عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

الذات ومبادئ الصفات (١).

والظاهر أنّ هذا الجواب ناظر بالنسبة إلى ما في الفصول كما صرّح به المصنّف لا بالنسبة إلى الإشكال السابق الذي نقلناه من جهة اقتضاء المشتقّ زيادة الصفات وحدثيّتها. ولكن زعم في تهذيب الاصول أنّ صاحب الكفاية في مقام الجواب عن لزوم زيادة الصفات على الذات وأورد عليه بأنّه مضافا إلى عدم كفايته لرفع الإشكال الثاني أنّ الإشكال هاهنا في أنّ مفاد المشتقّ هو زيادة العنوان على ذات المعنون وإجرائه على الواجب يستلزم خلاف ما عليه أهل الحقّ وما ذكر من اختلافهما مفهوما كأنّه أجنبيّ عن الإشكال (٢).

نعم يرد عليه مضافا إلى أنّ اشتراط المغايرة لإفادة الحمل لا لصحّة الحمل أنّ المغايرة اللازمة تكون بين الذات والمشتقّ لا بين الذات والمبدأ. لأنّ المحمول هو المشتقّ لا المبدأ كما في منتهى الاصول (٣).

الخامس : في تطبيق مفاهيم الصفات الجارية عليه تعالى

ولا يخفى عليك أنّ التطبيق عرفيّ كمفهومها لما عرفت من أنّ المناط في صدق المشتقّ ليس إلّا تعنون الذات بمعنونيّة تحقّق المبدأ فيه من دون دخل لكيفيّة تحقّقه من الزيادة أو العينيّة وهذا التحقّق ليس أمرا عقليّا حتّى يحتاج إلى التعمّل والتأمّل الخاصّ لأنّ كلّ فرد من آحاد الناس إذا اطلق عليه تعالى أنّه عالم علم بمفهوم عالم وتحقّقه فيه فالعرف يفهم مفاهيم الصفات وتطبيقها. وإن قصر عن فهم كيفيّة التطبيق من العينيّة أو الزيادة.

__________________

(١) الكفاية ١ / ٨٥.

(٢) تهذيب الاصول ١ / ١٢٨.

(٣) راجع منتهى الاصول ١ / ١٠٧.

٥٨١

وعليه فما ذهب إليه في الكفاية (من عدم اطّلاع العرف على مثل هذا التلبّس من الامور الخفيّة لا يضرّ بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ولو بتأمّل وتعمّل من العقل) منظور فيه لأنّ مفهوم الصفات وتطبيقها ممّا يعرفه العرف وإنّما الذي يحتاج إلى تعمّل وتأمّل هو كيفيّة التطبيق لا أصل التطبيق.

ثمّ إنّ الظاهر من الكفاية أنّ منشأ ذهابه إلى أنّ تطبيق صفاته تعالى عليه تعالى عقليّ لا عرفيّ هو كبرى أخرى وهي أنّ العرف إنّما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم لا في تطبيقها على مصاديقها مع إمكان منع ذلك لأنّ العرف مرجع في كليهما بملاك واحد فلا وجه لاختصاص مرجعيّته بالمفاهيم كما قرّر في محلّه نعم لو سامح العرف في ذلك فلا وقع لتعيينهم.

ثمّ إنّ التحقيق كما مرّ سابقا هو ظهور المشتقّ في المتلبّس بالمبدإ والتلبّس بالمبدإ تختلف باختلاف الموادّ والهيئات كقيام المبدأ به صدورا أو حلولا أو وقوعا عليه أو وقوعا فيه أو بنحو العينيّة كتلبّس ذات البارئ تعالى بأوصافه قال في الكفاية : إنّ الصفات الإلهيّة قائمة بذاته تعالى بنحو من القيام لا بأن يكون هناك اثنينيّة وكان ما بحذائه غير الذات بل بنحو الاتّحاد والعينيّة وكان ما بحذائه عين الذات.

وهذا الكلام منه لا إشكال فيه وإن كان قوله : (قائمة بذاته تعالى بنحو من القيام) مشعرا للزيادة ولكن تقييده بقوله : (لا بأن يكون هناك اثنينيّة) يكفي في شرح مراده وهو تحقّق الصفات في ذاته بنحو العينيّة.

وعليه فلا يرد عليه ما أورده في تهذيب الاصول من أنّ القول بعينيّة الصفات مع الذات غير القول بكونها قائمة بذاتها إذ لو قلنا بالقيام لتوجّه الإشكال ولا يندفع بما قال إلّا أن يراد بالقيام عدم القيام حقيقة ، لما عرفت من أنّ مراده بعد تقييد القيام بما لا يكون موجبا للاثنينيّة هو العينيّة وإنّما عبّر عن ذلك بالقيام من باب ضيق الخناق.

٥٨٢

ثمّ انقدح ممّا ذكر لحدّ الآن أنّ إطلاق الصفات كالعالم والقادر عليه تعالى من باب الحقيقة لتحقّق هذه المفاهيم في ذاته تعالى ولو كان بنحو العينيّة لا من باب النقل والمجاز.

وعليه فما ذهب إليه في الفصول بعد الالتزام بالإشكال «وهو أنّ هذه الصفات فيه تعالى لا تدلّ على المبدأ المغاير للذات مع أنّ اللازم في صدق المشتقّات هو وجود المبدأ المغاير للذات» من النقل أو المجاز فاسد لما عرفت من تحقّق معاني هذه الصفات في ذاته تعالى وكفاية المغايرة المفهوميّة في إفادة الحمل. هذا مضافا إلى ما في الكفاية من أنّ الصفات الإلهيّة لو كانت منقولة عن معانيها العامّة الجارية لزم إمّا لقلقة اللسان لو لم يكن لها معنى وإمّا اتّصاف الذات بمقابلها فتعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

وممّا ذكر يظهر ما في كلام استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره حيث قال أنّ المعقول في مثل (الله تعالى عالم وقادر) ، و (البياض أبيض) و (الوجود موجود) ونحوها ممّا لا مغايرة بين الموضوع والمحمول هو تخيّل المغايرة حتّى يصحّ الحمل ، لما عرفت من كفاية المغايرة المفهوميّة في صحّة الحمل أو إفادته وهي موجودة بين الموضوع والمحمول ولا حاجة إلى تخيّلها نعم المغايرة الخارجيّة ليست بموجودة إلّا أنّها ليست شرطا لصدق الحمل أو إفادته بل اعتبارها يضرّ بالحمل كما لا يخفى.

ثمّ إنّ البحث عن كيفيّة انتزاع المفاهيم المتغايرة عن ذات المبدأ المتعال مع بساطته وعدم كثرته موكول إلى محلّه.

* * *

الخلاصة

يقع الكلام في مقامات :

المقام الأوّل : في تحرير محلّ النزاع : وهو أنّ إطلاق المشتقّ على من انقضى عنه

٥٨٣

المبدأ في حال انقضاء المبدأ هل يكون حقيقة أم لا؟

المقام الثاني : أنّ المسألة لغويّة لا عقليّة لأنّ النزاع في تعيين حدود الوضع وأنّه لخصوص المتلبّس أو الأعمّ منه معقول وأمّا النزاع عقلا في عدم صحّة إطلاق المشتقّ على من زال عنه المبدأ بعد تلبّسه به فلا مورد له لوضوح أنّ المعنى الانتزاعيّ تابع لمنشا انتزاعه حدوثا وبقاء والمنشأ مفقود بعد الانقضاء فالانتزاع بدون منشأ الانتزاع غير معقول كما أنّ وجود المعلول بدون العلّة غير معقول. هذا مضافا إلى أنّ الاستدلال للمختار بالتبادر وعدم صحّة السلب ونحوهما ممّا يكون من علائم الحقيقة والمجاز ممّا يشهد على أنّ البحث لغويّ لا عقليّ.

المقام الثالث : أنّ البحث ليس في مبادئ المشتقّات وموادّها فإنّ المرجع فيها كتب اللغة ولا في كيفيّة اشتقاق المشتقّات فإنّ المرجع فيها هو علم التصريف ، بل البحث في معرفة معاينها من حيث أوضاعها النوعيّة وهي معاني هيآتها الكلّيّة الطارئة على مواردها.

المقام الرابع : أنّ المشتقّات المبحوثة عنها في المقام هي التي لها ذوات وتحمل عليها ويحكم باتّحادها معها لا مطلق المشتقّات حتّى التي لا تحكي عن الذوات ولا يجري عليها كالأفعال والمصادر مزيدة كانت أو مجرّدة إذ النزاع في أنّ إطلاق المشتقّ على من انقضى عنه المبدأ في حال الانقضاء حقيقة أم لا فرع وجود الذات وحمل المشتقّ عليها ولا ذوات ولا حمل ولا اتّحاد في المصادر والأفعال. ثمّ إنّ المشتقّات المحمولة على الذوات على قسمين : أحدهما ما كان لكل واحدة من مادّته وهيئته وضع خاصّ مستقلّ كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات وهي التي تسمّى بالمشتقّات المصطلحة وثانيهما ما ليس لذلك كالجوامد التي كانت منتزعة باعتبار أمر خارج عن مقام الذات وجارية عليه كعنوان الزوج فعنوان المشتقّ في المقام يعمّ كلاهما لعموم الملاك من الجريان والحمل على الذات فللبحث عن كونها موضوعة للذات المتلبّس

٥٨٤

أو الأعمّ مجال كما لا يخفى.

المقام الخامس : إنّ المشتقّات البحوث عنها في المقام لا يختصّ بأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بل تعمّ غيرها من المشتقّات لصيغ المبالغة واسم المكان واسم الزمان بل تشمل المشتقّات من أسماء الأعيان كلابن وتامر وتمّار وعطّار ونحوها لعموم اقتضاء الأدلّة إذ كلّ هذه الأوصاف ممّا له زوال فإذا زالت كان إطلاقها على الذوات المتّصفة بها حقيقة إن وضعت للأعمّ من المتلبّس بها ومجازا إن وضعت لخصوص المتلبّس بها والقول بأنّ اسم الآلة حقيقة فيما اعدّ واستعدّ للآليّة والاستعداد لا يكون ممّا يزول عن الآلة بل هو ثابت من أوّل وجودها إلى أن يهدم هيئتها رأسا فلا مجال حينئذ للبحث في كون إطلاق اسم الآلة عند انقضاء الاستعداد حقيقة أو مجازا إذ مع زوال الاستعداد لا يبقى ذات الآلة حتى يبحث عن إطلاق اسمها منه منع بمنع زوال الذات بزوال الاستعداد ألا ترى أنّ مع كسر بعض أسنان المفتاح زال عنه استعداد الفتح ولم يزل ذات المفتاح فيصحّ البحث عن كون إطلاق اسم المفتاح عليه حينئذ حقيقة أو مجازا كما أنّه لا وقع للقول بخروج صيغ المبالغة عن محلّ النزاع بدعوى أنّها موضوعة للاتّصاف بما يكثر صدور المبدأ عنه وهذا المعنى في صيغ المبالغة كالجلّاد أمر ثابت لا يزول عنه حتّى يبحث بعد الزوال عن كون إطلاقه عليه حقيقة أو مجازا وذلك لاعتبار دوام اتّصافه بكثرة صدور المبدأ عنه في إطلاق صيغ المبالغة فمع عدم دوام ذلك يجري البحث المذكور فيها أيضا.

ثمّ لا يخفى أنّ محلّ البحث هو العناوين التي لم تنقلب عن الوصفيّة إلى الاسميّة وإلّا فلا ينسبق منها إلّا ذات تلك الحقائق لا المبادئ رأسا وعليه فإذا اطلق بعض العناوين من باب الاسميّة لا الوصفيّة كالمسجد سليمان على بلد من بلاد الفارس فهو خارج عن محلّ البحث.

المقام السادس : إنّ النزاع في مسألة المشتقّ يكون في الوضع النوعيّ للهيئة أنّه يعمّ

٥٨٥

أو يخصّ من دون اختصاص بمادّة دون مادّة كما هو تقتضي بأمر سابق من أنّ وضع الهيئات نوعيّ لا شخصيّ مثلا هيئة فافعل وضعت لمعنى وهيئة مفعول وضعت لمعنى وهكذا.

وعليه فحيث أنّ زنة الفاعل وضعت نوعيّا لاتّصاف خاصّ من غير نظر إلى المواد وخصوصيّات المصاديق بطل القول بخروج الناطق والممكن وما اشبههما ممّا ليس له معنون وذات باق بعد انقضاء المبدأ عنها إذ قد عرفت أنّ النزاع عنون بعنوان عامّ وهو كافل لإدخالها تحته ولا يكون وضع الهيئات باعتبار المواد متكثّرا ومتعدّدا.

وعدم جريان النزاع في الموارد المذكورة من جهة عدم إمكان بقاء الذات فيها مع زوال المبدأ لا يوجب عدم جريانه في كلّيّ الهيئة التي تعمّ ما يعقل فيه بقاء الذات فيها مع زوال المبدأ فلا يكون البحث حينئذ عن سعة مفهوم الهيئة وضيقه لغوا بعد ما كانت الذات باقية حال الانقضاء في جملة من الموارد وما نحن فيه من هذا القبيل.

المقام السابع : إنّ جريان النزاع في اسم الزمان مورد الاختلاف ذهب بعض الأعلام إلى خروجه عن محلّ النزاع بدعوى أنّ الذات المعتبر في اسم الزمان وهو نفس الزمان ومن المعلوم عدم قابليّته للبقاء حتّى يقع النزاع في صدق الاسم عليه حقيقة بعد الانقضاء حسب ما هو الشأن في سائر المشتقات.

واجيب عنه بأن المتصرّم مثل الزمان باق بنظر العرف ولذا حكموا ببقاء الموضوع في استصحاب الزمان لو شكّ في بقائه مع أنّ وحدة الموضوع في القضيّة المتيقّنة والقضيّة المشكوكة معتبرة.

وليس حكمهم ببقاء المتصرّم مسامحيّ بل هو دقّي وإلّا لم يجر الاستصحاب كما لا يخفى وعليه يكون اليوم العاشر من المحرّم الذي قتل فيه سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عليهما‌السلام له حدوث وبقاء كسائر الأشياء القارّة فإذا كان اليوم في ساعة منه متلبّسا بالمبدإ وهو القتل وفي ساعة اخرى غير متلبّس به بل كان منقضيا يصدق عليه في

٥٨٦

الساعة الثانية أنّ ذات اليوم كانت متلبّسا بهذا الحدث والآن انقضى عنها المبدأ مع بقاء الذات نعم إطلاق المقتل على غير اليوم العاشوراء من تلك السنة التي قتل فيها الحسين عليه‌السلام يكون مجازا على كلّ حال سواء قلنا بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعم أولا لأنّ إطلاق المقتل على اليوم العاشوراء في سائر السنوات من باب المماثلة كما أنّ صدق المقتل على يوم العاشوراء لا يستلزم صدقه على سائر الأيّام والليالي من تلك السنة لأنّ لليوم حدّا ينتهي بمجيء ليله والعرف كما يدرك الوحدة الاتّصاليّة لليوم فكذلك يدرك تصرّمه وتقضّيه بمجيء الليل فإذا وقعت واقعة في اليوم لا يرى زمان الوقوع عند مجيء الليل أو سائر الأيّام باقيا.

فبهذا الاعتبار يمكن أن يقع النزاع في اسم الزمان كمقتل الحسين عليه‌السلام هل يكون موضوعا لخصوص زمان وقوع الحادثة الذي يتّصف بوصف القتل وتلبّس به أو للأعمّ منه حتّى يشمل سائر ساعات يوم قتل الحسين عليه‌السلام.

المقام الثامن : إنّ خروج العناوين الغير الاشتقاقيّة كعنوان الماء والإنسان عن محلّ النزاع لعلّه من جهة أنّ تلك العناوين منتزعة عن الذات بما هو ذات عرفا فإذا انتفى الذات عرفا فلا مجال لبقاء العنوان عرفا حتّى يبحث عن كون إطلاقه حقيقة أو مجازا وعليه فمع تبدّل الماء بشيء آخر أو الإنسان بالتراب لا يصحّ النزاع في أنّ صدق الماء على ذلك الشيء الآخر أو صدق الإنسان على التراب هل هو حقيقة أو مجاز لعدم بقاء الذات بحكم العرف كما لا يخفى والمعيار هو الحكم العرفيّ لا حكم العقليّ بأنّ فعليّة الشيء بصورته لا بمادّته حتّى يرد عليه أنّ النزاع في المقام لغويّ لا عقليّ فلا تغفل.

المقام التاسع : إنّ وجه دخول المشتقّات الغير الاصطلاحيّة في محلّ النزاع هو اشتراكها مع المشتقّات الاصطلاحيّة في الملاك فإنّ بقاء الذات في المشتقّات الاصطلاحيّة كما يكون موهما لصدق الوصف عليها بعد زوال تلبّسها بمبدئه فكذلك

٥٨٧

يكون بقاء الذات في المشتقّات الغير الاصطلاحيّة موهما لذلك وهذا الملاك ليس في سائر الجوامد لأنّ الذات فيها منعدمة عرفا بانعدام عناوينها فلا يبقى الذات حتّى يكون موهما لصدق الوصف عليها وعليه فالفرق بين الماء والإنسان وبين الزوجة والرقّ والحرّ واضح إذ الذات في مثل الزوجة ونحوها محفوظة بعد زوال تلبّسها بالزوجيّة بخلاف الماء والإنسان فإنّ الذات منعدمة بانعدام الماء والانسانيّة عرفا.

وممّا ذكر يظهر أنّ المراد من المشتقّ في موضوع البحث هو كما في الكفاية مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا عنها بملاحظة اتّصافها بعرض أو عرضيّ ولو كان جامدا كالزوج والزوجة والرقّ والحرّ.

المقام العاشر : إنّ الأوصاف المشتقّة كأسامي الأجناس في عدم دلالتها على الزمان لا بنحو الجزئيّة ولا بنحو القيديّة سواء كان المراد من الزمان زمان النطق أو زمان التلبّس أو زمان الجري والحمل.

وعليه فالمراد من الحال في عنوان المسألة وهو أنّ المشتقّ حقيقة في خصوص ما تلبّس بالمبدإ في الحال أو فيما يعمّه وما انقضى عنه هو الفعليّة والاتّصاف أي أنّ المشتقّ حقيقة في خصوص المتّصف بالمبدإ أو الأعمّ منه.

وذلك لأنّ البحث في المشتقّ إنّما هو في المفهوم اللغويّ التصوّريّ ومن المعلوم أنّ زمان الجري والحمل وزمان النطق والنسبة الحكميّة متأخّر عن زمان الوضع فلا يحتمل دخالة تلك الأزمنة في الوضع المتقدم.

ويؤيّد ذلك اتّفاق أهل العربيّة على عدم دلالة الاسم على الزمان ومنه المشتقّات وأمّا اشتراط عمل اسمي الفاعل والمفعول بالدلالة على زمان الحال أو الاستقبال بالقرينة المقرونة لا ينافي عدم دلالتها عليه بالوضع.

وحيث لا تدلّ الأوصاف المشتقّة على الزمان يكون مثل زيد كان قائما بالأمس أو سيكون ضاربا حقيقة مع أنّه لو كان زمان النطق مأخوذا فيها لكان مجازا لاحتياجه

٥٨٨

إلى التجريد.

فالمشتقّات التصوّريّة كالجمل الحمليّة لا تدلّ على الأزمنة بنفسها هذا بخلاف الأفعال فإنّ هيئة الماضي والمضارع تكونان ظاهرتين في السبق واللحوق الزمانين ولذا يكون مثل زيد ضرب غدا أو يضرب أمس غلطا وعليه فهيئة ضرب تدلّ على الحدث السابق وهيئة يضرب تدلّ على الحدث اللاحق.

المقام الحادي عشر : إنّ مبادئ المشتقّات مختلفة منها ما يكون من قبيل الأفعال الخارجيّة التي يكون انقضائها برفع اليد عنها كالقيام ونحوه ومنها ما يكون من قبيل الاستعداد أو القوّة أو الملكة التي لا يكون انقضائها إلّا بزوال الاستعداد أو القوّة أو الملكة كالاجتهاد ومنها ما يكون من قبيل الحرفة التي يكون انقضائها بالإعراض عنها كحرفة الخياطة والتجارة وإن لم يشتغل بها فعلا.

هذا الاختلاف يستفاد من ألفاظ المشتقّات بخصوصها التصوّريّة مع قطع النظر عن الجري والحمل فإذا عرفت اختلاف المبادئ فالتلبّس والانقضاء في كلّ واحد منها بحسبه ففي الأوّل يكون التلبّس بالحدوث والانقضاء يرفع اليد وفي الثاني يكون التلبّس بحصول الاستعداد أو القوّة أو الملكة ولم يزل هذا التلبّس إلّا بزوال هذه الامور وفي الثالث يكون التلبّس بأخذ تلك المبادئ حرفة أو صنعة والانقضاء بتركها والإعراض عنها فالتلبّس فعليّ ما دام لم يعرض عنها وإن لم يشتغل بها فعلا بجهة من الجهات وكيف ما كان فلا يوجب اختلاف المبادئ اختلافا في دلالة المشتقّات بحسب الهيئة ولا تفاوتا في الجهة المبحوث عنها فإن كان المشتقّ حقيقة في من تلبّس بالمبدإ فهو كذلك في جميع الأنحاء المذكورة كلّ بحسبه.

المقام الثاني عشر : أنّه إذا شكّ في أنّ الموضوع له فى المشتقّات هو المتّصف بعنوان بعض صفاته من دون شرط وقيد حتّى يكون أعمّ أو مع اشتراط بقاء الاتّصاف حتّى يختصّ بالمتلبّس بالمبدإ فمقتضى الأصل اللفظيّ هو الأوّل إن كان الإطلاق ذاتيّا

٥٨٩

لا لحاظيّا كما هو الحقّ فإنّ مجرّد ملاحظة الماهيّة اللابشرط التي تكون خالية عن القيود والشروط كاف للسريان والإطلاق بعد كون المتكلّم في مقام بيان موضوع حكمه سواء كان الحكم شرعيّا أو وضعيّا ولا حاجة إلى ملاحظة السريان والإطلاق هذا بخلاف الخاصّ فإنّه يحتاج إلى ملاحظة الخصوصيّة فتجري فيه أصالة عدم الخصوصيّة ولا تكون معارضة مع أصالة عدم ملاحظة الإطلاق بعد ما عرفت من أنّ الإطلاق ذاتيّ لا لحاظيّ ومعنى الإطلاق والسريان في المقام هو أنّ المشتقّات كانت موضوعة للأعمّ لا لخصوص المتلبّس بالمبدإ هذا كلّه بالنسبة إلى الأصل اللفظيّ.

وأمّا الأصل العمليّ ففيه تفصيل لأنّ الشكّ إن كان في حدوث الحكم بعد زوال العنوان الذي اخذ في الموضوع فالمرجع هو أصالة البراءة كما إذا فرضنا أنّ زيدا كان عالما ثمّ زال عنه العلم وبعد ذلك يرد دليل على وجوب إكرام كلّ عالم فشككنا في وجوب إكرام زيد لاحتمال كون المشتقّ موضوعا للأعمّ.

وإن كان الشكّ في بقاء الحكم بعد حدوثه وثبوته فالمرجع هو استصحاب البقاء كما لو كان زيد عالما وأمر المولى بوجوب إكرام كلّ عالم ثمّ بعد ذلك زال عند العلم وأصبح جاهلا فلا محالة نشك في بقاء الحكم لاحتمال كون المشتقّ موضوعا للأعمّ فيجري استصحاب بقائه بعد حكم العرف بأنّ الأوصاف من قبيل الأحوال فيقال إنّ زيدا كان إكرامه واجبا والآن كما كان. هذا بناء على عدم وجود دليل على أنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدإ وأمّا مع إقامة الدليل فلا مجال للأصل مطلقا وسيأتي أنّ الدليل موجود في المقام.

المختار

الحقّ أنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدإ لا الأعمّ يدلّ عليه امور :

منها تبادر المتلبّس من لفظ العالم ومنها صحّة سلب عنوان المشتقّ عمّن انقضى

٥٩٠

عنه المبدأ.

ومنها تضادّ الصفات المتقابلة كتضادّ العالم مع الجاهل مع أنّ المشتقّ لو كان موضوعا للأعمّ لما كان بين الصفات المذكورة تضادّ لإمكان صدقهما معا على الذات في زمان واحد كالصفات المتخالفة لجواز إرادة الفعليّ من العالم ومن انقضى عنه المبدأ من الجاهل أو بالعكس إذ المفروض أنّهما موضوعان للأعمّ فإذا اجتمعا اريد منهما ما يمكن الجمع بينهما بالنحو المذكور.

ومنها جواز الاستعمال المجرّد عن القرينة في خصوص المتلبّس فإنّه يكشف عن كون اللفظ موضوعا له وإلّا فلا يستعمله الحكيم فيه من دون إقامة القرينة لكون الاستعمال المذكور غلطا بناء على وضعه للأعمّ بعد فرض تجرّده عن جميع علاقات المجاز.

ثمّ إنّ تقدّم رتبة بعض هذه العلائم بالنسبة إلى البعض لا يضرّ بإطلاق العلامة على جميعها باعتبار التلازم الموجود بينها لا سيّما إذا أمكن أن لا يلتفت المستمع أو المخاطب إلى الملزوم فهو بالتفاته إلى اللازم أحرز الحقيقة كما لا يخفى.

لا يقال إنّ في مثل المضروب والمقتول لا يدوم الضرب والقتل ومع ذلك لا يصحّ سلبهما فعدم صحّة السلب لا يكون شاهدا على أنّه حقيقة في المتلبّس بالمبدإ لأنّا نقول إن اريد بالقتل أو الضرب نفس ما وقع على الذات ممّا صدر عن الفاعل ففيه أنّه نمنع عدم صحّة السلب في حال انقضائهما لوضوح صحّة أن يقال أنّه ليس بمضروب أو مقتول في الآن وصحّة السلب دليل على كونهما حقيقة في المتلبّس بهما دون من انقضى عنه المبدأ. وإن اريد بهما معنى آخر ولو مجازا كإرادة عدم الروح من القتل والجراحة أو الإيلام من الضرب فالتلبّس بهما يكون باقيا حتّى حال انقضاء حدث الضرب والقتل وباعتبار بقاء التلبّس بعدم الروح أو الجراحة والإيلام لا يصحّ سلبهما.

ولكن ذلك يكون خارجا عن محلّ الكلام إذ محلّ البحث هو إطلاق المشتقّ على

٥٩١

من انقضى عنه المبدأ وفي مثل المذكور لا ينقضي عنه المبدأ.

استدلالات الأعمّيّ

واستدلّ الأعمّيّ بقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) تبعا للاستدلال به في الروايات على عدم لياقة من سبق منه الظلم لمنصب الإمامة وإن تاب وصار عادلا ومن المعلوم أنّ ذلك لا يكون موجّها إلّا بأن كان المشتقّ موضوعا للأعمّ من المتلبّس بالمبدإ وإلّا فلا مجال للاستدلال به في من انقضى عنه المبدأ.

وفيه أوّلا أنّ الاستعمال في الأعمّ بقيام القرينة لا يكون دليلا لكون المشتقّ حقيقة في الأعمّ والقرينة هي فخامة أمر الإمامة والخلافة بحيث لا تنالها يد من تلوّث بلوث الظلم والمعصية ولو آناً ما وتشهد على هذه الفخامة الامتحانات المقدّماتيّة لإفاضتها مع كون إبراهيم عليه‌السلام نائلا لمنصب النبوّة والخلّة.

وثانيا أنّ عنوان «الظالمين» مستعمل بلحاظ حال التلبّس ولو آناً ما لا بلحاظ حال الانقضاء كقولهم كان زيد ضاربا أمس لأنّ إبراهيم عليه‌السلام أجلّ شأنا من أن يسأل عن الله تعالى تلك الإمامة الشامخة بقوله ومن ذرّيّتى بعد قوله عزوجل (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) لذرّيّته الذين يكونون في جميع عمرهم من الظالمين أو الذين يكونون كذلك في حال إعطاء الإمامة وبعده فالمناسب له هو أن كان يسألها للعادلين في جميع العمر أو في حال إعطاء الإمامة وبعده. فأجابه سبحانه وتعالى بنيل الذين لم يظلموا أصلا لتلك الرتبة دون من صدر منهم الظلم في برهة من الزمن وعليه فلفظ الظالمين بالقرينة المذكورة مستعمل في حال التلبّس لا بلحاظ حال الانقضاء فليس هذا الاستعمال دليلا على كونه موضوعا للأعمّ كما لا يخفى.

فلا وجه للاستدلال بالآية الكريمة لإثبات أنّ لفظ المشتقّ حقيقة في الأعمّ مع ما عرفت من تبادر لفظ المشتقّ في المتلبّس بالمبدإ واحتمال استعماله في الآية على وجه

٥٩٢

لا ينافي ذلك فلا تغفل.

تنبيهات :

التنبيه الأوّل في بساطة المشتقّ والمراد منها

الحق أنّ المشتقّ موضوع لأمر وحدانيّ وإن كان عند التحليل العقليّ مركّبا من أمرين ذات ونعت وذلك لعدم انطباع شيء في مرآة الزمن عند إدراك المشتقّ إلّا صورة علميّة واحدة سواء كان بسيطا في الخارج كالأعراض كقولنا البياض أبيض أو مركّبا حقيقيّا كالإنسان ونحوه من الأنواع المركّبة أو مركّبا اعتباريّا كالدار والبيت وغيرهما.

وهذه البساطة بساطة إدراكيّة ولحاظيّة وملاكها وحدة الصورة الإدراكيّة سواء أمكن تحليلها إلى معان متعدّدة أم لا وعليه فالتحليل العقليّ لا ينافي البساطة الإدراكيّة واللحاظيّة فكما أنّ من نظر إلى النجم لا يرى في بدو النظر جسيما ونورا مرتبطين بل يرى معنونا بعنوان النورانيّة كذلك من رأى ضاربا لا يرى في بدو النظر ذاتا وضربا مرتبطين بل يرى معنونا بعنوان الضاربيّة الذي يعبّر عنه في الفارسيّة ب «زننده» وإن جاز تحليله في مقام الشرح إلى ذات ثبت له الضرب وهذا أمر لا غبار عليه وهو المناسب للمقام لأنّ البحث هنا عن مفاهيم المشتقّات لغة وعرفا.

ودعوى أنّ البحث لزم أن يكون في البساطة الحقيقيّة والعقليّة لا الإدراكيّة لأنّ البساطة الإدراكيّة ممّا لا يكاد يشكّ فيها ذو مسكة بخلاف البساطة الحقيقيّة فانّها قابلة للبحث من حيث خروج الذات عن المشتقّات وتمحّضها في المبدأ والنسبة أو من حيث خروج الذات والنسبة عن المشتقّات وتمحّضها في المبدأ فقط وكون الفرق بين مدلول لفظ المشتقّ ومدلول لفظ المبدأ فرق اعتباريّا مندفعة بأنّ المباحث الفلسفيّة التي يبحث فيها عن حقائق الأشياء لا تساعد المفاهيم العرفيّة واللغويّة

٥٩٣

المبحوثة عنها في مباحث الألفاظ فما ذكره السيّد الشريف في مقام تعريف الفصل الحقيقيّ بحسب اصطلاح المنطقيّين لا يرتبط بمقامنا من تعيين معاني المشتقّات لغة وعرفا في الكتاب والسنّة.

وكيف كان فالدليل على البساطة الإدراكيّة هو التبادر المشهود بالوجدان عند إدراك المشتقّات فإنّا لا نفهم من مثل الضارب إلّا أمرا وحدانيّا قابل للتحليل إلى معنون وعنوان صدور الضرب منه لا مركّبا من الشخص وصدور الضرب ولا نفس المبدأ والعنوان من دون المعنون كما يشهد له صحّة أخذ المشتقّات موضوعا في القضايا الحمليّة أو متعلّقا للحكم في القضايا الإنشائيّة كقولنا الضاحك إنسان أو صلّ خلف العادل أو صحّة جعل المشتقّات محمولة في القضايا الحمليّة كقولك زيد عالم.

لأنّ ملاك صحّة الحمل في الحمل الشائع هو الاتّحاد في الوجود والاختلاف في المفهوم ولا ريب في وجود الملاك مع كون الموضوع له في المشتقّ هو المعنون دون نفس العنوان إذ لا اتّحاد بين الضحك والإنسان والعلم والزيد.

لا يقال صحّة حمل الوجود على الوجود أو المضيء على الضوء ونحوهما يدلّ على أنّ مفاد المشتقّ ومعناه هو نفس المبدأ فقطّ والذات والنسبة ليستا داخلتين في مفهومه أصلا والفرق بين المبدأ والمشتقّ هو باعتبار المبدأ بشرط لا والمشتقّ لا بشرط.

لأنّا نقول إنّ الإبهام المأخوذ في مفهوم المشتقّ حيث كان من جميع الجهات حتّى من حيث كونه عين المبدأ في الخارج يصحّح حمل الموجود على الوجود ونحوه حيث لم يعتبر في العنوان المذكور أن لا يكون عين المبدأ خارجا فالأمر الوحدانيّ المتبادر من المشتقّ كاف لصحّة الحمل هذا مضافا إلى جواز تخيّل المغايرة بينهما وإن لم لكن بينهما مغايرة حقيقة على أنّ المغايرة المفهوميّة تكفي في صحّة الحمل.

٥٩٤

وبالجملة أنّ المشتقّ موضوع لمعنى بسيط إدراكا وتصوّرا ولكنّه قابل للتحليل إلى الذات والمبدأ عقلا فالقول بوضعه للمركّب ممنوع كالقول بأنّه موضوع للبسيط الذي لا يكون قابلا للتحليل إلى الذات والمبدأ والدليل عليه هو التبادر وصحّة الإسناد والحمل وأما الاستدلالات العقليّة للبساطة العقليّة فهي أجنبيّة عن إثبات معاني المشتقّات لغة وعرفا بل هي مناسبة تبيين معاني الفصول الحقيقيّة بحسب اصطلاح المنطقيّين هي ما فيه من النقض والإبرام.

التنبيه الثاني في الفرق بين المبدأ والمشتقّ

ولا يخفى عليك الفرق بينهما بعد ما عرفت من أنّ المشتقّ موضوع لأمر وحدانيّ قابل للتحليل العقليّ إلى معنون مبهم وعنوان بخلاف المبدأ فإنّه موضوع لنفس العنوان ولذا يجوز حمل المشتقّ دون المبدأ بلا إعمال العناية إذ المعنون المبهم قابل للاتّحاد مع الموضوع بعكس المبدأ فإنّه غير الموضوع ولا اتّحاد بينهما وعليه فالفرق بين المشتقّ والمبدأ فرق جوهريّ ناش من كيفيّة الوضع ولا حاجة مع وجود الفرق الجوهريّ إلى الفرق الاعتباريّ مع ما فيه من الضعف هذا مضافا إلى أنّ اعتبار المبدأ بشرط لا والمشتقّ لا بشرط بحسب الحمل لا يصحّح الحمل في المشتقّ بناء على عدم وجود الفرق الجوهريّ وعينيّة المشتقّ مع المبدأ أو مثل العلم والحركة والضرب ونحوها ممّا يمتنع حملها على الذوات لا تصير قابلة للحمل باعتبارها لا بشرط كما لا يخفى.

وكيف ما كان فمن صحّة حمل المشتقّ يعلم أنّ لمادّة المشتقّات معنى ولهيئتها معنى آخر به صار قابلا للحمل وهذا هو معنى التركيب الانحلاليّ.

التنبيه الثالث في ملاك الحمل

ولا يذهب عليك لزوم اعتبار الاتّحاد في صحّة حمل شيء على شيء ولو كان الاتّحاد من وجه إذ بدونه لا يصحّ الحمل لوجود المباينة المطلقة بين الموضوع

٥٩٥

والمحمول.

ثمّ إنّ الاتّحاد على أنحاء منها أن يكون بحسب المفهوم كقولنا الإنسان إنسان بالضرورة وهو الذي يعبّر عنه بحمل الشيء على نفسه ولا فائدة فيه إلّا دفع توهّم إمكان سلب الشيء عن نفسه.

ومنها أن يكون بحسب الهوهويّة بالذات والحقيقة وهو ملاك الحمل الأوّليّ والمغايرة حينئذ تكون بالاعتبار الموافق للواقع لا بالفرض كمغايرة حيوان ناطق مع الإنسان بالإجمال والتفصيل وهو الذي يعبّر عنه بالحمل الأوّليّ الذاتيّ.

ومنها أن يكون الاتّحاد بحسب المصداق والوجود وإن كانا متغايرين بحسب المفهوم والحمل فيه يرجع إلى كون الموضوع من أفراد المحمول ومصاديقه كقولنا الإنسان قائم وهو الذي يعبّر عنه بالحمل الشائع الصناعيّ ولا بدّ فيه من وجود واحد ينسب إلى الموضوع والمحمول ولا يعقل بدونه حمل أحد المتغايرين في الوجود على الآخر وعليه فلو كان بين الموضوع والمحمول مغايرة في الوجود كقولنا زيد ضارب بناء على كون المشتقّ عين المبدأ أعني الضرب فلا يصحّ حمله على زيد واعتبار لا بشرط في المتغايرين في الوجود لا يصحّح الحمل لعدم إيجابه تغييرا في المتغايرين كما أنّ اعتبار المجموع واحدا وملاحظة الحمل بالإضافة إلى المجموع من حيث الهيئة الاجتماعيّة حتّى يكون الحمل بالإضافة إلى المتّحدين في الوجود بنحو من الاعتبار لا يجدي في رفع المغايرة الحقيقيّة الخارجيّة وحصول الاتّحاد في الوجود الخارجيّ وعليه فلو كان المشتقّ عبارة عن نفس المبدأ فاعتباره لا بشرط أو اعتبار المبدأ والذات شيئا واحدا وملاحظة الحمل بالإضافة إلى المجموع لا يجدي في صحّة الحمل لأنّ الاعتبارات لا توجب الاتّحاد الحقيقيّ في ظرف الحمل وهو الخارج فاللازم هو ما عرفت في معنى المشتقّ من أنّه موضوع لأمر وحدانيّ قابل للانحلال وهذا الأمر الوحدانيّ أمر مبهم يقبل الحمل على الذات وهو أمر ينتزع عن مثل زيد بلحاظ قيام

٥٩٦

الضرب به قيام الفعل بفاعله أو العرض بموضوعه ومنشأ الانتزاع أمر واقعيّ لا اعتباريّ كما لا يخفى.

التنبيه الرابع

إنّ المعيار في صحّة الحمل الشائع الصناعيّ كحمل المشتقّ على موضوع ليس إلّا مجرّد تحقّق حيثيّة المبدأ في الخارج سواء كان قائما بالموضوع بقيام الانضماميّ كما في صدق الأسود على الجسم أو كان قائما بقيام انتزاعيّ كما في صدق الفوق على شيء أو كان منفردا في ذات الموضوع بنحو الجزئيّة كما في تقرّر الإنسانيّة في ذات الزيد المتشخّص بالوجود أو كان متّحدا مع الموضوع في الوجود كما في حمل الجنس على الفصل وبالعكس أو كان عين تمام ذات الموضوع كما في صدق الأسود على السواد والموجود على الوجود أو كان زائدا عليه أو غير ذلك من الخصوصيّات المصداقيّة فالمعتبر في صحّة الحمل هو إفادة المشتقّ مجرّد تحقّق هيئة المبدأ وعليه فزيادة العنوان على المعنون ليس من مدلول المشتقّ وإن كان من خصوصيّات المصاديق غالبا وممّا ذكر يظهر أنّ صدق المشتقّ فيما إذا كان عين الذات لصفاته تعالى ليس بمجاز بل هو حقيقة بعد عدم دلالة نفس المشتقّ على زيادة العنوان على المعنون فكما أنّ صدق عالم على زيد حقيقة فكذلك يكون صدقه على الله تعالى مع أنّ العلم فيه سبحانه عين ذاته على مذهب الإماميّة من دون حاجة إلى النقل أو القول بالمجاز والتغاير المفهوميّ في صفات المبدأ المتعال مع الذات وإن كانا متّحدين في الوجود والمصداق كاف في صحّة الحمل وإفادته.

التنبيه الخامس

إنّ مفهوم صفات الله سبحانه وتعالى وتطبيقها عليه ممّا يعرفه العرف لما عرفت من أنّ المناط في صدق المشتقّات ليس إلّا تعنون الذات بمعنونيّة تحقّق المبدأ فيه من دون دخل للخصوصيّات المصداقيّة وهذا التحقّق لا يحتاج إلى التعمّل والتأمّل الخاصّ وإنّما

٥٩٧

الذي يحتاج إلى التأمّل والتعمّل هو كيفيّة التطبيق لا أصل التطبيق فإنّ تطبيق المفاهيم على مصاديقه وتبيين معاني الألفاظ ومعانيها بيد العرف وعليه فدعوى عدم اطّلاع العرف على مثل هذا التلبّس كما ترى.

والحمد لله أوّلا وآخرا

وقد تمّ البحث عن المقدّمات في اليوم الثاني من المحرّم الحرام

من سنة ١٤١٤ بعد الهجرة النبويّة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ويليه المقصد الأوّل في الأوامر إن شاء الله تعالى

* * * *

٥٩٨

فهرس «المقدّمة الكتاب عمدة الاصول»

مقدّمة المقدّمة.................................................................... ٩

الفصل الأوّل : إطلالة عابرة على ذكرى عمدة الاصوليّين ومصنّفاتهم.................. ١٢

الأمر الأوّل : في معرفة الاصوليّين من أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام في زمن الحضور........ ١٢

١ ـ القرن الثاني.............................................................. ١٢

أ : هشام بن الحكم.......................................................... ١٢

ب : يونس بن عبد الرحمن................................................... ١٣

٢ ـ القرن الثالث............................................................ ١٣

أ : محمّد بن أبي عمير....................................................... ١٣

ب : دارم بن قبيضة......................................................... ١٤

ج : يعقوب بن إسحاق السكّيت............................................. ١٤

د : الفضل بن شاذان........................................................ ١٤

الأمر الثاني : في معرفة الاصوليّين من الشيعة في زمن الغيبة الصغرى................ ١٥

١ ـ القرن الثالث............................................................ ١٥

أ : إسماعيل بن عليّ ، أبو سهل النوبختيّ........................................ ١٥

٥٩٩

٢ ـ القرن الرابع.............................................................. ١٦

أ : الحسن بن موسى ، أبو محمّد النوبختيّ....................................... ١٦

ب : عليّ بن إبراهيم الهاشميّ القمّيّ............................................ ١٦

ج : عبد الله بن جعفر الحميريّ............................................... ١٦

الأمر الثالث : في معرفة الاصوليّين من الشيعة في زمن الغيبة الكبرى................ ١٧

١ ـ القرن الرابع.............................................................. ١٧

أ : محمّد بن العبّاس (ابن الحجّام)............................................. ١٧

ب : أبو منصور الصرّام...................................................... ١٧

ج : عليّ بن أحمد (أبو القاسم الكوفيّ)........................................ ١٨

د : يحيى بن محمّد بن أحمد................................................... ١٨

ه : ابن داود القميّ......................................................... ١٨

و : أبو عليّ الكاتب الإسكافيّ (ابن الجنيد).................................... ١٩

ز : أحمد بن فارس اللغويّ.................................................... ١٩

٢ ـ القرن الخامس............................................................ ٢٠

أ : أحمد بن عبد الواحد البزّاز................................................. ٢٠

ب : أحمد بن عليّ السيرافيّ................................................... ٢٠

ج : محمّد بن محمّد (الشيخ المفيد)............................................ ٢٠

د : عليّ بن الحسين (السيّد المرتضى).......................................... ٢١

ه : سالار (سلّار) بن عبد العزيز الديلميّ..................................... ٢٢

و : محمّد بن عليّ الكراجكيّ................................................. ٢٢

ز : محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسيّ)......................................... ٢٣

ح : حسن بن محمّد (ابن الشيخ الطوسيّ ، المفيد الثاني)......................... ٢٣

٦٠٠