عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

ونقصا باختلاف المراتب. (١)

وفيه : أوّلا : أنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة في معنى الصلاة ليس هو التوجّه المذكور بل هي عبارة عن ماهيّة جامعة للأجزاء والشرائط الباعثة على الأمر بها التي أوّلها التكبير وآخرها التسليم أو هيئة اتّصاليّة جامعة للأجزاء والشرائط المذكورة.

وثانيا : أنّ التوجّه المذكور لا يختصّ بالصلاة بل هو موجود في الحجّ والصوم وغيرهما من العبادات فهو ليس جامعا لأفراد الصلاة اللهمّ إلّا أن يقيّده بما لم يشمل غيرها.

وثالثا : بأنّ التوجّه المذكور موجود في الصلوات الباطلة أيضا اللهمّ إلّا أن يقيّده بما لم يشمل غير أفراد الصحيحة.

تصوير الجامع السنخيّ على قول الصحيحيّ

ومنها : ما ذهب إليه في منتهى الاصول من أنّ لفظ الصلاة موضوع للسنخيّة التي بين أفراد الصلاة وهكذا لفظ الصوم والحجّ وغير ذلك ولا شكّ في أنّ السنخيّة التي تكون بين أفراد الصلاة هي غير السنخيّة التي بين أفراد الصوم وهكذا في غيرهما من سائر العبادات والشاهد على وقوع هذا المعنى بعد فرض إمكانه هو فهم المتشرّعة بل العرف من لفظ كلّ واحد من العبادات ذلك السنخ الخاصّ الجامع بين جميع أفراد ذلك النوع. (٢)

وفيه : أنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة في معنى الصلاة ليس هو السنخيّة المذكورة بل هي عبارة عن هيئة أو ماهيّة جامعة للأجزاء والشرائط المعهودة الباعثة على الأمر

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ٤٠.

(٢) منتهى الاصول ١ / ٥٩.

٣٢١

بها التي أوّلها التكبير وآخرها التسليم. وتفسير الصلاة بالسنخيّة بعيد عن فهم عرف المتشرّعة. هذا مضافا إلى أنّ المراد من السنخيّة إن كانت ماهيّة جامعة للأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر فليس غير ما قدّمناه وإن كان المراد منها وجودا سعيّا خارجيّا فلا مجال له في الخارج إذ الكلّيّ بما هو كلّيّ ليس موجودا في الخارج.

الجهة السادسة في مقتضى الأصل في المقام :

ثمّ بعد ما اتّضح أمر تصوير الجامع المركّب أو الجامع البسيط بين أفراد الصحيحة يقع الكلام في جريان البراءة وعدمه فيما إذا شكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّة شيء.

ولا إشكال في جريانها على تقدير تصوير الجامع المركّب لانطباق الجامع بين الأفراد الصحيحة على الأجزاء والشرائط الموجودة في الخارج أعني المركّب الخارجيّ انطباق الكلّيّ على أفراده إذ مفهوم الجامع المركّب ليس بمطلوب إلّا باعتبار وجوده الخارجيّ اللافراغيّ وعليه فالمركّب الخارجيّ من حيث اتّحاده مع الكلّيّ وانطباق الكلّيّ الجامع عليه يكون متعلّقا للإرادة حقيقة فإذا انحلّ المركّب الخارجيّ إلى متيقّن المراديّة ومشكوك المراديّة فتجري البراءة في المشكوك فيه لأنّه بالنسبة إليه شكّ في ثبوت الحكم والإرادة ولذا ذهب أكثر القائلين بالجامع بين أفراد الصحيحة إلى البراءة على المحكيّ.

وأمّا إذا لم نقل بالجامع المركّب وقلنا بالجامع البسيط بين أفراد الصحيحة فهل تجري البراءة في المشكوك جزئيّته أو شرطيّته؟ فربما يقال أنّه لا مجال لجريان البراءة لعدم الإجمال حينئذ في المأمور به وإنّما الإجمال في محصّلاته وفي مثله لا مجال للبراءة لأنّ الاشتغال بالعنوان المبيّن المعلوم يقينيّ والشكّ في الفراغ ومقتضاه هو الاحتياط.

أجاب عنه في الكفاية بأنّ العنوان البسيط حيث كان منتزعا عن المركّبات

٣٢٢

الخارجيّة ومتّحدا معها نحو اتّحاد في مثله يجري البراءة وإنّما لا يجري فيما إذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيّا مسبّبا عن المركّب المردّد بين الأقلّ والأكثر كالطهارة المسبّبة عن الغسل والوضوء فيما إذا شكّ في أجزائهما.

أورد عليه استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره بأنّ متعلّق التكاليف يتصوّر على أنحاء أربعة :

الأوّل : أن يكون متعلّق الأمر نفس الأجزاء كالركوع والسجود والتكبير وغيرها كأن يقال : اركع واسجد وكبّر إلى غير ذلك فحينئذ إن شكّ في أنّ الشارع بعد هذه الامور أضاف شيئا آخر أم لا فلا إشكال في جريان البراءة عن الزائد إذ دار الأمر بين المعلوم والمشكوك فتجري البراءة في المشكوك.

والثاني : أن يكون متعلّق الأمر نفس المفهوم المبيّن فلا يجوز حينئذ أن يكتفى بالمشكوك. مثلا إذا قيل : جئني بماء وشكّ في مائيّة شيء فلا يجوز الاتيان به بل يجب الامتثال بالمصاديق المعلومة لاقتضاء الاشتغال اليقينيّ للفراغ اليقينيّ ولذا اختلف بين الأعلام في وجوب صوم ثلاثين إذا نذر صوم شهر وشكّ في أنّه تسعة وعشرون يوما أو ثلاثون يوما فقد ذهب بعض إلى وجوبه لتعلّق التكليف بالشهر وهو مفهوم مبيّن والشكّ في تحقّقه بصوم تسعة وعشرين يوما ، خلافا لبعض آخر فإنّه ذهب إلى أنّ التكليف تعلّق بالخارج لا بالعنوان وأمر الخارج يدور بين المعلوم والمشكوك فتجري البراءة في المشكوك ويكتفى بصوم تسعة وعشرين يوما.

والثالث : أن يكون متعلّق الأمر شيئا مسبّبا عن الخارج وغير متّحد معه كالطهارة بالنسبة إلى الوضوء ففي هذه الصورة لا إشكال في وجوب الاحتياط فيه لأنّ الاشتغال اليقينيّ بالمسبّب يقتضى الفراغ اليقينيّ فلا يجوز الاكتفاء بشيء شكّ في تحقّق المسبّب مع إتيانه.

والرابع : أن يكون متعلّق الأمر مفهوما مجملا كعنوان الغروب المردّد بين كونه استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقيّة فلا تجري فيه أصالة عدم وضعه للاستتار

٣٢٣

لأنّه معارض مع أصالة عدم وضعه لذهاب الحمرة المشرقيّة. هذا مضافا إلى أنّ تلك الأصالة ليست أصلا شرعيّا.

ثمّ قال : إذا عرفت ذلك فلا يخفى عليك أنّ المؤثّر المكشوف بالآثار حيث كان أمرا بسيطا غير قابل للتجزية ولا إبهام فيه يكون داخلا في القسم الثاني لوضوحه وبساطته وعليه فيجب الاحتياط فيما إذا أمر المولى به ولا يجوز الاكتفاء بما لم يكن الامتثال مع إتيانه معلوما لأنّ المكلّف به معلوم والشكّ في ناحية الامتثال انتهى.

وإليه يؤول ما في تهذيب الاصول حيث قال : إنّ حديث الانحلال إلى معلوم ومشكوك إنّما يصحّ إذا لم يتعلّق الأمر بعنوان معلوم وإن كانت معلوميّته مستندة إلى أنّه مبدأ لأثر خاصّ أو كان ذلك الأثر عنوانا مشيرا إليه لا قيدا لأنّ الكلّ مشترك في تعلّق الأمر بشيء بسيط معلوم بوجه فلا بدّ من تحصيل اليقين بالفراغ منه والشكّ في جزء منه يكون راجعا إلى الشكّ في تحقّق ذلك المعلوم بوجه فلا بدّ من الاتيان به لاحتمال أن لا يكون المأتيّ به بدونه عين ما قامت عليه الحجّة وتعلّق العلم به تفصيلا. (١)

وإليه يقرب أيضا ما في تعليقة الأصفهانيّ من قوله : وبالجملة كون النسبة اتّحاديّة أو بنحو السببيّة أو المسبّبيّة لا دخل له بلزوم الاحتياط وعدمه بل الملاك أنّ ما هو مأمور به بالحمل الشائع إذا كان مجملا ينحلّ إلى معلوم ومشكوك فهو محلّ الخلاف من حيث البراءة والاحتياط وإذا كان مبيّنا كان الاحتياط معيّنا كان الإجمال في سببه ومحقّقه أو في مطابقه ومصداقه حيث أنّ المأمور به لا ينحلّ إلى معلوم يتنجّز ومشكوك تجري فيه البراءة. وعليه فإن كان مسمّى لفظ الصلاة عنوان الناهي عن الفحشاء كما هو الظاهر ممّن يأخذ الجامع عنوانا بسيطا منتزعا عن الأفعال الصلاتيّة فلا مناص

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٧٩ ـ ٨٠.

٣٢٤

عن الاحتياط لأنّ المسمّى عنوان مبيّن وقع في حيّز الأمر لمكان القدرة على إيجاده بالقدرة على إيجاد معنونه ولا ينحلّ إلى معلوم ومجهول وانحلال مطابقه إلى معلوم ومجهول أجنبيّ عن انحلال متعلّق التكليف. (١)

وهو مختار (الدرر) أيضا حيث قال : وأمّا إن قلنا بأنّ ما وقع في حيّز التكليف ليس هذا المركّب بهذا العنوان بل هو عنوان بسيط ينطبق على قسم من هذا المركّب في بعض الحالات فلا يتصوّر معلوم ومشكوك حتّى يقال إنّ المعلوم قد اتي به والمشكوك يدفع بالأصل بل فيما نحن فيه معلوم شكّ في وقوعه ولا شبهة في أنّه مورد للاشتغال. (٢)

ولكن يمكن الجواب عن ذلك بامور :

أحدها : أنّ الجامع البسيط ليس بنفسه مع قطع النظر عن وجوده في الخارج متعلّقا للأمر ومطلوبا إذ الماهيّة بنفسها ليست إلّا هي ولا يتعلّق الطلب بها بل الماهيّة بعنوان مرآتيّتها عن الخارج ومصاديقها ولو بنحو الوجود اللافراغيّ تكون مطلوبة ومأمورا بها وعليه فالخارج المفروض ولو بنحو الوجود اللافراغيّ مأمور به والجامع متّحد معه والمفروض أنّ الخارج المذكور يدور أمره بين المعلوم والمشكوك فتجرى البراءة في المشكوك.

لا يقال : إنّ الخارج ظرف السقوط لا ظرف الثبوت وعليه فالتكليف متعلّق بالعنوان البسيط.

لأنّا نقول : نعم لا يكون الخارج المأتيّ به ظرف الثبوت كما لا يكون نفس العنوان البسيط مطلوبا ومتعلّقا للأمر بل يكون العنوان بما هو مفروض الوجود بنحو الوجود

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٦٢.

(٢) الدرر ١ / ٤٩ ـ ٥٠.

٣٢٥

اللافراغيّ مطلوبا ومتعلّقا للأمر ومن المعلوم أنّ هذا العنوان قابل للانطباق على الأجزاء المفروضة الوجود وينحلّ إلى معلوم ومشكوك باعتبار المنطبق عليه الذي يكون متّحدا معه وبعد ما عرفت أنّ العنوان باعتبار وجوده يكون مطلوبا لا مجال لدعوى أنّ انحلال مطابقه إلى معلوم ومجهول أجنبيّ عن انحلال متعلّق التكليف كما في تعليقة الأصفهانيّ.

ثمّ إنّ العنوان البسيط منطبق يقينا على الأقلّ من الأجزاء المعلومة لأنّ الناهي عن الفحشاء والمنكر لا يخلو منها وإنّما الكلام في الزائد عليه وهو الأكثر المشكوك والأقلّ مطلوب على كلّ تقدير لأنّ أجزاء الصلاة إمّا خصوص الأقلّ أو الأكثر المشتمل على الأقلّ ، فالأقلّ في كلتا الصورتين يكون مطلوبا وعليه فانطباق العنوان على الأجزاء المفروضة الوجود لا يختصّ ببعض الأحوال حتّى يقال إنّ المكلّف به في المقام معلوم شكّ في وقوعه لا أنّه معلوم ومشكوك كما يظهر من صاحب الدرر وكلام استاذنا الداماد والإمام الراحل حشرهم الله مع أوليائهم.

ولا مجال لقياس المقام بالشبهات الموضوعيّة التي لا مجال لامتثال التكاليف بها فإنّ مع الإتيان بها شكّ في وقوع المكلّف به وذلك لأنّ في الشبهات الموضوعيّة تطبيق الواجب على المأتيّ به غير معلوم أصلا ، هذا بخلاف المقام فإنّ تطبيق الواجب على الأقلّ معلوم قطعا لمدخليّته في الناهي سواء كان الناهى خصوصه أو الأكثر منه وإنّما المشكوك هو الزائد وعليه فلا مورد لتشبيه المقام بمثل قوله جئني بماء وامتثل بشيء شكّ في كونه ماء كما كان في كلام الاستاذ أعلى الله مقامه.

ثانيها : ما في منتهى الاصول من أنّ الجامع ليس هو نفس هذه العناوين الانتزاعيّة بل هو المحكيّ عنه بهذه العناوين المتّحدة مع جميع الأفراد اتّحاد الكلّيّ الطبيعيّ مع مصاديقه وذلك الكلّيّ الجامع حيث أنّه متّحد مع هذه الأفراد المركّبة في الخارج فيرجع الشكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته أو مانعيّته لذلك المركّب إلى الشكّ في نفس

٣٢٦

ذلك الكلّيّ باعتبار سعته أو ضيقه وأنّه منطبق على الواجد لهذا المشكوك أو هو خارج عن دائرة انطباقه وبعبارة اخرى يرجع الشكّ في أحد هذه الامور إلى الشكّ في الثبوت الذي هو مجرى البراءة لا الشكّ في السقوط الذي هو مجرى الاشتغال. (١)

والظاهر أنّه تبع صاحب المقالات في ذلك حيث قال : إنّ مجرّد كشف العنوان المزبور عن وحدة الحقيقة لا يقتضي خروج الأفعال الخارجيّة عن الحقيقة كي يستلزم كون الشكّ في دخل شيء فيه إلى الشكّ في المحقّق بل الحقيقة الواحدة متّحدة خارجا مع المتكثّرات بنحو اتّحاد الطبيعيّ مع أفراده ولازمه عند الشكّ في دخل شيء زائد رجوع الأمر إلى الشكّ في أنّ الواحد المتّحد مع المتكثّرات هل لوجوده سعة يشمل المشكوك أم لا فينتهي الأمر في هذا الواحد أيضا إلى الأقلّ والأكثر. (٢)

حاصلهما أنّ الشكّ في دخل الزائد يرجع إلى الشكّ في أنّ المفهوم المتّحد مع الخارج هل يكون له السعة حتّى يشمل المشكوك أو الضيق حتّى لا يشمل فحيث أنّ السعة هي الأكثر تنتفي بالأصل كما أنّ احتمال دخل الزائد ينتفي به.

لا يقال : إنّ المفاهيم البسيطة لا تجتمع مع السعة والضيق لأنّ المفروض بساطتها. لأنّا نقول : بساطة المفاهيم لا تجتمع مع تركيبها وأمّا سعة المفهوم غير مناف للبساطة ألا ترى أنّ مفهوم الوجود بسيط وله وسعة ليس لسائر البسائط.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ السعة والضيق بمعنى الكثرة والقلّة لا معنى لهما في المفاهيم من دون اعتبار الصدق إذ الكثرة والقلّة وصف أفراد المفهوم كما أنّ التشكيك لا مجال له في المفاهيم والماهيّات من حيث هي هي من دون ملاحظة أفرادها في الخارج فإنّ الوجود ذو مراتب مشكّكة. نعم السعة والضيق بمعنى الإطلاق والتقييد يتصوّران في

__________________

(١) منتهى الاصول ١ / ٥٥.

(٢) مقالات الاصول ١ / ٣٩.

٣٢٧

المفاهيم فإنّها إن لوحظ معها قيد تضيّقت وإلّا فمع ورودها في مقام البيان اتّسعت وشملت جميع مواردها ولكن الأصل في المفاهيم من هذه الجهة هو عدم التقييد والتضييق لا عدم السعة وهو ينتج عكس المقصود كما لا يخفى. هذا مضافا إلى أنّ سعة وجود الكلّيّ في الخارج لا معنى له إذ الوجود الخارجيّ متشخّص ولا معنى لسعته إلّا على قول الرجل الهمدانيّ كما لا يخفى.

وممّا ذكر يظهر وجه الضعف فيما أفاده في المقالات على تقدير كون المتكثّرات الخارجيّة من محقّقات الأمر البسيط حيث قال : مع أنّه على فرض المتكثّرات الخارجيّة من محقّقات الأمر البسيط نقول : من الممكن ازدياد الأمر البسيط بزيادة محقّقه وقلّته بقلّته ولازمه أيضا عند الشكّ في دخل الزائد لزوم الشكّ في سعة الأمر البسيط أم ضيقه ولا قصور في جريان البراءة في مثله وما قرع سمعك من جريان الاشتغال عند الشكّ في محقّق الأمر البسيط إنّما هو في صورة تعيين حدود الأمر البسيط بلا إبهام في مثله بنحو تردّد أمره بين الزائد والناقص أصلا وأين مقامنا من هذا. (١)

لما عرفت من أنّ التوسعة والضيق بمعنى الكثرة والقلّة لا مجال لهما في المفاهيم وبمعنى الإطلاق والتقييد لا يفيد الأصل إلّا الإطلاق وهو ينتج عكس المقصود فافهم واغتنم.

ثالثها : ما ذكره الفقيه الهمدانيّ في مصباح الفقيه حاصله على ما ببالي أنّه إذا فرضنا أنّ الشكّ في محصّل الأمر البسيط فليس الاحتياط واجبا إلّا فيما إذا كان المحصّل غير شرعيّ وأمّا إذا كان المحصّل شرعيّا كالغسل والوضوء والصلاة فللبراءة مجال لأنّ أمر بيانه بيد الشارع فحيث لم يصل البيان إلينا وشككنا في جزئيّة شيء أو شرطيّته فمقتضى القاعدة هو البراءة إذ لو كان المشكوك جزءا أو شرطا لوصل إلينا من ناحية

__________________

(١) نفس المصدر.

٣٢٨

الشارع بيان وحيث لم يصل ذلك فالأصل هو العدم. انتهى

وعليه فإذا كان المحصّل الشرعيّ موردا للبراءة فجريان البراءة في ما يتّحد معه من المركّب الشرعيّ أولى كما لا يخفى.

رابعها : ما في تهذيب الاصول من أنّ الصلاة وأضرابها موضوعة لنفس الهيئة اللابشرطيّة الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها وتمامها وما وجب على الصحيح والمريض بأقسامها ... إلى أن قال : والحاصل أنّها وضعت لهيئة خاصّة مأخوذة على النحو اللابشرط فانية فيها موادّها الخاصّة من ذكر وقرآن وركوع وسجود تصدق على الميسور من كلّ واحد منها وهيأتها صورة اتّصاليّة خاصّة حافظة لمادّتها أخذت لا بشرط في بعض الجهات ... إلى أن قال : وهي متّحدة مع الموادّ اتّحاد الصورة مع المادّة وليس هنا من المحصّل والمحصّل عين ولا أثر فعند ذلك إذا تعلّق الأمر بتلك الهيئة التي اتّخذت لنفسها حقيقة وحدانيّة يكون ذلك بعثا إلى الأجزاء والموادّ التي تنحلّ الماهيّة إليها إذ الأمر بإيجاد صورة البيت أو بناء المسجد عند التحليل أمر وبعث إلى تهيئة أجزائها بهيئة معلومة من دون تعلّق الأمر مستقلّا بتلك الموادّ ولا الأمر الضمنيّ والمقدّميّ على القول بهما. فالأمر الواحد أمر بالكثرات عند التحليل فإذا شكّ في نظر الانحلال إلى جزئيّة شيء أو شرطيّته للمأمور به يرجع ذلك إلى أصل تعلّق الأمر به في لحاظ الكثرة بعد العلم بتعلّقه بسائرها. (١)

وفيه أنّ المراد من نفس الهيئة المذكورة هل هو هيئة خارجيّة أو هيئة ذهنيّة؟ فإن اريد الأوّل فلا ريب أنّ الخارج متشخّص ولا يصلح لصدقها على أنواع الصلوات وأقسامها وإن اريد الثاني فإن اخذ بنحو جزئيّ فهو أيضا لا يصلح للصدق على أقسام الصلوات وإن اخذ بنحو جامع بسيط فليس هو شيء وراء ما أفاده صاحب الكفاية

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٧٨ ـ ٧٩.

٣٢٩

من الجامع البسيط المتّحد مع الخارج فالأمر متوجّه إلى الجامع ومنه يسري إلى الحصص والأفراد وإن كان عند التحليل أمر الواحد أمرا بالكثرات مع أنّه استشكل على جريان البراءة على مختار صاحب الكفاية وقال حديث الانحلال إلى معلوم ومشكوك إنّما يصلح إذا لم يتعلّق الأمر بعنوان معلوم ، إلّا أن يقال إنّ الهيئة مأخوذة بنحو الصورة مع المادّة لا الجامع ولكن لا يخفى أنّ الصورة ليست صورة جزئيّة بل هي صورة كلّيّة فلا محيص عن الجامع البسيط. ويرد عليه ما أورده على صاحب الكفاية فالفرق بين مختاره ومختار صاحب الكفاية غير واضح.

اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الفرق أنّ الجامع المذكور في التهذيب هو الجامع المبهم على تقدير القول بالأعمّ بخلاف الجامع في كلام صاحب الكفاية فإنّه جامع معيّن بسيط على تقدير القول بالصحيح ويشهد له قوله سابقا : وعلى هذا لا مناص عن الاعتراف بكون الموضوع له أمرا ينطبق على مقالة الأعمّيّ لما علمت من أنّ الماهيّة التي وضعت لها لفظة الصلاة إذا وجدت في الخارج مجرّدة عن تلك الشرائط التي عرفت خروجها عن الموضوع له تتّصف لا محالة بالفساد ولا يمكن اتّصافها بالصحّة في هذا الحال فلا تكون الماهيّة الموضوع لها الصلاة متّصفة في الخارج بالصحّة دائما وهذا بعينه مقالة الأعمّيّ. (١) فيصحّ جريان البراءة في المبهم دون المعيّن.

وفيه أنّ الإبهام والتعيّن مع اتّحاد العنوان في الخارج لا يوجب الفرق فإنّ مع الاتّحاد يدور الأمر بين الأقلّ المعلوم والأكثر المشكوك كما مرّ مفصّلا. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الاتّحاد اتّحاد الكلّيّ الطبيعيّ مع أفراده أو اتّحاد الصورة مع المادّة فإنّ عند التحليل يدور الأمر بين الأقلّ المعلوم والأكثر المشكوك في كليهما فإن كان ذلك يكفي في اتّحاد الصورة فليكن كذلك في اتّحاد الكلّيّ مع أفراده.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٧٦.

٣٣٠

مع أنّك عرفت أنّ المراد من الجامع على قول الصحيحيّ هو الصحيح بحمل الشائع الصناعيّ أعني ماهيّة جامعة لأجزاء الصلاة وشرائطها التي لها دخل في ترتّب ما هو الباعث على الأمر من دون دخل لما يترتّب عليه بعروض الأوامر وغيرها وهذا المعنى كما مرّ قابل للتصوّر ولذا قلنا بأنّ إطلاق الصحيح الإضافيّ على ما يكون واجدا للأجزاء والشرائط من حيث نفس المركّب الشرعيّ قبل تعلّق الأمر به شائع في العرف واللغة ولا ينحصر إطلاقه على ما يحتوى جميع الأجزاء والشرائط حتّى التي يتأتى من ناحية الأمر.

فلا اضطرار في الذهاب إلى مقالة الأعمّيّ بحسب مقام الثبوت.

فتحصّل من المباحث الماضية إمكان تصوير الجامع على قول الصحيحيّ ومقتضى الأصل هو جريان البراءة في المشكوك من دون فرق بين أن يكون الجامع مركّبا أو بسيطا فلا تغفل.

الجهة السابعة في تصوير الجامع على القول الأعمّيّ :

ثمّ إنّ تصوير الجامع على قول الأعمّيّ فبوجوه :

الوجه الأوّل :

وهو أن يقال إنّ لفظ الصلاة موضوع لماهيّة مركّبة من معظم الأجزاء بنحو الإبهام بمعنى أنّ المسمّى للصلاة هي ماهيّة مركّبة من موادّ خاصّة من تكبيرة إلى تسليمة من دون ملاحظة لهيئة خاصّة من الهيئات الصلاتيّة بل تؤخذ الهيئة الصلاتيّة من معظم الأجزاء المذكورة بعرض عريض لها بنحو اللابشرط بالنسبة إلى الزيادة على معظم الأجزاء كما لا تكون متقيّدة بالصحّة أو الجامعيّة.

وعليه فالماهيّة الصلاتيّة التي تكون جامعة لأفرادها الصحيحة والفاسدة هي هيئة

٣٣١

مشتملة على معظم أجزائها بعرض عريضها من دون تقيّد بعدم الزيادة على معظم الأجزاء ومن دون تقيّد بالصحّة أو الجامعيّة ومن المعلوم أن المسمّى المذكور يشمل الصحيح والفاسد ولا يكون صدقه على الأفراد الصحيحة مجازا لأنّ المفروض أنّ الهيئة المأخوذة فيه مأخوذة بنحو اللابشرط لا بشرط لا فماهيّة العبادات المخترعة كماهيّة الصنائع المخترعة فكما أنّ مخترع الطائرة بعد أن أحكمها على ما هي عليها من الموادّ وضع اسما خاصّا لها على ما هي عليها من معظم الأجزاء بنحو اللابشرط ولذا يصدق عليها اسم الطائرة ولو غيّرت مادّتها وهيأتها أو نقص بعض أجزائها فكذلك شارع الصلاة بعد أن ركّب الصلاة من أجزاء وشرائط خاصّة وضع اسم الصلاة بناء على ثبوت الحقيقة الشرعيّة لمعظم الأجزاء المذكورة بنحو اللابشرط كما عرفت.

قال استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره إنّ الأجزاء في مفهوم الصلاة مأخوذة بنحو الإبهام كأخذها في مفهوم البيت والدار أو السيّارة والطائرة فكما يصدق عنوان الدار على ما يبنى من أيّ موادّ وبأيّ هيئة كانت فكذلك يصدق عنوان الصلاة على مصاديق معظم الأجزاء في دائرة التكبيرة والركوع والسجود والقراءة والدعاء والتشهّد والقيام والتسبيح والسلام ولو اختلفت الهيئات التركيبيّة بالنقص أو الزيادة لكون لفظ الصلاة ولفظ الدار ولفظ السيّارة موضوعا لهيئة ما وأجزاء ما في دائرة الأجزاء المذكورة مع كونها لا بشرط عن الزيادة وعليه يصدق على كلّ معظم كما يصدق على جامع الأجزاء أيضا لكونه لا بشرط عن الزيادة.

ولعلّ إلى ما ذكر يؤول ما في الدرر من أنّ الذي وضع له اللفظ هو مقدار من تلك الأشياء الملحوظة على سبيل الإهمال أو تعيين ما ، مثل أن لاحظ عدم كونه أقلّ من ثلاثة أجزاء أو أربعة أجزاء وهكذا على اختلاف نظر الواضع فإذا وجد في الخارج غير زائد على مقدار ما وضع له فلا إشكال في صدق معنى اللفظ عليه وإذا وجد زائدا على ذلك المقدار فلكون الزائد جزء ومتّحدا مع ما يقوم به المعنى يصدق عليه

٣٣٢

المعنى أيضا فالزائد في الفرض الثاني جزء للفرد لا جزء لمقوم المعنى ولا خارج عنه فافهم وتدبّر. (١)

إشكال الشيخ الأعظم قدس‌سره

نعم هنا إشكال وهو أنّ الشيخ قدس‌سره علي المحكيّ عنه أورد عليه بأنّه إن اريد أنّ اللفظ موضوع لمفهوم معظم الأجزاء الذي لا يختلف ذلك المفهوم باختلاف مصاديقه ففساده غنيّ عن البيان بداهة أنّ لفظ الصلاة لا ترادف لفظ معظم الأجزاء وإن اريد أنّه موضوع لمصداقه فلا ريب في اختلاف تلك المصاديق بواسطة تبادل الأجزاء وجودا وعدما وحينئذ فإمّا أن يقال بأنّ اللفظ موضوع لمصداق واحد من تلك المصاديق المختلفة بالتبادل وإمّا أن يقال بوضعه للقدر المشترك بين تلك المصاديق وإمّا أن يقال بأنّه موضوع لكلّ واحد منها على وجه الاشتراك اللفظيّ أو على الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ. والأوّل بعد الإغماض عن سؤال تعيّنه يوجب أن لا يكون حقيقة في غيره صحيحة كانت أو فاسدة والثاني غير معقول ضرورة بطلان تبادل أجزاء ماهيّة واحدة بذهاب جزء وقيام آخر مقامه والثالث والرابع ممّا لا يلتزم به القائل بالأعمّ مضافا إلى استلزامه أن يكون استعمال اللفظ فيما زاد عن معظم الأجزاء مجازا صحيحة كانت أو فاسدة والقول بكونه حقيقة فيما زاد يلازم الاشتراك اللفظيّ وهو ممّا لا يلتزم به والاشتراك المعنويّ بين المعظم والتمام قد عرفت حاله. (٢)

وحاصله أنّ مفهوم معظم الأجزاء بما هو مفهوم ليس موضوعا له وإلّا لزم ترادف لفظ معظم الأجزاء مع لفظ الصلاة وهو بديهيّ الفساد.

وأيضا مصداق مفهوم معظم الأجزاء ليس موضوعا له لأنّ المصداق إن كان

__________________

(١) الدرر ١ / ٥١.

(٢) التقريرات / ٦.

٣٣٣

واحدا معيّنا لزم أن يكون لفظ الصلاة في سائر المصاديق مجازا سواء كانت صحيحة أو فاسدة هذا مضافا إلى أنّ تعيين أحد المعيّنات لذلك ترجيح من غير مرجّح. وإن كان واحدا غير معيّن بأن يقصد أحد المصاديق بنحو الترديد لزم التبادل في ماهيّة العبادة وأجزائها مع أنّ الذاتيّ لا يختلف ولا يتخلّف. هذا مضافا إلى لزوم كون معاني العبادات نكرة.

وإن كان المصاديق كلّها موضوعة لها بنحو الاشتراك اللفظيّ أو بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ فلا يلتزم به القائل بالأعمّ مضافا إلى أنّ استعمال لفظ الصلاة في ما زاد عن معظم الأجزاء يكون مجازا سواء كان ما يشتمل على ما زاد صحيحة أو فاسدة لأنّ المفروض كون الموضوع له هو خصوص معظم الأجزاء والقول بأنّه كما حقيقة في معظم الأجزاء كذلك يكون حقيقة فيما زاد عليه يستلزم الاشتراك اللفظيّ أو الاشتراك المعنويّ بين معظم الأجزاء والتامّ الذي يكون زائدا على معظم الأجزاء مع أنّك عرفت أنّ الاشتراك اللفظيّ ممّا لا يلتزم به القائل بالأعمّ والاشتراك المعنويّ ممّا يستلزم تبادل الأجزاء الذاتيّة في الماهيّة وهو محال.

جواب الإشكال المذكور

يمكن أن يقال : إنّ الموضوع له ليس مفهوم معظم الأجزاء بما هو مفهوم معظم الأجزاء حتّى يلزم الترادف كما أنّه ليس المصداق بما هو المصداق حتّى يلزم المحذورات المذكورة بل المفهوم بما هو مرآة إلى الأجزاء والمصاديق يكون موضوعا له. فلفظ الصلاة موضوع لنفس الهيئة الصلاتيّة المركّبة من معظم الأجزاء على إبهام بما هي مرآة إلى الأجزاء والمصاديق فلا يلزم الترادف ولا المحذورات المذكورة لأنّها ناشئة من الوضع للمصاديق الخارجيّة بنحو التعيين أو الترديد فحينئذ فلا مجال لإشكال تبادل أجزاء ماهيّة واحدة بعد كون الأجزاء مأخوذة مبهمة لا معيّنة في موضوع له للفظ الصلاة. ولذا قال المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره إشكال تبادل أجزاء ماهيّة واحدة إنّما يرد إذا

٣٣٤

لوحظت الأجزاء معيّنة لا مبهمة والإبهام غير الترديد فلا يرد عليه لزوم كون معاني العبادات نكرة. (١)

فمفهوم الصلاة أعنى الهيئة التركيبيّة من معظم الأجزاء على إبهام ينطبق على جميع موارد معظم الأجزاء من دون فرق لأنّ كلّ واحد منها مصداق معظم الأجزاء وحيث كان الأجزاء مأخوذة على نحو الإبهام ينطبق على معظم الأجزاء في أيّ مورد تحقّق أو يتحقّق كما لا يخفى.

وأمّا استعمال لفظ الصلاة فيما زاد على معظم الأجزاء فإن كان من باب أنّه أحد مصاديقه فلا مجاز وإن كان من باب استعمال اللفظ الموضوع للمعظم في الكلّ فهو مجاز بلا كلام كما إنّ استعمال الإنسان في زيد وعمرو أن كان من باب أحد المصاديق يكون حقيقة وإن كان من باب استعمال الكلّيّ في الخاصّ بما هو خاصّ يكون مجازا ولا ضير فيه كما لا يخفى.

والقول بأنّ لفظ الصلاة موضوع لمصداق معظم الأجزاء والمصداق لا ينطبق على الكلّ إلّا مجازا بخلاف الإنسان فإنّه موضوع للجامع القابل الانطباق غير سديد بعد ما مرّ من أنّ الموضوع له للفظ الصلاة هو الماهيّة المركّبة من أجزاء الصلاة مع الإبهام فحينئذ يكون الصلاة والإنسان كلاهما موضوعين للجامع القابل للصدق فلا تغفل.

وممّا ذكر يظهر ما في منتهي الاصول حيث قال : إنّ مفهوم معظم الأجزاء أو ستّة من هذه العشرة ليس معنى الصلاة قطعا فلو كان لا بدّ وأن يكون مصداقها وليس مصداقها إلا تلك المختلفات فلا بدّ وأن يكون طرف العلاقة (أي العلاقة المجعولة بين اللفظ والمعنى) تلك المختلفات فيعود المحذور. (٢)

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٦٥.

(٢) منتهى الاصول ١ / ٦٣.

٣٣٥

لما عرفت من أنّ المفهوم بما هو مرآة عن المصاديق يكون معنى الصلاة وعليه فلا تكون العلاقة الوضعيّة بين اللفظ ونفس المصاديق كما لا تكون بين اللفظ ونفس المفهوم بل بين اللفظ والمفهوم الذي يكون مرآة إلى المصاديق.

تصوير معظم الأجزاء بنحو الكلّيّ في المعيّن

وممّا ذكر ينقدح ما في المحكيّ عن بعض الأعلام قدس‌سره من أنّ الموضوع له هو مصداق هذا المفهوم بنحو الكلّيّ في المعيّن. مثلا الصلاة مركّبة من عشرة أجزاء فالستّة أو السبعة أو الثمانية من هذه الأجزاء العشرة بنحو الكلّيّ في المعيّن بمعنى أنّه ينطبق على أيّ ستّة مثلا من هذه العشرة مثل أن يبيع صاعا من هذه الصيعان وله اختيار التطبيق على أيّ صاع أراد من هذه الصيعان الموجود في الخارج انتهى (١).

نقد التصوير المذكور

وذلك لأنّ الموضوع له هو المفهوم الكلّيّ الطبيعيّ الذي يكون مرآة إلى جميع المصاديق لا مصداق من مصاديق هذا المفهوم بنحو الكلّيّ في المعيّن كما في باب البيع والشراء إذ المبيع في الكلّيّ في المعيّن ليس كلّ الصيعان بل صاع من الصيعان ، هذا بخلاف الموضوع له في الصلاة فإنّ كلّ مصداق ينطبق عليه عنوان الموضوع له للفظ الصلاة ويكون لفظ الصلاة حقيقة فيه ولعلّ منشأ ذلك هو الخلط بين المأمور به وبين المسمّى إذ المأمور به ليس إلّا واحدا من الأفراد بخلاف المسمّى فإنّه طبيعة كلّيّة كما لا يخفى.

وممّا ذكر يظهر ما في المحاضرات حيث تصوّر أنّ اللّفظ وضع بإزاء المعظم على نحو البدل بمعنى أنّ المقوّم للمركّب أحد الأمور من أربعة أجزاء أو خمسة أو ستّة

__________________

(١) راجع أجود التقريرات ١ / ٤٣.

٣٣٦

على البدل. (١)

مع أنّ المسمّى كلّيّ يشمل جميع المصاديق ويصدق عليها ولا يخرج مصداق من مصاديقها عن حقيقة المسمّى والبدليّة مستلزمة لعدم شمولها إلّا واحدا منها على سبيل البدليّة ومنشأ ذلك التوهّم هو الخلط بين الماهيّة والمصداق حيث توهّم أنّ المسمّى هو المصداق مع أنّ الماهيّة بما هي مرآة عن المصاديق يكون هو المسمّى.

إشكال المحقّق الأصفهانيّ

استشكل المحقّق الأصفهانيّ على هذا الجامع أعني معظم الأجزاء بأنّ الصلاة الصحيحة صادقة على فاقد المعظم فضلا عن صدق مطلقها انتهى (٢).

توضيحه أنّ الصلاة لو كانت موضوعة لمعظم الأجزاء لزم أن لا تصدق الصلاة على فاقد المعظم مع أنّا نرى صدق الصلاة الصحيحة عليه كما في صلاة الغرقى وصلاة المنسيّ أجزائه غير الأركان فضلا عن صدق صلاة بدون قيد الصحيحة وحيث أنّ الصدق ليس بعناية ومجاز يستكشف أنّ الموضوع له ليس هو معظم الأجزاء.

جواب الإشكال المذكور

يمكن أن يقال : انّ معظم أجزاء كلّ صلاة بحسبها وعليه فصلاة الغرقى أيضا مركّبة من أجزاء كالنيّة والتكبيرة والقراءة والركوع والسجود الإيمائيّين وغير ذلك فعند وجود معظم أجزائها يصدق عليه الصلاة حقيقة وهكذا صلاة المنسيّ أجزائه غير الأركان لأنّها أيضا مركّبة من النيّة والتكبيرة والقيام حال التكبيرة والقيام المتّصل مع الركوع والقيام اللاحق والسجود ورفع الرأس والجلوس بين السجدتين وغير ذلك ولا يخفى أنّ تلك الصلاة لا تخلو عن معظم الأجزاء فعند وجود المعظم تصدق الصلاة

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٦٧.

(٢) نهاية الدراية ١ / ٦٥.

٣٣٧

عليه ولو سلّم عدم وجود معظم الأجزاء في امثالها فنلتزم بعدم صدق الصلاة عليها فلتكن صحّتها بالتعبّد الشرعيّ إلحاقا حكميّا لأمثالها فلا يكشف الحكم بالصحّة عن صدق الصلاة بدون وجود معظم الأجزاء كما لا يخفى وهكذا لا نسلّم صدق مطلق الصلاة على الصلوات الباطلة التي لا تشتمل على معظم الأجزاء لأنّ معيار الصدق هو اشتمالها على معظم الأجزاء عرفا والمفروض عدمه فلا تغفل.

إشكال صاحب الكفاية

استشكل صاحب الكفاية على الجامع المذكور بأنّ عند اجتماع تمام الأجزاء يكون الشىء الواحد من الأجزاء مردّدا بين أن يكون هو الخارج أو غيره وهو كما ترى سيّما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات. انتهى

جواب الإشكال المذكور

يمكن أن يقال : إنّ المفاهيم الإبهاميّة تكون كالمفاهيم الإشاعيّة وعليه فمقتضى إبهام الأجزاء هو إمكان صدق معظم الأجزاء على كلّ معظم متصوّر على فرض اجتماع تمام الأجزاء كما أنّ المفاهيم الإشاعيّة كالنصف مثلا تكون كذلك. ألا ترى أنّ النصف يصدق على كلّ نصف مفروض في العين الخارجيّ مع أنّ بعض الأطراف خارج على تقدير وداخل على تقدير آخر ولا يضرّ ذلك بعد كون الإبهام أو الإشاعة داخلا في المفهوم هذا مضافا إلى إمكان تصوير أجزاء المعظم من الأجزاء الأوّليّة في المركّب المأتيّ به في الخارج وبالجملة تقييد الجامع بالإبهام يرفع أمثال هذه الإشكالات.

وأمّا الجواب عنه بما في المحاضرات من أنّ المسمّى عند اجتماع تمام الأجزاء هو تمام الأجزاء لا خصوص بعضها ليقال أنّه مردّد بين هذا وذاك. (١)

ففيه منع بعد ما عرفت من أنّ حقيقة الصلاة هي الهيئة المشتملة على معظم

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٦٧.

٣٣٨

الأجزاء وعنوان لا يحكي إلّا عن حقيقتها فالزائد عليها يكون من مشخّصات الحقيقة لا من نفس الحقيقة كما أنّ الإنسان لا يحكي إلّا عن حصصه وأمّا خصوصيّات الزيديّة والبكريّة فهي من مشخّصات الفرديّة ولوازمها ولا دخل لها بالنسبة إلى حقيقة الانسانية.

واعتبار اللابشرط مع معظم الأجزاء لا يستلزم كون الزائد من حقيقة الصلاة بل غايته أنّ مع هذا الاعتبار لا مانع من صدق الصلاة على مصداقها من المعظم ولو انضمّ إلى سائر الأجزاء بخلاف ما إذا اعتبر بشرط لا فإنّ وجود الزائد حينئذ يمنع عن صدقها كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الموضوع له هو معظم الأجزاء فصاعدا لا مجرّد معظم الأجزاء ومن المعلوم أنّه مفهوم وسيع جامع لجميع شتاته ومتفرّقاته ومن هنا يصدق على القليل والكثير والزائد والناقص على نسق واحد نظير لفظ «الكلام» فإنّه موضوع في لغة العرب لما تركّب من حرفين فصاعدا فالحرفان مقوّمان لصدق عنوان «الكلام» في لغة العرب وأمّا الزائد عليهما من حرف أو حرفين أو أزيد فعند وجوده داخل في المسمّى وعند عدمه خارج عنه. وعليه فالزائد على المعظم من أجزاء الصلاة فعند وجوده يدخل في المسمّى وعند عدمه يخرج عنه ولا إشكال فيه فلا ترديد عند اجتماع جميع أجزاء الصلاة فلا تغفل.

الوجه الثاني

وهو على ما حكي عن المحقّق القميّ أنّ ألفاظ العبادات أسماء لأجزاء معلومة كالأركان الأربعة في الصلاة من التكبيرة والركوع والسجود والطهارة فجميع أفراد الصلاة أعني الصحيحة المشتملة على الأركان والزائدة عليها والفاسدة المقتصرة عليها والزائدة عليها من حقيقة الصلاة ويطلق على جميعها لفظ الصلاة على وجه الاشتراك

٣٣٩

المعنويّ. ويترتّب عليه الحكم بصحّة الصلاة لو كانت مشتملة على الأركان الأربعة المذكورة وإن لم تشتمل على جزء غيرها إذا وقعت نسيانا لصدق الصلاة على المأتيّ به وشمول حديث «لا تعاد الصّلاة».

وزاد بعض من تبعه من الأعلام في الحكم بالصحّة ، الوقت والقبلة ، حيث قال : لو كبّر المصلّي ونسي جميع الأجزاء والشرائط غير الأركان والوقت والقبلة حتّى فرغ منها يحكم بصحّة صلاته بلا إشكال ولم يستشكل في ذلك أحد من الفقهاء. (١)

ثمّ إنّ وجه انحصار الأركان في الأربعة لا أزيد ولا أقلّ كما في المحاضرات هو دلالة نصوص عديدة على أنّ التكبيرة ابتداء الصلاة وبها اختتامها ومعنى ذلك أنّ الصلاة لا تتحقّق بدون ذلك فالمصلّي لو دخل في القراءة من دون أن يكبّر لا يصدق أنّه دخل فيها ولعلّ وجه عدم ذكر التكبيرة في حديث «لا تعاد» من جهة أنّ الدخول في حقيقة الصلاة لا يصدق بدونها حتّى يصدق على الإتيان بها الاعادة فإنّها عرفا وجود ثان للشىء بعد وجودها أوّلا أو فقل أنّ المستفاد من هذه الروايات هو أنّ الصلاة عمل خاصّ لا يمكن الدخول فيه بدون الافتتاح بالتكبيرة ولذا ورد في بعض الروايات : لا صلاة بغير افتتاح وعليه فلو دخل المصلّي بدونها نسيانا أو جهلا فلا يكون مشمولا للحديث.

وأمّا الركوع والسجود والطهور فقد دلّت صحيحة الحلبيّ أو حسنته (بابن هاشم) على أنّ الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث منها الطهور وثلث منها الركوع وثلث منها الركوع وثلث منها السجود ... الحديث. (٢)

وأمّا التسليمة فليست بركن فلأنّها لم تذكر في حديث «لا تعاد» فلو ترك المصلّي

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٦٣.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب الركوع والسجود.

٣٤٠