عمدة الأصول - ج ٣

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

١
٢

٣
٤

مقصد الأوّل

في الأوامر

الفصل الخامس : في أنّ الأمر بالشيء

هل يستلزم النهي عن ضدّه أو لا؟

ويقع الكلام في امور :

الأمر الأوّل : في أنّ هذه المسألة هل تكون من المسائل الاصوليّة أو الفقهيّة أو المبادئ الأحكاميّة.

ذهب بعض إلى أنّها فقهيّة بدعوى أنّ البحث فيها عن ثبوت الحرمة لضدّ الواجب وعدم ثبوت الحرمة ، وهو بحث فقهيّ لا اصوليّ.

ولكن يرد عليه أنّ البحث فيها عن ثبوت الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه وعدمها ، ولا صلة للبحث عن وجود الملازمة وعدمها بالبحث عن أفعال المكلّف وعوارضه حتّى تكون المسألة مسألة فقهيّة. هذا مضافا إلى أنّ المباحث الفقهيّة ينظر ما فيها لا ما بها ، لأنّ نتيجة البحث في المسألة الاصوليّة تقع في طريق الاستنباط أو تصير مرجعا للمجتهد عند اليأس عن الدليل الاجتهاديّ ، هذا بخلاف نتائج الفقهيّة فإنّها نفس الحكم ولا تقع في طريق الاستنباط.

وذهب بعض إلى أنّ هذه المسألة من مبادئ الأحكام بدعوى أنّ القدماء من الأصحاب كانوا يذكرون في كتبهم الاصوليّة نبذا من المبادئ اللّغويّة ونبذا من

٥

المبادئ العقليّة ، كالبحث عن الحسن والقبح ونبذا من المبادئ الأحكاميّة ، والمراد منها هي المسائل التي تكون محمولاتها من عوارض الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة كتضادّ الأحكام وملازمة بعضها لبعض. ولذلك قال في نهاية الاصول بعد اختيار كون المسألة من مبادئ الأحكام : حيث إنّ الموضوع في علم الاصول عبارة عمّا هو الحجّة على الأحكام الشرعيّة ، احتاج الاصوليّ من جهة زيادة البصيرة إلى البحث عن أقسام الأحكام الشرعيّة والبحث عن لوازمها وملازماتها وملزوماتها (١).

فالبحث عن مبادئ الأحكام لازدياد البصيرة بالنسبة إلى الأحكام ، ولكن يرد عليه أنّ المسألة بعد صلاحيّتها لكونها معنونة بجهتين توجب كلّ واحدة منهما تعنونها بعنوان مستقلّ ، فإدراجها في مبادئ الأحكام بجهة لا يضرّ بكونها من المسائل الاصوليّة أيضا بجهة اخرى.

فمن حيث كون الملازمة بين طلب أحد الضدّين وطلب ترك الآخر من عوارض وجوب أحد الضدّين يمكن إدراجها في مبادئ الأحكام ، لأنّ البحث فيها عن عوارض طلب أحد الضدّين. ومن حيث أنّ نتيجة البحث عن الملازمة تقع في طريق الاستنباط يصلح أن تدرج في المسائل الاصوليّة.

وكيف كان ، فالمسألة ذات جهتين ، فلا ينافي إدراجها من جهة في مبادئ الأحكام إدراجها في المسائل الاصوليّة باعتبار جهة اخرى.

وما ذكرناه في الجواب اولى ممّا في المحاضرات من أنّ المبادئ لا تخلو من التصوّريّة والتصديقيّة ولا ثالث لهما ، والمبادئ التصوّريّة هي لحاظ ذات الموضوع أو المحمول وذاتيّاته ، والبحث عن مسألة الضدّ لا يرجع إلى ذلك. والمبادئ التصديقيّة هي المقدّمة التي يتوقّف عليها تشكيل القياس ، ومنها المسائل الاصوليّة ، فإنّها مبادئ

__________________

(١) نهاية الاصول : ١ / ٢٠٦.

٦

تصديقيّة بالإضافة إلى المسائل الفقهيّة لوقوعها في كبرى قياساتها ولا تعقل المبادئ الأحكاميّة في مقابل المبادئ التصوّريّة والتصديقيّة (١).

لما عرفت من أنّ مسألة الملازمة مع كونها من المبادئ التصديقيّة ذات جهتين ، فلا مانع من إدراجها من جهة في مبادئ الأحكام كما عرفت. وعليه ، فدعوى عدم معقوليّة صلاحيّتها لكونها من المبادئ الأحكاميّة من جهة اخرى كما ترى.

وكيف كان ، فلا مانع من كون البحث عن وجود الملازمة بين طلب أحد الضدّين وطلب ترك الضدّ الآخر من المسائل الاصوليّة لقابليّتها لأن تقع في طريق الاستنباط.

ربّما يقال : لا يترتّب أثر شرعيّ على نفس ثبوت الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه لتكون المسألة اصوليّة ، إذ المسألة الاصوليّة هي التي تكون واسطة في إثبات المحمولات الشرعيّة بالنسبة إلى موضوعاتها ، من دون حاجة إلى ضمّ كبرى اصوليّة اخرى ، وليس لنفس المسألة حكم شرعيّ.

وأمّا حرمة الضدّ فهي وإن ثبتت من ناحية ثبوت تلك الملازمة إلّا أنّها حرمة غيريّة ، فلا تصلح لأن تكون ثمرة للمسألة الاصوليّة إلّا إذا ثبتت الملازمة بين النهي الغيريّ والفساد الشرعيّ ، كما يستلزم النهي النفسيّ له ، وهو أوّل الكلام.

وأجاب عنه في المحاضرات بأنّه يكفي لكون المسألة اصوليّة ترتّب بنتيجة فقهيّة على أحد طرفيها وإن لم يترتّب على طرفها الآخر ، وإلّا لزم خروج كثير من المسائل الاصوليّة عن علم الاصول ، حتّى مسألة حجّيّة خبر الواحد فإنّه على القول بعدم حجّيّته لا يترتّب عليها أثر شرعيّ أصلا.

ومسألتنا هذه تكون كذلك ، فإنّه تترتّب عليها نتيجة فقهيّة على القول بعدم

__________________

(١) المحاضرات : / ٦١٣.

٧

ثبوت الملازمة ، وهي صحّة الضدّ العباديّ.

وأمّا الحكم بفساده على القول الآخر فهو يتوقّف على استلزام النهي الغيريّ للفساد ، كما يستلزم النهي النفسيّ (١).

وعليه ، يستكشف صحة الضدّ العباديّ من ناحية عدم ثبوت الملازمة بجعله في طريق الاستنباط ، كما يستكشف الحكم الشرعيّ من ناحية ثبوت حجّيّة الخبر بجعلها في طريق الاستنباط.

الأمر الثاني : في أنّ هذه المسألة الاصوليّة هل تكون من المسائل العقليّة أو اللّفظيّة؟

والذي ينبغي أن يقال : هو الأولى ، وإن ذهب بعض إلى الثانية ، وذلك لأنّ البحث لا يختصّ بصورة ثبوت الأمر بلفظ ونحوه. هذا مضافا إلى أنّ الفرض من الاستلزام ليس إلّا في عالم الثبوت والواقع ، والحاكم بالملازمة ليس إلّا العقل ولا صلة بدلالة اللّفظ أبدا.

وعليه ، فجعل البحث لفظيّا غير وجيه ولا حاجة إلى تعميم العنوان حتّى يشمل سائر الأقوال المبتنية على اللفظ بعد كونها واضحة البطلان ، إذ لا معنى للدلالة المطابقيّة في الضدّ الخاصّ ، وإن أمكن تصويره في الضدّ العامّ بأن يقال إنّ الأمر بالشيء طلب لترك تركه مع أنّه لا موجب لتعلّق الإرادة بشيء واحد مرّتين وهكذا لا معنى للدلالة التضمّنيّة مع كون المفروض أنّ الوجوب بسيط وليس مركّبا من طلب الشيء والمنع من الترك ، وأيضا لا دلالة بالدلالة الالتزاميّة للأمر بالشيء على حرمة ضدّه ، لأنّ الشرط في الدلالة الالتزاميّة هو أن يكون اللازم بيّنا بالمعنى الأخصّ ، وهو

__________________

(١) المحاضرات ٣ : ٧.

٨

غير حاصل لإمكان الغفلة حين وجوب شيء عن حرمة ضدّه ، هذا مضافا إلى أنّ محلّ البحث لا يختصّ بالطلب المستفاد من الألفاظ.

وكيف كان ، فذكر هذه المسألة في مباحث الألفاظ مع كونها من المسائل العقليّة لعلّه لعدم إفراد باب في الاصول للمسائل العقليّة ، وتناسب هذا البحث بباب الألفاظ من جهة غلبة كون الواجبات مفاد الأوامر اللفظيّة.

الأمر الثالث : أنّ المراد من الضدّ في المقام ليس الضدّ المنطقيّ حتّى يختصّ بالضدّ الوجوديّ فإنّ الضدّين هناك هما أمران وجوديّان لا يجتمعان في محلّ واحد.

بل المراد من الضدّ هنا هو الضدّ الاصوليّ ، وهو مطلق ما يعاند الشيء وينافيه ولو كان أمرا عدميّا كنقيض الشيء ، أعني عدمه. وبهذه المناسبة يطلق على ترك كلّ ضدّ كالصلاة والإزالة في وقت واحد ضدّ عامّ مع أنّه نقيضهما ، وإنّما سمّي عامّا لملاءمة ترك كلّ ضدّ مع اجتماعه مع واحد من الأضداد الخاصّة ، فترك الإزالة مثلا يلائم ويجتمع مع الصلاة والأكل والشرب وسائر الأفعال ، بل السكنات ، وهكذا ترك الصلاة يجتمع مع الإزالة وسائر الأفعال والسكنات : كما أنّ الضدّ الخاصّ هو الذي لا يلائم ولا يجتمع مع غيره من الأضداد الوجوديّة أو عليه ، فالضدّ الاصوليّ الذي هو مطلق ما يعاند الشيء على قسمين : الضدّ العامّ ، والضدّ الخاصّ ؛ ودعوى الاستلزام تجري في كلّ واحد منهما.

الأمر الرابع : أنّ محلّ النزاع ليس في الواجبين الموسّعين.

إذ لا مزاحمة بينهما ، كما أنّه ليس في الواجبين المضيّقين الذين لا أهمّ بينهما ، إذ من المعلوم أنّ الحكم فيهما هو التخيير ، فالنزاع فيما إذا كان أحدهما موسّعا والآخر مضيّقا ،

٩

أو كانا مضيّقين وكان أحدهما أهمّ من الآخر.

الأمر الخامس : في استدلال القوم على استلزام طلب الشيء والأمر به للنهي عن ضدّه :

ويقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : في الضدّ الخاصّ ، وقد استدلّوا عليه بوجوه.

الوجه الأوّل : أنّ ترك الضدّ الخاصّ مقدّمة للضدّ الآخر ، وحيث إنّ مقدّمة الواجب واجب فترك الضدّ الخاصّ واجب ، فإذا كان ترك الضدّ واجبا كان فعله محرّما وهو المطلوب ، إذ نتيجة القياس هي أنّ الأمر بالشيء أو إرادته يستلزم النهي عن ضدّه.

وهذا الاستدلال مركّب من امور :

أحدها مقدّميّة ترك الضدّ ، وثانيها وجوب المقدّمة ، وثالثها استلزام الأمر بترك الضدّ لحرمة نفس الضدّ.

أمّا المقدّمة الاولى : فلأنّ الضدّين متمانعان ، ومعنى المخالفة أنّ وجود كلّ واحد مانع لوجود الآخر. وعليه ، يتوقّف وجود كلّ ضدّ على عدم وجود الضدّ الآخر ؛ ومن المعلوم أنّ عدم المانع من مقدّمات الوجود ، كما أنّ الشروط والمقتضي من مقدّماته ، ومقتضى تقدّم أجزاء العلّة وتأثيرها في وجود المعلول هو تقدّم عدم المانع وتأثيره في وجود الضدّ. وعليه ، فعدم الضدّ الّذي هو عدم المانع من مقدّمات وجود الضدّ للآخر ومؤثّر فيه.

وأمّا المقدّمة الثانية : فقد تقدّم في مسألة مقدّمة الواجب دعوى الملازمة بين إرادة ذي المقدّمة وإرادة مقدّماته شرعا.

وأمّا المقدّمة الثالثة : بدعوى أنّ نفس تصوّر الوجوب والإلزام يكفي في تصوّر

١٠

النهي عن الترك والحرمة ، أو بدعوى أنّ إرادة تشريعيّة بشيء كعدم الضدّ التي عبّر عنها بالوجوب مستلزمة لكراهة فعل الضدّ مع الالتفات إليه.

هذا غاية ما يمكن في تقريب الاستدلال ، ولكن اورد على المقدّمة الاولى إشكالات :

منها ما ذكر سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره من أنّ عدم المانع أمر عدميّ لا يمكن أن يكون مؤثّرا في شيء ، إذ لا حظّ له من الوجود حتّى به يؤثّر ، فلا يمكن أن يكون العدم من مقدّمات وجود الضدّ الآخر ، إذ لا يكون العدم منشأ للأثر والمقدّمة الوجوديّة مؤثّرة في وجود ذيها. وعليه ، فلا يكون عدم الضدّ واجبا بالوجوب المقدّميّ حتّى يكون نفس الضدّ محرّما.

ومما ذكر يظهر أنّ عدّ عدم المانع من أجزاء العلّة مسامحة جدّا ، إذ العدم لا يؤثّر في شيء ، بل معناه يؤول إلى أنّ مقتضى وجود المانع يزاحم تأثير مقتضى الوجود في الضدّ الآخر ، مثل الرطوبة تزاحم تأثير مقتضى الإحراق وهو النار. وعليه ، يكون التزاحم في الواقع بين المقتضيين كتزاحم الرطوبة مع تزاحم النار.

وما قرع سمعك من أنّ تأثير المقتضى يتوقّف على عدم المانع ، ليس معناه أنّ عدم المانع مؤثّر ، بل معناه أنّ مع وجود مقتضي وجود المانع وغلبته لا يؤثّر مقتضي الوجود في الضدّ الآخر ، فعبّروا عن مزاحمة المقتضيات والتمانع بين الوجودات بأنّ عدم المانع من أجزاء العلّة ، فالعدم لا يتّصف بالجزئيّة ولا يصير علّة ولا جزءها ، كما لا يخفى.

ولقد أفاد وأجاد سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره حيث قال : إنّ التوقّف مطلقا باطل فيهما ، لأنّ العدم ليس بشيء بل باطل محض ، فلا يمكن أن يكون دخيلا في تحقّق شيء أو متأثّرا من شيء ، فما لا شيئيّة له يسلب عنه بالسلب التحصيليّ جميع الامور الثبوتيّة ، ولا شكّ في أنّ التوقّف من طرف الموقوف والموقوف عليه ثبوتيّ ، وثبوته له

١١

فرع ثبوت المثبت له ، بل ثبوت كلّ شيء لشيء فرع ثبوته ، فما لا شيئيّة له لا تقدّم له ولا تأخّر ولا مقارنة ، فكلّ الحيثيّات مسلوبة عنه سلبا تحصيليّا ، لا بمعنى سلب شيء عن شيء ، بل السلب عنه من قبيل الإخبار عن المعدوم المطلق بأنّه لا يخبر عنه لأجل التوسّل بالعناوين المتحصّلة في الذهن.

وما في بعض التعليقات من أنّ عدم الضدّ من مصحّحات قابليّة المحلّ لقبول الضدّ لعدم قابليّة الأبيض للسواد ولا الأسود للبياض وأنّ القابليّات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملكات وإن كان لا مطابق لها في الخارج لكنّها من الامور الانتزاعيّة وحيثيّات وشئون لامور خارجيّة وثبوت شيء لشيء لا يقتضي أزيد من ثبوت المثبت له بنحو يناسب ثبوت الثابت.

فيه ما لا يخفى ، لأنّ قابليّة المحلّ من شئونه في وجوده من غير دخالة عدم شيء فيها ، فالجسم قابل للسواد كان موصوفا بالبياض أو لا ، ولا يتوقّف قابليّته له على عدمه وعدم قبوله في حال اتّصافه به لأجل التمانع بين الوجودين لا لتوقّف القابليّة على عدم الضدّ ، ضرورة أنّ العدم واللاشيء لا يمكن أن يكون مؤثّرا في تصحيح القابليّة بل لا يكون شأن الامور الخارجيّة ولا منتزعا منها ، فما اشتهر بينهم من أنّ للأعدام المضافة حظّا من الوجود كلام مسامحيّ ، لأنّ العدم لا يمكن أن يكون مضافا ولا مضافا إليه ، والإضافة بينه وبين الوجود إنّما هي في ظرف الذهن بين عنوان العدم والوجود لا بين العدم حقيقة والوجود ـ إلى أن قال : ـ وما في كلام المحشّي المحقّق من التسوية بين القابليّات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملكات لم يقع في محلّه ، كيف والقابليّات والاستعدادات بل والإضافات لها نحو وجود بخلاف أعدام الملكات فإنّ لملكاتها نحو تحقّق لا لحيثيّة الأعدام (١).

__________________

(١) مناهج الوصول : ٢ / ١٤ ـ ١٥.

١٢

ولقد أفاد وأجاد رحمه‌الله وحشره مع الأبرار ، ومقتضى ما ذكر عدم صحّة توصيف العدم بالمقدّميّة كما لا يتّصف بالجزئيّة ونحوها. لا يقال : إنّ أعدام الملكات كعدم البصر ممّن له شأنيّة البصر لها منشأ الانتزاع الخارجيّ كالقابليّات والاستعدادات. لأنّا نقول : ليس في الخارج إلّا الوجود بناء على أصالة الوجود ، فلا منشأ لانتزاع العدم. نعم ، قصور الوجود مع قابليّته لشيء يكون منشأ لانتزاع أعدام الملكات ، ولكن غير خفيّ أنّ القصور ليس عدميّا.

ومنها ما أفاده صاحب الكفاية قدس‌سره ، وحاصله كما في تعليقة المحقّق الأصفهانيّ أنّه لا تقدّم ولا تأخّر بين الضدّين بما هما ضدّان ، فنقيض أحدهما وهو العدم البديل للوجود أيضا لا تقدّم له على وجود الآخر ، وهذا معنى كونهما في مرتبة واحدة ، انتهى.

وتوضيح ذلك كما في المحاضرات أنّ المنافرة والمعاندة بين الضدّين كما تقتضي استحالة اجتماعهما في التحقيق والوجود في زمن واحد كذلك تقتضي استحالة اجتماعهما في مرتبة واحدة ، فإذا استحال اجتماعهما في مرتبة واحدة كان عدم أحدهما في تلك المرتبة ضروريّا وإلّا فلا بدّ أن يكون وجوده فيها كذلك لاستحالة ارتفاع النقيضين عن الرتبة ؛ مثلا البياض والسواد متضادّان ، وقضيّة مضادّة. أحدهما مع الآخر ومعاندتهما استحالة اجتماعهما في الوجود في موضوع وفي آن واحد أو رتبة واحدة ، فكما أنّ استحالة اجتماعهما في زمان واحد تستلزم ضرورة عدم أحدهما في ذلك الزمان كذلك استحالة اجتماعهما في رتبة واحدة تستلزم ضرورة عدم واحد منهما في تلك الرتبة لاستحالة ارتفاع النقيضين عن المرتبة أيضا ، بأن لا يكون وجوده في تلك المرتبة ولا عدمه ، وإذا استحال تحقّقهما في مرتبة فلا محالة يكون عدم أحدهما في تلك المرتبة واجبا مثلا عدم البياض في مرتبة وجود السواد وكذلك عدم السواد في مرتبة وجود البياض ضروريّ ، كيف ولو لم يكن عدم البياض في تلك المرتبة يلزم أحد

١٣

محذورين (١).

وعليه ، فلا تقدّم لعدم أحدهما على وجود الآخر ؛ فإذا لم يكن تقدّم لعدم البديل بالنسبة إلى وجود الضدّ الآخر فلا يكون عدم الضدّ من المقدّمات حتّى يندرج في وجوب المقدّمات وينتهي وجوب عدم الضدّ إلى النهي عن الضدّ.

اورد عليه أوّلا : بأنّ العدم البديل لا يقتضي أن يكون في رتبة الوجود ، إذ المسلّم من الوحدات المعتبرة في التناقض هي الوحدات الثمانية وهذه ليست منها.

وعليه فنقيض كلّ شيء رفعه ؛ فالبياض في مرتبة سواد الشيء نقيضه رفعه ، وهو عدم البياض الذي في مرتبة سواد الشيء ، على أن يكون قيد المرتبة قيدا للبياض الذي هو مسلوب لا للسلب وهو العدم ، فلا وجه لتخصيص العدم بمرتبة وجود الضدّ الآخر.

وثانيا : أنّ كلّ ما هو متّحد مع المتقدّم في الرتبة أو المقارن فيها أو مع المتأخّر فيها لا يلزم أن يكون نقيضه أيضا كذلك لأنّ صرف كون عدم الضدّ بديلا لعين الضدّ لا يقتضي أن يكون في رتبته ، بل يجوز أن يتقدّم عليه أو يتأخّر عنه. طبعا بشهادة أنّ الشرط وجوده متقدّم بالطبع على وجود مشروطه ، ولا تقدّم لعدمه على وجود الشروط بالطبع ، وهكذا العلّة متقدّمة على وجود المعلول رتبة ، وما هو متّحد معها في الرتبة ـ أعني العدم البديل لها ـ لا يكون متقدّما على وجود المعلول.

وأيضا المعلول متأخّر عن العلّة رتبة ، وما هو متّحد معه وهو عدم البديل له لا يكون متأخّرا عن العلّة الموجودة ، مع أنّ عدم المعلول يكون في مرتبة وجود المعلول ، وهكذا يكون للمعلولين لعلّة واحدة المعيّة في المرتبة ، ومع ذلك لا يكون لنقيض أحدهما المعيّة مع الآخر.

__________________

(١) المحاضرات : ٣ / ٢٠.

١٤

والسرّ في ذلك أنّ التقدّم والتأخّر بالرتبة والطبع لا يكونان جزافا ، بل يحتاج إلى الملاك ، وهو تارة يختصّ بوجود الشيء فلا يمكن الالتزام بهما في عدمه.

مثلا تقدّم العلّة على المعلول بملاك أنّ العلّة ما منه الوجود ، بخلاف عدم العلّة فإنّه لا أثر له حتّى يكون له تقدّم رتبيّ. وهكذا يكون تقدّم الشرط على المشروط بملاك توقّف وجود المشروط على وجود الشرط ، وليس هذا الملاك في عدم الشرط. وقس على هذا بقيّة الموارد. وكما أنّ التقدّم أو التأخّر لا يكون إلّا بملاك يقتضيه فكذلك المعيّة لا تكون إلّا بملاك يقتضيها ، ولعلّه هو تقارن صدور المعلولين من علّة تامّة من جهة اجتماع شرائط التماميّة والقابليّة ، وليس هذا الملاك لنقيض أحدهما مع الآخر. هذا كلّه بالنسبة إلى المتّحد الرتبيّ.

وأمّا المتّحد الزمانيّ فكلّ ما هو متّحد مع التقدّم في الزمان كعدم البديل فهو متقدّم على المتأخّر لوجود الملاك فيه أيضا ، وهو كونه في الزمان المتقدّم ، وكلّ ما هو متّحد مع المتأخّر في الزمان فهو متأخّر أيضا بعين الملاك ، وهو كونه في الزمان المتأخّر ، لأنّ نقيض المتقدّم زمانا إذا فرض قيامه مقامه فلا بدّ أن يكون متقدّما بالزمان ، كما أنّ نقيض المتأخّر زمانا إذا فرض قيامه مقامه فلا بدّ أن يكون متأخّرا بالزمان.

وبالجملة ، فلا ملازمة بين انتفاء التقدّم في وجود الضدّين وبين انتفائه في نقيضهما ، بل هو تابع لوجود الملاك وعدمه.

وعليه فمع عدم الملازمة لا يثبت عدم التقدّم لنقيض أحد الضدّين بالنسبة إلى الآخر ، فلا يصلح هذا الجواب لردّ من جعل نقيض كلّ واحد من الضدّين مقدّمة لوجود الضدّ الآخر ، اللهم إلّا إذا قلنا كما مرّ آنفا ، بأنّ العدم ليس فيه تقدّم ولا تأخّر ولا مقارنة ولا معيّة ، لأنّ هذه الامور من خواصّ الوجود ، ولا ملاك لهذه الامور في الأعدام ، فلا وجه لجعل عدم كلّ واحد مقدّمة لضدّ الآخر.

١٥

ولكن ذهب المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره إلى أنّ ملاك التقدّم في عدم الضدّ موجود وهو التقدّم بالطبع ، حيث قال : ملاك التقدّم بالعلّيّة أن لا يكون للمعلول وجوب الوجود إلّا وللعلّة وجوبه ، وملاك التقدّم بالطبع أن لا يكون للمتأخّر وجود إلّا وللمتقدّم وجود ، ولا عكس ، فإنّه يمكن أن يكون للمتقدّم وجود وليس للمتأخّر وجود ، كالواحد والكثير ، فإنّه لا يمكن أن يكون للكثير وجود إلّا والواحد موجود ، ويمكن أن يكون الواحد موجودا والكثير غير موجود ، فما فيه التقدّم هنا هو الوجود وفي التقدّم بالعلّيّة وجوب الوجود.

ومنشأ التقدّم الطبعيّ تارة يكون المتقدّم من علل قوام المتأخّر كالجزء والكلّ والواحد والاثنين فيسري إلى الوجود ، فيكون التقدّم في مرتبة التقدّم الماهويّ تقدّما بالماهيّة والتجوهر ، وفي مرتبة الوجود تقدّما بالطبع ، واخرى كون المتقدّم مؤثّرا فيتقوّم بوجوده الأثر كالمقتضي بالإضافة إلى المقتضي ، وثالثه كون المتقدّم مصحّحا لفاعليّة الفاعل أو متمّما لقابليّة القابل كالشروط الوجوديّة والعدميّة ، فكما أنّ الوضع والمحاذات مصحّح لفاعليّة النار في الإحراق مثلا كذلك خلوّ المحلّ عن الرطوبة متمّم لقابليّة المحلّ للاحتراق. وهكذا الأمر في السواد والبياض ، فإنّ خلوّ الموضوع عن السواد متمّم لقابليّة الموضوع لعروض البياض ، لعدم قابليّة الجسم الأبيض للسواد والأسود للبياض ـ إلى أن قال ـ : واتّضح ممّا ذكرنا في تحديد ملاك التقدّم بالطبع أنّ الصلاة والإزالة لهما التقدّم والتأخّر بالطبع ، فإنّه لا وجود للإزالة مثلا وإلّا فالصلاة غير موجودة ، وكذا الصلاة بالإضافة إلى ترك الإزالة ـ إلى أن قال ـ : وأمّا ما يقال من أنّ العدم لا ذات له ، فيكف يعقل أن يكون شرطا؟! لأنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، فمدفوع بأنّ القابليّات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملكات كلّها لا مطابق لها في الخارج بل شئون وحيثيّات انتزاعيّة لامور موجودة ؛ فعدم البياض في الموضوع الذي هو من أعدام الملكات كقابليّة الموضوع من الحيثيّات

١٦

الانتزاعيّة منه ، فكون الموضوع بحيث لا بياض له هو بحيث يكون قابلا لعروض السواد ، فمتمّم القابليّة كنفس القابليّة حيثيّة انتزاعيّة ، وثبوت شيء لشيء لا يقتضي أزيد من ثبوت المثبت له بنحو يناسب ثبوت الثابت (١).

وفيه ما تقدّم من سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره من أنّ قابليّة المحلّ من شئونه في وجوده ولا دخالة للعدم فيها ، فالجسم قابل للسواد كان موصوفا بالبياض أوّلا ، ولا يتوقّف قابليّته له على عدمه وعدم قبوله للسواد في حال اتّصافه بالبياض لأجل التمانع بين الوجودين ، لا لتوقّف القابليّة على عدم الضدّ ، ضرورة أنّ العدم واللّاشيء لا يمكن أن يكون مؤثّرا في تصحيح القابليّة ، بل لا يكون شأن الامور الخارجيّة ولا منتزعا منها. إلخ ، فراجع.

فتحصّل أنّ عدم النقيض أو الضدّ في عين عدم اختصاصه بمرتبة النقيض أو الضدّ لا تقدّم له من أنواع التقدّم ، فلا وجه لتعلّق الوجوب المقدّميّ إليه بعد عدم اتّصافه بالتقدّم والمقدّميّة.

ومنها ما أفاده في الكفاية أيضا من استحالة كون عدم أحد الضدّين مقدّمة وجوديّة للضدّ الآخر للزوم الدور ، إذ التمانع بينهما لو كان موجبا لتوقّف وجود كلّ منهما على عدم الآخر ، من باب توقّف المعلول على عدم مانعة ، لاقتضى ذلك توقّف عدم كلّ منهما على وجود الضدّ الآخر ، من باب توقّف عدم الشيء على وجود مانعة ، فيلزم حينئذ توقّف وجود كلّ منهما على عدم الآخر وتوقّف عدم كلّ منهما على وجود الآخر ، وهو دور محال.

واجيب عنه بأنّ توقّف وجود أحد الضدّين على عدم الآخر فعليّ ، لأنّ الشيء ما لم يوجب لم يوجد ، فوجود أحد الضدّين حاك عن اجتماع مقتضيه مع الشرائط

__________________

(١) نهاية الدراية : ٢ / ٥ ـ ٣.

١٧

وعدم المانع ، وأمّا توقّف عدم الضدّ على وجود الآخر فهو شأنيّ لا فعليّ ، فلا دور مع وجود التوقّف الفعليّ من طرف دون طرف آخر.

والوجه في عدم توقّف عدم الضدّ على وجود الآخر فعلا أنّ عدمه يستند إلى عدم المقتضى له ، لا إلى وجود المانع في طرف تحقّق المقتضي مع بقيّة الشرائط ليكون توقّفه عليه فعليّا ، بل يستحيل تحقّق المقتضي له أصلا لأجل أن يكون وقوع أحد الضدّين في الخارج وعدم وقوع الآخر فيه منتهيا إلى تعلّق الإرادة الأزليّة بالأوّل وعدم تعلّقها بالثاني فلا مقتضي للثاني ، إذ المفروض أنّ الحكمين المتضادّين ينتهيان إليه تعالى.

وعليه فيكون وجود أحدهما مرادا له تعالى ، والآخر ـ وهو عدم الضدّ ـ مستند إلى عدم إرادته تعالى لا إلى وجود المانع ، وفرض انتهاء الإرادة إلى شخصين وكون كلّ منهما مريدا بحيث يكون عدم أحد الضدّين مستندا إلى وجود المانع لا إلى عدم المقتضي غير سديد ، من جهة أنّ الأحكام لا تكون منتهية إلى الشخصين ، بل منتهية إلى الله تعالى. هذا مضافا إلى أنّ عدم أحد الضدّين في فرض تعدّد المريد مستند إلى قصور المقتضي ومغلوبيّته لا إلى وجود الضدّ الآخر مع تماميّة المقتضي ، وذلك لأنّ الإرادة الضعيفة مع مزاحمتها بالإرادة القويّة لا تكون مؤثّرة في وجود المراد ، ومع عدم تأثيرها في وجوده لا مقتضي له ، ومع عدم المقتضي المؤثّر يكون عدم الضدّ مستندا إلى عدم المقتضي لا إلى المانع مع تماميّة المقتضي ، فلا يلزم الدور. نعم لو تمّ المقتضي من جميع الجهات كان عدم الضدّ مستندا إلى وجود الضدّ الآخر.

أجاب صاحب الكفاية عن هذا بأنّه وإن كان صحيحا من جهة ارتفاع الدور به لعدم التوقّف الفعليّ من طرفين ، ولكن لا يرفع ملاك الدور وهو تقدّم الشيء على نفسه ، إذ مقتضى توقّف وجود الضدّ على عدم الضدّ الآخر هو تقدّم عدم الضدّ على وجود الضدّ من جهة المرتبة ، لكون عدم الضدّ من أجزاء علّة وجوده ، والمفروض أنّ

١٨

علّة الشيء متقدّمة عليه رتبة وإن كانت مقارنة له زمانا ، فلو كان عدم الضدّ متوقّفا شأنا مع هذه الخصوصيّة على وجود الضدّ الآخر المتوقّف عليه كان مقتضاه هو تأخّر عدم الضدّ عن وجود الضدّ الآخر المتوقّف عليه ، وتقدّم وجود الضدّ الآخر عليه لكونه في مرتبة العلّيّة بالنسبة إلى عدم الضدّ الآخر ولو شأنا. ولازم ذلك أنّ وجود الضدّ متقدّم على عدم الضدّ الآخر المتقدّم على وجود الضدّ ، ويرجع ذلك إلى كون وجود الضدّ هو المتقدّم على المتقدّم على نفسه بواسطة ، وليس هو إلّا تقدّم الشيء على نفسه بواسطة ، وهو محال.

فتحصّل أنّ توقّف وجود الضدّ على عدم الضدّ الآخر لا يمكن لاستلزام التوقّف للمحال وهو الدور أو تقدّم الشيء على النفس.

أورد عليه سيّدنا المحقّق الداماد قدس‌سره بأنّ العدم لا يكون مشوبا بالوجود حتّى يحتاج إلى علّة ويكون صادرا عن شيء أو يكون مؤثّرا في شيء. وعليه فلا وجه لاستناد شيء إليه ، كما لا وجه لاستناده إلى وجود المانع. وما اشتهر من أنّ عدم المعلول ناش من عدم العلّة مسامحة ، لأنّ العدم ليس شيئا حتّى يحتاج إلى نشوئه عن علّة. ولعلّ مرادهم من هذه العبارة هو بيان الملازمة بين عدم العلّة وعدم المعلول ، وإنّما عبّروا بذلك من باب ضيق الخناق. وكيف كان ، فمع ما عرفت لا معنى لتوقّف وجود الضدّ على عدم الضدّ الآخر ، كما لا وجه لتوقّف عدم الضدّ الآخر على وجود المانع حتّى يلزم الدور أو ملاك الدور من التوالي الفاسدة لتوقّف الضدّ على عدم الضدّ الآخر ؛ فالأولى في الردّ على القول بمقدّميّة عدم الضدّ لضدّ الآخر هو الاكتفاء بما ذكرنا سابقا من أنّ عدم المانع أمر عدميّ لا حظّ له من الوجود حتّى به يؤثّر ، فلا يمكن أن يكون من المقدّمات الوجوديّة فدعوى وجوبه بالوجوب المقدّميّ مكابرة.

وممّا ذكر يظهر أنّه لا فرق في ذلك بين الضدّ الموجود والمعدوم ، لأنّ عدم الضدّ في كلا الفرضين لا يشوب بالوجود ولا يترتّب عليه ما يترتّب على الوجود من

١٩

التقدّم والتأخّر والعلّيّة والمعلوليّة ونحوها ، فوجود الضدّ ناش من تماميّة المقتضي وشرائطه وعدم الضدّ ملازم مع عدم تماميّة مقتضيه أو شرائطه ، فلا تغفل.

حكي عن بعض الأعلام أنّه فصّل بين الضدّ الموجود وبين الضدّ المعدوم بدعوى أنّ المحلّ إمّا أن يكون خاليا عن كلّ من الضدّين وإمّا أن يكون مشغولا بأحدهما دون الآخر ؛ فعلى الأوّل فالمحلّ قابل لكلّ منهما بما هو ، مع قطع النظر عن الآخر ، وقابليّة المحلّ لذلك فعليّة ، فلا تتوقّف على شيء ، فعندئذ إذا وجد المقتضي لأحدهما فلا محالة يكون موجودا من دون توقّفه على عدم وجود الآخر.

وعلى الثاني فالمحلّ مشغول بالضدّ لا يقبل ضدّ الآخر في عرضه ، بداهة أنّ المحلّ غير قابل بالذات لعروض كلا الضدّين معا. نعم يقبل الضدّ الآخر بدلا عنه. وعليه ، فلا محالة يتوقّف وجود الضدّ الآخر على ارتفاع الضدّ الموجود.

أجاب عنه في المحاضرات بأنّ مردّ هذا التفصيل إلى أنّ الأشياء محتاجة إلى العلّة والسبب في حدوثها لا في بقائها ، فهي في بقائها مستغنية ، وهو واضح البطلان.

بيان ذلك : أنّ الحادث إذا كان في بقائه غير محتاج إلى المؤثّر كان وجود الحادث المستغني عن العلّة مانعا عن حدوث ضدّه ، فلا محالة يتوقّف حدوث ضدّه على ارتفاعه ، وأمّا إذا كان الحادث محتاجا في بقائه إلى المؤثّر فإن لم يكن لضدّه مقتض فعدمه يستند إلى عدم مقتضيه ، وإن كان له مقتض ولم يكن شرطه متحقّقا فعدمه يستند إلى عدم شرطه ، وإن كان شرطه أيضا موجودا ومع ذلك كان معدوما فهو مستند إلى وجود مقتضي البقاء المانع من تأثير مقتضي ضدّه. إذن لا فرق بين الضدّ الموجود وغير الموجود في أنّ وجود الشيء لا يتوقّف على عدم ضدّه ، بل يتوقّف على عدم مقتضي ضدّه إذا كان مقتضي الشيء وشرطه موجودا في الخارج (١).

__________________

(١) المحاضرات : ٣ / ٣٠.

٢٠