درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

كى يستحيل صدوره من الحكيم والتعبد بحجية اخبار الوسائط لا يكون لغوا لوقوع الجميع فى سلسلة اثبات قول المعصوم عليه‌السلام وهذا المقدار كاف فى صحة التعبد بحجية اخبار الوسائط فلا ملزم لاعتبار كون المخبر به فى كل خبر حكما شرعيا او ذا اثر شرعى.

(واما على القول الثانى) من ان المجعول فى باب الامارات هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع فيرد الاشكال المذكور بان التنزيل متوقف على ان يكون المؤدى حكما شرعيا او ذا اثر شرعى وإلّا فلا معنى لتنزيله منزلة الواقع وعليه فقد اجيب عن الاشكال بوجوه.

(الاول) ان القضية طبيعية قد حكم فيها بلحاظ طبيعة الاثر وليس المراد هو الطبيعى المعقولى بمعنى الطبيعة بشرط لا كقولنا الانسان نوع حتى لا يسرى الحكم من الطبيعة الى الافراد بل المراد هو الطبيعى الاصولى بمعنى الطبيعة بشرط الوجود فيسرى الحكم الى الافراد فلا مانع من شمول دليل الحجية لخبر الشيخ عن المفيد مع كون الاثر الشرعى للمخبر به وهو خبر المفيد هو نفس الحجية ووجوب التصديق وهكذا الى آخر الوسائط.

(الثانى) دعوى القطع بتحقق ما هو المناط فى سائر الآثار فى هذا الاثر اى وجوب التصديق بعد تحققه بهذا الخطاب وان لم يشمله لفظا لاجل المحذور المذكور.

(الثالث) عدم القول بالفصل بين هذا الاثر وسائر الآثار فى وجوب الترتيب عند الاخبار بموضوع صار اثره الشرعى وجوب التصديق بنفس الحكم فى الآية الشريفة وان شئت فعبر بعدم القول بالفصل فى الحجية بين الخبر بلا واسطة والخبر مع الواسطة.

(الرابع) انه لم يدل آية او رواية على لزوم كون مؤدى الامارة حكما شرعيا او ذا اثر شرعى وانما اعتبر ذلك من جهة حكم العقل بان التعبد بامر لا يكون له اثر شرعى لغو لا يصدر من الحكيم ويكفى فى دفع محذور اللغوية وقوع الخبر فى

٢٠١

سلسلة اثبات الحكم الشرعى الصادر من الامام عليه‌السلام وبعبارة اخرى يكفى فى حجية اخبار الرواة ترتب الاثر الشرعى على مجموعها من حيث المجموع ولا ملزم لاعتبار ترتب اثر شرعى على كل خبر مع قطع النظر عن خبر آخر ولا خفاء فى ترتب الاثر على اخبار مجموع الرواة الواقعة فى سلسلة نقل قول المعصوم عليه‌السلام.

(نعم) لو كان فى جملة الرواة الواقعة فى سلسلة نقل قول المعصوم فاسق غير موثوق به او رجل مجهول الحال لا يشمل دليل الحجية لاخبار بقية الرواة الواقعة فى تلك السلسلة ولو كانوا عدولا او ثقات لعدم ترتب اثر شرعى على المجموع من حيث المجموع ايضا اذ خبر الفاسق خارج عن ادلة الحجية موضوعا وبخروجه ينقطع اتصال الاخبار الى المعصوم عليه‌السلام فلا يقع الباقى من الرواة فى سلسلة اثبات قول المعصوم عليه‌السلام فلا يكون مشمولا لادلة الحجية لعدم ترتب اثر شرعى عليه فيكون التعبد بحجيته لغوا.

٢٠٢

(لكن يضعف) هذا الاشكال اولا بانتقاضه بوروده مثله فى نظيره الثابت بالاجماع كالاقرار بالاقرار ومخالفة قبول الشهادة على الشهادة لو سلمت ليست من هذه الجهة وثانيا بالحل وهو ان الممتنع هو توقف فردية بعض افراد العام على اثبات الحكم لبعضها الآخر كما فى قول القائل كل خبرى صادق او كاذب اما توقف العلم ببعض الافراد وانكشاف فرديته على ثبوت الحكم لبعضها الآخر كما فيما نحن فيه فلا مانع منه واما ثالثا فلان عدم قابلية اللفظ العام لان يدخل فيه الموضوع الذى لا يتحقق ولا يوجد إلّا بعد ثبوت حكم هذا العام لفرد آخر لا يوجب التوقف فى الحكم اذا علم المناط الملحوظ فى الحكم العام وان المتكلم لم يلاحظ موضوعا دون آخر فاخبار عمرو بعدالة زيد فيما لو قال المخبر اخبرنى عمرو بان زيدا عادل وان لم يكن داخلا فى موضوع ذلك الحكم العام وإلّا لزم تأخر الموضوع وجودا عن الحكم إلّا انه معلوم ان هذا الخروج مستند الى قصور العبارة وعدم قابليتها لشموله لا للفرق بينه وبين غيره فى نظر المتكلم حتى يتأمل فى شمول الحكم العام له بل لا يتصور فى العبارة بعد ما فهم منها ان هذا المحمول وصف لازم لطبيعة الموضوع ولا ينفك عن مصاديقه فهو مثل ما اخبر زيد بعض عبيد المولى بانه قال لا تعمل باخبار زيد فانه لا يجوز له العمل به ولو اتكالا على دليل عام يدل على الجواز ويقول ان هذا العام لا يشمل نفسه لان عدم شموله له ليس إلّا لقصور اللفظ وعدم قابليته للشمول لا للتفاوت بينه وبين غيره من اخبار زيد فى نظر المولى وقد تقدم فى الايراد الثانى من هذه الايرادات ما يوضح ذلك فراجع.

(اقول) انه يضعّف الاشكال المذكور بوجوه (الاول) النقض بورود مثله فى الاقرار بالاقرار ووجه الانتقاض بالنسبة الى الاقرار بالاقرار على ما فى بحر الفوائد واضح حيث ان الذى يفيد ويترتب عليه الحكم الشرعى والزام المقر بمقتضاه هو الاقرار بالحق والمفروض ان طريق وجوده والحكم بثبوته هو نفس

٢٠٣

الاقرار به فلا بد ان يجعل شمول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اقرار العقلاء على انفسهم جائز للاقرار بالاقرار الثابت وجدانا مثبتا للاقرار بالحق المشكوك وجوده فيجعل بعد الثبوت موضوعا لادلة الاقرار.

(بل قد يقال) بان المقام اولى بالثبوت حيث ان الحكم فيه مترتب على نفس الخبر من غير اعتبار امر آخر وفى باب الاقرار مترتب على الاقرار على النفس لا على مجرد الاقرار والاقرار بالاقرار ليس اقرارا بالحق حتى يكون اقرارا على النفس ومشمولا لقوله عليه‌السلام اقرار العقلاء على انفسهم جائز وفى جعله كذلك من حيث كونه طريقا للاقرار بالحق دور واضح اللهم إلّا ان يقال بكونه اقرارا على النفس عرفا حيث ان الاقرار على الاقرار فى حكم العرف وعندهم اعتراف بما يضر النفس الانسانى فيشمله قوله عليه‌السلام اقرار العقلاء على انفسهم جائز.

(واما وجه الانتقاض) بالنسبة الى اخبار العادل بعدالة مخبر بعد النبأ على شمول الآية للتعديلات والاخبار بالعدالة كما هو المسلم بينهم فهو ان الحكم فى المفهوم شرطا كان او وصفا متعلق على نبأ العادل فكما ان الآية لا تصير واسطة لاثبات النبأ فى المشكوك بمعنى عدم اثباتها حجيته ووجوب تصديقه على ما عرفت كذلك لا تصير واسطة لاثبات الحكم فيما ثبت عدالة مخبره بنفس الآية حذوا بحذو لاتحاد المناط ووحدة جهة المنع والامتناع.

(ومخالفة قبول الشهادة على الشهادة الخ) دفع لتوهم ما يرد على النقض من حيث انه اذا امكن صيرورة شمول حكم العام لبعض الافراد واسطة لاثبات فرد آخر منه يتعلق به حكم العموم فما المانع من اثبات شهادة الفرع شهادة الاصل فيحكم بها بمقتضى ادلة اعتبار الشهادة مع انهم لم يلتزموا به وحاصل وجه الدفع مضافا الى الالتزام به فى الجملة عندهم كما اذا تعذر حضور الاصل من جهة مرض او مانع آخر ان المانع من القبول فى المثال والفرض هو استفادة اعتبار اقامة الشهادة على الحق عند الحاكم وفى محضره من دليل اعتبار الشهادة فى صورة الامكان.

٢٠٤

(الثانى) بالحلّ حاصله ان الممتنع على تقدير التسليم هو شمول حكم العام لما صار من الافراد شموله للفرد المفروغ عن فرديته واسطة لثبوته كما فى المثال المذكور حيث انه بعد حمل صادق او كاذب على كل خبرى يوجد عنوان الخبرية ويحدث لنفس هذه القضية فيمتنع تعلق المحمول على نفسها لا لما صار الشمول لبعض الافراد واسطة لاثباته كما فى المقام ضرورة ان وجود خبر المفيد مثلا فى نفس الامر لا يتوقف على اخبار الشيخ قدس‌سره عنه فضلا عن ان يتوقف على اعتباره والفرق بين الامرين لا يكاد ان يخفى هذا.

(الثالث) ان عدم قابلية اللفظ العام لان يدخل فيه الموضوع الذى لا يتحقق ولا يوجد إلّا بعد ثبوت حكم هذا العام لفرد آخر لا يوجب التوقف فى الحكم اذا علم المناط الملحوظ فى الحكم العام وان المتكلم لم يلاحظ موضوعا دون آخر فاخبار عمرو بعدالة زيد فيما لو قال المخبر اخبرنى عمرو بان زيدا عادل وان لم يكن داخلا فى موضوع ذلك الحكم العام وإلّا لزم تأخر الموضوع وجودا عن الحكم إلّا انه معلوم ان هذا الخروج مستند الى قصور العبارة وعدم قابليتها لشموله لا للفرق بينه وبين غيره فى نظر المتكلم حتى يتأمّل فى شمول الحكم العام له بل لا يتصور فى العبارة بعد ما فهم منها ان هذا المحمول وصف لازم لطبيعة الموضوع ولا ينفك عن مصاديقه فهو مثل ما اخبر زيد بعض عبيد المولى بانه قال لا تعمل باخبار زيد فانه لا يجوز له العمل به ولو اتكالا على دليل عام يدل على الجواز ويقول ان هذا العام لا يشمل نفسه لان عدم شموله له ليس إلّا لقصور اللفظ وعدم قابليته للشمول لا للتفاوت بينه وبين غيره من زيد فى نظر المولى وقد تقدم فى الايراد الثانى من هذه الايرادات ما يوضح ذلك فراجع.

٢٠٥

(ومنها) ان العمل بالمفهوم فى الاحكام الشرعية غير ممكن لوجوب التفحص من المعارض لخبر العدل فى الاحكام الشرعية فيجب تنزيل الآية على الاخبار فى الموضوعات الخارجية فانها هى التى لا يجب التفحص فيها عن المعارض ويجعل المراد من القبول فيها هو القبول فى الجملة فلا ينافى اعتبار انضمام عدل آخر اليه فلا يقال ان قبول خبر الواحد فى الموضوعات الخارجية مطلقا يستلزم قبوله فى الاحكام بالاجماع المركب والاولوية وفيه ان وجوب التفحص عن المعارض لخبر العدل فى الاحكام الشرعية غير وجوب التبين فى الخبر فان الاول يؤكد حجية خبر العدل ولا ينافيها لان مرجع التفحص عن المعارض الى الفحص عما اوجب الشارع العمل به كما اوجب العمل بهذا والتبين المنافى للحجية هو التوقف عن العمل والتماس دليل آخر فيكون ذلك الدليل هو المتبع ولو كان اصلا من الاصول فاذا يئس عن المعارض عمل بهذا الخبر واذا وجده اخذ بالارجح منهما واذا يئس عن التبين توقف عن العمل ورجع الى ما يقتضيه الاصول العملية فخبر الفاسق وان اشترك مع خبر العادل فى عدم جواز العمل بمجرد المجىء إلّا انه بعد اليأس عن وجود المنافى يعمل بالثانى دون الاول ومع وجدان المنافى يؤخذ به فى الاول ويؤخذ بالارجح فى الثانى فتتبع الادلة فى الاول لتحصيل المقتضى الشرعى للحكم الذى تضمنه خبر الفاسق وفى الثانى لطلب المانع عما اقتضى الدليل الموجود.

(ومن الاشكالات) ان العمل بالمفهوم فى الاحكام الشرعية لا يجامع القول بوجوب الفحص عن المعارض ولا شك ان الفحص عن المعارض لازم فلا يكون المفهوم حجة فلا بد من تنزيلها على الاخبار فى الموضوعات الخارجية فانها هى التى لا يجب التفحص فيها عن المعارض ويجعل المراد من القبول فى الموضوعات هو القبول فى الجملة فلا ينافى اعتبار انضمام عدل آخر اليه.

(قوله بالاجماع المركب والاولوية) يعنى لو كان المفهوم من الآية

٢٠٦

هو حجية خبر العادل فى الموضوعات الخارجية لاستلزم قبوله فى الاحكام بالاجماع المركب والاولوية اما الاجماع المركب فلان كل من قال بحجية خبر العدل الواحد فى الموضوعات قال بحجيته فى الاحكام ايضا.

(واما الاولوية) فيمكن تقريرها بوجهين الاول ان اهتمام الشارع فى الاحكام ازيد من اهتمامه فى الموضوعات ويشهد بذلك جريان اصالة البراءة فى الاحكام بعد الفحص واما فى الموضوعات فتجرى قبل الفحص فجعل الشارع خبر الواحد حجة فى الموضوعات مع عدم حكمه بالرجوع الى الاصول فجعله حجة فى الاحكام بطريق اولى الثانى ان باب العلم فى الموضوعات الخارجية مفتوح غالبا بخلاف الاحكام الشرعية واذا جعل الشارع خبر الواحد حجة فى الاول مع امكان تحصيل العلم فيها بسهولة فجعله حجة فى الثانى لا بد ان يكون بطريق اولى.

(قوله وفيه ان وجوب التفحص عن المعارض الخ) حاصل جوابه قدس‌سره عن الاشكال المذكور ان وجوب الفحص عن المعارض والمزاحم غير وجوب التبين عن الخبر صدقا وكذبا فان الاول مؤكد لحجيته بخلاف الثانى فانه مما ينافيها فان وجوب التبين عن الخبر صدقا وكذبا انما هو من جهة عدم اقتضاء الخبر للحجية بدونه لا من جهة احتمال وجود المانع او المزاحم (وبعبارة اخرى) التبين هو الفحص عن الصدق والكذب والفحص عن المعارض هو الفحص عن المانع بعد البناء على الصدق فكل منهما يغاير الآخر.

(فالحاصل) ان خبر الفاسق وان اشترك مع خبر العادل فى عدم جواز العمل بمجرد المجىء إلّا انه بعد اليأس عن وجود المنافى يعمل بالثانى اى خبر العادل دون الاول اى خبر الفاسق ومع وجود المنافى يؤخذ به فى الاول ويؤخذ بالارجح فى الثانى فتتبع الادلة فى الاول لتحصيل المقتضى الشرعى للحكم الذى تضمنه خبر الفاسق وفى الثانى لطلب المانع عما اقتضى الدليل الموجود كما اذا دل خبر العادل على وجوب

٢٠٧

السورة فى الصلاة فهو يقتضى الوجوب ولكن مع احتمال المعارض يتفحص عنه ومع اليأس يعمل بالمقتضى وهذا بخلاف الاول فانه يجب فيه تحصيل المقتضى الشرعى للحكم الذى تضمنه خبر الفاسق كما اذا دل خبر الفاسق على حرمة التتن فهو لا يقتضى حرمته بل لا بد من تحصيل المقتضى لها من الخارج وإلّا فالرجوع الى الاصول العملية.

٢٠٨

(ومنها) ان مفهوم الآية غير معمول به فى الموضوعات الخارجية التى منها مورد الآية وهو اخبار الوليد بارتداد طائفة ومن المعلوم انه لا يكفى فيه خبر العادل بل لا اقل من اعتبار العدلين فلا بد من طرح المفهوم لعدم جواز اخراج المورد وفيه ان غاية الامر لزوم تقييد المفهوم بالنسبة الى الموضوعات بما اذا تعدد المخبر العادل فكل واحد من خبرى العدلين فى البينة لا يجب التبيّن فيه واما لزوم اخراج المورد فممنوع لان المورد داخل فى منطوق الآية لا مفهومها وجعل اصل خبر الارتداد موردا للحكم بوجوب التبيّن اذا كان المخبر به فاسقا ولعدمه اذا كان المخبر به عادلا لا يلزم منه الا تقييد الحكم فى طرف المفهوم واخراج بعض افراده وهذا ليس من اخراج المورد المستهجن فى شيء.

(ومن الاشكالات) التى تختص بآية النبأ هو انه يلزم خروج المورد عن عموم المفهوم مع ان العام يكون نصا فى المورد ولا يمكن تخصيصه بما عدى المورد فان مورد نزولها انما هو الاخبار عن الارتداد الذى لا يكاد يثبت إلّا بالعلم الوجدانى او البينة العادلة كما هو الشأن فى جميع الموضوعات الخارجية فانه لا تثبت بخبر الواحد الا ما قام الدليل بالخصوص عليه وإلّا فحجية الخبر الواحد تختص بالاحكام فلا بد من تقيد عموم المفهوم بما ينطق على المورد وحيث ان المورد مما لا يقبل فيه خبر الواحد فلا يدل المفهوم على حجية خبر العدل فلا بد من طرح المفهوم رأسا (وقد اجيب عنه) بان المورد داخل فى عموم الكبرى فى طرف المنطوق وهى قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) الخ فان خبر الفاسق لا اعتبار به لا فى الموضوعات ولا فى الاحكام واما المفهوم فلم يرد كبرى لصغرى مفروضة الوجود والتحقق لانه لم يرد فى مورد اخبار العادل بالارتداد بل يكون حكم المفهوم من هذه الجهة حكم ساير العمومات الابتدائية التى لم ترد فى مورد خاص القابلة للتخصيص باىّ مخصص فلا مانع من تخصيص عموم المفهوم بما عدى الخبر الواحد القائم على الموضوعات الخارجية ولا فرق بين المفهوم والعام الابتدائى سوى ان المفهوم كان مما تقتضيه

٢٠٩

خصوصية فى المنطوق تستتبع ثبوت المفهوم وإلّا فهو كالعام الابتدائى الذى لم يرد فى مورد خاص.

(وفيه) ان المفهوم لا بد وان يكون تابعا للمنطوق فاذا كان الموضوع فى المنطوق هو البناء الكلى الشامل لخبر الارتداد فلا محيص من اخذ مثل ذلك فى طرف المفهوم ايضا ومعه لا يكون الموضوع فى المفهوم كليا غير ناظر اليه بخصوصه ليكون كسائر العمومات الابتدائية قابلا للتخصيص فيبقى الاشكال المذكور حينئذ من عدم جواز اخراج المورد عن عموم المفهوم بحاله.

(فالاولى فى الجواب) هو ما افاده الشيخ قدس‌سره من تسليم العموم فى طرف المفهوم والحكم بعدم وجوب التبين فى خبر العادل مطلقا غاية ما هناك اعتبار ضم عدل آخر اليه فى الموضوعات التى منها باب الارتداد الداخل فى العموم ولا يلزم من اخذ هذا الشرط واعتباره فى بعض افراد العام تخصيصا للعام بما يلزم خروج المورد عن عموم المفهوم وتقييده بغير هذا الفرد او تخصيصه بخصوصية لا تشمل خبر الارتداد كما هو واضح.

(وهذا ليس من اخراج المورد المستهجن فى شىء) يعنى ان التقييد واخراج بعض الافراد ليس من اخراج المورد المستهجن فى شيء لان المورد داخل فى المنطوق والمفهوم معا اما فى المنطوق فلان مدلوله وجوب التبين فى خبر الفاسق مطلقا وعدم العمل به مع عدمه سواء فى ذلك الاخبار عن الموضوعات او عن الاحكام واما فى المفهوم فلان مدلوله حجية خبر العادل فى الاحكام والموضوعات ففى الاول بطريق الاطلاق وفى الثانى بانضمام عدل آخر اليه فقد عمل بالمورد فى المنطوق والمفهوم كليهما واخراج المورد المستهجن هو ما ان لا يعمل به فى المنطوق والمفهوم اصلا لوضوح ان المستهجن من اخراج المورد اخراجه رأسا لا تقييده بشىء فى طرف المفهوم.

٢١٠

(ومنها) ما عن غاية المبادى للشهيد الثانى من ان المفهوم يدل على عدم وجوب التبين وهو لا يستلزم العمل لجواز وجوب التوقف وكان هذا الايراد مبنى على ما تقدم فساده من ارادة وجوب التبين نفسا وقد عرفت ضعفه وان المراد وجوب التبين لاجل العمل عند ارادته وليس التوقف حينئذ واسطة (ومنها) ان المسألة اصولية فلا يكتفى فيها بالظن وفيه ان الظهور اللفظى لا بأس بالتمسك به فى اصول الفقه والاصول التى لا يتمسك لها بالظن مطلقا هو اصول الدين لا اصول الفقه والظن الذى لا يتمسك به فى الاصول مطلقا هو مطلق الظن لا الظن الخاص

(اقول) الايراد المنقول عن غاية المبادى هو ما نسبه السيد المحقق فى المفاتيح الى بعض الافاضل حيث قال على ما حكى عنه ما هذا لفظه غاية ما يستفاد من المفهوم هو نفى وجوب التبين عند فقد خبر الفاسق وهو لا يستلزم جواز العمل بخبر العدل بل يجتمع مع عدم جواز العمل به ويكون وجه الفرق على هذا التقدير ان خبر الفاسق يجب التبين فيه وتحقيق كونه كذبا وصدقا وخبر العدل لا يجب فيه ذلك بل يتوقف فيه ولا يعمل به ولا يلزم ان يكون العدل على هذا أسوأ حالا بل فى هذا دلالة على علوّ مرتبة العادل ودنوّ مرتبة الفاسق الى آخر كلامه

(وهذا الايراد) مضافا الى ما قيل من ان التوقف وان لم يستلزم الاسوئية لكنه يستلزم المساواة بين العادل والفاسق فى عدم ترتب الاثر على خبر كل منهما فى مقام العمل وهذا ايضا غير جائز لعمومات نفى المساواة بينهما كقوله تعالى (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) مع ان التوقف خرق للاجماع المركب مبنى على ما تقدم فساده من ارادة كون التبين فى الآية واجبا نفسيا فى خبر الفاسق وقد عرفت انه لا ريب فى ظهور الآية فى نفسها خصوصا بملاحظة التعليل الواقع فى الذيل فى الوجوب الشرطى لا الوجوب النفسى لانه مع بعده فى نفسه لا يناسب مع التعليل وليس التوقف حينئذ واسطة.

(ومن الاشكالات) ان البحث عن حجية خبر الواحد اصولى فلا يكتفى فيه

٢١١

بالظن (وفيه) ان الظهور اللفظى لا باس بالتمسك بظواهر الالفاظ فى اصول الفقه والاصول التى لا يتمسك لها بالظن مطلقا اى سواء كان ظنا خاصا او مطلقا هو اصول العقائد لا اصول الفقه والظن الذى لا يتمسك به فى الاصول مطلقا هو مطلق الظن لا الظن الخاص بناء على زعم من ذهب الى ان نتيجة دليل الانسداد على تقدير تماميته هى حجية مطلق الظن فى الفروع دون الاصول كصاحب الرياض وشريف العلماء وغيرهما.

(ويظهر) من عبارته قدس‌سره اعتبار الظن الخاص فى الفقه والاصول ولذلك لم يفرق احد ممن يقول بحجية الخبر الواحد والظهورات اللفظية بين المسائل الفرعية والاصولية كالاستصحاب ونحوه ولكن لا مجال لتخصيص حجية الظن المطلق بالفروع ونفى اعتباره فى اصول الفقه لان الظن المطلق الذى ثبت اعتباره بدليل الانسداد لا يفرق فيه بين المسائل الاصولية والفرعية.

(وفى بحر الفوائد) ان ما افاده الشيخ قدس‌سره ثانيا بقوله والظن الذى لا يتمسك به فى الاصول مطلقا هو مطلق الظن لا الظن الخاص لا يخلو عن المناقشة فيه بما يأتى فى الكتاب فى التنبيه الاول من تنبيهات دليل الانسداد من عدم الفرق فى النتيجة حتى على تقدير كونها التبعيض فى الاحتياط فضلا عن الحجية بين الظن فى المسألة الاصولية العملية والفقهية خلافا لمن خصّها بالاولى ولمن خصّها بالثانية فاذا لا يلائم المنع المذكور ما افاده هناك من التعميم وجعل نفى التمسك راجعا الى الاطلاق شطط فى الكلام ضرورة ثبوت منع التمسك بهذا العنوان فى الظن الخاص ايضا انتهى كلامه رفع مقامه.

(وفى العبارة) اشكال آخر لانه يفهم منها ان الظن الخاص حجة فى اصول الدين والفقه مطلقا مع تصريحه فى قوله والاصول التى لا يتمسك فيها بالظن مطلقا يعنى لا الظن الخاص ولا الظن المطلق هى اصول الدين إلّا ان يحمل هذا الكلام على المهملة.

٢١٢

(ومنها) ان المراد بالفاسق مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بالصغائر فكل من كذلك أو احتمل فى حقه ذلك وجب التبين فى خبره وغيره ممن يفيد قوله العلم لانحصاره فى المعصوم او من هو دونه فيكون فى تعليق الحكم بالفسق اشارة الى ان مطلق خبر المخبر غير المعصوم لا عبرة به لاحتمال فسقه لان المراد بالفاسق الفاسق الواقعى لا المعلوم فهذا وجه آخر لافادة الآية حرمة اتباع غير العلم لا يحتاج معه الى التمسك فى ذلك بتعليل الآية كما تقدم فى الايراد الثانى من الايرادين الاولين وفيه ان ارادة مطلق الخارج عن طاعة الله من اطلاق الفاسق خلاف الظاهر عرفا فالمراد به اما الكافر كما هو الشائع اطلاقه فى الكتاب حيث انه يطلق غالبا فى مقابل الايمان واما الخارج عن طاعة الله بالمعاصى الكبيرة الثابتة تحريمها فى زمان نزول هذه الآية والمرتكب للصغيرة غير داخل تحت اطلاق الفاسق فى عرفنا المطابق للعرف السابق مضافا الى قوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) مع انه يمكن فرض الخلو عن الصغيرة والكبيرة اذا علم منه التوبة من الذنب السابق وبه يندفع الايراد المذكور حتى على مذهب من يجعل كل ذنب كبيرة واما احتمال فسقه بهذا الخبر للكذب به فهو غير قادح لان ظاهر قوله ان جاءكم فاسق بنبإ تحقق الفسق قبل النبأ لا به فالمفهوم يدل على قبول خبر من ليس فاسقا مع قطع النظر عن هذا النبأ واحتمال فسقه به.

(ومن الاشكالات) ان الفاسق هو مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بارتكاب صغيرة من الصغائر فيقابله العادل وهو الذى لم يخرج من طاعة الله ولو بارتكاب الصغيرة(ومن المعلوم) افادة قول مثله للعلم بالواقع لانحصاره بالمعصوم ومن يتلو تلوه فلا يمكن الاستدلال بالمفهوم لحجية خبر غير المعصوم فيمن يحتمل فى حقه العصيان هذا محصل الاشكال الذى تعرض له قدس‌سره.

(قوله او من هو دونه) قيل ان من هو دون المعصوم لا يفيد قوله العلم اذ يحتمل فى حقه الخروج عن طاعة الله ولو بفعل الصغائر فالاولى عدم ذكر قوله او من

٢١٣

هو دونه.

(قوله وفيه الخ) حاصل الجواب عن الاشكال المذكور منع كون المراد بالفاسق فى الآية مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بارتكاب الصغيرة فان الظاهر منه كما هو الشائع فى عرفنا خصوص الخارج عن طاعة الله بالمعاصى الكبيرة الثابت تحريمها فى زمان نزول الآية(وهذا) لو لا دعوى ظهوره فى الكافر بملاحظة كثرة اطلاقه عليه فى الكتاب كما فى قوله سبحانه (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) وقوله تعالى (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) وقوله تعالى (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ) الآية على ما يظهر من المفسرين وغير ذلك فالمرتكب للصغيرة غير مندرج تحت اطلاق الفاسق فى الآية هذا مع امكان فرض الخلوّ عن الصغيرة والكبيرة فيمن علم منه التوبة من الذنب السابق وبه يندفع الايراد المذكور حتى على مذهب من يجعل كل ذنب كبيرة(واما) احتمال فسقه من جهة تعمد كذبه فى هذا الخبر فيدفعه ان المراد من العادل هو العادل لو لا هذا الاخبار كما ان المراد من الفاسق فى المنطوق هو ذلك اذ المراد بالفسق المترتب عليه وجوب التبين هو الفسق السابق مع قطع النظر عن هذا الاخبار.

(قوله مضافا الى قوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ) الآية) ومثله قوله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) ولعل وجه الاستدلال ان الآية فى مقام مدح مجتنبى الكبائر وان لم يجتنب الصغائر كما ان آية النبأ فى مقام ذم الفاسق ومع ملاحظة ما ذكر لا يمكن حمل آية النبأ على مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بفعل الصغائر فقط اذ قد عرفت من الآيات الاخرى كون مرتكب الصغائر مع اجتناب الكبائر ممدوحا لا مذموما فلا بد من حمل آية النبأ على مرتكب الكبائر سواء ارتكب الصغائر ام لا فيتم الاستدلال بآية ان تجتنبوا كبائر الآية.

٢١٤

(هذه جملة ما اورد على ظاهر الآية) وقد عرفت ان الوارد منها ايرادان والعمدة الايراد الاول الذى اورده جماعة من القدماء والمتأخرين ثم انه كما استدل بمفهوم الآية على حجية خبر العادل كذلك قد يستدل بمنطوقها على حجية خبر غير العادل اذا حصل الظن بصدقه بناء على ان المراد بالتبين ما يعم تحصيل الظن فاذا حصل من الخارج ظن بصدق الفاسق كفى فى العمل به ومن التبين الظنى تحصيل شهرة العلماء على العمل بالخبر او على مضمونه او روايته ومن هنا تمسك بعض بمنطوق الآية على حجية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة وفى حكم الشهرة امارة اخرى غير معتبرة ولو عمم التبين للتبين الاجمالى وهو تحصيل الظن بصدق مخبره دخل خبر الفاسق المتحرز عن الكذب فيدخل الموثق وشبهه بل الحسن ايضا وعلى ما ذكر فيثبت من آية النبأ منطوقا ومفهوما حجية الاقسام الاربعة للخبر الصحيح والحسن والموثق والضعيف المحفوف بالقرينة الظنية ولكن فيه من الاشكال ما لا يخفى لان التبين ظاهر فى العلمى كيف ولو كان المراد مجرد الظن لكان الامر به فى خبر الفاسق لغوا اذ العاقل لا يعمل بخبر الا بعد رجحان صدقه على كذبه إلّا ان يدفع اللغوية بما ذكرنا سابقا من ان المقصود التنبيه والارشاد على ان الفاسق لا ينبغى ان يعتمد عليه انه لا يؤمن من كذبه وان كان المظنون صدقه.

(اقول) هذا تمام الكلام فيما يتعلق بآية النبأ من تقريب الاستدلال بها والاشكالات المتوجهة عليه وقد عرفت ان الوارد منها ايرادان والعمدة هو الايراد الاول الذى اورده جماعة من القدماء والمتأخرين وقد بقى بعض الاشكالات ولكن لا يهم التعرض لها لوضوح فسادها وقد تركه قدس‌سره مخافة التطويل.

(ثم انه) كما استدل بمفهوم الآية على حجية خبر العادل كذلك قد يستدل بمنطوقها على حجية خبر غير العادل اذا حصل الظن من الخارج بصدقه بناء على ان المراد من التبين ما يعم تحصيل الظن الاطمينانى الحاصل من كل شيء سوى ما ورد النهى عنه فحينئذ اذا حصل من الخارج الظن الاطمينانى بصدق الفاسق كفى فى

٢١٥

العمل به (ومن التبين الظنى) الشهرة الاستنادية بان استند المشهور الى الخبر والشهرة الفتوائية المطابقة لمضمون الخبر وشهرة صدور الرواية وقد اشار قدس‌سره اليها بقوله شهرة العلماء على العمل بالخبر او على مضمونه او روايته ومن هنا اى لاجل ان المنطوق يدل على حجية خبر الفاسق اذا حصل الظن بصدقه من الخارج تمسك بعض بمنطوق الآية على حجية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة الفتوائية او العملية او الروائية.

(ولو) عمم التبين للتبين الاجمالى وهو تحصيل الظن بصدق مخبره دخل خبر الفاسق المتحرز عن الكذب فيدخل الموثق وشبهه بل الحسن ايضا وعلى ما ذكر فيثبت من آية النبأ منطوقا ومفهوما حجية الاقسام الاربعة للخبر وقد انقسم الخبر الواحد باعتبار اختلاف احوال رواته فى الاتصاف بالايمان والعدالة والضبط وعدمها الى اربعة اقسام يختص كل قسم منها فى الاصطلاح باسم مخصوص.

(الاول) الصحيح وهو ما اتصل سنده الى المعصوم عليه‌السلام بنقل العدل الامامى الضابط عن مثله فى جميع الطبقات.

(الثانى) الحسن وهو متصل السند الى المعصوم الامامى الممدوح من غير معارضة ذم مقبول ولا ثبوت عدالة فى جميع المراتب او بعضها مع كون الباقى بصفة الرجال الصحيح.

(الثالث) وهو ما دخل فى طريقه من ليس بامامى ولكنه منصوص على توثيقه بين الاصحاب.

(الرابع) الضعيف وهو ما لم يجتمع فيه شروط احد الثلاثة بان يشتمل طريقه على مجروح بغير فساد المذهب او مجهول ويسمى هذه الاقسام الاربعة اصول الحديث لان له اقساما أخر باعتبارات شتى وكلها ترجع الى هذه الاقسام الاربعة.

(ولكن) فى الاستدلال المذكور من الاشكال ما لا يخفى لان التبين ظاهر فى العلم كيف ولو كان المراد مجرد الظن لكان الامر بالتبين فى خبر الفاسق لغوا اذ

٢١٦

العاقل لا يعمل بخبر الا بعد رجحان صدقه على كذبه إلّا ان يدفع اللغوية بما ذكره قدس‌سره فيما سبق من ان المقصود التنبيه والارشاد على ان الفاسق لا ينبغى ان يعتمد عليه وانه لا يؤمن من كذبه وان كان المظنون صدقه.

(قوله فيدخل الموثق وشبهه) قيل ان المراد بشبهه هو خبر غير الامامى المتحرز عن الكذب الفاسق بجوارحه الغير العادل فى مذهبه وكذلك الامامى المتحرز عن الكذب الفاسق بجوارحه وان المراد بالموثق ان يكون جميع سلسلة السند او بعضها مع توثيق الكل غير امامى عادلا فى مذهبه وقيل ان المراد بشبهه هو الخبر المرسل الذى لم يعلم وثاقة من سقط عن سلسلة السند فيه.

٢١٧

(وكيف كان) فمادة التبين ولفظ الجهالة وظاهر التعليل كلها آبية من ارادة مجرد الظن نعم يمكن دعوى صدقه على الاطمينان الخارج عن التحيّر والتزلزل بحيث لا يعد فى العرف العمل به تعريضا للوقوع فى الندم فحينئذ لا يبعد انجبار خبر الفاسق به لكن لو قلنا بظهور المنطوق فى ذلك كان دالا على حجية الظن الاطمينانى المذكور وان لم يكن معه خبر فاسق نظرا الى ان الظاهر من الآية ان خبر الفاسق وجوده كعدمه وانه لا بد من تبين الامر من الخارج والعمل على ما يقتضيه التبين الخارجى نعم ربما يكون نفس الخبر من الامارات التى يحصل من مجموعها التبين فالمقصود الحذر عن الوقوع فى مخالفة الواقع فكلما حصل الامن منه جاز العمل فلا فرق ح بين خبر الفاسق المعتضد بالشهرة اذا حصل الاطمينان بصدقه وبين الشهرة المجردة اذا حصل الاطمينان بصدق مضمونها والحاصل ان الآية تدل على ان العمل يعتبر فيه التبين من دون مدخلية لوجود خبر الفاسق وعدمه سواء قلنا بان المراد منه العلم او الاطمينان او مطلق الظن حتى ان من قال ان خبر الفاسق يكفى فيه مجرد الظن بمضمونه بحسن او توثيق او غيرهما من صفات الراوى فلازمه القول بدلالة الآية على حجية مطلق الظن بالحكم الشرعى وان لم يكن معه خبر اصلا فافهم واغتنم واستقم هذا ولكن لا يخفى ان حمل التبين على تحصيل مطلق الظن او الاطمينان يوجب خروج مورد المنطوق وهو الاخبار بالارتداد.

(اقول) انه تقدم فى اول المبحث عن الآية ان التبين بمعنى الوضوح والانكشاف الظاهر فى التبين العلمى وان المراد من الجهالة عدم العلم وان ظاهر التعليل يوجب التبين العلمى فى خبر الفاسق ليؤمن من الوقوع فى الندم والمعانى المذكورة كلها آبية من ارادة مجرد الظن.

(نعم) يمكن دعوى صدق التبين على الاطمينان الخارج عن التحيّر والتزلزل بحيث لا يعد فى العرف العمل به تعريضا للوقوع فى الندم فحينئذ لا يبعد انجبار خبر الفاسق بتحصيل الاطمينان من الخارج (لكن) لو قلنا بظهور المنطوق

٢١٨

فى ذلك كان دالا على حجية الظن الاطمينانى المذكور بمعنى يستفاد من المنطوق حجية الظن الاطمينانى وان لم يكن معه خبر فاسق كما اذا حصل الظن الاطمينانى من مجرد الشهرة او نقل الاجماع من دون ضم خبر الفاسق نظرا الى ان الظاهر من الآية ان خبر الفاسق وجوده كعدمه وانه لا بد من تبين الامر من الخارج والعمل على ما يقتضيه التبين الخارجى فالمناط هو التبيّن والاطمينان.

(نعم) ربما يكون نفس الخبر من الامارات التى يحصل من مجموعها التبين كما اذا اخبر فاسق واحد بحرمة التتن مثلا ثم رجعنا الى الخارج فوجدنا خبر فاسق آخر ايضا اخبر بحرمته فيحصل من مجموع الخبرين الظن الاطمينانى الذى هو المناط فالمقصود الحذر عن الوقوع فى مخالفة الواقع فكلما حصل الامن منه جاز العمل فلا فرق حينئذ بين خبر الفاسق المعتضد بالشهرة اذا حصل الاطمينان بصدقه وبين الشهرة المجردة اذا حصل الاطمينان بصدق مضمونها.

(والحاصل) ان الآية تدل على ان العمل يعتبر فيه التبين من اىّ طريق حصل من دون مدخلية لوجود خبر الفاسق وعدمه سواء قلنا بان المراد من التبين العلم او الاطمينان او مطلق الظن حتى ان من قال ان خبر الفاسق يكفى فيه مجرد الظن بمضمونه بحسن بان يكون المخبر اماميا ممدوحا او توثيق بان كان المخبر غير امامى متحرزا عن الكذب او غيرهما من صفات الراوى فلازمه القول بدلالة الآية على حجية مطلق الظن بالحكم الشرعى وان لم يكن معه خبر أصلا فافهم هذا ولكن لا يخفى ان حمل التبين على تحصيل مطلق الظن او الاطمينان يوجب خروج مورد المنطوق وهو الاخبار بالارتداد فانه لا يكفى فيه مطلق الظن ولا الاطمينان بل لا بدّ فيه من العلم او البينة العادلة.

٢١٩

(ومن جملة الآيات) قوله تعالى فى سورة البراءة (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) الآية دلّت على وجوب الحذر عند انذار المنذرين من دون اعتبار افادة خبرهم العلم لتواتر او قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد اما وجوب الحذر فمن وجهين (احدهما) ان لفظة لعلّ بعد انسلاخه عن معنى الترجّى ظاهرة فى كون مدخوله محبوبا للمتكلم واذا تحقق حسن الحذر ثبت وجوبه اما لما ذكره فى المعالم من انه لا معنى لندب الحذر اذ مع قيام المقتضى يجب ومع عدمه لا يحسن واما لان رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالاجماع المركب لان كل من اجازه فقد اوجبه (الثانى) ان ظاهر الآية وجوب الانذار لوقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا فاذا وجب الانذار افاد وجوب الحذر لوجهين احدهما وقوعه غاية للواجب فان الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الآمر بانتفائه سواء كان من الافعال المتعلقة للتكليف ام لا كما فى قولك تب لعلك تفلح واسلم لعلك تدخل الجنة وقوله تعالى (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) الثانى انه اذا وجب الانذار ثبت وجوب القبول وإلّا لغا الانذار ونظير ذلك ما تمسك به فى المسالك على وجوب قبول قول المرأة وتصديقها فى العدة من قوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) فاستدل بتحريم الكتمان ووجوب الاظهار عليهن على قبول قولهن بالنسبة الى ما فى الارحام.

(اقول) ومن الآيات التى استدل بها على حجية خبر الواحد آية النفر وهى قوله تعالى فى سورة التوبة قبل ان تنتهى بآيات ((وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

(وتقريب) الاستدلال لهذه الآية الشريفة من وجوه (الاول) ان كلمة لعلّ بعد انسلاخها عن معنى الترجى المستحيل فى حقه سبحانه ظاهرة فى الطلب ومحبوبية مدخولها للمتكلم واذا ثبت محبوبية التحذر ثبت وجوبه عقلا وشرعا (اما عقلا) فلانه

٢٢٠