عمدة الأصول - ج ٥

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٥

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: ولي عصر (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٨

التعيينى والذي يقتضي الشغل بالخاص إنما هو إذا أحرز كونه على الوجه الثاني وأما إذا شك فيه وفي الوجه الأول فكون قضيّته أيضا هو الاشتغال أول الكلام.

قلت يدفع هذا النزاع بمراجعة العرف في من سمع نداء المولى بإكرام الزيد فأجابه بإكرام العمرو معتذرا بأني احتملت كون تعلّقه بالزيد بدليا وكان بدله العمرو ولم أقطع أنه متعلق به معينا فهل تراهم يعدونه معذورا عندهم حاشا وكلّا. (١)

ولا فرق في ذلك بين أن يكون الواجب التعييني والتخييري من سنخ واحد ويمكن أن يرجع إلى جامع انتزاعي وبين ان لا يكون كذلك ولا يرجع إلى جامع انتزاعي كما هو الظاهر فإن الخطاب في موارد التخيير الشرعي متعلق بالأشياء الخاصة كخصال الكفارات والطلب في مثلها واحد له شعب متعددة يبعث المخاطب نحو أشياء متعددة لا على الاستغراق فإنه لم يتعلق بالجامع ولا على المجموع فإن الأشياء لم تلحظ شيئا واحدا بحيث يكون الأطراف فيه أجزاء لواحد بل يبعث المخاطب نحو الأشياء الخاصة على نحو البدلية كقوله ايت بهذا أو ذاك وهذا نوع مستقل في قبال الوجوب التعييني وليس من سنخه وكيف كان فلا فرق في أن العرف لا يحكم بالاعتذار في ترك الخاص الذي يكون موردا للخطاب بمجرد احتمال كون الخطاب فيه بدليا من دون فرق بين أن يمكن إرجاع الخطاب إلى جامع واحد وان لا يمكن لفرض تعلّق الخطاب بالخاص.

ويعتضد ذلك بما أفاده المحقق النائيني قدس‌سره من أنه لا فرق (في وجوب الاحتياط) بين القول بأن الواجب التخييري عبارة عن تقييد الإطلاق واشتراط التكليف في كل واحد من الفردين بما إذا لم يأت بالآخر والقول بأنه بنفسه سنخ آخر من الطلب يقابل الواجب التعييني بل رجوع الشك إلى الشك في الامتثال والسقوط لو كان من باب تقييد الإطلاق أوضح فإن الشك يرجع إلى الشك في السقوط على كل حال ولو كانت صفة العينية وجودية فإنه لو قلنا بأن الواجب التخييري من باب تقييد الإطلاق فالتقييد إنما يكون باعتبار البقاء ومرحلة السقوط باعتبار الثبوت ومرحلة الحدوث.

__________________

(١) أصول الفقه لشيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره ٣ : ٧١١ ـ ٧١٢.

٦٤١

وقد عرفت أن الأصل عند الشك في الإطلاق والاشتراط الراجع إلى مرحلة السقوط يقتضي الاشتغال وعدم السقوط فتأمل جيدا. (١)

أورد عليه بأنه لا وجه لافتراض الشرطية بقاء فقط بل الغاية من الواجب التخييري تحصل بجعل الوجوب مشروطا من أول الأمر بحيث يستكشف عدم ثبوت وجوب العتق لمن أطعم ستين مسكينا ويكفينا في المقام احتمال ذلك.

ولو سلمنا الجزم بأن الشرطية في مرحلة البقاء فقط مع ذلك نقول إنّ البراءة لا تختص بموارد الشك في حدوث التكليف بل تجري في موارد الشك في التكليف بقاء أيضا لانه مهما كان الشك في سعة التكليف سواء كان في مرحلة الحدوث أو البقاء جرت البراءة عنه. (٢)

ولا يخفى ما فيه من أن المفروض هو العلم بوجوب شيء بخصوصه مع الشك في وجوب شيء آخر بعنوان العدل له فمع إتيان الشيء الآخر يشك في سقوط المعلوم وجوبه بالخصوص ومقتضى الاستصحاب هو بقاء وجوبه وعدم سقوطه ولا ينافيه احتمال كون الشيء المذكور مشروطا من أول الأمر بعد تعلّق الوجوب به في الجملة لكفاية ذلك في الاستصحاب.

هذا مضافا إلى أن جريان البراءة في موارد الشك في التكليف بقاء مع العلم بحدوث التكليف ممنوع لأن الشك في الامتثال والسقوط مسبب عن الشك في حدوث التكليف فإذا كان الحدوث معلوما ومحكوما بالبقاء ارتفع الشك في ناحية الامتثال بعد الحكم ببقاء التكليف ولو مع الإتيان بشيء آخر.

ثم لا يذهب عليك أنه ذهب في منتهى الاصول إلى أن الاشتغال مبني على أن يكون الوجوب في التعييني والتخييري سنخ واحد وخصوصية التعينية منتزعة من قبل عدم وجوب عدل آخر.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ١٥٦.

(٢) مباحث الحجج ٢ : ٣٥٥.

٦٤٢

أما لو قلنا بأن الوجوب فيهما سنخان ففي الواجب التخييري إرادة ناقصة مفادها سد باب اعدام الشيء إلّا في ظرف وجودها هو عدل له.

واما في الواجب التعييني إرادة تامة متكفلة لحفظ وجود الشيء مطلقا ومن قبل جميع اعدامه من دون استثناء فالمتعلق في الواجب التعييني أوسع منه في الواجب التخييري وإن شئت قلت إن الإرادة في التعييني أبسط من التخييري فالشك في أنه تعييني أو تخييري مرجعه إلى الشك في تعلّق الإرادة بحفظ وجود الشيء حتى في ظرف وجود ذلك الذي يحتمل أن يكون عدلا له فعلى هذا يكون مجرى البراءة. (١)

ويمكن أن يقال مع فرض كون الوجوب التعييني والتخييري سنخين فالعبرة بالوجوبين لا بمباديهما ومقتضى العلم الإجمالي بأحدهما هو الاحتياط هذا مضافا إلى أن المبادي بسيطة ولا فرق في الإرادة بين أن تكون متعلقة بالتعييني والتخييري وإن جاز تحليل الإرادة عند الملاحظة بما ذكر من الأبسطية قال المحقق العراقي قدس‌سره : إن مرجع الشك في كون الشيء واجبا تعينيا أو تخييريا حينئذ إلى العلم الإجمالي اما بوجوب الإتيان بخصوص الذي علم بوجوبه في الجملة وحرمة تركه مطلقا حتى في ظرف الإتيان بما احتمل كونه عدلا له واما بحرمة ترك الآخر المحتمل كونه عدلا له في ظرف عدم الإتيان بذلك ولازم هذا العلم الإجمالي إنما هو الاحتياط بتحصيل الفراغ اليقيني بإتيان خصوص ما علم وجوبه في الجملة ووجوب الإتيان بما احتمل كونه عدلا له عند عدم التمكن من الإتيان بما علم وجوبه لاضطرار ونحوه. (٢)

والتحقيق ان يقال إن مرجع الشك في كون الوجوب تعينيا أو تخييريا هو الشك في جعل التضييق وعدمه فيجري فيه أصالة البراءة ولا فرق فيه بين كون الوجوب فيهما من سنخ واحد أو من سنخين لجريان أصالة البراءة بالنسبة إلى التعيين وليست تلك الأصالة

__________________

(١) منتهى الاصول ٢ : ٢٣٥.

(٢) نهاية الأفكار ٣ : ٢٨٩.

٦٤٣

متعارضة بجريانها بالنسبة إلى التخيير لعدم جريانها بالنسبة إلى التخيير لأنه يوجب التضييق وهو خلاف الامتنان.

ودعوى أن التعيين ليس مجعولا شرعيا مندفعة بكفاية كون سببه مجعولا شرعيا وبعد جريان البراءة بالنسبة إلى التعين لا مجال لدعوى العلم الإجمالي بكون الوجوب معلوما بين التعيّني والتخييري ومقتضاه هو الاحتياط لأن العلم الإجمالي منحل حكما بسبب انتفاء الوجوب التعيّني بأصالة البراءة من دون معارض وهو المحكي عن سيدنا الاستاذ المحقق الداماد قدس‌سره نعم يبقى في المقام ما أشار إليه شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره من أنه يدفع هذا النزاع مراجعة العرف في من سمع نداء المولى بإكرام الزيد فأجابه بإكرام العمرو معتذرا بأني احتملت كون تعلّقه بالزيد بدليا وكان بدله العمرو ولم أقطع أنه متعلق به معينا فهل تراهم يعدّونه معذورا عندهم حاشا وكلّا. (١)

فتعلق الخطاب بعنوان المخصوص يوجب لزوم مراعاته عند عرف العقلاء ومما ذكر يظهر الحكم أيضا فيما إذا شك في العيني والكفائي أو شك في النفسي والغيري بالشرح الذي عرفته في الشك في التعييني والتخييري فيتحد الحكم فيما إذا لم يكن إطلاق مع ما إذا كان إطلاق فكما ينتج مقدمات الإطلاق تعينية المشكوك وعينيته ونفسيته فكذلك يكون مقتضى ما عرفته من بناء العرف هو ذلك فلا فرق بين صورة الإطلاق وعدمه في أن المشكوك في الأمور المذكورة محمول على التعييني والعيني والنفسي فلا تغفل.

التنبيه الثامن :

في جواز الأخذ بالإباحة في الشبهات الموضوعية التحريمية قبل الفحص قال الشيخ الأعظم قدس‌سره : إن إباحة ما يحتمل الحرمة غير مختصة بالعاجز عن الاستعلام بل يشمل القادر على تحصيل العلم بالواقع وذلك لعموم أدلته من العقل والنقل وقوله عليه‌السلام في ذيل رواية مسعدة بن صدقة والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غيره أو تقوم به البينة فإن ظاهره

__________________

(١) أصول الفقه لشيخنا الأستاذ الأراكي قدس‌سره ٣ : ٧١٢.

٦٤٤

حصول الاستبانة وقيام البينة لا بالتحصيل وقوله عليه‌السلام هو لك حلال حتى يجيئك شاهدان.

لكن هذا وأشباهه مثل قوله عليه‌السلام في اللحم المشترى من السوق كل ولا تسئل وقوله عليه‌السلام ليس عليكم المسألة انّ الخوارج ضيقوا وقوله عليه‌السلام في حكاية المنقطعة التي تبيّن لها زوج لم سألت واردة في موارد وجود الأمارة الشرعية على الحلية فلا تشمل ما نحن فيه إلّا أن المسألة غير خلافية مع كفاية الإطلاقات. (١)

ولا يخفى عليك أن التمسك بالدليل العقلى مع الشك في تحقق موضوعه وهو عدم البيان كما ترى اذ ليس المراد بالبيان المعتبر فيه عدم البيان الفعلي بل الأعم منه كما أفاد ذلك شيخ مشايخنا المحقق الحائرى قدس‌سره في صلاته. (٢) وكيف كان يمكن الاستدلال على عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية التحريمية أيضا بصريح صحيحة زرارة حيث قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ... فهل عليّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن انظر فيه قال لا ولكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك. (٣)

فإنّها صريحة في عدم لزوم الفحص في الشبهة الموضوعية التحريمية من النجاسة ولكنها مختصة بباب النجاسات فلا تشمل غيرها من الموارد اللهمّ إلّا أن يستفاد التعميم من قوله عليه‌السلام ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك بدعوى أنه لا يختص بالمورد ويأتي في جميع موارد الشبهات نجاسة كانت أو غيرها ومقتضاه هو عدم اعتبار الفحص في الشبهة الموضوعية التحريمية لعدم الأثر له إلّا ما أشير إليه بعد جريان لا ينقض اليقين بالشك وهو عنوان عام جار في جميع موارد الشبهات فلا أثر للاحتياط إلّا ذهاب الشك المذكور فتأمل.

هذا مع قطع النظر عن المطلقات الدالة على الإباحة كقوله عليه‌السلام كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه. (٤)

__________________

(١) فرائد الاصول : ٢٢٦.

(٢) راجع ، ص ٤٠٥.

(٣) جامع الاحاديث ٢ : ١٣٦.

(٤) الوسائل الباب ٦١ من الأطعمة المباحة ح ١.

٦٤٥

لا يقال : إن مورد ذلك هو الجبن المشترى من سوق المسلمين فلعل الحكم المذكور من باب الاعتماد على الأمارة ولا يرتبط بالأصل لأنا نقول : لا يضر خصوصية المورد بعمومية الوارد فحيث انّ الذيل لم يقيد بما اشتري من السوق بل حكم بالحلية من دون إلزام بالفحص والسؤال يكفي للدلالة بالإطلاق على الإباحة حتى مع عدم الفحص هذا مضافا إلى أن المورد المذكور يكون في بعض هذه الروايات لا في جميعها بل بعضها مطلق كصحيحة عبد الله بن سنان فتأمل.

نعم يعارض ذلك رواية ميمون الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة فقال الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلّا وله حد إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة (١)

وبمضمونها مرسلة الفقيه حيث قال وقد روى في المني أنه إن كان الرجل حيث قام نظر وطلب فلم يجد شيئا فلا شيء عليه فإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته وكيف كان فهذه الرواية تدل على لزوم النظر والفحص قبل إقامة الصلاة ولا يجوز له ان يصلى من دون ذلك وإلّا فإن وقعت صلاته مع النجاسة يجب عليه الإعادة. (٢)

ولذا حكي عن الشهيد في الذكرى احتمال التفصيل بين من اجتهد في البحث عن طهارة ثوبه فلا يعيد وغيره فيعيد وعن الحدائق تقوية ذلك وحكي التفصيل أيضا عن ظاهر الشيخين في المقنعة والتهذيب وظاهر الصدوق في الفقيه.

ولكن أجاب عنه السيّد المحقق الخوئي قدس‌سره بضعف الخبر لجهالة ميمون الصيقل وفي هامش الوسائل عن الكافي المطبوع منصور الصيقل بدلا عن ميمون الصيقل وجرح في تنقيح المقال بأن إبدال ميمون الصيقل بالمنصور اشتباه ولعله من جهة أن الراوي عن ابن

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل الباب ٤١ من أبواب النجاسات.

٦٤٦

جبلة عن سيف تارة وعن سعد أخرى إنما هو ميمون لا منصور ولكن الخطب سهل لجهالة منصور الصيقل كميمون فلا يجدي تحقيق ان الراوي هذا أو ذاك.

على أن الرواية لو أغمضنا عن سندها أيضا لا تنهض حجة في مقابل الأخبار الدالة على عدم الفرق بين الفحص والنظر قبل الصلاة وعدمه منها صحيحة زرارة المتقدمة إلى أن قال ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي قال لا يؤذنه حتى ينصرف. (١) لصراحتها في انه لا أثر للعلم الحاصل من إعلام المخبر بنجاسة الثوب بعد الصلاة أو قبلها بلا فرق في ذلك بين الفحص قبل الصلاة وعدمه ولا بين كون العلم بالنجاسة في الوقت وبين كونه خارج الوقت لأن المناط الوحيد في وجوب الإعادة هو العلم بنجاسة الثوب أو البدن قبل الصلاة ومنها موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به قال عليه أن يبتدي الصلاة قال وسألته عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم قال مضت صلاته ولا شيء عليه. (٢)

فإن التقابل بين العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة والحكم بوجوب الإعادة حينئذ وبين العلم بالنجاسة بعد الفراغ والحكم بعدم وجوب الإعادة صريح في أن المدار في وجوب الإعادة وعدمه إنما هو العلم بنجاسة الثوب أو البدن قبل الصلاة أو في أثنائها والعلم بها بعد الفراغ بلا فرق في ذلك بين الفحص قبل الصلاة وعدمه ولا بين داخل الوقت وخارجه. (٣)

ولا يخفى أن دعوى التعارض بين خبر ميمون الصيقل وصحيحة زرارة في محله لمناقضتهما في الفحص وعدمه ولكن لا وجه لدعوى التعارض بينه وبين صحيحة محمّد بن مسلم وموثقة أبي بصير لأنهما بإطلاقهما تدلان على عدم الفرق بين الفحص قبل الصلاة وعدمه فيمكن تقييدهما بمثل خبر ميمون الصيقل مع الإغماض عما في سنده اللهمّ إلّا أن

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من ابواب النجاسات.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من ابواب النجاسات.

(٣) التنقيح ٢ : ٣٥٦.

٦٤٧

يدعى أن ظهورهما في الإطلاق أقوى من دلالة خبر ميمون فتأمل وكيف كان فموضوع خبر ميمون الصيقل مختص بصورة الصلاة والنجاسة ولا يشمل غيرهما من الموارد.

ثم إن الظاهر من بعض دعوى تعارض الروايات الدالة على عدم لزوم الفحص مع صحيح ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام إن رايت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول. (١)

ومحل الاستدلال قوله وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه الخ فإن مفهومه هو وجوب الإعادة عند عدم النظر والفحص ولكن أجاب عنه في المستمسك بأن التعليل المذكور في صحيحة زرارة أي قوله عليه‌السلام ولكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع من نفسك يستوجب التصرف فيها بالحمل على الاستحباب مضافا إلى إباء نصوص نفي الإعادة عن التقييد بذلك إلى أن قال وإعراض الأصحاب عن الجميع فالعمل بإطلاق نفي الإعادة متعين. (٢)

وبعبارة أخرى يمكن الجمع الدلالي بين صحيحة محمّد بن مسلم وصحيحة زرارة بحمل الأولى على الاستحباب لقوة دلالة صحيحة زرارة على عدم لزوم الفحص بالتعليل المذكور فيها.

فتحصل إلى حدّ الآن عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية التحريمية بصريح صحيحة زرارة وإطلاق الروايات الدالة على الإباحة من دون تقييد بالفحص ولكن لقائل أن يقول إنّ الصحيحة المذكورة لا تدل إلّا على عدم لزوم النظر ومن المعلوم أن النظر غير الرؤية لاحتياج النظر إلى تفتيش وإعمال مقدمات كما يرشد إليه بعض موارد الاستعمالات كقوله عليه‌السلام من نظر في حلالنا وحرامنا فله كذا فإنه ليس مجرد الرؤية التي لا حاجة فيها إلى أي مقدمة من المقدمات.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من أبواب النجاسات ح ٢.

(٢) المستمسك ١ : ٥٠٤.

٦٤٨

وبالجملة فنفي الأخص وهو النظر لا يدل على نفي الأعم وعليه فيمكن أن يقال بعدم وجوب الفحص فيما إذا احتاج إلى المقدمات بخلاف ما إذا لم يكن كذلك لحصول العلم بمجرد الرؤية كمن شك في بقاء الليل وهو على سقف مرتفع والهواء لا غيم فيه بحيث إذا فتح عينه إلى مطلع الفجر تبين له الأمر.

ودعوى أن الشك في هذا المورد أيضا صادق بالفعل فيشمله أدلة الإباحة مندفعة بانصرافه عما يذهب بأدنى التفات وعليه فلا مؤمن لترك الاحتياط بعد اختصاص صحيحة زرارة بنفي ما يحتاج إلى إعمال المقدمات اللهمّ إلّا أن يقال : يكفي دعوى الإجماع على عدم لزوم الفحص ولو بمثل ما لا يحتاج إلى المقدمات في الشبهات الموضوعية التحريمية ولا يترك الاحتياط بالفحص فيما إذا لم يحتج الفحص إلى المقدمات.

هذا كله بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية التحريمية وأما الشبهات الموضوعية الوجوبية فقد اختلف فيها بين الأعلام في وجوب الفحص وعدمه قال شيخ مشايخنا المحقق الحائري قدس‌سره : عند مسألة الفحص عند الشك في تحقق المسافة وعدمه الأقوى الثاني لإطلاق دليل الأصل ولا دليل هنا على التقييد لأن الشبهة موضوعية ويظهر من شيخنا المرتضى قدس‌سره الترديد في ذلك قال رحمه‌الله تعالى وهل يجب الفحص أم لا وجهان من أصالة العدم التي لا يعتبر فيها الفحص عند إجرائها في موضوعات الأحكام ومن تعليق الحكم بالقصر على المسافة النفس الأمرية فيجب ليتحصل الواقع عند الشك امّا الجمع وامّا الفحص والاول منتف هنا إجماعا فتعين الثاني انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول أما ما جعله مبني لعدم وجوب الفحص فواضح وأما ما جعله مبني لوجوبه فلم يتحصل منه شيء فإن تعليق الحكم بالقصر على المسافة النفس الأمرية لا يوجب عدم جريان الأصل عند الشك وتحصيل الواقع وإن كان واجبا مع قطع النظر عن هذا الأصل الجاري في الموضوع للعلم الإجمالي بوجوب احد التكليفين لكن الأصل المفروض يوجب انحلاله بل لو لم يكن هنا هذا الأصل الجاري في الموضوع لكفى في الحكم بلزوم التمام الأصل الحكمي هذا.

٦٤٩

ولكن الأحوط مع ذلك الفحص لكن لا بملاحظة العلم الإجمالي المذكور لوضوح أن الفحص لا ينفع في رفع مقتضاه بل بملاحظة أن الأصل النافي للتكليف إما عقلي كالبراءة وإما نقلي كحديث الرفع واستصحاب العدم وعلى كل حال لا مجرى له قبل الفحص سواء في الشبهة الحكمية أو الموضوعية ولو فرض الشبهة بدوية.

أما العقلي فلوضوح أن ملاكه عدم البيان ومع عدم الفحص يشك في تحققه إذ ليس المراد بالبيان المعتبر عدمه البيان الفعلي بل الأعم منه ومما يظفر به بعد الفحص بالمقدار المتعارف ولا فرق فيه بين الشبهة الحكمية أو الموضوعية لوحدة الملاك وأما النقلي فلإمكان دعوى انصراف لفظ الشك وعدم العلم عن مورد يمكن تحصيل العلم بسهولة وبمقدار متعارف من الفحص فالأدلة المعلقة للترخيص على هذين العنوانين غير شاملة للشك الابتدائي قبل الفحص وبعد عدم المؤمن من طرف الشرع والمفروض احتمال وجود البيان على وجه يظفر به بعد الفحص يجب بحكم العقل الاحتياط أو الفحص. (١)

ويؤيد ما ذهب إليه من الاحتياط في الشبهات الوجوبية خبر زيد الصائغ قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخاري فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث مسا وثلث رصاصا وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم فقلت أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما يجب عليّ فيه الزكاة أزكيها؟ قال عليه‌السلام نعم إنما هو مالك قلت فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها؟ قال عليه‌السلام إن كنت تعرف إن فيها من الفضة الخالصة مما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة الخاصة من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبيث قلت وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلّا إني أعلم أن فيها ما تجب فيه الزكاة قال عليه‌السلام فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبيث ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة». (٢)

__________________

(١) صلاة المحقق الحائري : ٤٠٥.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب زكاة الذهب والفضة ح ١.

٦٥٠

وضعفه منجبر بالعمل كما في الجواهر لا يقال : إن الرواية المذكورة واردة في مورد العلم بأن فيها ما تجب فيه الزكاة لأنا نقول : كما في مستند العروة إن مرجع الشك في المقدار بعد العلم بأصل النصاب إلى الشك في النصاب الثاني بعد العلم بالأول فهو بالإضافة إلى النصاب الثاني للنقدين شاك في أصل وجوده فإذا حكم فيه بوجوب الفحص يعلم أن هذا من أحكام الشك في أصل النصاب الذي لا يفرق فيه بين النصاب الأول والثاني بالضرورة إلّا أن الرواية في نفسها ضعيفة كما مر فلا يمكن التعويل عليها في الحكم بوجوب الفحص. (١)

وبالجملة فمقتضى ما ذكر هو لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية الوجوبية لا سيما إذا كان موردها هي حقوق الناس حتى يحصل العلم وقد عرفت عدم شمول الدليل العقلي وهكذا لا مجال للدليل النقلي بعد كون الشك وعدم العلم منصرف عن مورد يمكن تحصيل العلم بسهولة وبمقدار متعارف من الفحص بل العلم المأخوذ في الأحكام هو الأعم من العلم الفعلي ومما يظفر به بعد الفحص المقام بعد كون المراد من البيان فيه الأعم من البيان الفعلي ومما يظفر به بعد الفحص مثلا من كتب ديونه في دفتر ثم شك في كونه مديونا لزيد وعدمه أو شك في مقدار دينه بالنسبة إليه يكون عالما عند العرف وليس له أن يجري البراءة بدون المراجعة إلى ما كتبه في دفتره وبعبارة أخرى فكما لا يجوز في الشبهات الحكمية أن لا يرجع المجتهد إلى جوامع الأحاديث ويجري البراءة لأن مثله يكون عالما عند العرف فلفظ الشك وعدم العلم منصرف عن مورد يمكن له تحصيل العلم بالتفحص عن مظانه لا سيما إذا كان سهلا.

فكذلك في المقام فمع عدم المؤمن من طرف الشارع واحتمال وجود البيان على وجه يظفر به بعد الفحص المتعارف يجب بحكم العقل الاحتياط أو الفحص في الشبهات الموضوعية الوجوبية فتدبر وسيأتي بقية الكلام في شرائط الاصول إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) مستند العروة ١ : ٢٩٨.

٦٥١

الخلاصة :

التنبيهات

التنبيه الأوّل :

أنّ جريان أصالة البراءة والإباحة في مشتبه الحكم مشروط بعدم جريان أصل حاكم عليهما لأن موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان بالنسبة إلى الحكم الواقعي كما أنّ موضوع الإباحة الشرعية هو الشكّ وعدم العلم بالحكم الواقعى وعليه فكل ما يكون بيانا ورافعا للشكّ ولو تعبدا يتقدم على البراءة والإباحة بالورود أو الحكومة ولا فرق في ذلك بين الشبهة الموضوعية والحكمية وقد عبّر عن هذا الأصل بالأصل الموضوعي باعتبار أنّه رافع لموضوع الأصل الآخر أو حاكم عليه.

ويتفرع عليه فروع منها أنّه لو شك في حليّة أكل لحم حيوان مع العلم بقبوله التذكية جرت أصالة الحليّة بخلاف ما إذا شك في الحلية من جهة الشكّ في قبوله للتذكية وعدمه فإنه يحكم بالحرمة لجريان الأصل الموضوعي باعتبار أنّه رافع لموضوع الأصل الآخر حاكم عليه.

ويتفرع عليه فروع منها أنّه لو شك في حليّة أكل لحم حيوان مع العلم بقبوله التذكية جرت أصالة الحليّة بخلاف ما إذا شك في الحلية من جهة الشكّ في قبوله للتذكية وعدمه فإنه يحكم بالحرمة لجريان الأصل الموضوعي فيه وهو أصالة عدم التذكية لأنّ من شرائطها قابلية المحل وهي مشكوكة فيحكم بعدمها وكون الحيوان ميتة هذا بالنسبة إلى الشبهة الحكمية.

وأمّا الشبهة الموضوعية فقد يقال إنّ اللحم المردد بين كونه من المذكى أو من الميتة لا يجرى فيه أصالة الإباحة فإنّ أصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة والنجاسة حاكمة على أصالتى الإباحة الطهارة.

لا يقال : إنّ استصحاب عدم التذكية بناء على جريانه يعارض مع استصحاب عدم الموت والحرمة والنجاسة من أحكام الميتة ومع المعارضة فلا يكون أصل موضوعى

٦٥٢

بالنسبة إلى أصالتى الإباحة والطهارة لأنا نقول : بأنّ عدم التذكية ولو بالأصل موضوع لحرمة الأكل كما يشهد له استثناء «ما ذكيتم» من قوله «وما أكل السبع» في الآية الكريمة فلم يبح الشارع إلّا ما ذكي فيدل ذلك على إناطة إباحة الأكل بما ذكر اسم الله عليه وغيره من الأمور الوجودية المعتبرة في التذكية فإذا انتفى بعضها ولو بحكم الأصل انتفت الإباحة وعليه ولا يتوقف ثبوت الحرمة على ثبوت الموت حتى ينفي بانتفائه ولو بحكم الأصل وهو استصحاب عدم الموت.

هذا مضافا إلى أنّ عنوان الميتة عنوان عدمي وهو مساوق لعنوان غير المذكى فلا يكون أمرا وجوديا حتى لا يمكن إثباته بأصالة عدم التذكية وعليه فمع أصالة عدم التذكية يصدق عنوان الميتة أيضا لمساوقة العنوانين في المعنى فلا منافاة بين ترتب الحرمة والنجاسة على عنوان الميتة التى هي عبارة شرعا عن كلّ زهاق روح انتفى فيه شرط من شروط التذكية وبين ترتبهما على عنوان غير المذكى بعد وحدتهما في المعنى.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الزهوق أمر وجودي والمفروض أنّه مأخوذ في معنى الميتة وعليه فلا يكون عنوان الميتة عدميا.

والتحقيق أنّ حرمة أكل اللحم مترتب على عدم التذكية بمقتضى قوله تعالى (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) وهكذا عدم جواز الصلاة بخلاف النجاسة فإنّها مترتبة على عنوان الميتة والموت في عرف المتشرعة على ما صرح به في مجمع البحرين زهاق النفس المستند إلى سبب غير شرعي كخروج الروح حتف الأنف أو بالضرب وغيره فيكون الموت أمرا وجوديا لا يمكن إثباته بأصالة عدم التذكية.

وعليه فيتمّ دعوى معارضة أصالة عدم التذكية مع أصالة عدم الموت فيتساقطان فيرجع إلى قاعدة الطهارة إلّا أنّ التحقيق جريان أصالة عدم التذكية مع أصالة عدم الموت لأنّ مجرد كون عدم التذكية ملازما للموت غير مانع من جريانهما فإنّ التفكيك بين اللوازم في الأصول العملية غير عزيز ففي المقام يحكم بعدم جواز الأكل بمقتضى أصالة عدم التذكية وبالطهارة لأصالة عدم الموت.

٦٥٣

وعليه فيتقدم أصالة عدم التذكية على أصالة الإباحة بالنسبة إلى الأكل بعد ما عرفت من أنّ غير المذكى بنفسه موضوع للحرمة كما يتقدم أصالة عدم الموت على قاعدة الطهارة بالنسبة إلى النجاسة لأنّ الموت أمر وجودي وموضوع للنجاسة ويكون أصالة عدم الموت أصلا موضوعيا بالنسبة إلى قاعدة الطهارة التى كان موضوعها هو الشكّ في الموت وعدمه والتفكيك في اللوازم في التعبديّات لا مانع منه فلا استعباد في الجمع بين حرمة الأكل مع الحكم بالطهارة مع أنّ لازم الحكم بالحرمة هو النجاسة.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ جريان الأصل الحاكم وهو أصالة عدم التذكية موقوف على كون غير المذكى موضوعا مركبا من الحيوان الزاهق روحه وغير الوارد عليه التذكية لا موضوعا متصفا بعدم رعاية التذكية الشرعية إذ أصالة عدم التذكية لا تثبت الاتصاف.

وأيضا جريان أصالة عدم التذكية مشروط بما إذا لم يكن عموم يدل على قابلية كل حيوان التذكية وإلّا فلا مجال لجريان الأصل المذكور.

وأيضا جريان أصالة عدم التذكية يتوقف على ما إذا لم يكن أصلا موضوعيا آخر يدل على قبوله للتذكية كما إذا شك مثلا في أنّ الجلل في الحيوان هل يوجب ارتفاع قابليته للتذكية أم لا فأصالة قبول الحيوان للتذكية مع الجلل محكمة ومع أصالة قبوله للتذكية لا مجال لأصالة عدم تحقّق التذكية فهو قبل الجلل كان يطهر ويحل بالفري مع سائر شروطها فالأصل أنّه كذلك بعده.

فتحصل أنّ مع جريان أصالة عدم التذكية يحكم بحرمة أكل اللحم وعدم جواز الصلاة فيها وأمّا النجاسة فهي غير مرتبة على غير المذكى حتى يحكم بثبوتها مع جريان أصالة عدم التذكية بل هي مرتبة على عنوان الميتة وهو أمر وجودى ومع جريان أصالة عدم الموت يحكم بعدم النجاسة.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ المتصف بالموت هو الحيوان لا اللحم والشاهد لذلك أنّه لا يقال : مات اللحم والجلد بل يقال مات الحيوان وعليه فالتذكية صفة في الحيوان لا في أجزائه ومقتضى ذلك عدم جريان أصالة عدم التذكية في الجلود واللحوم وغيرهما من الأجزاء المنفصلة المرددة بين كونها من المذكى أو غير المذكى.

٦٥٤

فإذا عرفت عدم جريان أصالة عدم التذكية في الأجزاء من الحيوان أمكن الأخذ بقاعدة الطهارة وحلية الاستعمال في اللحوم والجلود المستوردة من بلاد الكفار مع احتمال تزكية حيوانها فيها أو في بلاد المسلمين ثمّ نقلوها إلى بلادهم نعم لا يجوز أكل هذه اللحوم لاشتراط العلم بالتذكية في جواز الأكل فلا تغفل.

ومنها : أنّه لو شك في الحكم الوجوبي أو التحريمى لأجل الشكّ في النسخ فإنه تجرى فيه أصل موضوعي وهو أصالة عدم النسخ ومعها لا تصل النوبة إلى أصالة الإباحة والبراءة عن التكليف.

ومنها : أنّه إذا شك في مال أنّه حلال التصرف أو حرامه فإن كان الشك بعد إحراز كونه مال الغير في طيب نفس مالكه وعدمه فالأصل الموضوعي وهو أصالة عدم الطيب ولو بالعدم الأزلي يمنع عن جريان أصالة الإباحة ويحكم بحرمة التصرف فيه.

وإن شك في كونه مالا للغير وعدمه فإن كان هذا الشك عارضيا بعد معلومية كونه ملكا للغير وإنّما الشك من ناحية احتمال تحقّق بعض الأسباب الملكية وعدمه فلا مجال لأصالة الإباحة مع جريان استصحاب حرمة التصرفات الثابتة سابقا وإن كان الشكّ ساريا إلى أوّل وجوده مثل الثمرة التى تردد بين كونه من بستان نفسه أو بستان غيره فالمسألة مبتنية على أنّ المراد من قوله عليه‌السلام «لا يحل مال إلّا من حيث ما أحلّه الله» هل يستفاد منه اشتراط حلية المال على تحقّق أمر وعنوان وحيثية وجودية على نحو مفاد كان التامة فيستصحب عدم الأزلي عند الشك ومعه لا يبقى مجال لأصالة الحلية والإباحة بخلاف ما إذا لم يكن كذلك كما هو واضح.

التنبيه الثاني :

في رجحان الاحتياط ويقع الكلام في مقامين

المقام الأوّل في رجحان الاحتياط في الشبهات البدوية سواء كانت وجوبية أو تحريمية أو كانت موضوعية أو حكمية.

٦٥٥

والوجه فيه هو حكم العقل بأن الاحتياط لإدراك الواقع حسن لأن ما في الواقع تكاليف فعلية للمولى ولها ملاكات واقعية وإن كان الجهل بلزومها عذرا في مخالفتها وقوله عليه‌السلام كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه شاهد على وجود الحكم وثبوته حال الجهل بحيث يمكن أن يصير معلوما.

هذا مضافا إلى الأخبار الكثيرة الدالة على الأمر بالاحتياط ثمّ إن الظاهر من أوامر الاحتياط هو المولوية والاستحباب جمعا بينها وبين أخبار البراءة.

ولازم ذلك استحقاق الثواب على إطاعة أوامر الاحتياط مضافا إلى الثواب المرتب على نفسه.

المقام الثاني في رجحان الاحتياط في العبادات المحتملة ولا إشكال فيه كما إذا دار الأمر بين الوجوب والاستحباب للعلم بالأمر فيه فيمكن من نية القربة بإتيانه بقصد الأمر المعلوم بالإجمال.

وأما إذا دار الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب من الإباحة أو الكراهة يشكل حسن الاحتياط من جهة أن العبادة لا بد فيها من نية القربة وهي متوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا ولا علم بذلك في الفرض المذكور.

ويمكن الجواب عنه بأن اللازم في صحة العبادة مطلق الداعى القربى فإن الانبعاث عن احتمال الأمر داع قربي إلهى لأنه مظهر من مظاهر الإخلاص وأتى للمولى وهو يوجب التقريب ذاتا إليه بلا حاجة إلى محل.

التنبيه الثالث :

في قاعدة التسامح في أدلة السنن واستدل لها بأخبار «من بلغ» على جواز الحكم باستحباب شرعي اصطلاحي لكل مورد فيه خبر يدل على طلب فعله ولو كان الخبر ضعيفا وهذا هو معنى قاعدة التسامح في أدلة السنن إذ يسامح في سند الاخبار الدالة على استحباب فعل شيء من الأشياء وهنا روايات :

٦٥٦

منها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه (كما بلغه خ ـ ل) وغير ذلك من الأخبار ولا إشكال فيها من حيث السند وإنما الكلام في أمور :

الأمر الأوّل :

أن موضوع هذه الأخبار هو البلوغ أو السماع ومقتضى تفرع العمل عليهما بقوله عليه‌السلام فصنعه او فعمله إن الداعي إلى العمل هو نفس البلوغ والسماع وحيث إن البلوغ والسماع لا يساوقان الحجية فلا محالة يعمّان الموارد التى لا يكون البلوغ والسماع حجة كالأخبار الضعيفة.

الأمر الثاني :

إنه لا دلالة لهذه الأخبار على استحباب نفس العمل لأنّ الموضوع فيها ليس ذات العمل حتى يمكن استكشاف الأمر من ترتب الثواب عليه بعنوان الجزاء والاستحقاق بدعوى أنه لا وجه لهذا الترتب الّا تعلّق الأمر به فيكون نظير من سرح لحيته فله ثواب كذا في دلالة ترتب الثواب على استحباب نفس العمل بل الموضوع فيها هو العمل المأتي به بداعي احتمال الأمر وعليه فلا دلالة لهذه الأخبار إلّا على ترتب الثواب على العمل المأتي به بداعي احتمال الأمر ولعله من جهة الإرشاد والتفضل إلى ما حكم به العقل من استحقاق الثواب على العمل المأتي به بداعي احتمال الأمر وهو الاحتياط.

ويشهد له لسان الدليل وهو ظهور الفاء في قوله فعمله او فصنعه في التفريع على بلوغ الثواب فإنه يدل على أن الثواب المجعول في الروايات المذكورة ليس مرتبا على ذات العمل بل مرتب على العمل المأتى به بداعي احتمال الأمر.

ودعوى أن الداعي إلى العمل لا يوجب وجهاد عنوانا يؤتى به بذلك الوجه والعنوان لأنه حيثيته تعليلية لا تقييدية.

مندفعة بأنها صحيحة بالنسبة إلى العمل الخارجي الذي أتى به لا بالنسبة إلى لسان الدليل وعليه فجعل الثواب على العمل المتفرع على السماع لا يكشف عن أمر آخر تعلّق

٦٥٧

بهذا العمل مع هذا العنوان والعمل المأتي به بداعي احتمال الأمر ممّا يحكم العقل باستحقاق الثواب عليه وهو موضوع يقتضى بنفسه الثواب مع قطع النظر عن الأمر الشرعي لأنه احتياط وانقياد فلا يكشف جعل الثواب عليه عن تعلّق الأمر بالعمل المأتي به بداعي احتمال الأمر فضلا عن نفس العمل مع قطع النظر عن تفرعه على السماع.

ومع عدم كشف الأمر لا مجال للحكم باستحباب العمل المأتي به بداعي احتمال الأمر فضلا عن نفس العمل.

الأمر الثالث :

أن لسان أخبار من بلغ هو مجرد الأخبار عن فضل الله سبحانه وتعالى بإعطائه الثواب الذى بلغ وإن كان غير مطابق للواقع ومن المعلوم أنها غير ناظرة إلى أن العمل يصير مستحبا لأجل طرد عنوان البلوغ وأيضا لا يكون مفادها إسقاط شرائط حجية الخبر من العدالة والوثاقة في المستحبات.

ثمّ إن البلوغ حيث كان أعم من البلوغ المعتبر فلا وجه لما ذهب اليه بعض من أنه لا يشمل الخبر الضعيف.

الأمر الرابع :

إن مفاد أخبار من بلغ هو تفضل الثواب على من أتى بالعمل بداعي الثواب ورجائه كما يشهد له التفرع على بلوغ الثواب في مثل قوله عليه‌السلام من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه أو نعمله كان له أجر ذلك وعليه فلا يترتب الثواب على ما إذا أتى بالعمل لغرض آخر.

الأمر الخامس :

إن المحكي عن الشهيد الثاني قدس‌سره أن الأكثر ذهبوا إلى التسامح في أدلة السنن والآداب والفضائل والمواعظ وأشباهها والمحكي عن الشيخ الأعظم قدس‌سره أنه ذهب إليه نظرا إلى أن العمل بكل شيء على حسب ذلك الشيء والعمل بالخبر الوارد في الفضائل نشرها والوارد في المصائب ذكرها للإبكاء قائلا بأن العقل يحكم بحسن العمل مع الأمن من حضرة الكذب وأن عموم النقل كما في النبوى ورواية الإقبال يقتضي استحبابه.

٦٥٨

أورد عليه بأن التقابل بين الكذب المخبري والصدق المخبري بالعدم والملكة لأن الكذب المخبري هو القول الذي لا يعتقد بموافقته مع الواقع بخلاف الصدق المخبري فإنه القول الذي يعتقد بموافقته وعليه فالكذب المخبري قول بغير علم ويندرجه الحكاية عنه في الكذب القبيح عقلا والمحرم شرعا ولا يختصّ قبح الكذب عقلا بصورة الإضرار كما لا اختصاص شرعا بذاك وعليه فنشر الفضيلة التى لا حجة عليها أو ذكر المصيبة التى لا حجة عليها قبيح عقلا ومحرم شرعا فكيف يمكن أن يعمها أخبار من بلغ.

أجيب عنه بأن نشر الفضيلة أو ذكر المصيبة يخرج عن الكذب بعد ورود أخبار من بلغ للترغيب إلى النشر أو الذكر فمن أخبر بالفضيلة أو المصيبة أخبر بحجة شرعية وهي أخبار من بلغ والإخبار بالحجة الشرعية لا يكون كذبا هذا مضافا إلى أن قبح الكذب وحرمته اقتضائى ولذا يجوز بعروض مصلحة من المصالح المهمة وعليه فلا مانع من أن يرفع اليه من قبح الكذب بسبب مصلحة أقوى من مفسدة الكذب.

على أن نشر الفضلية أو ذكر المصيبة بعنوان احتمال الصدور أو الوقوع لا يكون كذبا أصلا كما لا يخفى.

الأمر السادس :

إنّ بعض الأعلام قال لا نضايق عن ترتب الثواب في كل مورد صدق فيه بلوغ الثواب سواء كان ذلك بفتوى فقيه باستحباب شيء أو بنقل رواية في ترتب الثواب على عمل كما لا فرق بين الدلالة المطابقة وبين الدلالة الالتزامية.

ولقائل أن يقول إنّ أحاديث من بلغ منصرفة عن الإخبار بالحدسيات والفتاوى من الحدسيات دون الحسيات والروايات وعليه فلا تشمل الفتاوى.

الأمر السابع :

أن أخبار من بلغ هل يشمل ما بلغ فيه الثواب الذى قامت الحجة على حرمته أو لا تشمل.

يمكن القول بانصراف أخبار من بلغ عن مورد قيام الحجة على حرمته هذا مضافا إلى

٦٥٩

معارضة الدلالة الالتزامية في إثبات الثواب مع الدلالة الالتزامية في إثبات العقاب ومع المعارضة لا دليل على ترتب الثواب.

الأمر الثامن :

إن الكراهة هل تكون ملحقة بالاستحباب في جواز التسامح في أدلتها أو لا ذهب المشهور إلى الأول وهو يتوقف على أحد أمور اما تنقيح المناط بدعوى أن المناط في التسامح في المستحبات هو عدم كونها إلزامية وهذا المناط موجود في المكروهات وهو كما ترى أو بدعوى أن المناط في التسامح هو الترغيب نحو تحصيل الثواب من دون خصوصية فيما يثاب عليه.

وهو محل تأمل لعدم القطع بالمناط

واما دعوى أنّ ترك المكروه مستحب فقد بلغ استحباب الترك بالالتزام وهذا خلاف التحقيق لأن كل حكم تكليفي لا ينحل إلى حكمين فعلا وتركا واما دعوى أنّ ترك المكروه إطاعة للنهي التنزيهي وهو ممّا يثاب عليه وهو لا يساعد أخبار من بلغ بظهورها في الوجوديات ولا تشمل التروك والعدميات اللهمّ إلّا أن يكتفي فيه بقول المشهور.

الأمر التاسع :

إنه قد يقال لا فرق بين القول بدلالة أخبار من بلغ على استحباب ذات العمل وعدمها لترتب الثواب على العمل في الصورتين فلا فائدة في البحث عن استحباب ذات العمل وعدمه.

ذكروا في الجواب عن هذا المقال فوائد للبحث منها أنه يجوز المسح ببلّة المسترسل من اللحية لو دل الدليل الضعيف على استحباب غسله في الوضوء بناء ثبوت الاستحباب الشرعى لذات العمل بأخبار من بلغ.

ولا يجوز ذلك بناء على عدم ثبوت الاستحباب الشرعي والوجه فيه عدم إحراز كون لحية المسترسل من أجزاء الوضوء.

أورد عليه بأن غسل المسترسل حيث كان مستحبا مستقلا في واجب أو مستحب

٦٦٠