قوله على ما يقتضيه الخطاب فى لكم) اقول وجه الاقتضاء ظهور الآية بل صراحتها فى الخطاب متوجها الى الذين يؤذون النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(ويؤيده ايضا) ما عن القمى (ره) فى سبب نزول الآية انه نمّ منافق على النبى (ص) فأخبره الله ذلك فاحضره النبى (ص) وسأله فحلف انه لم يكن شىء مما ينمّ عليه فقبل منه النبى (ص) فاخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبى (ص)

٢٥٤

ويقول انه يقبل كلما يسمع اخبره الله انى انمّ عليه وانقل اخباره فقبل واخبرته انى لم افعل فقبل فرده الله تعالى بقوله لنبيه (ص) (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ومن المعلوم ان تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا وهذا التفسير صريح فى ان المراد من المؤمنين المقرون بالايمان من غير اعتقاد فيكون الايمان لهم على حسب ايمانهم.

(واما الرواية المتقدمة) المتضمنة لقصة اسماعيل من قوله عليه‌السلام اذا شهد عندك المسلمون فصدقهم وتوبيخه على ابقاء الدنانير عند الرجل القرشى والحث على اخذها منه فانما هو لاجل الاخذ بالاحتياط وعدم استيمان من اخبر بانه يشرب الخمر لا بمعنى ترتيب آثار الواقع.

(فى بحر الفوائد) الفرق بين التصديق بمعنى اظهار صدق المخبر فى اخباره ولو مع العلم بكذبه فى مقابل اظهار كذبه وبين تصديق خبره بمعنى ترتيب آثار الواقع عليه عند الشك فى مطابقته للواقع الذى هو محل الكلام فى مسئلة حجية خبر الواحد لا يكاد يخفى على ذى مسكة فان المعنى الاول لا تعلق له بمسألتنا هذه والمراد من الآية المعنى الاول لا الثانى والذى يدل عليه مضافا الى القرائن الداخلية والخارجية وانه لا معنى لتصديق غير الله تبارك وتعالى فى مقابل اخباره تبارك وتعالى حكم العقل المستقل بانه لا معنى لجهل النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله بالواقع وشكه فى صدق المخبر وكذبه حتى يتصور ترتيب آثار الواقع عليه ظاهرا كما هو الشأن فى ساير الطرق الظاهرية والاصول العقلية والشرعية فانه لا معنى لجريانها فى حق النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والولى مع ان المعتبر فى موضوعاتها عدم العلم بالواقع الى أن قال فحسن التصديق بالمعنى المذكور بقول مطلق لا تعلق له بمسألة حجية خبر الواحد جزما فالآية لا تعلق لها بالمقام اصلا انتهى كلامه رفع مقامه.

٢٥٥

(ويشهد) بتغاير معنى الايمان فى الموضعين مضافا الى تكرار لفظه تعديته فى الاول بالباء وفى الثانى باللام فافهم وأما توجيه الرواية فيحتاج الى بيان معنى التصديق فنقول ان المسلم اذا أخبر بشىء فلتصديقه معنيان (احدهما) ما يقتضيه ادلة تنزيل فعل المسلم على الصحيح والاحسن فان الاخبار من حيث انه فعل من افعال المكلفين صحيحه ما كان مباحا وفاسده ما كان نقيضه كالكذب والغيبة ونحوهما فحمل الاخبار على الصادق حمل على احسنه (والثانى) هو حمل اخباره من حيث انه لفظ دال على معنى يحتمل مطابقته للواقع وعدمها على كونه مطابقا للواقع بترتيب آثار الواقع عليه والمعنى الثانى هو الذى يراد من العمل بخبر العادل واما المعنى الاول فهو الذى يقتضيه ادلة حمل فعل المسلم على الصحيح والاحسن وهو ظاهر الاخبار الواردة فى ان من حق المؤمن على المؤمن ان يصدقه ولا يتهمه خصوصا مثل قوله عليه‌السلام يا أبا محمد كذّب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا وقال لم اقله فصدقه وكذبهم الخبر فان تكذيب القسامة مع كونهم ايضا مؤمنين لا يراد منه الا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم لا ما يقابل تصديق المشهود عليه فانه ترجيح بلا مرجح بل ترجيح المرجوح نعم خرج من ذلك مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن وان انكر المشهود عليه.

(اقول) ان الشاهد على ما ذكره قدس‌سره من ان المراد من التصديق مجرد اظهار القبول وعدم المبادرة الى تكذيبه اثنان الاول تكرار لفظ الايمان حيث قال عزوجل (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) فلو كان المراد من الايمان معنى واحدا لقال يؤمن بالله وللمؤمنين والثانى تعدية كلمة يؤمن بالباء فى الجملة الاولى وباللام فى الجملة الثانية فاختلاف التعدية يدل على اختلاف المراد من الايمان فى الموضعين (وفيه) ان الايمان بمعنى التصديق القلبى فان كان متعلقا بوجوب شىء تكون تعديته بالباء كما فى قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) الآية وان كان متعلقا بقول شخص كانت تعديته باللام كما فى قوله سبحانه (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) وحينئذ تدل التعدية باللام بالنسبة الى المؤمنين

٢٥٦

على ارادة تصديق قولهم فلا شهادة فى اختلاف التعدية على ما ذكر(ولكن) اورد فى الاوثق على شهادة اختلاف التعدية على المعنى المذكور بما هذا لفظه وفيه ان تغيير الاسلوب كما يمكن ان يكون لاجل ما ذكره من مغايرة معنى التصديق بالله تعالى وللمؤمنين بارادة الحقيقى بالاول والصورى بالثانى كذلك يمكن ان يكون لاجل مغايرتهما بارادة التصديق الجزمى بالاول والظاهرى بالثانى انتهى.

(قوله واما توجيه الرواية الخ) ان المراد منها الرواية المتقدمة عن الكافى المشتملة على قصة اسماعيل المتقدمة الظاهرة فى ترتيب آثار الواقع فلما اجاب قدس‌سره عن الاستدلال بالآية بقى على عاتقه الشريف الجواب عن الرواية فذكر فى توجيهها ان للتصديق معنيين (احدهما) ما يقتضيه ادلة حمل فعل المسلم على الصحيح والاحسن فان الاخبار ايضا فعل من افعال المكلف فصحيحه ما كان مباحا وفاسده ما كان محرما بان كان كذبا او غيبة ونحوهما وهو ظاهر الاخبار الواردة فى ان من حق المؤمن على المؤمن ان يصدقه ولا يتهمه خصوصا مثل موسى بن جعفر عليهما‌السلام يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا وقال لم اقله فصدقه وكذبهم الخبر.

(وثانيهما) حمل كلامه على كونه مطابقا للواقع وترتيب آثار الواقع عليه وهذا هو الذى يراد من العمل بخبر الواحد.

(قوله فان تكذيب القسامة الخ) القسامة لغة اسم للاولياء الذين يحلفون على دعوى الدم وفى لسان الفقهاء اسم للايمان وفى مجمع البحرين القسامة بالفتح وهى الايمان تقسم على اولياء القتيل اذا ادّعوا الدم يقال قتل فلان بالقسامة اذا اجتمعت جماعة من اولياء القتيل وادعوا على رجل انه قتل صاحبهم ومعهم دليل دون البينة فحلفوا خمسين يمينا ان المدعى عليه قتل صاحبهم فهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم يسمون قسامة ايضا.

(قال بعض المحققين) والقسامة تثبيت مع اللوث وقدرها خمسون يمينا

٢٥٧

بالله تعالى فى العمد اجماعا وفى الخطاء على الاشهر وقيل خمسة وعشرون فان كان للمدعى قوم حلف كل واحد منهم يمينا ان كانوا خمسين ولو زادوا عنها اقتصر على حلف الخمسين والمدعى من جملتهم ولو نقصوا عن الخمسين كررت عليهم او على بعضهم حسب ما يقتضيه العدد ولو لم يكن له قسامة اى قوم يقسمون او امتنع المدعى عن اليمين وان بذلها قومه او بعضهم حلف المنكر وقومه خمسين يمينا ببراءته فان امتنع المنكر الزم الدعوى ولا يكون فيهم صبى ولا امرأة ولا مجنون ولا عبد انتهى.

(اقول) وعلى التقديرين فالقسامة اسم من اقسم اقيم مقام المصدر يقال اقسم اقساما وقسامة كما يقال اكرم اكراما وكرامة ولا اختصاص لها بايمان الدماء لغة لكن الفقهاء خصّوها بها واللوث فى المقام امارة يظن بها صدق المدعى فيما ادعاه من القتل كوجود ذى سلاح ملطّخ بالدم عند قتيل فى دمه وغير ذلك من الامارات الواضحة التى ذكروها الفقهاء فى كتاب القصاص.

(والحاصل) ان تكذيب القسامة فى الرواية مع كونهم ايضا مؤمنين لا يراد منه إلّا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم لا ما يقابل تصديق المشهود عليه فانه ترجيح بلا مرجح بل ترجيح المرجوح نعم خرج من ذلك مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن وان انكر المشهود عليه قيل ان مراد الشيخ قدس‌سره من القسامة هنا هى البينة العادلة.

٢٥٨

(وانت) اذا تأملت هذه الرواية ولاحظتها مع الرواية المتقدمة فى حكاية إسماعيل لم يكن لك بد من حمل التصديق على ما ذكرنا وان ابيت إلّا عن ظهور خبر اسماعيل فى وجوب التصديق بمعنى ترتيب آثار الواقع فنقول ان الاستعانة بها على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب الى السنة والمقصود هو الاول غاية الامر كون هذه الرواية فى عداد الروايات الآتية إن شاء الله تعالى ثم ان هذه الآيات على تقدير تسليم دلالة كل واحد منها على حجية الخبر انما تدل بعد تقييد المطلق منها الشامل لخبر العادل وغيره بمنطوق آية النبأ على حجية خبر العادل الواقعى او من اخبر عدل واقعى بعدالته بل يمكن انصراف المفهوم بحكم الغلبة وشهادة التعليل بمخافة الوقوع فى الندم الى صورة افادة خبر العادل الظن الاطمينانى بالصدق كما هو الغالب مع القطع بالعدالة فيصير حاصل مدلول الآيات اعتبار خبر العادل الواقعى بشرط افادة الظن الاطمينانى وهو المعبر عنه بالوثوق نعم لو لم نقل بدلالة آية النبأ من جهة عدم المفهوم لها اقتصر على منصرف ساير الآيات وهو الخبر المفيد الموثوق وان لم يكن المخبر عادلا.

(يعنى) اذا تأملت هذه الرواية يعنى بها قوله عليه‌السلام يا أبا محمد الخ ولاحظتها مع الرواية المتقدمة فى حكاية اسماعيل لم يكن لك بد من حمل التصديق على ما ذكرنا يعنى به حمل التصديق فى حكاية اسماعيل على المعنى الاول اى حمل فعل المسلم على الصحيح والاحسن اذ لو حمل على التصديق بالمعنى الثانى اى بمعنى ترتيب جميع الآثار على المخبر به فلا وجه لتصديق الواحد وتكذيب خمسين قسامة.

(وان ابيت) إلّا عن ظهور خبر اسماعيل فى وجوب التصديق بمعنى ترتيب آثار الواقع فنقول ان الاستعانة بظاهر رواية اسماعيل على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب الى السنة والمقصود بالفعل هو الاول اى الاستدلال على حجية الخبر بالآيات غاية الامر كون رواية اسماعيل فى عداد الروايات الآتية إن شاء الله تعالى.

٢٥٩

(قوله ثم ان هذه الآيات على تقدير تسليم دلالة كل واحد منها على حجية الخبر الخ) حاصله ان الآيات المذكورة على تقدير الدلالة انما تدل على حجية الخبر مطلقا سواء كان المخبر عادلا ام فاسقا وآية النبأ بمنطوقها تدل على عدم حجية خبر الفاسق فحينئذ الآيات المطلقة الشاملة لخبر العادل وغيره بعد تقييدها بمنطوق آية النبأ انما تدل على حجية خبر العادل الواقعى او من اخبر عدل واقعى بعدالته.

(بل يمكن) انصراف المفهوم بحكم الغلبة وشهادة التعليل المذكور فى الآية الى صورة افادة خبر العادل الظن الاطمينانى بالصدق كما هو الغالب مع القطع بالعدالة فعلى هذا الفرض يصير مدلول الآيات اعتبار خبر العادل الواقعى بشرط افادة الظن الاطمينانى وهو المعبر عنه بالوثوق نعم لو لم نقل بدلالة آية النبأ من جهة عدم المفهوم لها اقتصر على منصرف ساير الآيات وهو الخبر المفيد للوثوق وان لم يكن المخبر عادلا

٢٦٠