عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

على الإضافة وغير ذلك من الموارد التي يكون المشتقّ محمولا على نفس المبدأ ذات غير المبدأ حتّى تكون معنون هذا العنوان وهذه الأمثلة تدلّ على أنّ مفاد المشتقّ ومعناه هو نفس المبدأ وليست الذات والنسبة داخلتين في مفهومه أصلا وإنّما الفرق بين المبدأ والمشتقّ هو بأنّ المبدأ لوحظ «بشرط لا» والمشتقّ لوحظ «لا بشرط» وحمل مثل موجود على الوجود على الغلط والمجاز كما ترى (١).

لأنّا نقول : إنّ الموضوع له هو الأمر الواحد مفهوما القابل للانحلال إلى معنون مبهم والإبهام فيه حيث كان من جميع الجهات حتّى من حيث كونه عين المبدأ في الخارج يوجب صحّة حمل الموجود على الوجود ونحوه حيث لم يعتبر في العنوان المبهم المذكور أن لا يكون عين المبدأ خارجا كما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره (٢).

فيفيد حمل الموجود على الوجود بنحو الحمل الشائع الصناعيّ أنّ الوجود بنفسه عين الموجوديّة والواقعيّة العينيّة ولم يكن موجودا بوجود آخر.

هذا مضافا إلى ما ذكره سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره أنّ في مثل «البياض أبيض» و «الوجود موجود» أو أنّ السمن دسمة ونحوها ممّا لا تكون بين الموضوع والمحمول مغايرة يتخيّل المغايرة حتّى يصحّ الحمل ولكنّه لا يخلو من تأمّل لأنّ بعد عدم اعتبار أن لا يكون عين المبدأ لا حاجة إلى تخيّل المغايرة بل تكفي المغايرة المفهوميّة كما صرّح به المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره (٣) حيث قال في مثل حمل (الموجود على الوجود) و (الأسود على سواد) لا مغايرة بين الموضوع ومبدأ المحمول ولكنّه لا يضرّ مع ثبوت المغايرة المفهوميّة بين المحمول والموضوع إذ المعيار في جواز الحمل وعدمه في الحمل الشائع الصناعيّ هو المغايرة المفهوميّة بين الموضوع والمحمول لا المغايرة بين الموضوع ومبدأ

__________________

(١) راجع منتهى الاصول ١ / ٩٨.

(٢) نهاية الدراية ١ / ١٢٩.

(٣) نفس المصدر ١ / ١٣٩.

٥٦١

المحمول (١). والمغايرة المفهوميّة بين الوجود والموجود متحقّقة فلا إشكال في حمله عليه لإفادة أنّ الوجود بنفسه عين الموجوديّة من دون دخل لوجود آخر أو لإفادة أنّ الواقعيّة للوجود لا للماهيّة وغير ذلك من الأغراض ولا يخفى عليك أنّ اعتبار المغايرة لإفادة الحمل لا لصحّة الحمل إذ المعيار في صحّته في الحمل الشائع الصناعيّ هو الاتّحاد المصداقيّ فلا تغفل.

ربّما استدلّ على عدم تركّب المشتقّ عقلا وانحلالا بضرورة عدم تكرّر الموصوف في مثل (زيد الكاتب) ولزومه من التركّب وأخذ الشيء مصداقا أو مفهوما في مفهومه ويمكن أن يقال إنّ الدليل المذكور ينفي تركيب الابتدائيّ لا التركيب الانحلاليّ إذ عدم التكرّر من شواهد عدم أخذ الذات مفهوما أو مصداقا بنحو التفصيل من ابتداء الأمر وهو يؤيّد ما ذكرناه من أنّ المشتقّ موضوع للأمر الوحدانيّ الذي يكون قابلا للتحليل عقلا ومن المعلوم أنّه لا يلزم من توصيف الموصوف به أو الإخبار به تكرّر إذ ليس معنى (زيد كاتب) مثلا أنّ زيدا هو زيد له الكتابة بل معناه أنّ زيدا مصداق لأمر وحدانيّ مبهم معنون بأنّ له الكتابة كقولنا في اللغة الفارسيّة (زيد نويسنده است). وهذا لا يفيد التكرار كما لا يخفى.

والحاصل أنّ المشتقّ موضوع لمعنى بسيط إدراكا وتصوّرا ولكنه قابل للتحليل إلى الذات والمبدأ عقلا فالقول بوضعه للمركّب ممنوع كالقول بأنّه موضوع للبسيط وليس بقابل للتحليل إلى الذات والمبدأ ضرورة انحلال الأمر المبهم إلى معنون وعنوان فلا تغفل.

استدلال السيّد الشريف على البساطة

ثمّ لا يخفى عليك أنّ استدلال السيّد الشريف على بساطة المشتقّ بالدليل العقليّ

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٤٠.

٥٦٢

أجنبيّ عن إثبات بساطة معنى المشتقّ لغة وعرفا. لأنّ المعيار في إثبات معاني الألفاظ هو التبادر ونحوه فلعلّ وجه استدلاله بالدليل العقليّ أنّه كان في صدد تبيين معنى المشتقّ كالناطق بحسب اصطلاح المنطقيّين حيث جعلوه وحده فصلا حقيقيّا وكيف كان فقد استدلّ على بساطة المشتق وتجرّده عن الشيء ، مفهوما ومصداقا بأنّه لو اعتبر فيه مفهوم الشيء لزم المحذور من دخول العرض العامّ في الفصل ولو اعتبر الشيء مصداقا لزم انقلاب مادّة قضية الإنسان ضاحك أو كاتب.

أورد عليه أوّلا كما في الكفاية بأنّ مثل الناطق ليس بفصل حقيقيّ إذ النطق إمّا بمعنى التكلّم أو بمعنى الإدراك وكلاهما إمّا فعل أو انفعال وهما لا يكونان من مقوّمات الذات وعليه فالنطق لازم الفصل الحقيقيّ وأظهر خواصّه وإنّما يكون فصلا مشهوريّا منطقيّا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق فإنّه وإن كان عرضا عامّا لا فصلا مقوّما للإنسان إلّا أنّه بعد تقييده بالنطق واتّصافه به كان من أظهر خواصّه ولا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتقّ إلّا دخول العرض في الأعراض واللوازم الخاصّة لا في الفصل الحقيقيّ الذي هو من الذاتيّ. انتهى

ويمكن أن يقال بأنّ المراد من الناطق كما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره ما له نفس ناطقة والنفس الناطقة بما هي مبدأ لهذا الوصف فصل حقيقيّ للإنسان ولا دخل للشيء أو الذات في فصليّة هذا المبدأ وإنّما هو لتصحيح الحمل فلا يلزم من التركيب دخول العرض العامّ في الفصل. اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الناطق بهذا المعنى غير معروف عند العرف واللغة.

وثانيا بأنّ المحمول في قضيّة الإنسان ضاحك أو «كاتب» على تقدير اعتبار الشيء مصداقا ، ليس مصداق الشيء والذات مطلقا بل مقيّدا بالوصف إلا مكانيّ ومن المعلوم أنّ ثبوته للموضوع حينئذ ليس بالضرورة. وما في الكفاية من أنّ عدم ثبوت

٥٦٣

القيد ضروريّا لا يضرّ بدعوى الانقلاب فيما إذا كان ذات المقيّد محمولا وكان القيد خارجا وإن كان التقيّد داخلا بما هو معنى حرفيّ فالقضيّة لا محالة تكون ضروريّة. ضرورة ضروريّة ثبوت الإنسان الذي يكون ملحوظا في حال التقييد بالنطق للإنسان وإن كان المقيّد بما هو مقيّد محمولا على أن يكون القيد داخلا فقضيّة : الإنسان ناطق تنحلّ في الحقيقة إلى قضيّتين : إحداهما : قضيّة الإنسان إنسان وهي ضروريّة والاخرى قضيّة الإنسان له النطق وهي ممكنة غير سديد :

أوّلا : لأنّ التقييد إن كان داخلا لا يكون المحمول ضروريّا إلّا إذا كان التقييد عبرة إلى الذات بما هي ذات وهو كما ترى إذ لا داعي للتوصيف. وثانيا لأنّ القائل بأنّ زيدا شيء له القيام لا يخبر إلّا عن قيامه لا عن شيئيّة وعن قيامه كما في نهاية الاصول (١) وبعبارة اخرى كما أفادها سيّدنا الاستاذ : الملاك في جهات القضايا هو النسب التامّة لا الناقصة وقضيّة زيد كاتب ليس لها إلّا نسبة تامّة واحدة وهي ممكنة ألا ترى في غير المشتقّ إذا قيل : زيد إنسان له الكتابة لا يكون إلّا قضيّة ممكنة مع أنّ المحمول إنسان مقيّد بالكتابة وهل يكون ذلك إلّا من جهة أنّ الملاك في جهات القضايا هو النسب التامّة لا الناقصة وإلّا فالمحمول في مثل زيد إنسان له الكتابة مركّب من الضروريّة وهي ثبوت الإنسان للإنسان الذي هو زيد والممكنة وهي ثبوت الكتابة لزيد. فالانحلال إلى القضيّتين ممنوع هذا مضافا إلى أنّه لو فرض أنّ ذلك إخباران وقضيّتان إحداهما ضروريّة والاخرى ممكنة فأين الانقلاب كما في تهذيب الاصول. (٢)

ثمّ لا يخفى ما في الكفاية من الخلط فإنّ مقتضى قوله : «إرشاد ؛ لا يخفى أنّ معنى البساطة

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ٦٨.

(٢) تهذيب الاصول ١ / ١٢٢.

٥٦٤

بحسب المفهوم وحدته إدراكا وتصوّرا بحيث لا يتصوّر عند تصوّره إلّا شيء ، واحد لا شيئان وإن انحلّ بتعمّل من العقل إلى شيئين ... الخ».

هو أنّ مورد الكلام هو البساطة اللحاظيّة والمفهوميّة لا البساطة الحقيقيّة والماهويّة ويؤيّده الاستدلال على البساطة بضرورة عدم تكرّر الموصوف في مثل (زيد الكاتب) ولزومه من التركّب وأخذ الشيء مصداقا أو مفهوما في مفهومه. ولكن مقتضى نقل استدلال المحقّق السيّد الشريف والنقض والإبرام حول كلامه هو أنّ محطّ المبحث هو البساطة الحقيقيّة والماهويّة. اللهمّ إلّا أن يكون نقل كلام المحقّق من باب المماشاة ثمّ اعترض عليه بقوله : إرشاد بأنّ محلّ الكلام هو البساطة اللحاظيّة والإدراكيّة لا البساطة الحقيقيّة في مفهوم المشتقّ. وكيف كان فقد عرفت أنّ البساطة الماهويّة والحقيقيّة خارجة عن محلّ البحث فإنّ البحث في المفاهيم العرفيّة واللغويّة للمشتقّات والبحث عن حقيقة الشيء وماهيّته يناسب الفلسفة لا مباحث الألفاظ المبتنية على الظهورات العرفيّة فلا تغفل.

الثاني : في الفرق بين المبدأ والمشتقّ

ولا يخفى عليك وضوح الفرق بين المشتقّ والمبدأ بعد ما مرّ في التنبيه الأوّل إذ المشتقّ هو أمر وحدانيّ قابل للتحليل إلى معنون مبهم وعنوان بخلاف المبدأ فإنّه ليس إلّا نفس العنوان ولذا لا يكون قابلا للحمل بدون إعمال العناية إذ لا اتّحاد بين ذات الموضوع والمبدأ الصادر منه أو الواقع عليه أو غير ذلك وأمّا المعنون المبهم فهو بنفسه أمر قابل للاتّحاد مع أيّ موضوع كان كما لا يخفى وهذا الفرق فرق جوهريّ بين المشتقّ والمبدأ لا فرق اعتباريّ بينهما ومع هذا الفرق الجوهريّ لا حاجة إلى الفرق الاعتباريّ مع ما فيه من الضعف كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.

نعم من ذهب إلى عدم دلالة المشتقّ إلّا على نفس حيثيّة المبدأ لزم عليه بيان

٥٦٥

الفرق بين المشتقّ والمبدأ.

ربما ذكروا في مقام الفرق بينهما أنّ مفهوم المشتقّ وإن كان متّحدا مع مفهوم المبدأ بحسب الحقيقة ولكن يفترقان بحسب الاعتبار فمفهوم المشتقّ قد اخذ لا بشرط ومفهوم المبدأ مأخوذ بشرط لا وصرّحوا بأنّ المراد من اللابشرطيّة والبشرطلائيّة هنا إنّما يكون بحسب الحمل اورد عليهم بأنّ هذا الفرق غير صحيح وذلك لأنّ صحّة الحمل وعدمها لا تختلف من حيث اعتبار شيء لا بشرط أو بشرط لا لأنّ مثل العلم والحركة والضرب ونحوهما ممّا يمتنع حملها على الذوات من دون عناية وإن اعتبر لا بشرط ألف مرّة إذ هذه الماهيّات بنفسها غير قابلة للحمل على الذوات إذ لا يقال زيد علم أو حركة ومجرّد اعتبار اللابشرطيّة لا يوجب انقلابها عمّا عليه فما ذكروه في مقام الفرق بين المبدأ والمشتقّ بناء على وحدتهما في إفادة نفس المبدأ لا يرجع إلى معنى صحيح.

وربما يجاب عنه كما في نهاية الاصول بأنّ المراد منهما هاهنا ليس ما ذكروه في باب اعتبارات الماهيّة من أنّها قد تؤخذ بشرط لا وقد تؤخذ بشرط شيء وقد تؤخذ لا بشرط. بل المقصود هنا ما ذكروه في بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادّة والصورة من أخذ الأوّلين لا بشرط والأخيرتين بشرط لا. إلى أن قال : إنّ الموجود الواحد المركّب بالتركيب الاتّحاديّ مثل «الإنسان» يكون لحاظ أجزائه على نحوين : فإنّ الحيوانيّة وكذا الناطقيّة تارة تلحظان بنحو الإبهام من جهة التحصّل بحيث لا يرى اللاحظ في لحاظه كلّ واحد منهما مانعا من أن يكون تحصّله بعين تحصّل الجزء الآخر وإذا رأى كونه متحصّلا بعين تحصّل الآخر حكم بأنّه هو لا أنّه غيره وانضمّ إليه وفي هذا الاعتبار يسمّيان بالجنس والفصل ويجوز حمل كلّ واحد منهما على الآخر وحمله على الإنسان وحمل الإنسان على كلّ واحد منهما واخرى يلحظ كلّ واحد منهما على نحو يكون تامّ التحصّل بحيث يكون تمام تحصّله ما هو الملحوظ فعلا

٥٦٦

بحدوده وأطرافه حتّى أنّه إذا لحظ معه الجزء الآخر كان بهذا النظر تحصّله مغايرا لتحصّله وكان من ضمائمه ومقترناته. وبهذا الاعتبار يسمّيان بالهيولى والصورة ولا يجوز في هذا اللحاظ حمل أحدهما على الآخر ولا حمله على النوع ولا حمل النوع عليه لأنّ المناط في الحمل هو الهوهويّة والاتّحاد ولم يحصلا في هذا اللحاظ وبالجملة فالجزء قد يلحظ بحدّ جزئيّته وبما أنّه شيء بحياله وأنّه بانضمام شيء آخر إليه يحصل الكلّ وقد يلحظ لا بحدّ الجزئيّة بل بنحو الإبهام في التحصّل وبما أنّه متحصّل بعين تحصّل الكلّ هذا هو مراد القوم ممّا ذكروه في بيان الفرق بين الهيولى والصورة وبين الجنس والفصل من أخذ المفهوم في الأوّليين بشرط لا وفي الآخرين لا بشرط. إلى أن قال : المراد من البشرطلا مثلا في باب اعتبارات الماهيّة هو أن يتصوّر الماهيّة بالقياس إلى عوارضها الطارئة عليها وتلحظ مجرّدة منها بحيث لا تتّحد معها ولا تنضمّ إليها. والمراد من البشرطلا في المقام هو أن يلحظ الجزء بحدّ الجزئيّة وتامّ التحصّل بحيث إن قارنه شيء كان من منضمّاته وملحقاته لا من متمّمات تحصّله. فالبشرط لا في المقام لا يأبى انضمام أمر آخر إليه وإنّما يأبى كونه داخلا في الملحوظ ومتمّما له في مقام التحصّل وبهذا البيان يظهر الفرق بين اللابشرطين في المقامين أيضا فتدبّر (١).

ومن المعلوم أنّ هاتين الحيثيّتين أعني حيثيّة اتّحاد المادّة مع الصورة وحيثيّة مغايرتها معها حيثيّتان واقعيّتان لها مطابق في الخارج وليستا بمجرّد اعتبار لا بشرط وبشرط لا كما في اعتبارات الماهيّات ليقال كما أنّ اعتبار لا بشرط لا يجدي مع المغايرة ولا ينقلب الشيء به عمّا كان عليه فكذلك اعتبار بشرط لا لا يجدي مع الاتّحاد حقيقة. لأنّ الاتّحاد ليس بالاعتبار لينتفي باعتبار آخر بل المراد هنا هو أنّ اعتبار

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ٧٢ ـ ٦٩.

٥٦٧

(لا بشرط) اعتبار موافق لحيثيّة لها مطابق في الواقع واعتبار (بشرط لا) اعتبار موافق لحيثيّة اخرى لها مطابق فيه أيضا لا أنّ الواقع ينقلب عمّا هو عليه بالاعتبار. هذا غاية توضيح ذلك كما في المحاضرات (١). وعليه فمرجع التوجيه المذكور كما في تهذيب الاصول إلى التركيب الانحلاليّ فإنّ اعتبار اللابشرطيّة وبشرط اللائيّة ليس من الاعتبارات الجزافيّة بحيث يكون زمامهما بيد المعتبر فإن شاء اعتبر جهة لا بشرط فصارت قابلة للحمل وإن لم تكن في نفسها كذلك وبالعكس بل التحقيق في جلّ المعقولات الثانويّة والأوّليّة أنّها نقشة لنفس الأمر والواقع فالمفاهيم في كونها قابلة للحمل وعدمه تابعة لما في نفس الأمر وألفاظ الموضوعة للمفاهيم تابعة لها ولنفس الأمر إلى أن قال : فحينئذ نقول لا يمكن أن تكون الهيئة لإخراج المادّة إلى اللابشرطيّة إلّا أن تكون حاكية لحيثيّة بها صار المشتق قابلا للحمل فإنّ نفس الحدث غير قابل له ولم يكن متّحدا في نفس الأمر مع الذات فقابلية الحمل تابعة لحيثيّة زائدة على الحدث المدلول عليه بالمادّة فظهر أنّ لمادة المشتقّات معنى ولهيئتها معنى آخر به صار مستحقّا للحمل وهذا عين التركيب الانحلاليّ (٢) فالقول بالبساطة المحضة يرجع في النهاية إلى التركيب الانحلاليّ وإن غفل قائله عنه وإليه أشار في الكفاية حيث قال بعد بيان أنّ مفهوم المشتقّ بنفسه مفهوم لا يأبى عن الحمل بخلاف المبدأ وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما من أنّ المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط لا أي يكون مفهوم المشتقّ غير آب عن الحمل ومفهوم المبدأ يكون آبيا.

ولكن أورد على فرق أهل المعقول من اعتبار اللابشرط وبشرط لا بما في تهذيب

__________________

(١) المحاضرات ١ / ٢٨٧.

(٢) تهذيب الاصول ١ / ١١٨ ـ ١١٩.

٥٦٨

الاصول من أنّه مستلزم لاجتماع أمرين متنافيين في المشتقّات إذ المادّة التي اخذت بشرط لا لا بدّ وأن تكون موجودة في فروعها بما لها من الحيثيّات بلا حذف واحدة منها وحينئذ هيئة المشتقّ لا تأبى عن الحمل بل تقتضيه ومادّته يتعصى عنه وإلّا لم تكن ما فرض مادّة مادّة ولو قيل إنّ الهيئة تقلب المادّة إلى اللابشرط ففيه أنّ ذلك لا يرجع إلى محصّل إلّا أن يراد به استعمال المادّة في ضمن هيئة المشتقّ في الماهيّة اللابشرط وهو مع استلزامه المجازيّة يهدم دعوى الفرق بين المادّة والمشتقّ بما ذكر واحتمال أنّ المراد من المادّة هنا هو المصدر يوجب وهنا على وهن على أنّ أخذ المبدأ بشرط لا يستلزم له نحوا من التحصّل والمتحصّل بما هو متحصّل لا يعقل أن يصير مبدأ لشيء آخر فتدبّر (١).

ولا يخفى عليك أنّ عدم معقوليّة صيرورة المتحصّل مبدأ لشيء آخر وارد إذا قلنا بأنّ مبدأ المشتقّ هو المصدر وأمّا إذا قلنا بأنّ المصدر والمشتقّ وغيرهما كلّها مأخوذة من مادّة خالية عن التحصّل وموضوعة لنفس الحدث كما أشار إليه (في الصفحة ١٠٦) فلا يرد الإشكال المذكور فراجع وتأمّل. ثمّ إنّه لا يلزم هدم دعوى الفرق لو كان طرف الفرق هو المصدر كما هو كذلك وأمّا المادّة التي تتّخذ مع كلّ هيئة فهي لا بشرط لا بشرط لا.

وهنا إشكال آخر وهو أنّ الاعتبار لا يجعل المتغايرين في الوجود متّحدا فيه واقعا والحمل هو الاتّحاد في الوجود بحيث ينسب ذلك الوجود إلى كلّ منهما إمّا بالذات أو بالعرض في الطرفين أو في طرف واحد وملاحظة العرض بما هو ظهور موضوعه ومرتبة من وجوده وشأنا من شئونه لا يصحّح دعوى أنّ وجوده ووجود موضوعه وإن كان وجوده في نفسه وجوده لموضوعه فالعرض وموضوعه متعدّدان

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥.

٥٦٩

ولا يتّحدان بالاعتبار وقياسه بالجنس والفصل لا مورد له لأنّ اتّحاد الجنس والفصل حقيقيّ نعم لو قلنا باتّحاد الأعراض مع موضوعاتها في الوجود كما حكاه المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره عن الحكيم المؤسّس الآقا عليّ المدرّس ومن صدر المتألّهين في مسألة إثبات الحركة الجوهريّة حيث ذهب إلى أنّ تبدّل الأعراض تبدّل موضوعاتها مع أنّه لو لا الاتّحاد لما صحّ ذلك كان باب الأعراض وموضوعاتها باب الأجناس والفصول وكيف كان فسّر الفرق على مختارنا من بساطة المشتقّ أنّ الواضع إمّا يلاحظ نفس ذات الشيء ووضع له اسما من دون نظر إلى شيء آخر فالاسم الموضوع هو اسم الذات نحو زيد وبكر وغيرهما أو اسم المعنى نحو ضرب وأكل وغيرهما وإمّا يلاحظ الذات مع اعتبار أمر خارج عنه وهو على قسمين : أحدهما هو أن يلاحظ الذات مع الأمر الخارجيّ ولكن لا ينظر إلى كيفيّة نسبة الذات إلى هذا الأمر الخارجيّ فالاسم الموضوع هو متضايف كالأب والابن والعبد والمملوك ونحوها.

وثانيهما : هو أن يلاحظ الذات مع الأمر الخارجيّ واتّحاده معه مع النظر إلى كيفيّة نسبة الذات إلى هذا الأمر الخارجيّ فالاسم الموضوع مشتقّ وموضوع لإفادة معنونيّة شيء ما المنتزعة عن الذات باعتبار نسبتها إلى أمر خارج عنها مع مراعاة كيفيّة النسبة بالصدور أو الوقوع كالضارب والمضروب والمضراب وغير ذلك. ولكن هذا المفهوم من المفاهيم المندمجة البسيطة والمبهمة التي يمكن تحليلها بالتعمّل العقليّ وعليه فالفرق بين المبدأ والمشتقّ واضح فإنّ المشتقّات موضوعة لإفادة معنونيّة شيء ما بالمبدإ مع ملاحظة كيفيّة النسبة بين الذات والمبدأ بنحو البساطة الإدراكيّة واللحاظيّ وإن أمكن تحليلها عقلا إلى ذات ومبدأ ونسبة وبذلك يصلح للحمل لحصول مناط الحمل وهو الاتّحاد الخارجيّ الحاكي عنه بالمفهوم المدلول عليه بلفظ المشتقّات هذا بخلاف الاسم الموضوع لذات المبدأ فإنّه لا يصلح للحمل لعدم حصول مناط الحمل وهو الاتّحاد كما لا يخفى.

٥٧٠

ودعوى أنّ المشتقّ والمبدأ متّحدان في الحقيقة ومختلفان بالاعتبار حيث اعتبر المبدأ (بشرط لا) والمشتقّ (لا بشرط) فاسدة لما مرّ من أنّ المنساق والمتبادر من المشتقّ هو الأمر الوحدانيّ المعنون بعنوان دون المبدأ فإنّه لا يتبادر منه إلّا العنوان هذا مضافا إلى ما أيّدنا بأنّ الحمل لا يصحّ إلّا إذا كان مناط الحمل وهو الاتّحاد موجودا ولا اتّحاد بين الذات ونفس المبدأ فحمل المشتقّ على الذات يكشف عن كون معناه هو الأمر الوحدانيّ المعنون بعنوان وهذا الأمر الوحدانيّ يكون قابلا للتحليل إلى الذات والمبدأ وكيفيّة النسبة بينهما ولا يكون معناه العنوان المجرّد وإلّا لما أمكن الحمل ولو مع ملاحظة اعتبار اللابشرط كما لا يخفى.

الثالث في ملاك الحمل

ولا إشكال في اعتبار الاتّحاد والهوهويّة في صحّة الحمل ولو كان الاتّحاد المذكور من وجه. وأمّا إذا لم يكن بين الموضوع والمحمول اتّحاد لا يصحّ الحمل فيه لوجود المباينة المطلقة بين الموضوع والمحمول.

ثمّ إنّ الاتّحاد قد يكون بحسب المفهوم كالإنسان إنسان وهو حمل الشيء على نفسه ولا فائدة فيه إلّا دفع توهم إمكان سلب الشيء عن نفسه وقد يكون الاتّحاد بحسب الهوهويّة بالذات والحقيقة وهو ملاك الحمل الذاتيّ الأوّليّ والمغايرة حينئذ تكون بالاعتبار الموافق للواقع لا بالفرض كمغايرة حيوان ناطق مع الإنسان بالإجمال والتفصيل وهذا النوع من الحمل يسمّى حملا ذاتيّا أوّليّا.

واخرى يكون الاتّحاد بحسب الوجود والمصداق وإن كانا متغايرين بحسب المفهوم وهذا هو ملاك الحمل الشائع الصناعيّ والحمل فيه يرجع إلى كون الموضوع من أفراد المحمول ومصاديقه كقولنا : الإنسان ضاحك أم كاتب فإنّ مفهوم (الإنسان) مغاير لمفهوم الضاحك أو الكاتب ولكن كلّ ما صدق عليه الإنسان صدق عليه مفهوم

٥٧١

الضاحك أو الكاتب وعليه فلا بدّ في الحمل الشائع الصناعيّ من وجود واحد ينسب إلى الموضوع والمحمول ولا يعقل بدونه حمل أحد المتغايرين في الوجود على الآخر وعليه فلو كان بين الموضوع والمحمول مغايرة في الوجود كقولنا زيد ضارب بناء على كون المشتقّ عين المبدأ أعني الضرب فلا يصحّ حمله على زيد واعتبار لا بشرطيهما لا يصحّح الحمل المذكور لأنّ الاعتبار لا يوجب تغييرا في المتغايرين كما أنّ اعتبار المجموع واحدا وملاحظة الحمل بالإضافة إلى المجموع لا يجدي في رفع المغايرة الحقيقيّة الخارجيّة وعليه فلو كان المشتقّ عبارة عن نفس المبدأ لا يجدي في صحّة حمله على الذات اعتبار لا بشرط أو اعتبار المبدأ والذات شيئا واحدا وملاحظة الحمل بالإضافة إلى المجموع لأنّ الاعتبارات لا توجب الاتّحاد الحقيقيّ في ظرف الحمل وهو الخارج في مثل زيد ضارب ونحوه فاللازم هو أن يقال إنّ المشتقّ موضوع لأمر وحدانيّ قابل للانحلال كما مرّ وهذا الأمر الوحدانيّ أمر مبهم يحمل على الذات وهو أمر ينتزع عن مثل زيد بلحاظ قيام الضرب به قيام الفعل بفاعله أو العرض بموضوعه ومنشأ الانتزاع أمر واقعيّ لا اعتباريّ.

كلام صاحب الفصول

وممّا ذكر يظهر ما في الفصول حيث ذهب فيه إلى إمكان حمل أحد المتغايرين في الوجود على الآخر بالملاحظات الاعتباريّة من ملاحظة كلّ من الجزءين المتغايرين (لا بشرط) حتّى لا يتأبّيان عن اعتبار الوحدة بينهما وملاحظتهما من حيث المجموع واحدا كي يتحقّق هناك وحدة مصحّحة للحمل وملاحظة الحمل بالإضافة إلى المجموع من حيث الهيئة الاجتماعيّة حتّى يكون الحمل بالإضافة إلى المتّحدين في الوجود بنحو من الاعتبار.

وإليك عبارته قال بعد نقل كلمات القوم في اعتبار المبدأ والمشتقّ باعتبار لا بشرط وبشرط لا وملاحظتهما وتحقيق المقام أنّ حمل الشيء على الشيء يستدعي أن

٥٧٢

يكون بينهما مغايرة باعتبار الذهن في لحاظ الحمل واتّحاد باعتبار الظرف الذي يعتبر الحمل بالقياس إليه من ذهن أو خارج ثمّ التغاير قد يكون اعتباريّا والاتّحاد حقيقيّا كقولك : هذا زيد ، والناطق حسّاس. وقد يكون التغاير حقيقيّا والاتّحاد اعتباريّا وذلك بتنزيل الأشياء المتغايرة منزلة شيء واحد وملاحظتهما من حيث المجموع والجملة فيلحقه بذلك الاعتبار وحدة اعتباريّة فيصحّ حمل كلّ جزء من أجزائه المأخوذة (لا بشرط) عليه وحمل كلّ واحد منها على الآخر بالقياس إليه نظرا إلى اتّحادهما فيه كقولك : (الإنسان جسم) أو (ناطق) (١).

فإنّ الإنسان مركّب في الخارج حقيقية من بدن ونفس لكنّ اللفظ إنّما وضع بإزاء المجموع من حيث كونه شيئا واحدا ولو بالاعتبار فإن اخذ الجزءان بشرط لا كما هو مفاد لفظ البدن والنفس امتنع حمل أحدهما على الآخر وحملهما على الإنسان لانتفاء الاتّحاد بينهما وإن أخذا اللابشرط كما هو مفاد الجسم والناطق صحّ حمل أحدهما على الآخر وحملهما على الإنسان لتحقّق الاتّحاد المصحّح للحمل فقد تحقّق ممّا قرّرنا أنّ حمل أحد المتغايرين بالوجود على الآخر بالقياس إلى ظرف التغاير لا يصحّ إلّا بشروط ثلاثة : أخذ المجموع من حيث المجموع وأخذ الأجزاء لا بشرط واعتبار الحمل بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع إذا تبيّن عندك هذا فنقول : أخذ العرض (لا بشرط) لا يصحّح حمله على موضوعه ما لم يعتبر المجموع المركّب منهما شيئا واحدا ويعتبر الحمل بالقياس إليه ولا خفاء في أنّا إذا قلنا : زيد عالم أو متحرّك لم نرد بزيد المركّب من الذات وصفة العلم أو الحركة وإنّما نريد به الذات وحدها فيمتنع حمل العلم والحركة عليه وإن اعتبرا لا بشرط بل التحقيق أنّ مفاد المشتقّ

__________________

(١) لعلّ المراد من الناطق النفس وإلّا فالإنسان مع الناطق متّحد في الوجود ولا يكون متغايرا.

٥٧٣

باعتبار الهيئة مفاد ذو ولا فرق بين قولنا ذو بياض وقولنا ذو مال فكما أنّ المال إن اعتبر لا بشرط لا يصحّ حمله على صاحبه فكذلك البياض ومجرّد استقلال أحدهما بالوجود لا يجدي فرقا في المقام فالحقّ أنّ الفرق بين المشتقّ ومبدئه هو الفرق بين الشيء وذى الشيء فمدلول المشتقّ أمر اعتباريّ منتزع من الذات بملاحظة قيام المبدأ به (انتهى موضع الحاجة منه فراجع). (١)

ملاحظة حول كلامه

أورد عليه المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره بأنّه كما أنّ اللابشرطيّة لا يصحّح حمل أحد المتغايرين في الوجود على الآخر فكذلك ملاحظتهما من حيث المجموع واحدا واعتبار الحمل بالنسبة إليه ، إذ بناء على هذا لا اتّحاد لأحد الجزءين مع الآخر في الوجود كما لا اتّحاد لأحدهما مع الكلّ بل الوحدة في الحقيقية وصف اللحاظ والاعتبار فلا يصحّ أن يقال (هذا ذاك) بل (هذا ذاك) في اللحاظ والاعتبار الذي مرجعه إلى أنّه يجمعهما لحاظ واحد لا وجود واحد والحمل هو اتّحاد الموضوع والمحمول في الوجود لا الجمع في لحاظ واحد (٢).

وقال أيضا : ومحصّله (أي الإيراد) أنّ الاتّحاد بلحاظ وعاء والحمل بلحاظ وعاء آخر غير مفيد بداهة أنّ مفاد قولنا الإنسان حيوان أو ناطق أنّه هذا ذاك في الخارج مع أنّه لا اتّحاد بينهما فيه بل في غير موطن الحمل (٣) واتّضح من ذلك أنّ اللازم في الحمل الشائع الصناعيّ هو الاتّحاد بحسب الوجود والمصداق في الخارج وظرف الحمل ومجرّد اعتبار الوحدة بينهما في الذهن لا يكفي في صحّة الحمل الشائع الصناعيّ بحسب الخارج فلا يصحّ تصحيح صاحب الفصول بالنسبة إلى حمل المتغايرين في

__________________

(١) الفصول بحث المشتق التنبيه الثاني.

(٢) نهاية الدراية ١ / ١٣٧.

(٣) نفس المصدر ١ / ١٣٩.

٥٧٤

الوجود كما لا يخفى. هذا مضافا إلى أنّ مختاره في النهاية في معنى المشتقّ حيث قال فمدلول المشتقّ الخ أمر اعتباريّ منتزع من الذات مع أنّك عرفت أنّ معنى المشتقّ كسائر الألفاظ الحاكية عن الحقيقية والواقعيّة الخارجيّة إذ هو موضوع لأمر مبهم ينحلّ إلى معنون بعنوان لكون منشأ انتزاعه في الخارج هو كذلك لأنّه الذات بملاحظة قيام المبدأ به لا أنّه أمر اعتباريّ.

كلام صاحب الكفاية

وممّا ذكر ينقدح ما في إيراد صاحب الكفاية على صاحب الفصول حيث قال : ملاك الحمل كما أشرنا إليه هو الهوهويّة والاتّحاد من وجه والمغايرة من وجه كما يكون بين المشتقّات والذوات ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب بين المتغايرين واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا بل يكون لحاظ ذلك مخلّا لاستلزامه المغايرة بالجزئيّة والكلّيّة ومن الواضح أنّ ملاك الحمل لحاظ بنحو الاتّحاد بين الموضوع والمحمول مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعات بل لا يلحظ في طرفها إلّا نفس معانيها كما هو الحال في طرف المحمولات ولا يكون حملها عليها إلّا بملاحظة ما هما عليه من نحو الاتّحاد مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار.

ملاحظات

وذلك لوجوه منها : أنّ تنزيل الأشياء المتغايرة بمنزلة شيء واحد واعتبار الوحدة في خصوص المتغايرين في الوجود لا في مطلق القضايا الحمليّة فلا يشمل كلامه ما إذا كان التغاير بين المفهومين والاتّحاد في الوجود ، فقول صاحب الكفاية بعد ذكر اعتبار ملاك الحمل : ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب : الخ الظاهر في أنّ صاحب الفصول زاد ذلك في مطلق الحمل كما ترى ولعلّ منشأ ذلك قول صاحب الفصول بعد ذكر مقدّمات إذا تبيّن عندك هذا فنقول أخذ العرض لا بشرط لا يصحّح حمله على

٥٧٥

موضوعه ما لم يعتبر المجموع المركّب منهما شيئا واحدا ويعتبر الحمل بالقياس إليه ولكن مقتضى الإمعان في عباراته هو أنّ كلامه في خصوص المتغايرين في الوجود حيث قال : وقد يكون التغاير حقيقيّا والاتّحاد اعتباريّا وذلك بتنزيل الأشياء المتغايرة منزلة شيء واحد وملاحظتها من حيث المجموع إلخ.

ومنها : أنّ دعوى استلزام ذلك المغايرة بالجزئيّة والكلّيّة يرد عليها كما في تعليقة المحقّق الأصفهانيّ أنّ هذا (صحيح) لو اريد حمل أحد الجزءين على الآخر الملحوظ معه غيره وأمّا إذا كان الموضوع نفس الجزء والغرض دعوى اتّحادهما في الكلّ الملحوظ شيئا واحدا نظير ما يقال : زيد وعمرو واحد في الإنسانيّة فلا مغايرة بالجزئيّة والكلّيّة بل الكلّ ما به الاتّحاد وملاكه لا أنّه المحمول عليه دائما وهو المراد من لحاظ الحمل بالقياس إلى المجموع وإلّا قال على المجموع. بل الأمر كذلك إذا حمل الجزء على المجموع أيضا كما صرّح بصحّته صاحب الفصول وذلك لأنّ حمل الجزء على الكلّ إنّما لا يصحّ بلحاظ الوعاء الذي يكون كلّ جزء مغايرا للآخر وجودا وأمّا بلحاظ الوعاء الذي فرض اتّحادهما في ذلك النحو من الوجود الاعتباريّ فلا مانع من صحّة الحمل لمكان الاتّحاد في الوجود الاعتباريّ فلا يرد عليه إلّا ما أوردناه سابقا.

ومنها : أنّ نقض صاحب الكفاية عليه بقوله : مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا منظور فيه بما في تعليقة الأصفهانيّ : من أنّ الكلام في حمل أحد المتغايرين في الوجود على الآخر أو على المجموع بالحمل الشائع والحمل في التحديدات حمل أوّليّ ذاتيّ يصحّ اعتباره في المركّب من أمرين فمرجع قضيّة (الإنسان حيوان ناطق) إلى أنّ معنى ذلك اللفظ وحقيقته عين معنى هذين اللفظين وحقيقتهما كما إذا صرّح بذلك وقال : حقيقة الإنسان مركّبة من النفس والبدن مثلا وأمّا سائر القضايا فليس فيها حمل أحد المتغايرين في الوجود الخارجيّ على الآخر لما عرفت غير مرّة أنّ الضارب مثلا عنوان منتزع عن زيد بلحاظ قيام الضرب به قيام الفعل

٥٧٦

بفاعله أو العرض بموضوعه وانطباقه على زيد وكون وجود زيد وجودا له بالعرض بملاحظة أنّ معنى الضارب هو الصورة المبهمة المتلبّسة بالضرب ومن الواضح انطباقها على زيد لانطباق الأمر المبهم على ذات زيد والربط المأخوذ في العنوان على تلبّس زيد والمادّة على الضرب القائم به بخلاف الناطق بالإضافة إلى الحيوان أو إلى الإنسان كما عرفت في الحاشية السابقة آنفا فلا نقض لا بالتحديدات ولا بسائر القضايا الجارية على غير الذاتيّات فافهم جيّدا (١).

ومنها : أنّ انضمام تغاير الموضوع والمحصول في ملاك صحّة الحمل منظور فيه بما في نهاية الاصول حيث قال : ولا يلزم في صحّة الحمل تغاير الموضوع والمحمول بل التغاير إنّما يعتبر لإفادة الحمل فحمل الشيء على نفسه صحيح ولو لم يعتبر المغايرة بوجه ولكنّه غير مفيد إن لم يكن في البين مغايرة وبعبارة اخرى ليست المغايرة من شرائط صحّة الحمل بل من شرائط إفادته (٢).

وممّا ذكر يظهر ما في تهذيب الاصول حيث قال ما قاله صاحب الفصول في معنى المشتقّ يرجع إلى ما حقّقناه مع فرق غير جوهريّ مع أنّك عرفت أنّ صاحب الفصول جعل معنى المشتقّ أمرا اعتباريا وما حقّقه صاحب تهذيب الاصول وغيره هو أنّ معنى المشتقّ أمر انتزاعيّ عن الواقعيّة الخارجيّة فلا تغفل.

الرابع : في المعيار

في صحّة الحمل الشائع الصناعيّ أو في صدق المشتقّ ولا يخفى أنّ المعيار فيه ليس إلّا مجرّد تحقّق حيثيّة المبدأ في الخارج فحمل (العالم) على (زيد) مثلا لا يصحّ إلّا إذا

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٢) نهاية الاصول ١ / ٧٣.

٥٧٧

كانت حيثيّة العلم موجودة فيه وإلّا فلا يصحّ إطلاق (العالم) عليه لخلوّه عن حيثيّة المبدأ. نعم لا دخل لخصوصيّات المبدأ من كونه قائما به بقيام انضماميّ كما في صدق الأسود على الجسم أو من كونه قائما بقيام انتزاعيّ كما في صدق الفوق على شيء فإنّ مبدأه وهو الفوقيّة لا صورة لها في الأعيان كي تقوم بشيء على نحو الانضمام بل هي من حيثيّات وجود شيء في الخارج تنتزع عنه عند ملاحظته أو من كونه متقرّرا في ذات الموضوع على نحو الجزئيّة كما في تقرّر الإنسانيّة في ذات زيد المتشخّص بالوجود أو من كونه متّحدا مع الموضوع في الوجود كما في حمل الجنس على الفصل وبالعكس لاتّحاد مبادئ الذات في الوجود أو من كونه عين تمام ذات الموضوع كما في صدق الأسود على السواد والموجود على الوجود أو من كونه حدثا قائما بالموضوع بالقيام الصدوريّ كما في زيد ضارب أو غير ذلك فلا يدلّ المشتقّ أو المحمول إلّا على تحقّق حيثيّة المبدأ وعليه فلا يدلّ على زيادة العنوان على المعنون وإن كان بحسب الغالب هو كذلك.

وعليه يصدق المحمول أو المشتقّ في جميع الصور صدقا حقيقيّا. فكما يصحّ (زيد عالم) كذلك يصحّ (الله تعالى عالم) مع أنّ العلم في الله تعالى عين الذات على مذهب الإماميّة الاثنى عشريّة من دون حاجة إلى النقل أو القول بالمجاز.

ولذلك قال في نهاية الاصول : والحقّ عندنا كما مر أنّ صفاته عين ذاته وأنّ صدق المشتقّات عليه تعالى بنحو الحقيقية إذ المناط في صدق المشتقّ ليس إلّا تحقّق حيثيّة المبدأ ولا يشترط زائدا على ذلك كونه زائدا على الذات فليس معنى عالميّته مثلا إلّا وجود ما هو حقيقة العلم له وهي انكشاف الأشياء له وحضورها لديه وليس العلم سوى الانكشاف التامّ وكذلك لا معنى لقدرته إلّا كونه بذاته بحيث يصدق عليه أنّه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل وليس شرطا في صدق القادر كون القدرة موجودة بحيالها في قبال وجود الذات وكذلك معنى القديم ليس إلّا أنّ الذات لا مبدأ

٥٧٨

لوجودها وليس شرطا في صدقه كون القدم شيئا موجودا بحياله وكذلك الحياة فإنّ معناها كون الذات بحيث يترتّب عليها آثارها المطلوبة منها من العلم والقدرة وسائر الصفات والأفعال وقس عليها سائر الصفات. إلخ (١).

وممّا ذكر يظهر الجواب عمّا يقال في الصفات الجارية على ذاته تعالى من أنّ هيئة المشتقّ تقتضي مغايرة المبدأ لما يجري عليه مع أنّ المذهب الحقّ هو عينيّة الذات مع الصفات كما أنّ المادّة تقتضي كون المبدأ حدثا في المشتقّات مع أنّه تعالى فوق الجواهر والأعراض فضلا عن الأحداث.

فاللازم هو القول بتجريد المشتقّ عمّا لا يناسب ساحة قدسه تعالى وهو ليس إلّا المجاز.

وذلك لما عرفت من عدم دلالة المشتقّ إلّا على تحقّق حيثيّة المبدأ وأمّا كونه مغايرا وزائدا على الذات أو حدثا وغير ذلك فلا يستفاد من المشتق. ولذلك قال في تهذيب الاصول : والتحقيق في دفع الإشكال الأوّل أن يقال إنّ المشتقّ لا يدلّ إلّا على المعنون بعنوان المبدأ بما أنّه معنون فلا يفهم من لفظ (العالم) إلّا المعنون به من حيث هو كذلك وأمّا زيادة العنوان على المعنون وقيامه به فهو خارج عن مفهومه لكن لمّا كان الغالب فيها هو الزيادة تنسبق المغايرة والزيادة إلى الذهن لأجل التعارف الخارجيّ لا لدلالة المفهوم عليها فالمشتقّ يدل على المعنون والعينيّة والزيادة من خصوصيّات المصاديق. إلى أن قال : وأمّا الإشكال الثاني فيندفع بأنّه لا دليل على لزوم كون المبدأ حدثا أو عرضا بالمعنى المنافي لذاته سبحانه. إلى أن قال : فتلخّص أنّ المشتقّ يدلّ على المعنون بعنوان من غير دلالة على الحدثيّة والعرضيّة. فإذا قلنا (أنّه سبحانه عالم) ليس معناه إلّا كون ذاته تعالى كاشف أو كشف تامّ عن الأشياء والعلم حقيقة

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ٧٤ ـ ٧٣.

٥٧٩

الانكشاف من غير دخالة العرضيّة والجوهريّة فيه فليس حقيقته إلّا ذلك وهو ذو مراتب وذو تعلّق بغيره لا نحو تعلّق الحالّ بالمحلّ وهو تعالى باعتبار كونه في مرتبة ذاته كشف تفصيليّ في عين البساطة والوحدة عن كلّ شيء أزلا وأبدا يطلق عليه (عالم) وباعتبار كون ذاته منكشفا لدى ذاته يكون (معلوما). فصدق المشتقّات الجارية على ذاته تعالى حقيقة من غير شوب إشكال والحمد لله تعالى (١).

وعليه فإطلاق المشتقّات الجارية على ذاته المقدّسة كإطلاقها في سائر الموارد إذ خصوصيّات المصاديق ليست داخلة في معانيها فالقول بمجازيّة تلك الإطلاقات غير سديد.

ثمّ إنّ اللازم في إفادة الحمل الشائع الصناعيّ أن يكون المحمول مغايرا للموضوع مفهوما وهذا أيضا لا يمنع عن صدق المشتقّات عليه تعالى لأنّ مفاهيمها بما هي المشتقّات متغايرة مع ذاته تعالى. قال في الكفاية :

لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري عليه المشتقّ مفهوما وإن اتّحدا عينا وخارجا فصدق الصفات مثل العالم والقادر والرحيم والكريم إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال عليه تعالى على ما ذهب إليه أهل الحقّ من عينيّة صفاته يكون على الحقيقة فإنّ المبدأ فيها وإن كان عين ذاته تعالى خارجا إلّا أنّه غير ذاته تعالى مفهوما.

ومنه قد انقدح ما في الفصول من الالتزام بالنقل أو التجوّز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى بناء على الحقّ من العينيّة لعدم المغايرة المعتبرة بالاتّفاق.

وذلك لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوما ولا اتّفاق على اعتبار غيرها إن لم نقل بحصول الاتّفاق على عدم اعتباره كما لا يخفى وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ١٢٨ ـ ١٣٠.

٥٨٠