عمدة الأصول - ج ٥

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٥

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: ولي عصر (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٨

وإلّا لزم عليه بيان خطأهم مع حضوره وشهوده عندهم وحيث لم يرشدهم على الخلاف علم تقريره بالنّسبة إلى مورد الإجماع والاتفاق كسائر موارد التقرير كما لا يخفى.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون الإجماع المذكور معلوم المدرك أو محتمله وبين أن لا يكون ولا بين أن يكون مدركهم صحيحا أو غير صحيح ولا يضرّ بهذا الاجماع أعني إجماع القدماء المتّصل بإجماع أصحاب الأئمّة اختلاف المتأخّرين أو إجماعهم على الخلاف لما عرفت من كشف هذا الإجماع عن تقرير المعصوم عليه‌السلام.

ولا إشكال فيه وإنّما الإشكال في طريق إحراز هذا الإجماع إذ لا وسيلة لنا لذلك إلّا الحدس كما إذا رأينا إجماع القدماء في قبال العامّة فحصل لنا الحدس بأنّ رأي القدماء موافق لرأي الأصحاب وهو بمشهد الإمام ومرآة ويكون موردا لتقريره.

الوجه الرّابع : هو الحدس وهو على أقسام أحدها أن يحصل لنا العلم برأي المعصوم بالحدس الضّروري الحاصل من مبادي محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه من قبيل الخطأ في الحسّ والمراد من المبادي المحسوسة من رؤية الفتاوى أو استماع الأقوال.

وثانيها أن يحصل لنا العلم برأي المعصوم بالحدس الاتفاقي من رؤية فتاوى جماعة من الفقهاء وإن لم تكن كذلك بحسب العادة.

وثالثها أن يحصل لنا العلم بذلك بالحدس من مقدّمات نظرية وعقلية كما إذا رأينا اتفاقهم في بعض المسائل الأصوليّة أو القواعد اللفظيّة وزعمنا أنّ مورد الكلام من مواردهما فيحصل لنا الحدس بأنّ بقية الأفراد أيضا كذلك مع أنّا لم نر آرائهم ولم نسمع أقوالهم.

ولا مجال للأخير بعد احتمال الخطأ في التطبيق أو احتمال وجود دليل عندهم على خلاف القواعد والأصول.

كما لا مجال للقسم الثّاني لندرة حصول العلم بدليل تامّ من رأي جماعة معدودة من العلماء فانحصر الأمر في القسم الأوّل وله تقاريب منها ما مرّ في ثالث الوجوه من أنّ إجماع القدماء إذا كان متّصلا بإجماع أصحاب الأئمّة حصل لنا العلم بتقرير المعصوم بالنّسبة إلى آرائهم.

١٢١

ولعلّ ذلك يحرز في موارد كان رأي علماء الإماميّة على خلاف العامّة ولا يرد على هذا التقريب شيء من الإشكالات الواردة على التقريب الآتي.

ومنها أنّ الإجماع المحصّل سواء كان من القدماء أو المتأخّرين يكشف عن وجود النص إذا كان مورد الإجماع مخالفا للقواعد والاصول ولم يستندوا إلى دليل إذ معه يحصل الحدس القطعي أو الاطمئناني بتلقّيهم ذلك ممّن يكون قوله حجّة عند الجميع ويكشف الإجماع عن وجود السّنة بينهم كانت نقيّة الدلالة وتامّة السّند حتّى من جهة الصّدور بحيث لو وصلت إلى المتأخرين عن المجمعين لنالوا منه ما نالوا منه ولا يلزم في هذا الإجماع الاتفاق بل يكفيه إجماع جلّ الأصحاب ويرد عليه أوّلا : أنّه لا علم بالملازمة بين إجماع العلماء على أمر وبين تلقّيهم ذلك من المعصوم بعد احتمال وجود الأدلّة العقليّة أو كون المسألة من المسائل التفريعيّة الّتي استنبطوها من الاصول والمتلقاة من الأئمّة عليهم‌السلام.

نعم لو كانت المسألة من المسائل النقلية الأصلية أمكن الحدس بأنّهم تلقوه من المعصوم عليه‌السلام ولعلّ مورد الكلام هو هذا.

وثانيا : أنّ هذه الطريقة موهونة إذ من البعيد جدّا أن يقف الكليني أو الصدوق أو الشيخ ومن بعده على رواية متقنة دالّة على المقصود ومع ذلك تركوا نقلها في كتبهم وهي صارت مكشوفة بالإجماع والاتفاق.

اللهمّ إلّا أن يقال : ربّما لم يكن مورد فتاوى القدماء هي الرّواية المسندة بل هي المرسلات المعمول بها وليس دأب أرباب الكتب نقلها في الجوامع الرّوائية فتأمّل.

وثالثا : أنّ دعوى الملازمة العادية بين الإجماع وقول المعصوم بدعوى أنّ العادة تحكم بأنّ اتفاق المرءوسين على أمر لا ينفكّ عن رأي الرئيس لا تتمّ إلّا إذا كان المرءوسون ملازمين لمحضر رئيسهم وهو غير ميسور في زمان الغيبة نعم الملازمة الاتفاقيّة بمعنى كون الاتفاق يكشف أحيانا عن قول المعصوم عليه‌السلام من باب الاتفاق ممّا لا سبيل إلى إنكارها ولكنّه لا يجدي في حجّيّة الإجماع بنحو الإطلاق.

١٢٢

ورابعا : أنّ غاية ما يقتضيه الإجماع أنّ الفقهاء حيث لا يفتون بدون المستند علم أنّهم استندوا إلى الدّليل وأمّا أنّ هذا الدّليل تامّ سندا ودلالة فلا دليل له ويمكن أن يكون الدّليل المذكور غير تامّ عندنا سندا ودلالة.

واجيب عنه بأنّ اتفاق الأصحاب مع اختلاف مشاربهم يكفي في إحراز تماميّة الدّليل من جهة الدلالة والسّند اللهمّ إلّا أن يقال : حصول الاطمئنان بذلك مشكل بعد ما رأينا من وقوع الخلاف بين المتأخّرين والمتقدّمين في مسألة منزوحات البئر.

والحاصل أنّ الإجماع المحصّل المبتنى على مباد محسوسة يكشف عن وجود النّص عند تماميّة الخصوصيّات اللّازمة للكشف المذكور وهذه التماميّة غير محرزة عندنا.

فالأولى هو العدول عن هذا التقريب إلى التقريب السّابق من الإجماع المتصل بإجماع الأصحاب حيث إنّه كان في مرأى ومسمع الإمام المعصوم فإذا لم يردع عنه الإمام كشف عن تقريره إيّاه.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون لهم مستند أو لا يكون وبين أن يكون المستند تامّ أو غير تامّ وبين أن يكون المسألة موافقة للقاعدة أو لا تكون إذ الإجماع المحصّل المذكور في هذا التقريب يكشف على جمع التقادير عن تقرير الإمام المعصوم عليه‌السلام نعم يلزم أن يكون من المسائل الأصلية لا الفرعية المستنبطة من الأصول المتلقاة من الأئمّة عليهم‌السلام ويلحق بالإجماع فهم العلماء فإنّه إذا اتصل إلى فهم الأصحاب في المسائل المذكورة يكشف عن تقرير الإمام عليه‌السلام.

الأمر الرّابع :

في الإجماع المنقول بحسب مقام الثّبوت.

واعلم أنّ الإجماع المنقول إمّا إخبار عن السّبب وهي الفتاوى فإن كان إخبار الناقل عن الحسّ كما إذا رأى أو سمع فتاويهم بواسطة المشايخ فلا إشكال في حجيّته لأنّه خبر واحد عن حسّ وهو حجّة ببناء العقلاء وإمضاء الشّارع وحينئذ إن كان المنقول كافيا عند المنقول إليه للكشف عن رأى المعصوم وتقريره فهو كالمحصّل حجّة على ما فصّل آنفا.

١٢٣

فلا يضرّ بذلك كون الكشف المذكور حدسيا يعدّ كونه من لوازم الإخبار الحسّي فإنّ لوازم الأمارات تثبت بثبوتها.

نعم اللّازم هو أن يكون النقل ممّن يكون مشرفا على الأقوال والآراء ومطّلعا عليها حتّى يكون عن حسّ مثل صاحب مفتاح الكرامة والعلّامة الحلّي قدس‌سرهما في المتأخّرين والشيخين في المتقدّمين.

وإن لم يكن المنقول كافيا عند المنقول إليه للكشف ولكن إذا انضمّ إلى سائر الفتاوى كشف عن تقرير الإمام عليه‌السلام فهو أيضا حجّة ومشمول لأدلّة الاعتبار لانتهائه إلى حكم شرعي فيكون مرتبطا به بخلاف ما إذا لم يكشف ولو مع الانضمام فإنّه لا يرتبط بالحكم الشرعي وليس بحجّة وإن كان إخبار الناقل عن الحدس فلا دليل على حجيّته لاختصاص أدلّة حجّيّة الخبر بالأمور الحسّيّة أو القريبة بها لا الحدسيّة.

هذا كلّه بحسب مقام الثّبوت.

الأمر الخامس :

في كيفية الإجماعات المنقولة بحسب مقام الإثبات

ولا يذهب عليك أنّ الإجماعات المنقولة قد تكون مستندة إلى الحسّ أو ما يقرب منه وهي تكون كاشفة عن رأي الإمام أو تقريره عليه‌السلام ولا كلام فيها عند إحرازها ولكنّها نادرة وقد تكون مبنيّة على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا وهي الغالب.

والإجماعات المبنيّة على الحدس أو الاعتقاد المذكور لا فائدة لنقلها لأنّها بنفسها لا تفيد ولا تصلح للانضمام أيضا لكونها مبنيّة على الحدس لا الحسّ.

ثمّ إنّ الناقل للإجماع عن حسّ إن احتمل في حقّه تتبّع فتاوى من ادّعى اتفاقهم فلا إشكال في حجّيّة نقله وفي إلحاقه بالخبر الواحد ولكن كشفه عن قول الإمام أو تقريره غير محرز لأنّ استناد كلّ بعض منهم إلى ما لا نراه دليلا ليس أمرا مخالفا للعادة.

فتحصّل أنّ استلزام الإجماع المنقول المبني على الحسّ للنصّ التامّ الدّلالة غير محرز إذ

١٢٤

من المحتمل أنّهم استندوا بما لا نراه دليلا لو وصل إلينا وهو لا يكون مخالفا للعادة.

وعليه تسقط الإجماعات عن الحجّيّة مطلقا سواء كانت محصّلة أو منقولة لعدم كشفها عن الدّليل التّام عندنا ومع عدم كشفها عن الدّليل التام لا تكون مشمولة لأدلّة حجّيّة الأخبار.

نعم تتم الإجماعات المنقولة في المسائل الأصلية المتلقاة من الأئمّة عليهم‌السلام المبنيّة على الحسّ المتّصلة بإجماعات أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام فإنّها تكشف عن تقرير الإمام المعصوم عليه‌السلام وإن استندوا إلى ما لا يتم فالإجماع ليس بحجّة عدى الإجماع المتّصل بإجماع الأصحاب في المسائل الأصلية الكاشف عن تقرير المعصوم من دون فرق بين المحصّل والمنقول إذا كان المنقول عن حسّ لكونه مشمولا لأدلّة حجّيّة الخبر الواحد ولا تفاوت فيه بين كون المنقول تمام السبب أو جزئه فيما إذا أمكن تتميمه بسائر الآراء والأمارات بحيث يتصل بإجماع أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ويكشف عن تقرير الإمام المعصوم عليه‌السلام.

التنبيهات

التنبيه الأوّل :

أنّه لا يخفى عليك أنّه أورد على الشيخ الأنصاري قدس‌سره في نهاية الاصول بقوله : ويرد عليه أنّ ما يظهر منه من أنّ تحصيل قول الإمام من طريق الحسّ منحصر في سماع قوله عليه‌السلام في ضمن أقوال المجمعين وهو مما يعلم بعدم تحققه لنوع الحاكين للإجماعات ، مدفوع بعدم كون نقل قوله عليه‌السلام عن حسّ منحصرا في سماع الناقل من شخصه ولا الإمام منحصرا في إمام العصر عجّل الله تعالى فرجه ، بل مرادهم من نقل قوله عليه‌السلام نقله ولو بطريق صحيح وصل إليهم من أيّ واحد من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام وهم نور واحد ، والنقل بالطريق الصحيح أيضا من مصاديق الحسّ ، نظير ما اتفق في مسألتي العول والتعصيب ونحوهما من المسائل الواصلة عن أئمة الشيعة بالضرورة بطرق صحيحة في قبال العامة ، فادّعوا عليها الإجماع ...

١٢٥

إلى أن قال : والسرّ في التعبير عنه بالإجماع أنّهم لمّا أثبتوا في كتبهم الاعتقادية والاصولية حجيّة أقوال الأئمة عليهم‌السلام وعصمتهم ولم يتمكنوا في الفقه من عنوانهم في قبال أدلة العامّة لكونه مفضيا إلى التنازع في مسألة الإمامة والخلافة في كلّ مسألة مسألة حاولوا إدراج هذه الحجّة وهو قول المعصوم في واحد من الأدلّة الدارجة الدائرة على لسان القوم ، ولم يتمكنوا من إدراجه في الكتاب كما هو واضح ، ولا في السنّة لانحصارها عند العامّة في السنّة النبويّة ، فالجأتهم الضرورة إلى إدراجه في الإجماع الذي اصطلح عليه العامة ؛ لأنّه كان حجّة مستقلة عندهم ومشتملا عليها أيضا عندنا ، فإذا استدلوا في مسألة بالإجماع أرادوا بذلك قول المعصوم ولكن لا بالسماع من شخصه ، بل بوصول نصّ صحيح معتبر من أحد من الأئمة الاثنى عشر إلى ناقل الإجماع ... إلى أن قال : فلا وجه لحصر قول الإمام الثابت بالحسّ في السماع من شخص إمام العصر عجّل الله تعالى فرجه حتى يحكم عليه بالندرة أو عدم الوقوع ... إلى أن قال : وبالجملة فإذا رأيت الشيخ الطوسي قدس‌سره قد يتمسك في بعض المسائل بإجماع الطائفة مع كونها ممّا وردت فيها روايات مستفيضة أو متواترة وافية بإثبات المسألة فليس مقصوده حينئذ بالإجماع اتفاق الفقهاء وكشف قول الإمام بسببه ، بل أراد به قول الإمام المعصوم المنقول له بالأخبار المسندة المعتبرة عنده الموجبة للعلم به ... إلى أن قال : وقد ظهر لك بما ذكرناه إلى هنا أنّ الاجماعات المنقولة في كلمات القدماء من أصحابنا كالشيخين والسيدين وغيرهما ليست بمعنى أنّ ناقل الإجماع استكشف قول الامام عليه‌السلام من اتفاق جماعة وهو داخل فيهم او أنّ أقوالهم أو جبت علمه بقول الإمام عليه‌السلام لطفا أو حدسا بل قصدوا بالإجماع ما هو الملاك عندهم لحجّيته ، وهو نفس قول الإمام عليه‌السلام الواصل اليهم بالأدلّة المعتبرة ، والظاهر منهم وصول قوله عليه‌السلام إليهم بالطرق الحسّية ، أعني الأخبار الموجبة للعلم ، فيشمله أدلّة حجيّة الخبر ... إلى أن قال : ومن ذلك يعلم منشأ تعارض الإجماعات المنقولة ؛ إذ من الممكن أن وصل إلى كلّ من ناقلي الإجماع قوله عليه‌السلام بطريق معتبر عنده ؛ لكثرة الأخبار المتعارضة في الأبواب المختلفة ... إلى أن قال : وعلى هذا فناقل الإجماع إن كان

١٢٦

عدلا وثقة وكان نقله محتملا لكونه عن حسّ كان نقله الإجماع في المسائل الفقهية الأصلية المبتنية على النقل حجّة ووزانه وزان نقل الخبر عن الأئمة عليهم‌السلام.

وأمّا في المسائل التفريعية المبتنية على النظر والاجتهاد فليس بحجّة لأنّه ؛ إخبار عن حدس الناقل واستنباطه.

فان قلت : اذا كان مقصود الشيخ وأمثاله من الاجماع قول الإمام لا الإجماع الاصطلاحي ، فلم نرى كثيرا منهم يذكرون بعد نقل الإجماع أخبار المسألة ايضا ... إلى أن قال : فهذا يدل على أنّ المقصود بالإجماع غير الأخبار الواردة.

قلت : ذكرهم للأخبار بعد الإجماع لبيان مدرك الإجماع المدعى وأنّ ادعاء الإجماع مستند إلى هذه الأخبار ، ولعل الشيخ أراد في الخلاف من قوله إجماع الفرقة قول الإمام المعصوم ومن قوله الأخبار هي الأخبار المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي لم تذكر في جوامعهم الحديثية ووصلت إلينا بواسطة الأئمة ، ففي الحقيقة أقام في المسألة دليلين قول الإمام والسنّة النبوية ، وقد ورد في أخبارنا أنّ روايات ائمتنا وصلت اليهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويجوز روايتها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله الخ. (١)

وعليه فالإجماعات المنقولة عن القدماء تكون إخبارا عن الأخبار لا كاشفة عن الأخبار ، وإنّما عبّر عنها بالإجماع لما أشار إليه في نهاية الاصول ، فإذا كانت الإجماعات المذكورة إخبارا عن الأخبار خرجت حينئذ عن محلّ الكلام وهو حجيّة الإجماع بمعناه الاصطلاحي.

ولكن لقائل أن يقول : إنّ ما ذكره في نهاية الاصول من أنّ المراد من الإجماع في كلمات الشيخين والسيدين وغيرهما من القدماء هو نفس قول الإمام الواصل بالأدلّة المعتبرة وإنّما عبروا عن الأخبار بالإجماع دفعا للتنازع ، منظور فيه ؛ فإنّ الأمر إن كان كذلك كان المناسب أن لم يضف الإجماع إلى الطائفة أو الفرقة فإنّ الحجّة عند العامّة هو اتفاق الكلّ ، لا إجماع جماعة من الامة بعنوان طائفة الشيعة ، وأيضا كان المناسب أن لم يعطف عليه

__________________

(١) نهاية الاصول : ٥٣٤ ـ ٥٣٨.

١٢٧

الأخبار خصوصا مع تعبير وأخبارهم الظاهر في أنّ المراد هو أخبار الشيعة لا السنّة النبويّة المرويّة عن طرق العامة ، فإنّه ينافي دفع التنازع وحمل العطف ، على أنّ المقصود هو بيان مدرك الإجماع المدعى وأنّ الاجماع مستند إلى هذه الأخبار لا يساعد أيضا مع كون الغرض منه دفع التنازع من التعبير بالإجماع عوض الأخبار.

هذا مضافا إلى أنّ الشيخ لم يحترز عن ذكر الروايات الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام في الاستدلالات ، قال في المبسوط : فلأصحابنا فيه روايتان الخ (١) ، وقال في الخلاف كتاب النفقات مسألة ١٥ : وأخبار أصحابنا واردة بذلك وقد ذكرناها فى ، مواضعها (٢) وقال في الخلاف كتاب النفقات مسألة ١٢ : إذا اختلف الزوجان بعد أن سلّمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة فالذي رواه اصحابنا أنّ القول قول الزوج وعليها البيّنة ... إلى أن قال : ودليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم. (٣)

هذا ، ولو سلم أنّ المراد من الإجماع في كلمات الشيخ ونحوه هو الإخبار عن الأخبار دخلت المسألة في الخبر الصحيح المنقول بالخبر الواحد ، وهو في الحقيقة خبر عن الخبر ، وهو إن كان مشمولا لأدلة حجيّة الخبر ولكن تماميّة الدلالة عند الناقل لا تكون مستلزمة لتماميتها عند المنقول إليه ، فلا تغفل.

هذا ، مضافا إلى ما في مصباح الاصول من أنّه على تقدير تسليم كون إجماع القدماء مستندا إلى الحسّ بالواسطة يكون الإجماع المنقول منهم بمنزلة رواية مرسلة ، ولا يصح الاعتماد عليه ؛ لعدم المعرفة بالواسطة بينهم وبين المعصوم وعدم ثبوت وثاقتها. (٤)

التنبيه الثاني :

أنّه لا يقال : لا يمكن للمتأخرين العثور على مؤلفات القدماء أو آرائهم باجمعهم ؛ لعدم

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) الينابيع الفقيهة ٣٨ : ١١١.

(٣) الينابيع الفقهية ٣٨ : ١١٠.

(٤) مصباح الاصول ٢ : ١٣٧ ـ ١٣٨.

١٢٨

كون جميعها باقية إلى زمانهم ، هذا مضافا إلى عدم ضبط أسماء المؤلفين فضلا عن كتبهم ، وقد صرّح السيد المحقق البروجردي قدس‌سره في مقدمة جامع الرواة بسقوط جماعة كثيرة من الطبقة الثانية عشرة ، وهي طبقة الشيخ الطوسي عن قلم صاحب الفهرست منتجب الدين ، وأيضا ذكر ابن النديم في الفهرست أنّ الصدوق ذكر مأتي كتاب لوالده ، وذكر العلامة ثلاثمائة مؤلف للصدوق ، وعليه فمع عدم ضبط أسمائهم وتأليفاتهم وعدم بقاء كتبهم كيف يمكن للمتأخرين تحصيل الإجماع من مؤلفاتهم أو آرائهم؟! بل لا يمكن ذلك للمتقدمين أيضا ؛ لقصور اطلاعهم على تأليفات جميع الأفراد مع تفرقهم في البلاد وفقدان صنعة الطبع وبعد الحوزات العلمية بعضها عن بعض ، فكيف يمكن اطلاع حوزة بغداد على جميع الأفراد الذين كانوا يسكنون في قم أو الري أو المدينة المنورة أو الكوفة وبالعكس مع بعد الطرق وامتناع الاستخبار ، وعليه فالميسور من الإجماع لا يفيد ، والمفيد منه وهو الإجماع المحصّل المتصل برأي اصحاب الأئمة عليهم‌السلام معسور أو متعذر.

لأنّا نقول : إنّ الحوزات العلمية كانت مطلعة على آراء المشهورين من العلماء ومؤلّفاتهم ، وقد استنسخوا الكتب ، فإذا أجمعوا على أمر ولم يذكروا الخلاف حصل الحدس القريب بالحس باتفاق الآخرين معهم ؛ إذ لو كان رأيهم مخالفا معهم لا طلعوا عليه ولذكروه وأبطلوه ، فحيث لم يذكروا الخلاف علم الاتحاد والاتفاق بينهم قال في تحريرات في الاصول : والّذي يمكن أن يقال حلّا لهذه العويصة هو : أنّ من اتفاق الأكابر في الكتب الموجودة بين أيدينا يصح الحدس بأن ذلك الحكم رأي عام لكل فقيه في ذلك العصر ، ويكون حدس ناقلى الإجماع أيضا مستند إلى ذلك ، فيتمكن المتأخرون من تحصيل الإجماع وهكذا القدماء ، ويكون وجهه واحدا إلّا أن حدس المتأخر لو كان موجبا لوثوقه وقطعه فهو وإلّا فحدس ناقل الإجماع ولو كان من القدماء. غير كاف إلّا إذا حصل منه الوثوق (١) ولقد أفاد أجاد إلّا أنّ حدس ناقل الإجماع إذا كان قريبا بالحسّ وأخبر عنه كان مشمولا لادلة حجيّة

__________________

(١) تحريرات في الاصول : ٦ / ٣٦٥.

١٢٩

الخبر الواحد وان لم يوجب الوثوق الشخصي لنا كما فى سائر الاخبارات الواردة عن العادل.

وبالجملة يحرز إجماع القدماء من اتفاق المشهورين منهم وبعد إحراز آراء الإجماع من القدماء يمكن إحراز إجماع الأصحاب بالحدس القريب إذ لو كانوا مخالفين لظهر ذلك للقدماء لقرب عهدهم بهم فلم يدّعوا في المسائل الفقهيّة في قبال العامة بأنّ دليلنا إجماع الطائفة أو اجماع الفرقة.

وعليه فإذا اتفق القدماء وذكروا في مدارك المسألة في قبال العامة إجماع الطائفة والفرقة كان ذلك موجبا للوثوق بكون آراء أصحاب الأئمة عليهم‌السلام متحدة مع أصحابنا القدماء ، وإلّا فلا معنى لدعوى إجماع الطائفة أو الفرقة ، كما لا يخفى.

التنبيه الثالث :

أنّه لا يذهب عليك أنّ الإجماعات المنقولة ربما تكون متعارضة ، والتعارض فيها إمّا يكون بحسب المسبّب وهو المكشوف به من قول الامام عليه‌السلام ؛ إذ لا يجتمع مثلا حرمة صلاة الجمعة في زمان الغيبة مع وجوبها في زمان الغيبة ؛ للعلم بكذب أحدهما ، فإذا فرضنا أنّ الإجماعين مشتملان لأدلة حجية الخبر الواحد وسلّمنا كشف الإجماع عن قول المعصوم بالحسّ أو بما هو قريب منه يترتب على المتعارضين منهما حكم الخبرين المتعارضين من الأخذ بالمرجّحات إن كانت وإلّا فالحكم بالتخيير ، بناء على ثبوته عند فقدان المرجحات أو بالتساقط بناء على عدم ثبوت التخيير ، وإمّا يكون التعارض بحسب السبب ، كما إذا اريد من الإجماع اتفاق جميع العلماء ؛ فإنّه يقع التعارض بين النقلين المتنافيين ؛ لامتناع اتفاق الكل على حكمين متناقضين ، ويترتب عليهما حكم المتعارضين ، بخلاف ما إذا أريد من الإجماع رأي جماعة من العلماء يوجب القطع برأى المعصوم عليه‌السلام ؛ إذ لا تعارض حينئذ من جهة السبب ، لإمكان صدق كل ناقل في نقل وجود آراء جماعة حصل منها له القطع برأي المعصوم عليه‌السلام وإن كانا متعارضين بحسب المسبّب كما عرفت ، لكن لا يصلح كل نقل لأن يكون سببا عند المنقول إليه بعد وجود نقل الخلاف في مورده ، اللهمّ إلّا إذا كان أحدهما

١٣٠

مشتملا على خصوصية من الخصوصيات الموجبة للجزم برأي المعصوم ولو مع الاطلاع على الخلاف وإن كان الاطلاع عليه بنحو الإجمال ، فتدبر جيدا.

والسرّ في وقوع التعارض بين الإجماعات هو أنّ ناقليها استندوا في نسبة الآراء والفتاوى إلى مباد اصولية وفقهية ، لا نفس فتاويهم في خصوص المسألة.

التنبيه الرّابع :

أنّ الإجماع المركب هو اجتماع العلماء على نفي القول الثالث مع اختلافهم في المسألة على القولين ، وهو على قسمين :

أحدهما : أنّ كل جماعة ينفون القول الثالث مع قطع النظر عمّا ذهبوا إليه من رأيهم ومختارهم فى المسألة.

وثانيهما : أنّ نفيهم للقول الثالث يكون من لوازم رأيهم وقولهم في المسألة المختلف فيها. ولا إشكال في حجيّة القسم الأوّل بحسب المسالك المذكورة في حجية الإجماع ؛ لأنّه إجماع فى الحقيقة ومستقل ، ولا يرتبط بما اختلفوا فيه من المسألة ، ولذا يكشف عن النصّ أو تقرير المعصوم.

وأمّا القسم الثاني فليس بحجة ؛ إذ الإجماع بالنسبة إلى نفي القول الثالث معلول قولهم في المسألة المختلف فيها ، والمفروض أنّهم لم يجمعوا في تلك المسألة على قول واحد ، بل كل طائفة فيما إذا كانوا على قولين في طرف يناقض الأخرى.

وبالجملة : فالإجماع لا يكشف عن شيء إلّا إذا كان مستقلا ، ولا استقلال في الإجماع الحاصل من اختلافهما في المسألة الاصلية ، فلا يحصل الكشف عن رأي المعصوم أو تقرير المعصوم مع اختلافهم في الأصل وعدم اجتماعهم على شيء مستقلا ، وبعبارة أخرى : فما اختاره كل طرف ليس بإجماعي ، ولازمه ايضا ليس بإجماعي ، فلا يترتب عليه حكم الإجماع ، كما لا يخفى.

التنبيه الخامس :

أنّه ربّما يتمسّك بفهم الأصحاب في بعض المسائل كالقرعة حيث إنّ قوله عليه‌السلام : (القرعة

١٣١

لكل أمر مشكل أو مشتبه) ، يعمّ غير مورد الحقوق ومع ذلك لم يفت الأصحاب بالعموم ، أو كحرمة العصير المغلي ، فإنّ قوله عليه‌السلام كل عصير أصابته النار فهو حرام يشمل غير العصير العنبي والزبيبي ، ومع ذلك لم يفت الأصحاب بحرمة سائر العصيرات وغير ذلك من الموارد.

ويشكل ذلك بأنّ الاتباع عن فهم الأصحاب تقليد وهو لا يجوز للمجتهدين. ويمكن أن يقال إنّ مراد المستدلين بفهم الأصحاب أنّ فهمهم يكشف عن القيد أو الخاص للإطلاق أو العموم ، فكما أنّ فتاوى الأصحاب في ساير المسائل تكشف عن النصّ فكذلك في مثل هذه الموارد يكشف فهمهم عن القيود ، إذ مع وجود العموم والإطلاق وعدم ورود قيد ذهابهم إلى معاملة المقيد يكشف عن اطلاعهم على القيد وهو حجة كما لا يخفى ، وعليه فهم الأصحاب في المسائل التي ليس فيها دليل على التقييد يكون كاشفا عن القيد ، فإذا اتصل هذا الفهم إلى زمان المعصوم عليه‌السلام أحرز تقريره له فلا تغفل.

التنبيه السادس : في التواتر المنقول

قال شيخنا الأعظم قدس‌سره : من جميع ما ذكرناه يظهر الكلام في المتواتر المنقول حيث إنّ نقل التواتر في خبر لا يثبت حجيّته ولو قلنا بحجيّة خبر الواحد ، لأنّ التواتر صفة في الخبر تحصل بإخبار جماعة يفيد العلم للسامع ، ويختلف عدده باختلاف خصوصيات المقامات ، وليس كل تواتر ثبت لشخص مما يستلزم في نفس الأمر عادة تحقق المخبر به ، فإذا أخبر بالتواتر فقد أخبر بإخبار جماعة أفاد له العلم بالواقع ، وقبول هذا الخبر لا يجدي شيئا ؛ لأنّ المفروض أنّ تحقق مضمون المتواتر ليس من لوازم إخبار الجماعة الثابتة بخبر العادل.

نعم ، لو اخبر بإخبار جماعة يستلزم عادة تحقق المخبر به بأن يكون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لإخبار الجماعة كأن اخبر مثلا بإخبار الف عادل او ازيد بموت زيد وحضور جنازته كان اللازم من قبول خبره الحكم بتحقق الملزوم ، وهو إخبار الجماعة ، فيثبت اللازم ، وهو تحقق موت زيد ... إلى أن قال : إنّ معنى قبول نقل التواتر مثل الإخبار

١٣٢

بتواتر موت زيد مثلا يتصوّر على وجهين :

الأوّل : الحكم بثبوت الخبر المدعى تواتره ، أعني موت زيد ، نظير حجيّة الإجماع المنقول بالنسبة إلى المسألة المدعى عليها الإجماع وهذا هو الذي ذكرنا أنّ الشرط في قبول خبر الواحد هو كون ما أخبر به مستلزما عادة لوقوع متعلقه.

الثاني : الحكم بثبوت تواتر الخبر المذكور ليترتب على ذلك الخبر آثار التواتر وأحكامه الشرعية ، كما إذا نذر أن يحفظ أو يكتب كل خبر متواتر.

ثم أحكام التواتر ، منها ما ثبت لما تواتر في الجملة ولو عند غير هذا الشخص ، ومنها ما ثبت لما تواتر بالنسبة إلى هذا الشخص ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى قبول نقل التواتر العمل به على الوجه الأوّل وأوّل وجهي الثاني ، كما لا ينبغي الإشكال في عدم ترتب آثار تواتر المخبر به عند نفس هذا الشخص. (١)

وزاد عليه في الكفاية بأنّ نقل التواتر من حيث السبب يثبت به كلّ مقدار كان إخباره بالتواتر دالّا عليه ، كما إذا اخبر به على التفصيل فربما لا يكون إلّا دون حدّ التواتر ، فلا بد في معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذلك الحدّ (٢) وهو حسن.

فتحصّل : أنّ قبول نقل التواتر بالنسبة إلى المسبّب وهو موت زيد مثلا مشروط بكون السبب مستلزما عاديا لحصول العلم من السامع بتحقق متعلقه حتى يترتب على نقل التواتر إحراز موت زيد ، فيترتب على الموت آثاره من تقسيم الأموال ونحو ذلك ، وإذا لم يكن السبب مستلزما كذلك فالخبر بالنسبة إلى المسبب حدسي لا حسّى ، فلا دليل على حجية نقل التواتر ؛ لأنّ التواتر صفة في الخبر تحصل بإخبار جماعة يفيد العلم للسامع ، و

__________________

(١) فرائد الاصول : ٦٤.

(٢) الكناية ٢ : ٧٧.

١٣٣

المفروض أنّه غير حاصل ، فلا حجّية لنقل التواتر في الفرض المذكور. نعم لو انضم إليه أخبار أخر يوجب الجميع حصول صفة التواتر ترتب الأثر على متعلقه وكان النقل بالنسبة إلى ما اخبر به حجّة.

وأمّا قبول نقل التواتر بالنسبة إلى السبب بمعنى الحكم بثبوت تواتر الخبر المذكور ليترتب عليه آثار نفس التواتر وأحكامه فهو منوط بكيفية اتخاذ الموضوع ، فإن كان الأثر مترتبا على ما تواتر ولو عند غير السامع فيترتب عليه آثاره ولو لم يثبت تواتره عند السامع فإنّ ثبوته عند ناقل التواتر يكفي في ترتب آثاره ، واحتمال عدم تحقق التواتر عنده ملغى بحكم وجوب تصديق العادل ، وإن كان الأثر مترتبا على ما تواتر عند السامع فلا يترتب الأثر بمجرد نقل التواتر وإن كان المنقول إخبار عدة لو اطلع عليه السامع المنقول اليه تحقق له العلم ؛ لأنّ المفروض هو عدم تحقق العلم للسامع بواسطة نقل إخبار تلك الجماعة ، نعم لو انضمّ إليه ما يتمّه في حصول العلم بالتواتر عند السامع ترتب عليه الأثر المذكور ، ايضا كما هو واضح.

ولا يخفى عليك أنّ ما ذكر من عدم ترتب الأثر بمجرد نقل التواتر ما دام لم يحصل العلم الفعلي للسامع وإن كان المنقول إخبار عدة لو اطلع عليه السامع تحقق له العلم منوط بما إذا كان مفهوم التواتر متقوما بحصول العلم الفعلي للسامع كما هو المفروض ، وإلّا فإن قلنا بأنّ مفهوم التواتر هو حصول العلم عادة بإخبار جماعة ولو لم يحصل العلم الفعلي للسامع ، فهو يكون من الامور الواقعية كالكرّية والقلّة للماء ، ولا دخل للعلم الفعلي من السامع في حقيقة مفهوم التواتر وعليه تترتب على إخبار العادل آثار التواتر وآثار الواقع ، ولا وجه لاعتبار حصول العلم الفعلي للسامع ، قال شيخنا الأستاد الأراكي ـ تبعا لشيخه الأستاذ قدس‌سرهما ـ وأمّا التواتر المنقول ، فإن قلنا إنّ التواتر موضوع محفوظ مع قطع النظر عن حصول العلم وهو بلوغ عدة الأخبار إلى حدّ يفيد عادة علم من اطلع عليها وإن لم يفد العلم الفعلي بواسطة عدم الاطلاع أو اغتشاش الذهن وغيره فالظاهر ترتب آثار هذا الموضوع ، بل ترتب آثار الواقع أيضا ؛ لأنّ كون السبب سببا عاديا لحصول العلم الذي أخبر به المخبر نظير

١٣٤

إخباره بأن القتل وقع بآلة متعارفة في القتل ، فإنّ التعارف والعادة من الأمور الحسّية الغير المحتاجة إلى إعمال الفكر والنظر وليس مثل تنقيح بعض الامور العادية المحتاجة ، إلى تصفية الذهن وتخليته وإعمال النظر ، والوسع كما هو في تشخيص بعض المفاهيم العرفية للألفاظ ، وإذن فكما يقبل إخباره بتعارف الآلة القتّالة يقبل إخباره بتعارف حصول القطع مع العدّة القائمة على الإخبار.

هذا ، إن قلنا بأنّ للتواتر واقعا محفوظا ، وأمّا إن قلنا إنّ حدّه أن يحصل من كثرة الأخبار مع قطع النظر عن شيء آخر وراء الكثرة القطع الفعلي بصدق المضمون ووقوعه فهذا المعنى غير متحقق بالنسبة إلى السامع والمنقول إليه قطعا ، فإذا كان الأثر مترتبا على التواتر عنده فلا يترتب الأثر ، وإن كان على التواتر عند الناقل أو في الجملة ترتب وأمّا آثار الواقع فالكلام من هذا الحيث هو ما تقدم في الإجماع المنقول حرفا بحرف فراجع (١) فتحصل ان الاخبار بالتواتر حجة ولا حاجة الى افادة العلم الفعلي للسامع بل يكفي فيه كونه بحيث لو اطلع عليه السامع حصل له العلم وهذا هو الظاهر من سيدنا الاستاذ المحقق الداماد قدس‌سره حيث قال في محكى كلامه وأمّا التواتر المنقول فالظاهر حجيّته مطلقا سواء كان متمحّضا لنقل السبب فقط أعنى إخبار جماعة بقول الإمام عليه‌السلام أو فعله أو تقريره أو نقل المسبب وهو قول الإمام عليه‌السلام في ضمنه وذلك لأنّ التواتر إنّما يكون اخبار جماعة ليستحيل عادة تواطؤهم على الكذب وحينئذ فإذا أخبر الثقة به وكان إخباره عن حسّ لا بدّ من فرض المخبر به بمنزلة الواقع بأدّلة حجيّة خبر الواحد فيفرض المنقول كالمحصّل والمفروض أنّه لو كان محصّلا كان موجبا للقطع العادى بقول الامام عليه‌السلام من دون فرق في ذلك بين نقل قول الإمام في ضمن نقل التواتر وعدمه كما هو واضح فتدبر (٢)

__________________

(١) اصول الفقه ٣ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(٢) المحاضرات سيدنا الاستاذ ٢ / ١١٥.

١٣٥

الخلاصة

التنبيهات

التّنبيه الأوّل :

أنّ الظّاهر من الشّيخ الأعظم أنّ تحصيل قول الإمام من طريق الحسّ منحصر في سماع قوله عليه‌السلام في ضمن أقوال المجمعين وهو ممّا يعلم بعدم تحقّقه لنوع الحاكين للإجماعات.

منعه في نهاية الاصول بدعوى أنّ مراد الأصحاب من نقل قول الإمام هو نقله ولو بطريق صحيح وصل إلى النّاقل وبعبارة اخرى النقل بالطريق الصحيح أيضا من مصاديق الحسّ والتعبير عن الخبر بالإجماع من جهة عدم تمكّنهم من الاستدلال بالخبر في قبال العامّة لانحصار السّنة عندهم في السنّة النبويّة ولذا أدرجوا الخبر تحت عنوان الإجماع ومرادهم حينئذ من الإجماع هو الخبر الصحيح فمتى استدلّوا في مسألة بالإجماع أرادوا بذلك قول المعصوم ولكن لا بالسماع من شخصه عليه‌السلام بل بوصول صحيح معتبر إلى ناقل الإجماع وعليه فلا وجه لحصر قول الإمام الثابت بالحسّ في السّماع من شخص إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف حتّى يحكم عليه بالنّدرة أو عدم الوقوع إلى أن قال وبالجملة فإذا رأيت الشّيخ الطّوسي قد يتمسّك في بعض المسائل بإجماع الطّائفة مع كونها ممّا وردت فيها روايات مستفيضة أو متواترة وافية بإثبات المسألة فليس مقصوده حينئذ من الإجماع اتفاق الفقهاء وكشف قول الإمام بسببه بل أراد به قول الإمام المعصوم المنقول له بالإخبار المسندة المعتبرة عنده الموجبة للعلم به إلى أن قال وقد ظهر لك بما ذكرناه إلى هذا أنّ الإجماعات المنقولة في كلمات القدماء ليست بمعنى أنّ ناقل الاجماع استكشف قول الإمام من اتفاق جماعة هو داخل فيهم بل قصدوا بالإجماع ما هو الملاك عندهم لحجيّته وهو نفس قول الإمام الواصل إليهم بالأدلّة المعتبرة.

وعلى هذا فناقل الإجماع إن كان عدلا وثقة وكان نقله محتملا لكونه عن حسّ كان نقله الإجماع في المسائل الفقهيّة الأصليّة المبتنية على النقل حجّة ووزانه وزان نقل الخبر عن

١٣٦

الأئمّة عليهم‌السلام وأمّا في المسائل التفريعيّة فليس بحجّة لأنّه إخبار عن حدس النّاقل واستنباطه انتهى. ولا يخفى عليك أنّ مقتضى ما ذكر هو خروج الإجماعات المنقولة عن القدماء عن محل الكلام لأنّ البحث في حجّيّة الإجماع بمعناه الاصطلاحي وهو كما ترى.

هذا مضافا إلى أنّه لو كان كذلك كان المناسب أن لم يضف الإجماع إلى الطّائفة أو الفرقة فإنّ الحجّة عند العامّة هو اتفاق الكلّ لا إجماع جماعة من الأمّة بعنوان طائفة الشّيعة.

وأيضا كان المناسب أن لم يعطف عليه الأخبار خصوصا مع تعبير وأخبارهم الظّاهر في أنّ المراد منه هو أخبار الشّيعة لا السّنة النبويّة المروية عن طريق العامّة.

هذا مضافا إلى أنّ الشيخ لم يحترز عن ذكر الرّوايات الواردة عن الأئمّة عليهم‌السلام في المبسوط والخلاف حتّى يضطرّ إلى التعبير عنها بالإجماع.

ولو سلّم أنّ المراد من الإجماعات المنقولة في كلمات القدماء هو الإخبار عن الأخبار دخلت المسألة في الخبر الصحيح المنقول بالخبر الواحد وهو في الحقيقة خبر عن الخبر ومن المعلوم أنّه مشمول لأدلّة حجّيّة الخبر ولكن تماميّته دلالة الخبر المنقول بالخبر عنه الناقل لا تكون مستلزمة لتماميّته عند المنقول إليه كما لا يخفى.

على أنّه لا يصحّ الاعتماد عليه لعدم المعرفة بالواسطة بينهم وبين المعصوم وعدم ثبوت وثاقتها.

وينقدح ممّا ذكر أنّه لا وجه لرفع اليد عن المعنى الاصطلاحي للإجماع في كلمات القدماء بل المقصود منه هو معناه الاصطلاحي.

التّنبيه الثّاني :

ربّما يتوهّم أنّه لا يمكن للمتأخرين العثور على مؤلّفات القدماء أو آرائهم بأجمعهم لعدم كونها باقية إلى زمانهم هذا مضافا إلى عدم ضبطهم أسماء المؤلّفين فضلا عن كتبهم وعليه فكيف يمكن تحصيل الإجماع من مؤلفاتهم أو آرائهم بل لا يمكن تحصيل الإجماع للمتقدّمين أيضا لقصور اطّلاعهم على تأليفات جميع العلماء مع تفرّقهم في البلاد وفقدان صنعة الطّبع

١٣٧

وبعد الحوزات العلميّة بعضها عن بعض وعدم إمكانات الاستخبار لكلّ واحدة بالنّسبة إلى الاخرى.

وعليه فالميسور من الإجماع لا يفيد والمفيد منه معسور أو متعذّر ويمكن الجواب عنه بأنّ الحوزات العلميّة اطّلعوا على آراء المشهورين ومؤلّفاتهم والاستنساخ أمر شائع في ذلك العصر فإذا أجمع العلماء المشهورون على أمر ولم يذكروا الخلاف حصل الحدس القريب بالحسّ باتّفاق الآخرين معهم إذ لو كان رأيهم مخالفا معهم لاطّلعوا عليه وذكروه وأبطلوه فحيث لم يذكروا خلافا علم الاتّحاد والاتّفاق فمن اتفاق الأكابر في الكتب الموجودة يصحّ الحدس بأنّ ذلك الحكم رأي عامّ لكلّ فقيه في ذلك العصر وبعد إحراز الإجماع من القدماء أمكن إحراز إجماع الأصحاب بالحدس القريب إذ لو كانوا مخالفين لظهر ذلك للقدماء لقرب عهدهم بهم ولم يدّعوا في المسائل الفقهيّة قبال العامّة بأنّ دليلنا إجماع الطّائفة أو إجماع الفرقة.

التّنبيه الثّالث :

أنّه لا يخفى عليك أنّ الإجماعات المنقولة ربّما تكون متعارضة والتعارض فيها إمّا من ناحية المسبّب إذا لا يجتمع مثلا الإجماع على حرمة صلاة الجمعة في زمان الغيبة مع الإجماع على وجوبها فيه للعلم بكذب أحدهما فإذا فرضنا أنّ الإجماعين مشمولان لأدلّة حجّيّة الخبر الواحد وسلّمنا كشف الإجماع عن قول المعصوم بالحسّ أو بقريب منه يترتّب على المتعارضين من الإجماعين المنقولين حكم الخبرين المتعارضين من الأخذ بالمرجّحات إن كانت وإلّا فالحكم بالتخيير أو بالتّساقط على القولين في ذلك الباب وإمّا من ناحية السبب كما إذا أريد من الإجماع اتّفاق جميع العلماء فإنّه يقع التعارض بين النقلين المتنافيين لامتناع اتّفاق الكلّ على المتناقضين ويترتّب عليهما حكم المتعارضين بخلاف ما إذا أريد من الإجماع رأي جماعة من العلماء يوجب القطع برأي المعصوم إذ لا تعارض حينئذ من جهة السبب لإمكان صدق كلّ ناقل في نقل وجود آراء جماعة حصل فيها له القطع برأي

١٣٨

المعصوم عليه‌السلام وإن كانا متعارضين بحسب المسبّب ولكن لا يصلح كلّ نقل لأن يكون سببا عنه المنقول إليه بعد وجود نقل الخلاف في مورده اللهمّ إلّا إذا كان أحدهما مشتملا على خصوصيّة راجحة موجبة للجزم برأي المعصوم ولو مع الاطّلاع على الخلاف.

التّنبيه الرّابع :

أنّ الإجماع المركّب هو اجتماع العلماء على نفي القول الثّالث مع اختلافهم في المسألة على القولين.

وهو على قسمين : أحدهما أنّ كلّ جماعة ينفون القول الثّالث مع قطع النظر عمّا ذهبوا إليه من رأيهم ومختارهم فى المسألة ولا إشكال في حجّيّة هذا القسم بحسب المسالك المذكورة في حجّيّة الإجماع لأنّه من مصاديق الإجماع المبحوث عنه.

وثانيهما : أن يكون نفي القول الثّالث من لوازم رأيهم وقولهم في المسألة المختلف فيها وهذا الإجماع لا يكون حجّة إذ الاجماع بالنّسبة إلى نفي الثّالث معلول لقولهم في المسألة والمفروض أنّهم لم يجمعوا في تلك المسألة على قول واحد بل كلّ طائفة في طرف غير طرف آخر فما اختاره كلّ طرف ليس بإجماعي ولازم مختاره أيضا ليس بإجماعي فلا يترتّب عليه حكم الإجماع كما لا يخفى.

التّنبيه الخامس :

أنّه ربّما يتمسّك بفهم الأصحاب في بعض المسائل كالقرعة من جهة عمومها وشمولها لغير مورد الحقوق وعدمه.

ويشكل ذلك بأنّ الاتّباع عن فهم الأصحاب تقليد وهو لا يجوز للمجتهدين.

واجيب عنه بأنّ مراد المستدلّين بفهم الأصحاب هو أنّ فهمهم يكشف عن وجود قيد أو خصوصية للموضوع يمنع عن العموم والشمول فكما أنّ فتاوى الأصحاب في سائر المسائل تكشف عن النصّ فكذلك في مثل هذه الموارد يكشف عن وجود القيد فإذا اتّصل هذا الفهم إلى زمان الامام عليه‌السلام أحرز تقريره له فلا تغفل.

١٣٩

التّنبيه السّادس :

في التّواتر المنقول قال الشّيخ الأعظم نقل التواتر في خبر لا يثبت حجيّته ولو قلنا بحجّيّة خبر الواحد لأنّ التواتر صفة في الخبر تحصل بإخبار جماعة يفيد العلم للسامع ويختلف عدده باختلاف خصوصيّات المقامات وليس كلّ تواتر ثبت لشخص ممّا يستلزم في نفس الأمر عادة تحقّق المخبر به فإذا أخبر بالتّواتر فقد أخبر بإخبار جماعة أفاد له (أي للناقل) العلم بالواقع وقبول هذا الخبر لا يجدي شيئا لأنّ المفروض أنّ تحقّق مضمون المتواتر ليس من لوازم إخبار الجماعة الثّابتة بخبر العادل.

نعم لو أخبر بإخبار جماعة يستلزم عادة تحقق المخبر به بأن يكون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لإخبار الجماعة كأن أخبر مثلا بإخبار ألف عادل أو أزيد بموت زيد وحضور جنازته كان اللّازم من قبول خبره الحكم بتحقّق الملزوم وهو إخبار الجماعة فيثبت اللّازم وهو تحقّق موت زيد هذا بالنّسبة إلى المسبّب وقد عرفت أنّ الشّرط في قبول خبر الواحد هو كون ما أخبر به مستلزما عادة لوقوع متعلّقه المذكور حتّى يترتّب عليه آثار نفس التّواتر وأحكامه كما إذا نذر أن يحفظ كلّ خبر متواتر فهو منوط بكيفية اتخاذ الموضوع فإن كان الأثر مترتّبا على تواتر ولو عند غير السّامع فيترتّب عليه آثاره ولو لم يثبت تواتره عند السامع.

وإنّ كان الأثر مترتّبا على ما تواتر عند السامع فلا يترتّب الأثر بمجرّد نقل التواتر وإن كان المنقول إخبار عدّة لو اطّلع عليه السامع المنقول إليه تحقّق العلم لأنّ المفروض هو عدم تحقق العلم الفعلي للسّامع بواسطة نقل إخبار تلك الجماعة مع اعتبار العلم الفعلي في حقيقة التواتر.

ولا يخفى ما فيه وذلك لما أفاده شيخنا الأستاذ تبعا لشيخه الاستاذ المحقّق اليزدي قدس‌سره في التّواتر المنقول من أنّه إن قلنا إنّ للتواتر موضوعا محفوظا في الواقع مع قطع النّظر عن حصول العلم الفعلي وهو بلوغ عدّة الأخبار إلى حدّ يفيد عادة علم من اطلع عليها وإن لم يفد العلم

١٤٠