درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩

(واما السنة) فطوائف من الاخبار منها ما ورد فى الخبرين المتعارضين من الاخذ بالاعدل والاصدق والمشهور والتخيير عند التساوى مثل مقبولة عمر بن حنظلة فانها وان وردت فى الحكم حيث يقول الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما فى الحديث وموردها وان كان فى الحاكمين إلّا ان ملاحظة جميع الرواية تشهد بان المراد بيان المرجح للروايتين اللتين استند اليهما الحاكمان ومثل رواية غوالى اللئالى المروية عن العلامة المرفوعة الى زرارة قال يأتى عنكم الخبر ان او الحديثان المتعارضان فبأيهما نأخذ قال خذ بما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر قلت فانهما معا مشهوران قال خذ باعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك ومثل رواية ابن ابى الجهم عن الرضا عليه‌السلام قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايهما الحق قال اذا لم تعلم فموسّع عليك بايهما اخذت ورواية الحارث ابن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام قال اذا سمعت من اصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسّع عليك حتى ترى القائم عليه‌السلام وغيرها من الاخبار.

(اقول) مما استدل به على حجية الخبر الروايات الكثيرة وقد رتّبها الشيخ قدس‌سره على طوائف اربع (الطائفة الاولى) الاخبار العلاجية الدالة على ان حجية الاخبار فى نفسها كانت مفروغا عنها عند الائمة عليهم‌السلام واصحابهم وانما توقفوا عن العمل من جهة المعارضة فسألوا عن حكمها ومن الواضح انه ليس مورد الاخبار العلاجية الخبرين المقطوع صدورهما لان المرجحات المذكورة فيها لا تناسب العلم بصدورهما.

(ولا يخفى) ان الاخبار الواردة فى تعارض الخبرين كثيرة لكنه قدس‌سره قد تعرض لبعضها منها ما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم عن عمر بن حنظلة فان هذا الخبر وان ورد فى الحكم لا فى ترجيح الخبر حيث يقول عليه‌السلام فى جواب السائل الحكم ما حكم به اعدلهما وأفقههما واصدقهما فى الحديث ومورده وان لم يكن فى تعارض الروايتين بل كان فى الحاكمين حيث سئل ابن حنظلة أبا عبد الله عليه‌السلام

٢٦١

عن رجلين بينهما منازعة فى دين او ميراث الى ان قال قلت فان كان كل رجل يختار رجلا من اصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين فى حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا فى حديثكم قال عليه‌السلام الحكم ما حكم به اعدلهما وأفقههما واصدقهما فى الحديث واورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر الخبر إلّا ان ملاحظة جميع الرواية صدرا وذيلا تشهد بان المراد بيان المرجح للروايتين اللتين استند اليهما الحاكمان.

(ومنها) رواية غوالى اللئالى المروية عن العلامة المرفوعة الى زرارة قال قلت يأتى عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما نأخذ قال عليه‌السلام خذ بما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذّ النادر قلت فانهما معا مشهوران قال خذ باعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك.

(قوله غوالى اللئالى) لم ار من تعرض لضبط كلمة غوالى وانه بالغين المعجمة او المهملة وكل منهما محتمل وكيف كان فهو اسم كتاب للشيخ محمد بن ابى الجمهور وفى المحكى عن بعض المحشين انه كان فاضلا مجتهدا متكلّما وجمع فى الكتاب المذكور جملة من الاحاديث إلّا انه خلط الغث بالسمين واكثر فيه من الاحاديث العامة ولهذا ان بعضهم لم يعتمد عليه.

(ومنها) ما رواه فى الوسائل فى القضاء فى باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام فى حديث قال فيه قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم ايّهما الحق قال فاذا لم تعلم فموسع عليك بايهما اخذت.

(ومنها) رواية الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام قال اذا سمعت من اصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه‌السلام يعنى انت مخير بين اخذ الاحاديث حتى القائم ترى عليه‌السلام اى تلقى امامك قيل ليس المراد من القائم فى الرواية الامام الغائب فقط لبعد بيان الحكم لاهل الغيبة فقط بل المراد منه مطلق القائم بالحق اى المعصوم سواء كان حاضرا او غائبا.

٢٦٢

(والظاهر) ان دلالتها على اعتبار الخبر الغير المقطوع الصدور واضحة إلّا انها لا اطلاق لها لان السؤال عن الخبرين اللذين فرض السائل كلا منهما حجة يتعين العمل بها لو لا المعارض كما يشهد به السؤال بلفظ اىّ الدالة على السؤال عن التعيين مع العلم بالمبهم فهو كما اذا سئل عن تعارض الشهود او أئمة الصلاة فاجاب ببيان المرجح فانه لا يدل إلّا على ان المفروض تعارض من كان منهم مفروض القبول لو لا المعارض نعم رواية ابن المغيرة تدل على اعتبار خبر كل ثقة وبعد ملاحظة ذكر الاوثقية والاعدلية فى المقبولة والمرفوعة يصير الحاصل من المجموع اعتبار خبر الثقة بل العادل لكن الانصاف ان ظاهر مساق الرواية ان الغرض من العدالة حصول الوثاقة فيكون العبرة بها.

(يعنى) ان الاخبار العلاجية المتكفلة لحكم الرواية المتعارضة من الترجيح بالشهرة والشذوذ وبموافقة الكتاب والسنة وبمخالفة العامة ظاهرة الدلالة بالملازمة على اعتبار الخبر الغير المقطوع الصدور عند عدم ابتلائه بالمعارض ومن الواضح انه ليس مورد الاخبار العلاجية الخبرين المقطوع صدورهما لان المرجحات المذكورة فيها لا تناسب العلم بصدورهما مضافا الى ان وقوع المعارضة بين مقطوعى الصدور بعيد فى نفسه لعدم امكان الترجيح فى القطعيين.

(إلّا انها لا اطلاق لها) يعم جميع اخبار الآحاد لان اطلاقها مسوق لبيان حكم التعارض وبعبارة اخرى ان القدر المتيقن المستفاد من الاخبار العلاجية هو حجية الخبر عند عدم ابتلائه بالمعارض واما دلالتها على ان المناط فى اعتباره هو وثاقة الراوى او عدالته او نحو ذلك فلا لان السؤال عن الخبرين اللذين فرض السائل كلا منهما حجة يتعين العمل بها لو لا المعارض كما يشهد به السؤال بلفظ اىّ الدال على السؤال عن التعيين مع العلم بالمبهم اى حجية احد الخبرين فالسؤال عن تعارض الخبرين كالسؤال عن تعارض الشهود وأئمة الجماعة عند تزاحمهم اذ السؤال يكشف عن صلوحهم للامامة فى الجملة واما جهة تقديم احدهم عن الآخر هى الفقاهة او

٢٦٣

القراءة او نحو ذلك فلا دلالة فى السؤال عليها فان السؤال لا يدل إلّا على ان المفروض نعارض من كان منهم مفروض القبول لو لا المعارض.

(نعم) رواية الحارث بن المغيرة المتقدمة فى عداد الاخبار العلاجية تدل على اعتبار خبر كل ثقة عادلا كان المخبر او غيره وبعد ملاحظة ذكر الاوثقية والاعدلية فى المقبولة والمرفوعة يصير الحاصل من المجموع اعتبار خبر الثقة بل العادل لكن الانصاف الترجيح بالاصدقية فى المقبولة وبالاوثقية فى المرفوعة يدل على كون اعتبار العدالة من حيث الطريقية الى الوثاقة لا الموضوعية فيكون العبرة بالوثاقة لا بالعدالة.

(ولا يخفى عليك) ان عد الشيخ قدس‌سره رواية الحارث بن المغيرة من الاخبار العلاجية لا يخلو عن تأمل اذ ليس فيها دلالة على التعارض اصلا نعم هى ناطقة بحجية ما رواه الثقات وهذا الحديث لا ربط له بباب التعارض ولكن صاحب الوسائل قد ذكره فى باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة وهو كما ترى

٢٦٤

(ومنها) ما دل على ارجاع آحاد الرواة الى آحاد اصحابهم بحيث يظهر منه عدم الفرق بين الفتوى والرواية مثل ارجاعه الى زرارة بقوله اذا اردت حديثا فعليك بهذا الجالس مشيرا الى زرارة وقوله عليه‌السلام فى رواية اخرى واما ما رواه زرارة عن ابى عليه‌السلام فلا يجوز رده وقوله عليه‌السلام لابن ابى يعفور بعد السؤال عمن يرجع اليه اذا احتاج او سئل عن مسئلة فما يمنعك عن الثقفى يعنى محمد بن مسلم فانه سمع من ابى احاديث وكان عنده وجيها وقوله عليه‌السلام فيما عن الكشى لسلمة بن ابى حبيبة ايت ابان بن تغلب فانه قد سمع منى حديثا كثيرا فما روى لك عنى فاروه عنى وقوله عليه‌السلام لشعيب العقرقوفى بعد السؤال عمن يرجع اليه عليك بالاسدى يعنى أبا بصير وقوله عليه‌السلام لعلى بن المسيب بعد السؤال عمن ياخذ عنه معالم الدين عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا وقوله عليه‌السلام لما قال له عبد العزيز بن المهتدى ربما احتاج ولست القاك فى كل وقت افيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم دينى قال نعم وظاهر هذه الرواية ان قبول قول الثقة كان امرا مفروغا عنه عند الراوى فسئل عن وثاقة يونس ليترتب عليه اخذ المعالم منه ويؤيده فى اناطة وجوب القبول بالوثاقة ما ورد فى العمرى وابنه اللذين هما من النواب والسفراء ففى الكافى فى باب النهى عن التسمية عن الحميري عن احمد بن إسحاق قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام وقلت له من اعامل وعمن آخذ وقول من اقبل فقال العمرى ثقة فما ادى اليك عنى فعنى يؤدى وما قال لك عنى فعنى يقول فاسمع له واطع فانه الثقة المأمون واخبرنا احمد بن إسحاق انه سئل أبا محمد عن مثل ذلك فقال له العمرى وابنه ثقتان فما اديا اليك عنى فعنى يؤديان وما قالا لك فعنى يقولان فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان المأمونان الخبر وهذه الطائفة ايضا مشتركة مع الطائفة الاولى فى الدلالة على اعتبار خبر الثقة المأمون.

(الطائفة الثانية) الاخبار الكثيرة الواردة فى ارجاع الائمة عليهم‌السلام الى الصحابة ونقلة الاحاديث بحيث يظهر منه عدم الفرق بين الفتوى والرواية.

٢٦٥

(منها) ما رواه محمد بن سنان عن المفضل بن عمر ان أبا عبد الله عليه‌السلام قال للفيض بن المختار فى حديث فاذا اردت حديثنا فعليك بهذا الجالس وأومأ الى رجل من اصحابه فسئلت اصحابنا عنه فقالوا زرارة بن اعين هذا الحديث رواه فى الوسائل فى القضاء فى باب وجوب الرجوع فى القضاء والفتوى الى رواة الحديث.

(ومنها) ما رواه فى الوسائل فى الباب عن يونس بن عمار ان أبا عبد الله عليه‌السلام قال له فى حديث اما ما رواه زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام فلا يجوز لك ان تردّه

(ومنها) ما رواه فى الباب عن عبد الله بن ابى يعفور قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام انه ليس كل ساعة القاك ولا يمكن القدوم ويجىء الرجل من اصحابنا فيسألنى وليس عندى كل ما يسألنى عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفى فانه سمع من ابى وكان عنده وجيها.

(ومنها) قوله عليه‌السلام فيما عن الكشى لسلمة بن ابى حبيبة ايت ابان بن تغلب فانه قد سمع منى حديثا كثيرا فما روى لك عنى فاروه عنى.

(ومنها) رواية مسلم بن ابى حية قال كنت عند ابى عبد الله عليه‌السلام فى خدمته فلما اردت ان افارقه ودّعته وقلت احب ان تزوّدنى فقال ائت ابان بن تغلب فانه قد سمع منى حديثا كثيرا فما رواه لك فاروه عنى.

(ومنها) قوله عليه‌السلام فى رواية ابراهيم بن عبد الحميد وغيره قالوا قال ابو عبد الله عليه‌السلام رحم الله زرارة بن اعين لو لا زرارة ونظرائه لاندرست احاديث ابى عليه‌السلام.

(ومنها) رواية ابن ابى عمير عن شعيب العقرقوفى قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ربما احتجنا ان نسأل عن الشىء فمن نسأل قال عليه‌السلام عليك بالاسدى يعنى أبا بصير.

(ومنها) رواية على بن المسيب الهمدانى قال قلت للرضا عليه‌السلام شقتى بعيدة ولست اصل اليك فى كل وقت فممن آخذ معالم دينى قال من زكريا ابن آدم القمى المأمون على الدين والدنيا قال على بن المسيب فلما انصرفت قد منا على زكريا بن آدم فسألت عما احتجت اليه.

٢٦٦

(ومنها) رواية عبد العزيز بن المهتدى عن الرضا عليه‌السلام قال قلت لا اكاد اصل اليك اسألك عن كل ما احتاج اليه من معالم دينى أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم دينى قال نعم وظاهر هذه الرواية ان قبول قول الثقة كان امرا مفروغا عنه عند الراوى فسئل عن وثاقة يونس ليترتب عليه اخذ المعالم منه.

(ومنها) رواية احمد بن اسحاق عن ابى الحسن عليه‌السلام قال سالته وقلت من اعامل وعمن آخذ وقول من اقبل فقال العمرى ثقتى فما ادى اليك عنى فعنى يؤدى وما قال لك عنى فعنى يقول فاسمع له وأطع فانه الثقة المامون قال وسألت أبا محمد عليه‌السلام عن مثل ذلك فقال العمرى وابنه ثقتان فما اديا اليك عنى فعنى يؤديان وما قالا لك فعنى يقولان فاسمع لهما وأطعهما فانهما الثقتان المأمونان الخبر وهذه الاخبار المذكورة مشتركة مع الطائفة الاولى فى الدلالة على اعتبار خبر الثقة.

(هذه جملة) من الاخبار الآمرة بالرجوع الى اشخاص معينين من الرواة وهى وان لم تصرح بحجية خبر الثقة المامون عن الكذب بنحو الكبرى الكلية ولكن يستفاد ذلك من مجموعها بل من كل فرد منها لضرورة عدم خصوصية لاشخاصهم قد اوجبت حجية كلامهم واعتبار مقالهم الا وثاقتهم وامانتهم على الدين والدنيا فمن كان من غير هؤلاء فيه هذه الخصوصيات والجهات كان خبره حجة قطعا وكلامه معتبرا جدا.

(قوله ابان بن تغلب) اقول فى محكى الصحاح والمجمع تغلب كتضرب والنسبة اليه تغلبى بفتح اللام استيحاشا لتوالى الكسرتين.

٢٦٧

(ومنها) ما دل على وجوب الرجوع الى الرواة والثقاة والعلماء على وجه يظهر منه عدم الفرق بين فتواهم بالنسبة الى اهل الاستفتاء وروايتهم بالنسبة الى اهل العمل بالرواية مثل قول الحجة عجل الله فرجه لاسحاق بن يعقوب على ما فى كتاب الغيبة للشيخ واكمال الدين للصدوق والاحتجاج للطبرسى واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتى عليكم وانا حجة الله عليهم فانه لو سلم ان ظاهر الصدر الاختصاص بالرجوع فى حكم الوقائع الى الرواة اعنى الاستفتاء منهم إلّا ان التعليل بانهم حجته عليه‌السلام يدل على وجوب قبول خبرهم ومثل الرواية المحكية عن العدة من قوله عليهما‌السلام اذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روى عنا فانظروا الى ما رووه عن على عليه‌السلام دل على الاخذ بروايات الشيعة وروايات العامة مع عدم وجود المعارض من رواية الخاصة ومثل ما فى الاحتجاج عن تفسير العسكرى عليه‌السلام فى قوله تعالى (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) الآية من انه قال رجل للصادق عليه‌السلام فاذا كان هؤلاء القوم من اليهود والنصارى لا يعرفون الكتاب إلّا بما يسمعون من علمائهم لا سبيل لهم الى غيره فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الّا كعوامنا يقلدون علمائهم فان لم يجز لاولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم فقال بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة اما من حيث استووا فان الله تعالى ذم عوامنا بتقليدهم علمائهم كما ذمهم عوامهم بتقليدهم علمائهم.

(الطائفة الثالثة) من الروايات الدالة على اعتبار الخبر الاخبار الآمرة بالرجوع الى الرواة والثقاة والعلماء بنحو الكبرى الكلية من دون اختصاص باشخاص معينين على وجه يظهر منها عدم الفرق بين الحديث والفتوى مثل خبر إسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمرى ان يوصل لى كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت علىّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام اما ما سألت عنه ارشدك الله وثبتك الى ان قال واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتى عليكم

٢٦٨

وانا حجة الله واما محمد بن عثمان العمرى فرضى الله عنه وعن ابيه من قبل فانه ثقتى وكتابه كتابى (ورواه) الشيخ فى كتاب الغيبة عن جماعة عن جعفر بن محمد بن قولويه وابى غالب الزرارى وغيرهما كلهم عن محمد بن يعقوب ورواه الطبرسى فى الاحتجاج مثله قال قدس‌سره انه لو سلم ان ظاهر الصدر اى قوله واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا الاختصاص بالرجوع فى حكم الوقائع الى الرواة اعنى الاستفتاء منهم إلّا ان التعليل فى الذيل بانهم حجته عليه‌السلام يدل على وجوب قبول خبرهم.

(ومنها) الرواية المحكية عن العدة من قوله عليه‌السلام اذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روى عنا فانظروا الى ما رووه عن على عليه‌السلام دل على الاخذ بروايات الشيعة وروايات العامة مع عدم وجود المعارض من روايات الخاصة.

(ومنها) ما فى الاحتجاج عن تفسير العسكرى عليه‌السلام فى قوله تعالى (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) الآية من انه قال رجل للصادق عليه‌السلام فاذا كان هؤلاء القوم من اليهود والنصارى لا يعرفون الكتاب إلّا بما يسمعون من علمائهم لا سبيل لهم الى غيره فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الّا كعوامنا يقلدون علمائهم فان لم يجز لاولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم فقال عليه‌السلام بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة.

٢٦٩

واما من حيث افترقوا فلا قال بيّن لى يا بن رسول الله قال ان عوام اليهود قد عرفوا علمائهم بالكذب الصريح وباكل الحرام والرشاء وتغيير الاحكام عن وجهها بالشفاعات والنسابات والمصانعات وعرفوهم بالتعصب الشديد الذى يفارقون به اديانهم وانهم اذا تعصبوا ازالوا حقوق من تعصبوا عليه واعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من اموال غيرهم وظلموهم من اجلهم وعلموهم يتعارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم الى ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله تعالى فلذلك ذمهم لما قلدوا من عرفوا ومن علموا انه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه ولا العمل بما يؤديه اليهم عمن لا يشاهدونه ووجب عليهم النظر بانفسهم فى امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا كانت دلائله اوضح من ان يخفى واشهر من ان لا تظهر لهم وكذلك عوام امتنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها واهلاك من يتعصبون عليه وان كان لاصلاح امره مستحقا وبالترفرف بالبر والاحسان على من تعصبوا له وان كان للاذلال والاهانة مستحقا فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم.

(قال عليه‌السلام) بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة وتسوية من جهة اما من حيث الاستواء فان الله ذم عوامنا بتقليدهم علمائهم كما ذمّ عوامهم بتقليدهم علمائهم.

(واما من حيث) افترقوا فان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصريح واكل الحرام والرشاء وتغيير الاحكام عن وجهها بالشفاعات والنسابات والمصانعات وعرفوهم بالتعصب الشديد الذى يفارقون به اديانهم وانهم اذا تعصبوا ازالوا حقوق من تعصبوا عليه واعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من اموال غيرهم وظلموهم من اجلهم وعلموهم يتعارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم الى ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله.

٢٧٠

فلذلك ذمهم وكذلك عوامنا اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم.

(قوله والنسابات والمصانعات) ان الكلمة الاولى جمع النسابة والتاء فيها للمبالغة وهو الرجل العالم بالانساب والثانية جمع المصانعة اى الرشوة قوله والترفرف فى مجمع البحرين رفرف الطائر اذا حرك جناحه حول الشىء يريدان يقع عليه ومنه الحديث يد الله فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة فاذا خاف وكله الله الى نفسه ومنه كل من الطيور ما رفّ اى حرك جناحيه ولا تأكل ما صفّ.

(قوله فمن قلد من عوامنا) بيان للتسوية وانما اعاد عليه‌السلام بيان التسوية مع انه قد ذكرها سابقا بقوله واما من حيث استووا فان الله الخ من جهة ان فى هذا الكلام بيان منشأ الذم ايضا وهو كونهم فاسقين مغيرين للاحكام بالاهواء ولاجل شفاعة الشفعاء وغير ذلك بخلاف السابق فحسنت اعادته من جهة ذلك.

٢٧١

(فاما من كان) من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فاما من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة وانما كثر التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت لتلك لان الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه باسره لجهلهم ويضعون الاشياء على غير وجوهها لقلة معرفتهم وآخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الى نار جهنم ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا فيتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون عند شيعتنا وينتقصون بنا عند اعدائنا ثم يضعون اليه اضعافه واضعاف اضعافه من الاكاذيب علينا التى نحن برآء منها فيقبله المستسلمون من شيعتنا على انه من علومنا فضلّوا واضلوا اولئك اضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد لع على الحسين بن على عليهما‌السلام انتهى دل هذا الخبر الشريف اللائح منه آثار الصدق على جواز قبول قول من عرف بالتحرز عن الكذب وان كان ظاهره اعتبار العدالة بل ما فوقها لكن المستفاد من مجموعه ان المناط فى التصديق هو التحرز عن الكذب فافهم.

(قوله فاما من كان الخ) بيان لوجه الافتراق حيث دل قوله فاما من كان الخ على جواز تقليد الفقيه على الشرائط المذكورة فيها وعلى قبول ما نسبوه الى الائمة عليهم‌السلام بشرط ان لا يركبوا من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة وهو معنى حجية خبر الواحد العادل.

(وكيف كان) دلالة الخبر المذكور على جواز قبول قول من عرف بالتحرز عن الكذب مما لا يخفى اما من جهة حمل التقليد على قبول الرواية فقط كما فى الوسائل حيث قال التقليد المرخص فيه هنا انما هو قبول الرواية لا قبول الرأى والاجتهاد والظن وهذا واضح انتهى او على الاعم فيشمله ويدل على كون الاول مرادا من الرواية فقرات منها قوله عليه‌السلام لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط ومنها قوله عليه‌السلام ومن علموا انه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه ومنها قوله فلا تقبلوا منهم

٢٧٢

عنا شيئا ولا كرامة(والانصاف) ان المستفاد من الرواية كون الفسق مطلقا مانعا عن قبول الرواية ولو كان من جهة اكل الحرام والرشاء ومتابعة الهواء ومخالفة امر المولى فى غير الكذب ايضا ولعله قدس‌سره اشار الى ذلك بقوله فافهم

(قوله ومنهم قوم نصاب) فى مجمع البحرين النصب المعاداة يقال نصبت لفلان نصبا اذا عاديته ومنه الناصب وهو الذى يتظاهر بعداوة اهل البيت عليهم‌السلام او لمواليهم لاجل متابعتهم لهم وفى القاموس النواصب والناصبة واهل النصب المتدينون ببغض على عليه‌السلام لانهم نصبوا له اى عادوه قال بعض الفقهاء اختلف فى تحقيق الناصبى فزعم البعض ان المراد من نصب العداوة لاهل البيت عليهم‌السلام وزعم آخرون انه من نصب العداوة لشيعتهم وفى الاحاديث ما يصرح بالثانى فعن الصادق عليه‌السلام انه ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانه لا تجد رجلا يقول انا ابغض محمدا وآل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تولّونا وانتم من شيعتنا وغير ذلك من الوجوه التى ذكرت فى تفسير الناصب ليس هذا المختصر موضع ذكرها.

٢٧٣

(ومثل) ما عن ابى الحسن عليه‌السلام فيما كتبه جوابا عن السؤال عمن يعتمد عليه فى الدين قال اعتمدا فى دينكما على كل مسنّ فى حبنا كثير القدم فى امرنا وقوله عليه‌السلام فى رواية اخرى لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك من الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا اماناتهم انهم ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه الحديث وظاهرهما وان كان الفتوى إلّا ان الانصاف شمولهما للرواية بعد التأمل كما تقدم فى سابقتهما ومثل ما فى كتاب الغيبة بسنده الصحيح الى عبد الله الكوفى خادم الشيخ ابى القاسم الحسين بن روح حيث سأله اصحابه عن كتب الشلمغانى فقال الشيخ اقول فيها ما قال العسكرى عليه‌السلام فى كتب بنى ـ فضّال حيث قالوا له ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاء قال خذوا ما رووا وذروا ما رأوا فانه دل بمورده على جواز الاخذ بكتب بنى فضال وبعدم الفصل على كتب غيرهم من الثقات ورواياتهم.

(ومنها) رواية احمد بن حاتم بن ماهويه قال كتبت اليه يعنى أبا الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عمن آخذ معالم دينى وكتب اخوه ايضا بذلك فكتب اليهما فهمت ما ذكرتما فاصمدا فى دينكما على كل مسنّ فى حبنا وكل كثير القدم فى امرنا فانهما كافوكما إن شاء الله تعالى.

(ومنها) رواية على بن سويد السابى قال كتب الىّ ابو الحسن عليه‌السلام وهو فى السجن وامّا ما ذكرت يا على ممن تأخذ معالم دينك لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا اماناتهم انهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدّلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائى الكرام البررة ولعنتى ولعنة شيعتى الى يوم القيامة (وفيه) دلالة واضحة على ان المنع عن اخذ معالم الدين منهم انما هو من جهة كونهم خائنين غير الموثقين فى نقل الحديث من جهة تطرق احتمال تعمد الكذب فى حقهم لا انه من جهة مجرد كونهم من غير الشيعة ولو مع كونهم موثقين فى نقل

٢٧٤

الحديث ومتحرزين عن تعمد الكذب غاية التحرز فافهم ولذلك ترى بناء الاصحاب رضوان الله عليهم على العمل بالخبر الموثوق به ولو من غير الشيعة اذا علموا بان الراوى سديد فى نقل الرواية ومتحرز عن الكذب وكان ممن لا يطعن فى روايته وان كان مخطئا فى اعتقاده وسالكا غير الطريقة المستقيمة التى سلكها الشيعة والفرقة المحقة كاخذهم بروايات حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج وغيرهم من العامة وكذا اخذهم باخبار جماعة من الفطحية وغيرها كعبد الله بن بكير وسماعة بن مهران وعلى بن ابى حمزة البطائنى وكتب بنى فضال ونحوهم ممن عرف منهم كونهم موثقين فى نقل الحديث.

(ومنها) ما فى كتاب الغيبة بسنده الصحيح الى عبد الله الكوفى خادم الشيخ ابى القاسم الحسين بن روح حيث سأله اصحابه عن كتب الشلمغانى فقال الشيخ اقول فيها ما قال العسكرى عليه‌السلام فى كتب بنى فضال حيث قالوا له ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملأ قال خذوا ما رووا وذروا ما رأوا (يعنى) لا اشكال فى اخذ الرواية عنهم من جهة كونهم فطحية لا ان جميع ما رووا صحيح وحق ولذلك لم يعمل علماؤنا بكثير من رواياتهم ولم يكونوا ملتزمين بقبولها.

(قوله وبيوتنا منها ملاء) قيل ان ملأى مؤنث ملآن كسكران سكرى قوله الشلمغانى اسمه محمد بن على الشلمغانى.

٢٧٥

(ولهذا) ان الشيخ الجليل المذكور الذى لا يظن به القول فى الدين بغير السماع من الامام عليه‌السلام قال اقول فى كتب الشلمغانى ما قاله العسكرى عليه‌السلام فى كتب بنى فضال مع ان هذا الكلام بظاهره قياس باطل ومثل ما ورد مستفيضا فى المحاسن وغيره حديث واحد فى حلال وحرام تأخذه صادق خير لك من الدنيا وما فيها من ذهب وفضة وفى بعضها يأخذه من صادق من صادق ومثل ما فى الوسائل عن الكشى من انه ورد توقيع على القاسم بن العلاء وفيه انه لا عذر لاحد من موالينا فى التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد علموا انا نفاوضهم سرّنا ونحمله اليهم ومثل مرفوعة الكنانى عن الصادق عليه‌السلام فى تفسير قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) قال هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء وليس عندهم ما يحتملون به الينا فيسمعون حديثنا ويفتشون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون اموالهم ويتعبون ابدانهم حتى يدخلوا علينا ويستمعوا حديثنا فينقلبوا اليهم فيعيه اولئك ويضيّعه هؤلاء فاولئك الذين يجعل الله لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون دل على جواز العمل بالخبر وان نقله من يضيّعه ولا يعمل به. (يعنى) لعدم الفصل بين كتب بنى فضال وغيرهم ان الشيخ الجليل المذكور الذى لا يحتمل فى حقه ان يحكم بحكم من غير السماع من الامام عليه‌السلام قال اقول فى كتب الشلمغانى ما قاله العسكرى عليه‌السلام فى كتب بنى فضال مع ان هذا الكلام بظاهره قياس باطل إلّا انه حكم الشيخ باعتبار كتب الشلمغانى من جهة تمسكه بقول العسكرى عليه‌السلام الذى يدل على حجية جميع روايات الثقات بعدم الفصل. (ومنها) ما ورد مستفيضا فى المحاسن وغيره حديث واحد فى حلال وحرام تأخذه من صادق خير لك من الدنيا وما فيها من ذهب وفضة وفى بعضها يأخذه صادق من صادق. (قوله تاخذه من صادق) يراد به معناه اللغوى اى من له ملكة الصدق.

٢٧٦

(ومنها) ما فى الوسائل من انه ورد توقيع على القاسم بن العلاء وفيه انه لا عذر لاحد من موالينا فى التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرّنا ونحملهم اياه اليهم.

(ومنها) مرفوعة الكنانى عن الصادق عليه‌السلام فى تفسير قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) قال عليه‌السلام هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يحتملون به الينا فيسمعون حديثنا ويفتشون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون اموالهم ويتعبون ابدانهم حتى يدخلوا علينا ويستمعوا حديثنا فينقلبوا اليهم فيعيه اولئك اى الضعفاء ويضعه هؤلاء اى المرتحلون فاولئك الذين يجعل الله لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.

(وفيه) دلالة على جواز العمل بقول الثقة وان كان المخبر ممن يضيعه ولا يعمل به ولا ينافى ذلك ما ورد من حصر المعتمد فى الشيعة والمسنّ فى الدين وفى حبهم فانه محمول على وثاقتهم فى الحديث وعدم تطرق احتمال الكذب فى حقهم احتمالا يعتنى به العقلاء فى قبال غيرهم ممن يتطرق فى نقله تعمد الكذب على ما يشهد له التعليل الوارد فى رواية على بن سويد السابى التى تقدم ذكرها.

٢٧٧

(ومنها) الاخبار الكثيرة التى يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد وان كان فى دلالة كل واحد على ذلك نظر مثل النبوى المستفيض بل المتواتر انه من حفظ على امتى اربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيامة قال شيخنا البهائى قدس‌سره فى اول أربعينه ان دلالة هذا الخبر على حجية خبر الواحد لا يقصر عن دلالة آية النفر ومثل الاخبار الكثيرة الواردة فى الترغيب فى الرواية والحث عليها وابلاغ ما فى كتب الثقة مثل ما ورد فى شأن الكتب التى دفنوها لشدة التقية فقال عليه‌السلام حدثوا بها فانها حق ومثل ما ورد فى مذاكرة الحديث والامر بكتابته مثل قوله عليه‌السلام للراوى اكتب وبث علمك فى بنى عمّك فانه يأتى زمان هرج لا يأنسون إلّا بكتبهم وما ورد فى ترخيص النقل بالمعنى وما ورد مستفيضا بل متواترا من قولهم عليهم‌السلام اعرفوا منازل الرجال منّا بقدر روايتهم عنا وما ورد من قولهم عليهم‌السلام لكل رجل منّا من يكذب عليه وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستكثر بعدى القالة وان من كذب على فليتبوأ مقعده من النار وقول ابى عبد الله عليه‌السلام انا اهل البيت صديقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا

(الطائفة الرابعة) من الروايات الدالة على اعتبار خبر الواحد الاخبار الكثيرة الآمرة بحفظ الروايات واستماعها وضبطها وبثّها وكتابتها والاهتمام بشأنها على السنة مختلفة وقد ذكرها صاحب الوسائل فى الباب (٨) من ابواب كتاب القضاء فراجع

(منها) ما عن ابى عبد الله عليه‌السلام ان رسول الله خطب الناس فى مسجد الخيف فقال نصر الله عبدا سمع مقالتى فوعاها وحفظها وبلّغها من لم تبلغه يا ايها الناس ليبلغ الشاهد الغائب فربّ حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه الحديث.

(منها) ما عن معاوية بن عمار قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام رجل راوية لحديثكم يبث ذلك فى الناس ويسدّده فى قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابدا من شيعتكم

٢٧٨

ليست له هذه الرواية ايهما افضل قال الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا افضل من الف عابد.

(منها) رواية ابى البخترى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ان العلماء ورثة الانبياء وذاك ان الانبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وانما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشىء منها فقد اخذ حظا وافرا فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت فى كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

(ومنها) النبوى المستفيض بل المتواتر انه من حفظ على امتى اربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما (والمقصود) انه معدود يوم الحشر من جملة الفقهاء والعلماء وان كان بينهم تفاوت فى الدرجات باعتبار التفاوت فى الحالات اذ لا يمكن ان يكون الحافظ لاربعين حديثا من جميع الجهات مساويا لمن عرف الف حديث او اكثر مع كونه مجتهدا.

(واعلم) ان هذا الحديث مستفيض مشهور بين الخاصة والعامة بل قال بعض بتواتره ولفظ الحديث مختلف العبارة ففى المتن على الوجه الذى تراه وفى الخصال بطرق متعددة متكثرة مع اختلاف يسير فى اللفظ والكل صحيح بحسب المعنى

(منها) ما نقله عن عبيد الله الدهقان قال اخبرنى موسى بن ابراهيم المروزى عن ابى الحسن عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حفظ من امتى اربعين حديثا مما يحتاجون اليه من امر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما.

(ومنها) رواية عطاء بن ابى رباح عن ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من حفظ من امتى اربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة.

(ومنها) رواية أنس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حفظ عنى من امتى اربعين حديثا فى امر دينه يريد به وجه الله عزوجل والدار الآخرة بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما.

٢٧٩

(ومنها) رواية حنان بن سدير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من حفظ عنا اربعين حديثا من احاديثنا فى الحلال والحرام بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ولم يعذبه.

(ومنها) ما فى وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه‌السلام وكان فيما اوصى به ان قال له يا على من حفظ من امتى اربعين حديثا يطلب بذلك وجه الله عزوجل والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا الحديث انتهى الطرق المنقولة فى الخصال بالنسبة الى الحديث الشريف وله طرق منقولة فى غير الخصال ايضا فراجع.

(ثم) الفرق بين الخبر المستفيض والمتواتر ان الاول هو ما زادت رواته عن ثلاثة والثانى اخبار جماعة يفيد العلم بنفسه كخبر الغدير وشجاعة على عليه‌السلام والتواتر على اقسام ثلاثة.

(الاول) التواتر اللفظى وهو اتفاق جماعة امتنع اتفاقهم على الكذب عادة على نقل خبر بلفظه كتواتر الفاظ الكتاب الصادرة عن لسان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(الثانى) التواتر المعنوى وهو اتفاقهم على نقل مضمون واحد مع الاختلاف فى الالفاظ سواء كانت دلالة الالفاظ على المضمون بالمطابقة او بالتضمن او بالالتزام او بالاختلاف كالاخبار الحاكية لحالات امير المؤمنين عليه‌السلام فى الحروب وقضاياه مع الابطال فانها متفقة الدلالة على شجاعته (ع).

(الثالث) التواتر الاجمالى وهو ورود عدة من الروايات التى يعلم بصدور بعضها مع عدم اشتمالها على مضمون واحد.

(وانكر المحقق) النائينى رحمه‌الله التواتر الاجمالى بدعوى انا لو وضعنا اليد على كل واحد من تلك الاخبار نراه محتملا للصدق والكذب فلا يكون هناك خبر مقطوع الصدور.

(وفيه) ان احتمال الصدق والكذب فى كل خبر بخصوصه لا ينافى العلم

٢٨٠