عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

العرفيّ وإعدامه وبين رجوعها إلى نفيه شرعا. فذهب في الأوّل إلى عدم جواز التمسّك بالإطلاق عند الشكّ بناء على كون أسامي المعاملات موضوعة للمسبّبات بعد رجوع الأدلّة الرادعة كقوله تعالى : (حَرَّمَ الرِّبا). إلى نفي الموضوع وإخراجه تخصّصا عن أدلّة الإمضاء إذ نفي الآثار مع إمضاء أصل الموضوع لغو جدّا بل مخالف لارتكاز أهل الشرع. فإن أمضاه شرعا كان موجودا وإن ردعه فلا شيء. لا أنّه موجود وخصّص في ناحية الآثار ولذلك اشتهر أنّ أمر المسبّب يدور بين الوجود والعدم وعليه يشكل التمسّك بالإطلاق لصيرورة الشبهة مصداقيّة فإنّ المشكوك إمّا داخل تحت الموضوع العرفيّ أو خارج عنه بالردع الشرعيّ والمسبّب العرفيّ متعنون بغير المردوع والمنفيّ وصدق هذا المفهوم على المشكوك غير محرز ويكون الأخذ بالموضوع العرفيّ أخذا بالإطلاق في الشبهات المصداقيّة. وذهب في الثاني إلى جواز التمسّك بالاطلاق عند الشكّ فإنّ مفاد أدلّة الردع حينئذ هو التخصيص الحكميّ مع بقاء الاعتبار العرفيّ فإنّ إعدام الموضوع عن محيط العرف باطل لرجوعه إلى إعدام الاعتبارات العرفيّة مع أنّه خارج عن محدودة قوّة التشريع وقدرته بل الموضوع العرفيّ باق على حاله وإنّما يراد بالإخراج إخراجه عن محيط الشرع فإنّ نفي الآثار ورفع الأحكام مع بقاء الموضوع في محيط الشرع لغو ولكن هذا المعنى لا يوجب إخراجه عن تحت أدلّة الإمضاء موضوعا لأنّ المفروض أنّ موضوعها عرفيّ لا شرعيّ ففي المورد المشكوك يصدق عليه الموضوع العرفيّ ولا يكون من الشبهات المصداقيّة للموضوع وعليه فالأخذ بالإطلاق اللفظيّ لا مانع منه وهو مقدّم على الإطلاق المقاميّ لكشف حال الموضوع للاستغناء عنه بجريان الإطلاق اللفظيّ.

ملاحظة التفصيل المذكور

وفيه : أنّ الأدلّة الرادعة لا تنفي الموضوع والاعتبار العرفيّ في الصورة الاولى بنحو

٤٢١

كلّيّ إجمالا حتّى يتعنون بغير المنفيّ أو بغير المردوع فيكون صدق الموضوع حينئذ مشكوكا بل تردع بعض الموارد كالبيع الربويّ وبيع المنابذة وبيع الكالي بكالي وبيع الغرريّ وغير ذلك من العناوين الخاصّة فيتعنون الموضوع العرفيّ بما يكون غير هذه العناوين الخاصّة والموضوع العرفيّ المتعنون بغير هذه العناوين الخاصّة صادق على المشكوك كالمعاطاة التي شكّ في اعتبار الصيغة فيها شرعا أم لا فإنّه بيع وليس بربويّ ولا بمنابذة ولا كالي بكالي ولا بغرريّ فمع صدقه عليه لا يكون الأخذ بالإطلاق أخذا به في الشبهات المصداقيّة إذ إخراج المعاطاة عن تحت البيع العرفيّ غير معلوم فصدق البيع عليها وإطلاقه عليها يوجب شمول أدلّة الإمضاء لها فيكون حجّة ولا يرفع اليد عنها من دون إقامة حجّة اخرى تخصّص أدلّة الإمضاء وبالجملة يدور الأمر بين قلّة وكثرة المخصّصات الواردة المخرجة بعض الموارد عن تحت الموضوع العرفيّ ولا إشكال في حجّيّة الموضوع العرفيّ والإطلاق أو العامّ ما لم يثبت التخصيص الزائد ولذا نجوّز التمسّك بالعامّ في الشبهات المفهوميّة كما لا يخفى. فالتفصيل بين الإخراج الموضوعيّ وبين الإخراج الحكميّ أو بين التخصيص والتخصّص لا محصّل له.

التفصيل بين الأجزاء والشرائط :

تبصرة : ذهب بعض متأخّري المتأخّرين على ما في الفصول إلى التفصيل بين الأجزاء والشرائط في اعتبار الأوّل في صدق الإسم دون الثاني وفي صحّة التمسّك بالأصل في نفي الشرط الاحتماليّ دون الجزء الاحتماليّ. وكان منشأ التفصيل المذكور هو تخيّل انحصار أجزاء الشيء في المدخليّة في ماهيّته والمقوّميّة لحقيقته ولذا صارت متعيّنة للاعتبار في حقيقة الشيء بخلاف الشرائط. فإنّها معتبرة في المطلوبيّة ولا مدخليّة لها في الصدق.

ثمّ أضاف إلى ذلك أنّ أدلّة القول بالصحّة لا تساعد على اعتبار ما زاد على الأجزاء في صدق الاسم وأدلّة القول بالأعمّ لا تنفي اعتبار ما عدا الشرائط.

٤٢٢

إشكال صاحب الفصول

وأورد عليه في الفصول بقوله : وضعفه ظاهر لأنّه إن عوّل في ذلك على التبادر الظاهريّ فلا فرق فيه في الصدق بين فوات جزء أو شرط وإن عوّل على التحقيق الذي أسلفناه فهو يقتضي اعتبار الشرائط كالأجزاء ودعوى أن الأجزاء معتبرة في الماهيّة إن اريد بها الماهيّة المطلوبة فالشرائط أيضا كذلك أو مطلق الماهيّة فممنوعة أو الماهيّة الموضوع لها فمصادرة. انتهى (١)

حاصله أنّه لا فرق بين الجزء والشرط في اعتبارهما في صدق الاسم والمطلوبيّة في العبادات بناء على القول بوضع أسامي العبادات للصحيح منها بعد تبادرهما منه وشمول دليل الحكمة لهما أيضا بناء على مختاره من أنّ مقتضى الحكمة في العبادات هو وضع الألفاظ للصحيحة من العبادات فراجع.

بيان المختار

ولا يخفى عليك أنّ كلام صاحب الفصول متين بناء على مذهبه من تبادر الصحيح ودلالة دليل الحكمة على الصحيح خلافا لما مرّ من مختارنا من الأعمّ إلّا أنّك عرفت سابقا أنّ الشرائط على قسمين : أحدهما : ما يكون دخيلا في قوام الشيء ومتعلّقا للأمر. وثانيهما : ما يكون متأتّيا من ناحية الأمر أو غيره من العوارض كالخلوّ عن العناوين المتزاحمة فما له المدخليّة في الصدق هو الأوّل دون الثاني فكلّ ما له دخل في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها يكون معتبرا في صدق الاسم دون غيره كما هو الظاهر من تعريف الشيخ قدس‌سره في التقريرات للصحيح حيث قال : هو الماهيّة الجعليّة الجامعة للأجزاء والشرائط التي لها مدخل في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها.

__________________

(١) الفصول / ٤٠.

٤٢٣

عليها انتهى. (١)

وعليه فلا توقّف للصدق على الشرائط المتأتّية من قبل الأمر كقصد الامتثال ونحوه ولذلك قال في المحاضرات : ومن هنا يظهر أن الصحّة الفعليّة التي هي منتزعة من انطباق المأمور به على المأتيّ به خارجا خارجة عن محلّ الكلام ضرورة أنّها في مرتبة متأخّرة عن الأمر فكيف يعقل أخذها في المسمّى وفي متعلّق الأمر ومن الواضح أنّ المراد من الوضع للصحيح أو الأعمّ الوضع لما هو واقع في حيّز الأمر ... إلى أن قال : وأمّا بقيّة الحيثيّات فهي أجنبيّة عن معنى التماميّة بالكلّيّة بل هي من الآثار واللوازم المترتّبة عليها في مرتبة متأخّرة. (٢)

وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية أيضا حيث اعتبر الشرائط في ماهيّة العبادات من دون تفصيل كما يؤيّده ما مرّ منه سابقا من أنّ الصحيح هو المؤثّر إذ المؤثّر الفعليّ لا يكون إلّا جامعا لشرائطه.

المقصود من دخالة الشرائط

ثمّ إنّ المراد من دخالة الشرائط في المسمّى والمأمور به ليس هو دخالة نفس الشرائط الخارجيّة عن المسمّى والمأمور به لأنّها خارجة عن حقيقة الشيء وماهيّته بل المراد منها هو الخصوصيّة الحاصلة في الشيء بسبب الشرائط ككون الصلاة مع الطهارة أو مقرونة مع الستر أو ككون صوم المستحاضة ملحوقا بالغسل في الليلة الآتية. وعليه فالفرق بين الجزء والشرط بأنّ الأوّل مقوّم للشيء والثاني من مقدّماته كما يظهر من الكفاية لعلّه يكون باعتبار ما يوجب الخصوصيّة في الماهيّة لا نفس الخصوصيّة وإلّا فهي داخلة في الماهيّة والمأمور به لأنّ القيد خارج والتقيّد داخل.

__________________

(١) تقريرات الشيخ / ٤.

(٢) المحاضرات ١ / ١٣٧ ـ ١٣٥.

٤٢٤

ولعلّه لذلك قال في نهاية النهاية : أمّا مثال الامور الدخيلة في حقيقة المأمور به فهو جميع الأجزاء والشرائط وعدم الموانع المعتبرة في المأمور به كأجزاء الصلاة وشرائطها وعدم موانعها. (١)

ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكر أنّه يصحّ إطلاق الشرط على بعض الخصوصيّات العارضة على الجزء كالجهر والإخفات أو بعض الخصوصيّات التجويديّة ويقال شرط قراءة صلاة الظهر هو الإخفات أو شرط قراءة صلاة المغرب هو الجهر أو شرط صحّة قراءة : ولا الضالّين هو المدّ وهكذا.

وعليه فاختصاص إطلاق الشرط بما له المدخليّة في فعليّة تأثير الأجزاء بالأسر كما يظهر من تعليقة المحقّق الأصفهانيّ محلّ إشكال حيث قال : وإنّ الشرط ليس مطلق ما يوجب خصوصيّة في ذات الجزء بل خصوصيّة خاصّة وهي ما له دخل في فعليّة تأثير الأجزاء بالأسر وأمّا الخصوصيّة المقوّمة للجزء فليست هي من عوارض الجزء بل الجزء أمر خاصّ وتسمية مطلق الخصوصيّة شرطا مع كون بعضها مقوّما للجزء جزاف. انتهى (٢)

وذلك لصحّة إطلاق الشرط على الخصوصيّة المذكورة أيضا كما يصحّ إطلاقه على ما له دخل في فعليّة تأثير الأجزاء بالأسر وبالجملة فكلّ جزء أو خصوصيّة ناشئة من الشرائط غير المتأتّية من ناحية الأمر وعوارضه يكون دخيلا في ماهيّة العبادة التي تعلّق بها الأمر أو في ماهيّة المأمور به وأمّا غيرهما ممّا له دخل في تشخّص أفراد الماهيّة كالشرائط والأوصاف المندوبة أو المكروهة كوقوع الصلاة في المسجد أو في الحمّام. فقد ذهب في الكفاية إلى عدم مدخليّته في الماهيّة لا شرطا ولا شطرا ولذلك

__________________

(١) نهاية النهاية ١ / ٤٩.

(٢) نهاية الدراية ١ / ٨١.

٤٢٥

لا يكون الإخلال به إخلالا بالماهيّة وموجبا لفسادها حيث لا يكون الإخلال بوقوع الصلاة في المسجد مثلا إلّا إخلالا بتلك الخصوصيّة مع تحقّق الماهيّة بخصوصيّة اخرى غير موجب لتلك المزيّة كوقوع الصلاة في غير المسجد أو بخصوصيّة اخرى موجبة لنقصانها كوقوع الصلاة في الحمّام.

نعم ربما يحصل للمأمور به بسبب ما له دخل في تشخّص الأفراد كالأوصاف المندوبة أو المكروهة مزيّة أو نقيصة سواء كان دخله بنحو الشطريّة أو الشرطيّة.

أورد عليه استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره بأنّ ما له الدخل في تشخّص أفراد المأمور به لا يوجب مزيّة أو نقصانا في ملاك ماهيّة المأمور به لإمكان القول ببقاء الطبيعة في تلك الموارد كسائر الموارد من دون فرق وإنّما الفرق من ناحية الامتثال أو عدمه لخطاب آخر فمن يصلّي في الحمّام مثلا لا يأتي بصلاة أقصر ملاكا من الصلاة التي أتي بها في خارج الحمّام بل هي هي وإنّما الفرق في عدم امتثال خطاب : لا تصلّ في الحمّام ، بسبب إتيانها في الحمّام. ولذلك لا يجزى أجر من امتثل الأمر بالصلاة في خارج الحمّام فإنّه امتثل خطاب : صلّ. وخطاب : لا تصلّ في الحمّام. نعم لو أراد إتيان الصلاة في الحمّام ولم يتمكّن منه فاضطرّ إلى إتيانها في خارج الحمّام لا يؤتى أزيد من ثواب من أتى بها في الحمّام لأنّه لم يأت بالصلاة خارج الحمّام امتثالا للنهي عن إتيانها في الحمّام كما لا يخفى. ألا ترى أنّ المولى إذا أمر عبده بإتيان الماء ونهى عن الإتيان به في الخزف فأتى العبد بالماء في الخزف امتثل خطاب الإتيان بالماء دون خطاب النهي عن الإتيان به في الخزف لعدم الفرق بين الماء الذي أتى به في الخزف مع غيره فلا يوجب الإتيان به في الخزف نقصانا في ماهيّة الماء كما لا يخفى. والحاصل أنّ المزيّة من جهة الامتثال للخطاب الآخر كما أنّ النقصان من جهة عدم امتثال الخطاب الآخر ولا يوجب الامتثال وعدمه مزيّة أو نقصانا في ماهيّة المأمور به وصرف اتّحاد الطبيعة مع خصوصيّات أفراده في الخارج لا يوجب المزيّة أو المنقصة في طبيعة المأمور به حقيقة

٤٢٦

وإن أمكن إسنادهما إليها من باب : زيد أبوه قائم. فالمأمور به على ما هو عليه من الملاك والزيادة والنقصان من ناحية أمر آخر أو نهي آخر ولا ارتباط لهما بأصل الطبيعة وعليه فالقول بأنّ العبادة المكروهة أقلّ ثوابا ، لا يخلو عن إشكال بعد ما عرفت من أنّ طبيعة المأمور به باقية على ما هو عليها من الملاك وإنّما قلّة الثواب من ناحية عدم امتثال الخطاب الآخر فإسناد قلّة الثواب إلى طبيعة المأمور به ليس على ما هو عليه فلا تغفل.

وممّا ذكر يظهر ما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره حيث ذهب إلى أنّ اعتبار المشخّصيّة من فضيلة الطبيعة وكمالها من شئونها وأطوارها لا أنّها شيء بحيالها فيكون المشخّصات التي لا تلاحظ في قبالها. فالقنوت ليس بعض ما يفي بالغرض الأوفى بل القائم به نفس طبيعة الصلاة لا مطلقا بل عند تحقّق القنوت فيها حيث أنّ القنوت كمال للصلاة وقد عرفت أنّ كمال الشيء لا يحسب في قباله بل كالمشخّص له ومن شئونه وأطواره فاتّضح أنّ اعتبار المشخّصيّة على أيّ وجه وهو أنّ الشارع لم يأخذه في حيّز الطلب الوجوبيّ ولم يكن ممّا يفي بالغرض بل إنّما ندب إليه لكونه كمالا للصلاة مثل فالصلاة المشتملة عليه أفضل حيث أنّها أكمل. (١)

وذلك لأنّ إسناد جزء الفرد إلى الطبيعة وجعله كمالا لها ليس على ما هو عليه لما عرفت من أنّ الطبيعة المأمور بها باقية على ما هي عليها ولا يوجب جزء الفرد مزيّة أو نقصانا فيها.

هل يرجع ما له دخل في الفرد إلى الطبيعة

وأضعف ممّا ذهب إليه صاحب الكفاية ما في نهاية الاصول من أنّ الظاهر رجوع جزء التشخّص والفرد وشرطه إلى نفس الطبيعة أيضا ولكن بحسب بعض مراتبها

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٨٢.

٤٢٧

وبهذا التقريب يتصوّر الجزء البدليّ للمأمور به أيضا.

بيان ذلك : أنّه يمكن أن يفرض المأمور به كالصلاة مثلا عنوانا بسيطا ذات مراتب طوليّة ينتزع بعض مراتبها عن فاقد هذا الجزء وبعضها عن واجده ويصدق هذا العنوان البسيط بمرتبته الناقصة على الأقلّ وبمرتبته الكاملة على الأكثر فإن كان الشيء دخيلا في جميع المراتب سمّي جزءا وجوبيّا وإن كان دخيلا في المرتبة الكاملة فقطّ سمّي جزءا ندبيّا وما تعلّق به الأمر هو صرف الطبيعة البسيطة المشكّكة. فالصلاة مثلا عنوان بسيط له مراتب متفاوتة بحسب الكمال والنقص فينتزع مرتبتها الكاملة عن جميع الأجزاء الواجبة والمستحبّة كالقنوت ونحوه بحيث يكون المنطبق للعنوان في هذه المرتبة جميع هذه الأجزاء ومرتبة منها تنتزع عن الأجزاء الواجبة بضميمة بعض خاصّ من الأجزاء المندوبة ومرتبة منها تنتزع عن الواجبات بضميمة بعض آخر منها وهكذا تتدرّج من الكمال إلى النقص إلى أن تصل إلى مرتبة هي أخسّ المراتب وهي التي يقتصر فيها على الواجبات فقطّ. وعلى هذا فالقنوت أيضا له دخالة في تحقّق طبيعة الصلاة وانتزاع عنوانها ولكن بمرتبتها الكاملة فالمنتزع عنه لهذه المرتبة من الطبيعة هو جميع الأجزاء الواجبة والمستحبّة ونفس الأمر بالطبيعة يدعو إلى الإتيان بالقنوت أيضا من جهة كونه جزءا لما ينطبق عليه عنوان المأمور به ببعض مراتبه والمكلّف مخيّر عقلا في إتيان أيّ مرتبة منها أراد. هذا حال الجزء ومنه يعرف حال الشرط أيضا مثل إتيان الصلاة في المسجد مثلا. وبالجملة فما عدّه في الكفاية جزءا أو شرطا للفرد يرجع إلى الجزئيّة أو الشرطيّة لمرتبة خاصّة من الطبيعة المشكّكة فتدبّر. (١)

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ٥١ ـ ٥٠.

٤٢٨

خصوصيّات الفرد لا تسري إلى حقيقة المسمّى

وذلك لأنّ العبادات أسام لهيئة مركّبة من الأجزاء والشرائط الدخيلة في الصحّة على التفصيل السابق وليست عناوين بسيطة مشكّكة وعليه فجعل لفظ الصلاة مثلا اسما للتخضّع من المعاني البسيطة كما ترى. لأنّه خلاف المتبادر منها بل الصلاة هي هيئة تركيبيّة من الأجزاء والشرائط الدخيلة في باعثيّة المولى نحو الأمر بها. وهذه الأجزاء والشرائط الدخيلة هي التي تقتضي نقصانها فساد المركّب ووجودها صحّة الصلاة وليست هي من المعاني المشكّكة ولذلك لا تكون الطبيعة المأمور بها إلّا حاكية عنها دون غيرها ممّا لا يكون مأخوذا فيها وإن انطبق عليه إذا ضمّ إليها كالأجزاء الندبيّة بتبع أخذ الأجزاء والشرائط بنحو اللابشرط لا بنحو بشرط لا ، إذ مجرّد صدق العنوان على واجد الضميمة لا يوجب دخوله في حقيقة المسمّى لصدق الصلاة مثلا على فاقدها كما هو شأن كلّ مشخّص فإنّ مشخّصات زيد مثلا خارجة عن حقيقة الإنسان وعن مسمّاه ومع ذلك ترى أنّ زيدا بما هو زيد إنسان لا أنّه إنسان وزيادة ، فالإنسان بما هو إنسان لا يحكي إلّا عمّا اخذ في حقيقته وفيه ليس عنوان الزيديّة ونحوها فالأجزاء والشرائط التي تكون زائدة على ما هو دخيل في الصحّة غير مأخوذة في حقيقة المسمّى بل تكون من خصوصيّات بعض أفرادها ومصاديقها ولا تحكي الطبيعة وماهيّة المأمور بها عنها ولا تسري مزيّتها أو منقصتها إلى حقيقة المسمّى إلّا من باب : زيد أبوه قائم ، والعناية والمجاز. هذا مضافا إلى ما في دعوى التشكيك في مفهوم الصلاة مع أنّ التشكيك في الوجود لا في الماهيّات والمفاهيم بناء على أصالة الوجود أو اختصاصه بمفاهيم الكمّيّات أو أعراض الألوان بناء على أصالة الماهيّات كما قرّر في محلّه وكيف كان فلا وجه لقول نهاية الاصول من أنّ الأمر بالطبيعة يدعو إلى الإتيان بالقنوت أيضا من جهة كونه جزءا لما ينطبق عليه عنوان المأمور به ببعض مراتبه ، لوضوح أنّ الجزء الاستحبابيّ ليس دخيلا في حقيقة المسمّى

٤٢٩

بحيث يكون وجوده موجبا للصحّة وفقدانه موجبا للفساد.

لا يقال : إنّ تصوير جزء الفرد وشرطه في الأفراد الخارجيّة للماهيّات الحقيقيّة واضح بعد كون الفرد الخارجيّ بهويّته الشخصيّة عين الماهيّة وعوارضها وجودا لإمكان تحليلها عقلا إلى مقوّمات الماهيّة وعوارضها بحسب الوجود أو الماهيّة فيقال لما كان من علل قوام الماهيّة والطبيعة وكان أصل الماهيّة مع قطع النظر عن الوجود مؤتلفة منه فهو جزء الماهية والطبيعة. وما لم يكن من علل القوام وما يأتلف منه الطبيعة بل كان من لوازم وجود الطبيعة في الخارج بوجود فردها فهو جزء الفرد. هذا بخلاف تصوير جزء الفرد وشرطه في المركّبات الاعتباريّة فإنّه لا يخلو عن إشكال وغموض فإنّ الموجود منها خارجا حقيقة ليس إلّا هو الأجزاء وأمّا الهيئة التركيبيّة التي اعتبرها الشارع واحدا اعتباريّا كهيئة أجزاء الصلاة وشرائطها فلا وجود لها إلّا في الاعتبار فلا مصداق لهذه الهيئة في الخارج إذ كلّما وجد في الخارج فهو نفس الأجزاء وهي موجودة بحيالها وليس هناك شيء آخر يربط بينها فالصلاة مثلا مجموعة وحدانيّة عند الاعتبار ولكن بحسب الخارج ليس إلّا الأجزاء المتفرّقة التي لا ارتباط بينها. وعليه فكلّما زيد على أجزاء الماهيّة الاعتباريّة فلا محالة يكون داخلا في الماهيّة الاعتباريّة لا في الفرد إذ لا فرد للمركّب الاعتباريّ حتّى يكون داخلا فيه ويتّحد معه وعليه فلا تصوير لجزء الفرد في المركّبات الاعتباريّة فكلّما زيد فيه يكون جزءا للطبيعة والماهيّة فيتّجه القول بأنّ كلّما عدّ جزءا أو شرطا للفرد يرجع إلى الجزئيّة أو الشرطيّة لأصل الطبيعة والماهيّة.

لأنّا نقول : كما في تهذيب الاصول إنّ لبعض المركّبات غير الحقيقيّة أيضا هيئة خاصّة خارجيّة يكون المركّب غير الحقيقيّ متقوّما بها سواء كان المركّب غير الحقيقيّ كالبيت والقصر فإنّ حقيقتهما متقوّمة بهيئة ما لا بشرط ولا تحقّق لهما في الخارج إلّا بوجود موادّهما على وضع خاصّ ويكون حسن الهيئة المذكورة وتفاضلها باعتبار

٤٣٠

التناسب الحاصل بين الأجزاء فالحسن أينما وجد يكون مرهونا للتناسب الموجودة بين الأجزاء فحسن الصوت والخطّ مثلا عبارة عن تناسب الأجزاء فيهما فلا يقال : الشعر الفلانيّ حسن إلّا إذا تناسب جملة ولا الدار إلّا إذا تناسبت مرافقها وغرفاتها فربما تكون غرفة في دار توجب حسنها لإيقاعها التناسب بين الأجزاء. أو كان المركّب غير الحقيقيّ مركّبا اعتباريّا كالصلاة فإنّها ليست نفس الأجزاء بالأسر بل لها هيئة خاصّة لدى المتشرّعة زائدة على أجزائها فيمكن أن يكون تفاوت أفرادها في الفضيلة لأجل تفاوتها في المناسبة الموجودة بين أجزائها وإن كان درك هذا التناسب غير ممكن لنا. فلا يبعد أن يكون للقنوت وغيره من الأجزاء المستحبّة دخالة في حسن الهيئة الصلاتيّة الموجودة في الخارج ويكون المصداق الذي وجد فيه الجزء الاستحبابيّ أو الشرط الاستحبابيّ أحسن صورة من فاقدهما مع خروج الجزء أو الشرط الاستحبابيّ عن الماهيّة والطبيعة الكلّيّة رأسا. ولعلّ اعتبار التوالي في الأجزاء أو المنع من أفعال ماحية للصلاة من جهة اعتبار هيئة خاصّة في الصلاة ويؤيد وجود الهيئة الخارجيّة للصلاة كما لا يخفى وعليه فالجزء الاستحبابيّ أو الشرط الاستحبابيّ جزء لمصداق الهيئة المعتبرة لا لماهيّة الهيئة المعتبرة كما لا يخفى (١).

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه لا وجه لإنكار جزء الفرد أو شرطه في قبال جزء الطبيعة وشرطها. فلولا شبهة الزيادة في الصلاة لأمكن القول بأنّ الرياء في الأجزاء المستحبّة لا يضرّ بصحّة الصلاة لأنّ الرياء يوجب فساد جزء الفرد لا جزء الطبيعة المأمور بها إذا المفروض أنّ جزء الفرد لا مدخليّة له بالنسبة إلى الطبيعة. نعم يوجب البطلان من جهة لزوم الزيادة والمنع عنها في الصلاة وإلّا فلو لم يكن الزيادة ممنوعة كما في بعض

__________________

(١) راجع تهذيب الاصول ١ / ٩١.

٤٣١

العبادات فلا وجه للبطلان. (١)

* * *

الخلاصة :

قبل أن ندرس أدلّة الصحيحيّ والأعمّيّ نقدّم امورا.

١ ـ إنّه لا شبهة في تأتّي الخلاف وإمكان النزاع على القول بثبوت الحقيقة الشرعيّة أو المتشرّعة في أنّ ألفاظ العبادات الواقعة في لسان الشارع أو المتشرّعة هل هي أسام لخصوص الصحاح من العبادات أو الاعمّ منها وأمّا بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة والمتشرّعة فربما يقال إنّه لا مجال للنزاع لأنّ الطرفين اتفقوا على وقوع الاستعمال في الصحيحة والفاسدة مجازا بلا كلام كقولهم صلاة الحائض وصوم الوصال وصيام العيدين في قبال صلاة المختار وصومه لليوم الشرعيّ.

اجيب عن ذلك بأنّ مجرّد وضوح كون الاستعمال في كلّ واحد من الصحيحة والفاسدة مجازا لا ينافي جريان النزاع على تقدير عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة بعد اختلاف مراتب المجازات فيصحّ أن ينازع في أنّ المجاز الغالب في لسان الشارع هل هو الصحيح على وجه يحمل عليه اللفظ عند وجود الصارف عن المعنى الحقيقيّ أو هو الأعمّ.

فيمكن أن ينازع في أنّ أقرب المجازات أو أشيعها هل هو الصحيح أو الأعمّ فإذا احرز أنّ الأشيع هو استعمالها في الصحيح أو الأعمّ فلا حاجة إلى إحراز بناء العقلاء على تقديم الأقرب والأشيع لأنّ ثبوتهما كاف في التعيين ودعوى الإجمال والتردّد لا مجال لها.

__________________

(١) راجع العروة ، باب نيّة الصلاة وشروحها.

٤٣٢

٢ ـ إنّ لفظي الصحيح والفاسد لهما إطلاقان أحدهما بالنسبة إلى المركّبات التكوينيّة وثانيهما بالنسبة إلى المركّبات الاعتباريّة كالمعاملات والعبادات فإذا اطلقا على المركّبات التكوينيّة كان معناهما مشتملين على الوجودين المضادّين لأنّهما حينئذ كيفيّتان وجوديّتان عارضتان للشيء في الوجود الخارجي باعتبار اتّصافه بكيفيّة ملائمة لطبيعة النوعيّة فيقال بطّيخ صحيح بالملاك المذكور كما أنّه إذا اتّصف بكيفيّة منافرة أو بأثر لا يرقب من نوعه يقال بطّيخ فاسد لمرارته أو فساده فالتقابل بينهما تقابل التضادّ.

وإذا اطلقا على المركّبات الاعتباريّة كان معناهما كمعنى التامّ والناقص فالصحيح هو الجامع للأجزاء والشرائط والفاسد هو الذي لا يجتمع فيه الأجزاء والشرائط فالتقابل بينهما تقابل العدم والملكة ألا ترى أنّهم يقولون هذه المعاملة صحيحة وتلك فاسدة مع أنّ المعاملة الفاسدة هي التي لا تجتمع فيه الأجزاء والشرائط ولا يزيد عليه بوجود ضدّ وهكذا يكون الإطلاق في العبادات فإنّ إطلاق الفاسد عليها نوعا من جهة فقدان الأجزاء أو الشرائط لا وجود الأضداد وعليه فلفظي الصحيح والفاسد من الألفاظ المشتركة والشاهد عليه أنّه لا حاجة في استعمالهما في التامّ والناقص إلى ملاحظة العلاقة أو تخيّل وجود المنافر وليس ذلك إلّا لكونهما من الألفاظ المشتركة والمراد من لفظي الصحيح والفاسد في عنوان البحث أعني أنّ ألفاظ العبادات هل هي أسام لخصوص الصحيحة أو الأعمّ منها هو المعنى الثاني.

فالصحّة بمعنى التماميّة ويقابلها الفساد وهو بمعنى عدم التماميّة وتقابلهما تقابل العدم والملكة لا تقابل التضادّ ولا خلاف بين الفقهاء والمتكلّمين وعلماء الأخلاق والنفس في أنّ الصحّة بمعنى التماميّة والفساد بمعنى عدمها وإنّما اختلفوا في ذكر محقّقاتهما ولوازمها وعليه فتفسير الصحّة بإسقاط القضاء كما عن الفقهاء أو بموافقة الشريعة الموجبة لصدق الطاعة واستحقاق الثواب كما عن المتكلّمين أو بالمقرّبيّة أو المعراجيّة

٤٣٣

كما عن علماء الأخلاق لا يكشف عن تعدّد المعنى بل هذه الامور من لوازم التماميّة أو محقّقاته. كما لا يوجب اختلاف مصاديق التمامية أو محقّقاته بحسب اختلاف الحالات كالسفر والحضر والاختيار والاضطرار وغيرها تعدّد المعنى لأنّ الاختلاف في المصاديق لا في معنى التمام إذ كلّ صلاة مشروعة في كلّ حال تامّة وليست بناقصة فصدق التامّة على كلّ يشهد على أنّ المعنى واحد والاختلاف في ناحية المصداق فلا تغفل.

ثمّ إنّ الصحّة والفساد أمران إضافيّان لما سيأتي من منع دخالة الشرائط التي تتأتّى من قبل الأمر أو الشرائط العقليّة المحضة مثل اشتراط كون المأمور به غير مبتلى بالمزاحم الأهمّ أو غير منهيّ بالفعل فالمراد من الصحيح هو الجامع للأجزاء والشرائط في نفسه ويقابلها الفاسد وهو الذي ليس كذلك وهذا أمر عرفيّ لصدق الصحيح على المركّبات التوليديّة فيما إذا كانت واجدة لأجزائها وشرائطها في نفسها كالسيّارة من دون لزوم اجتماع شرائط تأثيرها من وجود البترول أو السائق وعدم وجود المزاحم وليس هذا إلّا لما عرفت من عدم دخالة غير أجزائها وشرائطها في نفسها في إطلاق الصحّة.

ثمّ إنّه ربما يكتفى في عنوان البحث عن ذكر الصحّة والفساد بذكر عنوان آخر فيقال إنّ البحث في تعيين الموضوع له في الألفاظ المتداولة في الشريعة أو في تعيين المسمّى لها أو في تعيين الأصل في الاستعمال فيها ولكنّه لا تستغنى عنهما ولا مفرّ عن البحث عن معناهما إذ يقع الكلام حينئذ في أنّ المراد من الموضوع له والمسمى له ما هو؟ فلا بدّ من ذكر الصحيح والفاسد بالحمل الأوّليّ أو الشائع الصناعيّ كعنوان الجامع للأجزاء والشرائط.

٣ ـ يمكن تصوير الجامع المركّب على القول الصحيحيّ بأن يقال إنّ الصحيح هي الماهيّة الجامعة للأجزاء والشرائط التي لها دخل في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها

٤٣٤

عليه.

والملحوظ في هذا التعريف هو عنوان الأجزاء والشرائط على إبهام من دون تعيين لنحو الأجزاء والشرائط وعليه فيشار بهذا التعريف إلى جميع الذوات المركّبة المختلفة بحسب الأجزاء والشرائط كما يشهد له عدم الحاجة إلى إعمال عناية وملاحظة علاقة في إطلاق الصلاة على صلاة غير المختارين.

فماهيّة الصلاة بالمعنى المذكور حاكية عن جميع أنواع الصلوات الصحيح لأنّ كلّ صلاة صحيحة واجدة للأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها عليه ويصدق هذا العنوان الجامع عليه ويؤيّده عموم قوله عليه‌السلام : الصلاة لا تترك بحال الوارد في مورد الصلاة الناقصة العذريّة وتوهّم كون الإطلاق على الصلوات العذريّة من باب التوسّع لا وجه له بعد مساعدة الارتكاز على كون الإطلاق فيه بنحو الإطلاق في سائر المقامات.

وهذا المعنى العامّ مشترك بين جميع أفراد أنواع الصلوات الصحيحة وهو كاف في تصوير الجامع على القول الصحيحيّ ولا وقع لما يقال من أنّ الجامع المركّب لا يتصوّر وإلّا لزم الخلط بين الصحيح والفاسد لأنّ كلّ ما فرض جامعا يمكن أن يكون صحيحا وفاسدا.

وذلك لأنّ الخلط فيما إذا فرض الجامع المذكور مركّبا من الأجزاء والشرائط الشخصيّة كالمؤلّف من أربع ركعات إذ صلاة المسافر في أغلب الأمكنة ركعتان فالأربعة بالنسبة إليه فاسدة والمؤلّفة من الثنائيّة بالنسبة إلى المسافر صحيحة ولكن بالنسبة إلى الحاضر فاسدة.

وأمّا إذا فرض الجامع المذكور مركّبا من الأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها من دون اعتبار نوع خاصّ أو صنف خاصّ من الأجزاء والشرائط فلا يشمل الفاسدة حتّى يلزم الخلط لأنّ مصاديق هذا العنوان الجامع ليست

٤٣٥

إلّا الأفراد الصحيحة لأنها هي التي تكون جامعة للأجزاء والشرائط المذكورة دون الأفراد الفاسدة.

وهذا التعريف أجود ممّا أفاده المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ الوضع بإزاء سنخ عمل مبهم في غاية الإبهام بمعرّفيّة النهي عن الفحشاء فعلا وغيرها من الخواصّ المحقّقة له بمراتب الصحيحة فقط.

كما أنّه أجود أيضا ممّا أفاده الفاضل الإيروانيّ من أنّه اسم لعدّة أجزاء ثابت لها الأثر الخاصّ كالنهي عن الفحشاء فلا يتّجه عليه شيء فبهذا الأثر يشار إلى الذوات المركّبة المختلفة بحسب الأجزاء والشرائط المؤثّرة في هذا الأثر.

وجه الأجودية هو أنّ تفسير الصلاة بسنخ عمل خلاف الظاهر من معناها المرتكز في أذهان عرف المتشرّعة إذ الصلاة هي ماهيّة جامعة للأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها عليه.

كما أنّ الإشارة إلى الأفراد بالأثر كما أفاده في نهاية النهاية لا يناسب تصوير الجامع المركّب فإنّ الجامع يحكي عن الأفراد من دون حاجة إلى أخذ الآثار. وكيف كان فالأجزاء كلّها معتبرة في الجامع المذكور بنحو الإبهام وأمّا الشرائط فما لم تتأتّ من قبل الأمر فهو معتبر وأما المتأتّى من ناحيته فلا مدخليّة له في الجامع المذكور إذ ليس دخيلا في الباعثيّة على الأمر بها لأنّ المفروض هو كونه عارضا على الأمر فلا يكون باعثا إليه كما لا دخل للشرائط العقليّة كخلوّها عن المزاحمات وعليه فالجامعيّة والصحّة في المركبات بالإضافة إلى الأجزاء والشرائط المعتبرة فيها في نفسها كما لا يخفى.

٤ ـ ذهب صاحب الكفاية بعد ما لم يتصوّر الجامع المركّب إلى إمكان تصوير الجامع البسيط على القول الصحيحيّ بأن يقال إنّ الاشتراك في الأثر يكشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثّر الكلّ فيه بذلك الجامع وعليه فيصحّ تصوير المسمّى

٤٣٦

بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما انتهى.

لا يقال إنّ الاستكشاف المذكور يبتني على القاعدة الفلسفيّة وهي أنّ الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد مع أنّ القاعدة في الواحد الشخصيّ دون الواحد النوعيّ لجواز استناده إلى المتعدّد كالحرارة الواقعة إحدى جزئيّاتها بالحركة واخرى بالشعاع واخرى بالغضب واخرى بملاقاة النار وعليه فالأفراد الصحيحة مشتركة في النهي عن الفحشاء وهو الواحد النوعيّ وهو على ما ذكر لا يكشف عن وحدة المؤثّر إذ لعلّ ذلك الواحد النوعيّ مستند إلى المتعدّد فالاشتراك في الأثر النوعيّ لا يكشف عن الاشتراك في جامع واحد لأنّا نقول إنّ مقتضى السنخيّة بين العلّة والمعلول هو امتناع صدور المعلول الواحد النوعيّ عن الفواعل المقتضية المتكثّرة نوعا وعليه فإذا كانت المعاليل متّحدة بالنوع وإن كانت متكثّرة بالشخص تكشف عن كون الفواعل المتعدّدة مشتركة في نفس الكمال الذي يكون واحدا بالنوع وعليه فيصحّ استكشاف الاشتراك في جامع واحد بالاشتراك في الأثر إن قلت إنّ جهة النهي عن الفحشاء والمنكر واحدة بالعنوان لا واحدة بالذات والحقيقة والواحد بالعنوان لا يكشف إلّا عن واحد بالعنوان وهو عنوان الناهي عن الفحشاء والمنكر وإن كانت ذات المنكر في كلّ مرتبة مباينة للمنكر الذي تنهى عنه مرتبة اخرى وعليه فلا يكشف تأثير الصلاة بمراتبها المختلفة كمّا وكيفا في الانتهاء عن الفحشاء عن وحدة حقيقيّة ذاتيّة بين مراتب الصلاة.

قلت إنّا نمنع المبائنة بين أفراد النهي والانتهاء عن المنكرات فإنّها تشترك في جامع النهي والانتهاء ومعه كيف لا يكشف عن اشتراك الصلوات في حقيقة واحدة ولو نوعا هذا مضافا إلى أن كشف الواحد بالعنوان عن الواحد بالعنوان كاف في مسألة الوضع ولا حاجة إلى كشف الوحدة الحقيقيّة الذاتيّة بين مراتب الصلاة.

لا يقال إنّ أثر الصلاة كثير إذ كونها ناهية عن الفحشاء غير كونها عمود الدين و

٤٣٧

هكذا فلو كانت الآثار صادرة عن الصلاة لزم أن يكون فيها حيثيّات متكثرة حسب تكثّر تلك الآثار وعليه فلا تكشف تلك الآثار المختلفة عن جامع واحد وإرجاع جميع الآثار إلى معنى واحد وهو الكمال الحاصل للمصلّي بسبب عمله القربيّ تخرّص على الغيب.

لأنّا نقول إنّ الآثار المذكورة بعضها يكون من لوازم بعض آخر وفي طولها مثلا مع إقامة الدين ترتفع الفحشاء والمنكرات بحذافيرها وعليه فليست بين الآثار مباينة.

هذا مضافا إلى أنّ تكثير الحيثيّات في الصلاة لا ينافي بساطة حقيقة الصلاة كما لا ينافي إطلاق المعلوم والمعلول على البسيط مع بساطته وعليه فتكّثر الحيثيّات المستكشفة عن اختلاف الآثار لا ينافي مع بساطة المؤثّر فتحصّل أنّ دعوى إمكان استكشاف تصوير الجامع البسيط بوحدة الآثار غير مجازفة فتأمّل ولكن عرفت أنّه خلاف الظاهر من لفظ الصلاة فان المنسبق منها هو الماهيّة الجامعة للأجزاء والشرائط وهو مركّب وليس ببسيط فإرادة المؤثّر أو الناهية أو المطلوب أو غير ذلك من لفظ الصلاة خلاف الظاهر.

أضف إلى ذلك أيضا أنّ استكشاف المؤثّر البسيط من وحدة الآثار إنّما يصحّ إذا اختصّت الآثار بأفراد الصلاة وأمّا إذا عمّت سائر أفراد العبادات أو احتمل عمومها لها أو لبعضها فلا يستكشف من وحدة الآثار إلّا الجامع بين جميع العبادات دون خصوص الصلاة.

وأيضا أنّ لازم كون معنى الصلاة أمرا بسيطا كالمؤثّر هو عدم صحّة استعمال لفظ الصلاة مثلا في نفس الجامع الذي هو ماهيّة تركيبيّة من الأجزاء والشرائط بلا عناية مع أنّه كما ترى.

على أنّ وحدة الأثر لو دلّت إنّما تدلّ على وجود جهة جامعة لا على أنّها مسمّى

٤٣٨

لفظ الصلاة وبينهما بون بعيد.

وعليه فمع إمكان تصوير الجامع المركّب وظهور اللفظ فيه لا تصل النوبة إلى الجامع البسيط كما لا يخفى.

٥ ـ لا إشكال في جريان البراءة على تقدير تصوير الجامع المركّب على القول الصحيحيّ لانطباق الجامع بين الأفراد الصحيحة على الأجزاء الموجودة في الخارج أعني المركّب الخارجيّ كانطباق الكلّيّ على أفراده إذ مفهوم الجامع المركّب ليس بمطلوب إلّا باعتبار وجوده الخارجيّ ولو كان بمعنى وجوده الخارجيّ اللافراغيّ وعليه فالمركّب الخارجيّ من حيث اتّحاده مع الكلّيّ وانطباق الكلّيّ الجامع عليه يكون متعلّقا للإرادة حقيقة فإذا انحلّ المركّب الخارجيّ إلى متيقّن المراديّة ومشكوك المراديّة تجري في المشكوك البراءة لأنّه يكون الشكّ بالنسبة إليه شكّا في ثبوت الحكم والإرادة ولذا ذهب أكثر من قال بالجامع بين الأفراد الصحيحة إلى البراءة.

٦ ـ لو لم نقل بإمكان تصوير الجامع المركّب على القول الصحيحيّ وقلنا بتصوير الجامع البسيط فهل تجري في المشكوك البراءة أم لا؟ ربما يقال إنّ مسمّى لفظ الصلاة وهو عنوان الناهي عن الفحشاء مفهوم مبيّن وقع في حيّز الأمر لمكان القدرة على إيجاده بالقدرة على إيجاد معنونه وحيث أنّه مفهوم مبيّن لا ينحلّ إلى معلوم ومجهول حتّى تجري البراءة في المشكوك وانحلال مطابقه إلى معلوم ومجهول أجنبيّ عن انحلال متعلّق التكليف لأنّه ظرف السقوط لا ظرف الثبوت.

يمكن الجواب عنه بأنّ الجامع البسيط ليس بنفسه مع قطع النظر عن وجوده في الخارج متعلّقا للأمر ومطلوبا إذ الماهيّة بنفسها ليست إلّا هي ولا يتعلّق الطلب بها بل الماهيّة بعنوان مرآتيتها عن الخارج ومصاديقها ولو بنحو الوجود اللافراغيّ تكون مطلوبة ومأمورا بها وعليه فالخارج المفروض وهو الوجود اللافراغيّ يدور أمره بين المعلوم والمشكوك فتجري البراءة في المشكوك وليس المراد من الخارج هو

٤٣٩

الخارج المأتيّ به حتى يقال إنّه ظرف السقوط لا الثبوت فعنوان الناهي عن المنكر ينطبق يقينا على الأقلّ من الأجزاء المعلومة المفروضة وجودها بنحو الوجود اللافراغيّ لأنّ الناهي عن المنكر لا يخلو من تلك الأجزاء وإنّما الكلام في الزائد عليها وهو الأكثر فتجرى البراءة فيها لأنّها مشكوكة.

ولا يقاس المقام بموارد الشبهات الموضوعيّة التي لا يجوز الاكتفاء بها في الامتثال كما إذا قيل جئنى بماء فأتى بمشكوك المائيّة لأنّ مع الإتيان بها شكّ في وقوع الامتثال لعدم معلوميّة تطبيق الواجب على المأتيّ بها هذا بخلاف المقام فإنّ تطبيق الواجب البسيط على الأقلّ معلوم لمدخليّته في تحقّق الناهي سواء كان الناهي هو الأقلّ بالخصوص أو الأكثر وإنّما الشكّ في الزائد عليه. ولو سلّم أنّ الواجب لا ينطبق على الخارج والخارج يكون محصلا له فحيث كان المحصّل أمرا شرعيّا وبيانه بيد الشارع فمع الشكّ تجري البراءة في الأجزاء المشكوكة فإنّها لو كانت واجبة بيّنها الشارع ولو بيّنها لوصل إلينا وحيث لم يصل البيان إلينا فالأصل هو العدم فالأظهر هو جريان البراءة مطلقا سواء كان الجامع مركّبا أو بسيطا وسواء انطبق على الخارج أولا.

٧ ـ وأمّا على القول بالأعمّ فيمكن تصوير الجامع بوجوه : منها أنّ لفظ الصلاة مثلا موضوع لماهيّة مركّبة من معظم الأجزاء بنحو الإبهام بمعنى أنّ الأجزاء في مفهوم الصلاة مأخوذة بنحو الإبهام كأخذها في مفهوم البيت والدار أو السيّارة أو الطائرة فكما يصدق عنوان «الدار» مثلا على ما يبنى للسكونة من أيّ موادّ وبأيّة هيئة كانت فكذلك يصدق عنوان «الصلاة» على مصاديق معظم الأجزاء في دائرة الأجزاء الخاصّة من التكبيرة والركوع والسجود والقراءة والدعاء والتشهّد والقيام والتسبيح والسلام بأيّة هيئة تركيبيّة وإن اختلفت الهيئات التركيبيّة بالنقص والزيادة. وليس ذلك إلّا لكون لفظ الصلاة ولفظ الدار موضوعين لهيئة ما وأجزاء ما في دائرة الأجزاء الخاصّة مع كونها لا بشرط عن الزيادة ولذا يصدق على كلّ معظم

٤٤٠