عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

مثل قوله عليه‌السلام : لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب أو قوله عليه‌السلام : لا تعاد الصلاة إلّا من خمس. أو قوله عليه‌السلام : من زاد أو نقص من صلاته فعليه الإعادة ونحوها ، لا تفيد إلّا خروج هذه الموارد من حقيقة الصلاة ومتعلّق الحكم. غايته أنّ المتعلّق المطلق متعنون بعدم هذه الموارد الخارجة. نعم هذه الموارد متعنونة بالفساد بعد اتّصافها بالخروج فكونها فاسدة موقوف ومترتّب على خروجها. وعليه فخروجها لا يوجب تعنون المطلق لأنّها في حال الإخراج والخروج لا يعنون بالفساد حتّى يوجب تعنون المتعلّق بالصحّة وإن كان بعد اتّصاف الأفراد الخارجة بالفساد بعد الخروج ملازما مساويا للصحّة. وفرق بين كون الصفة مأخوذة في متعلّق الحكم وبين أن يكون لازما مساويا لمتعلّق الحكم إذ على الأوّل يجب إحرازه بخلاف الثاني بل يؤخذ بإطلاقه بعد صدقه على الفاقد لما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته ويحكم بدخوله في المتعلّق فبعد دخوله بالإطلاق يكون ملازما للصحّة.

ولا يخفى عليك أنّ هذا هو الجواب المحكم المتين قد صدر من استاذ الكلّ في الكلّ وهو أولى ممّا في المحاضرات فإنّ فيه قصورا حيث أنّ مجرّد تقسيم الصحّة بين معنى مطابقة المأتيّ به مع المأمور به وبين معنى تماميّة الأجزاء والشرائط والقول بعدم معقوليّة اتّصاف المتعلّق بالأوّل دون الثاني. والفرق بين صورة اتّصاف المتعلّق بالصحّة المذكورة وعدمه على الأعمّيّ. (١) لا يوجب رفع الإشكال لأنّ القائل يقول : إنّ متعلّق الخطابات متعنون بضدّ الخاصّ الخارج فإذا كان الخارج معنونا بالفساد وعدم التماميّة فالمتعلّق المطلق متعنون بالصحّة والتماميّة وصدق هذا المطلق على الفاقد لما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته مشكوك فالأعمّيّ أيضا بعد كون متعلّق الخطابات عنده أيضا مقيّدا بالصحّة وإن كان المسمّى عنده أعمّ لا يتمكّن من الأخذ بإطلاق المتعلّق لأنّه

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٨١.

٣٦١

تمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة فلا يرفع الإشكال إلّا بما أفاده الشيخ قدس‌سره على المحكيّ من أنّ الخارج ليس معنونا بالفساد إلّا بعد الخروج لا قبله أو مقارنا له.

بل جواب الشيخ أولى وأوضح ممّا في تهذيب الاصول أيضا حيث قال : ونقده ثالث من جانب آخر بأنّ المسمّى وإن كان أعمّ على الفرض إلّا أنّ المأمور به هو الصحيح على القولين والأخذ بالإطلاق بعد التقييد أخذ بالشبهة المصداقيّة. وأجاب عنه بقوله : وكيف اشتبه الأمر على الثالث إذا البعث لم يتعلّق بعنوان الصحيح أو ما يلازمه بل تعلّق بنفس العناوين على الأعمّ فإذا ثبت كونها في مقام البيان أخذنا بإطلاقها ما لم يرد لها مقيّد ووجود قيد منفصل لا يكشف عن بطلان الإطلاق الدائر بين الأدلّة كما لا يخفى. (١)

وذلك لأنّ المستشكل ادّعى تقييد الأعمّ بضدّ ما يخرج منه من الصلوات الباطلة الفاسدة فمجرّد كون القيد المنفصل لا يكشف عن بطلان الإطلاق الاستعماليّ لا يكفي بعد كون القيد ولو كان منفصلا كاشفا عن تقييد المراد الجدّيّ وتعنونه بضدّ عنوان الخاصّ الخارج عنه ومع تعنون الأعمّ بضدّ عنوان الخاصّ وهو الصحيح فلا يمكن التمسّك به في الفاقد لما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته. هذا مضافا إلى وجود الفرق بين كون الصفة مأخوذة في المتعلّق وبين كونها لازما مساويا لمتعلّق الحكم كما مرّ تفصيله في كلام الشيخ قدس‌سره.

وكيف كان فالإشكال المذكور غير وارد بعد كون المتعلّق غير معنون بالصحّة. هذا مضافا إلى أنّ الاستعمالات الشرعيّة لا تنحصر بما إذا كانت مأمورا بها حتّى يقال إنّ المأمور به لا يمكن أن يكون فاسدا لإمكان أن يستعمل ألفاظ العبادات بعنوان الموضوع لحكم آخر ففي هذه الصورة لا يكون مأمورا به وعلى الأعمّيّ استعمل في

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٨١.

٣٦٢

المعنى الأعمّ مثلا إذا دلّ الدليل على صحّة الاقتداء بصلاة العادل فعلى الصحيح لا يجوز الاقتداء إلّا بمن احرزت صحّة صلاته ولو بأصل. وعلى الأعمّ تصحّ الصلاة ولو خلف من علم فساد صلاته بعد إتيانه بالمسمّى فحينئذ اخذ صلاة العادل موضوعا لجواز الاقتداء به. فعلى الأعمّ استعمل لفظ الصلاة في صلاة العادل في الأعمّ ولا يتعلّق به أمر حتّى يقال إنّ الشارع لا يأمر بصلاة فاسدة. وهكذا إذا ورد دليل على النهى عن صلاة الرجل بحذاء صلاة المرأة فعلى الصحيح استعمل في صلاة الصحيحة وعلى الأعمّ استعمل في الأعمّ فصلاة الرجل بحذاء صلاة المرأة تكون ممنوعة ولو مع العلم بفساد صلاة المرأة. وعليه فالإشكال المذكور على تقدير صحّته مختصّ بموارد الأمر لا غير كما لا يخفى.

ورابعها : ما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ ظاهر شيخنا العلّامة الأنصاريّ قدس‌سره في ثمرة النزاع هو إجمال المسمّى على الصحيح وإمكان البيان على الأعمّ ... إلى أن قال في الإيراد عليه : بل الذي ينبغي أن يورد عليه هو أنّ إجمال المسمّى مستند إلى عدم الطريق إلى ما وضع له لفظ الصلاة مثلا لا إلى الوضع للصحيح وإلّا فالموضوع له بنفسه مجمل على الأعمّ أيضا وإن كان مبيّنا من حيث الصدق. فجعل إجمال المسمّى من آثار الوضع للصحيح غير صحيح كما أنّ إمكان البيان سواء اريد منه إمكان قيام المولى مقام البيان أو إمكان إحراز مقام البيان معناه سلب ضرورة الطرفين وهو مستند إلى عدم ما يوجب الاستحالة أو الوجوب لا إلى الوضع للأعمّ ومنه ظهر حال جعل الثمرة الإجمال وعدمه. ثمّ قال : فالتحقيق في بيان الثمرة أنّه لا ريب في أنّ إحراز الوضع للأعمّ بضميمة العلم بأنّ ما بأيدينا من أفراد مطلق الصلاة يوجب العلم باتّحاد مفهوم الصلاة حقيقة مع هذا الفرد فيصحّ التمسّك بإطلاقها عند اجتماع الشرائط ومن الواضح انتفاء العلم بالاتّحاد بانتفاء أحد جزئي العلّة وهو إحراز الوضع للأعمّ سواء أحرزنا الوضع للصحيح أو لم نحرز شيئا من الأمرين. فالشكّ في المسألة حاله حال

٣٦٣

الصحيحيّ فاتّضح أنّ الأثر لإحراز الوضع للأعمّ وليس لإحراز الوضع للصحيح أثر مرغوب وبالجملة فالغرض كلّه تأسيس أصل للتمسّك بالإطلاق وعدمه وهو مترتّب على هذا النهج. (١)

وفيه : أنّا سلّمنا أنّ مع إحراز الوضع للأعمّ مع العلم بمصداقيّة الفاقد لما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته يصحّ التمسّك بإطلاق الصلاة ودفع الشكّ عند اجتماع شرائط الإطلاق من إحراز مقدّمات الحكمة ولكن من المعلوم أنّ صحّة التمسّك بإطلاق الصلاة عند هذا الإحراز والعلم بالمصداقيّة من تبعات الوضع للأعمّ إذ لو لم يكن الوضع للأعمّ لم يتحقّق العلم باتّحاد هذا المصداق مع مفهوم الصلاة حتّى يصحّ التمسّك باطلاق الصلاة فإذا عرفت ذلك فلا إشكال فيما اعتبره الشيخ قدس‌سره من تخصيص إمكان البيان بالأعمّ لأنّ بالوضع للأعمّ يتحقّق هذا الإمكان دون الوضع للصحيح نعم فعليّة هذا الإمكان تتوقّف على إحراز هذا الوضع وعليه فللوضع للأعمّ تأثير كما لا يخفى. هذا مضافا إلى أنّ حديث الإجمال على التقديرين سواء وضع اللفظ بإزاء الصحيح أو وضع بازاء الأعمّ لا يصحّ إلّا على تقدير الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ وهو ممّا لا يلتزم به الأعمّيّ والصحيحيّ وأمّا إذا قلنا بالوضع للجامع على التقديرين فلا إجمال لأنّ الموضوع له على تقدير الصحيح أو الأعمّ مفهوم جامع مبيّن فلا إجمال له كمفهوم التامّ من جهة الأجزاء والشرائط على الصحيحيّ أو مفهوم معظم الأجزاء أو الأركان الأربعة على الأعمّ وعليه فلا مورد لقوله : لا إلى الوضع للصحيح وإلّا فالموضوع له بنفسه مجمل على الأعمّ أيضا. انتهى. نعم يرد على الشيخ قدس‌سره ما في نهاية النهاية من منع الإجمال المفهوميّ رأسا كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وخامسها : ما في نهاية النهاية من منع تحقّق الإجمال رأسا حيث قال : إنّ إجمال

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٦٨ ـ ٦٧.

٣٦٤

الخطاب فيما إذا كان القائل بالصحيح قائلا بالوضع لأفراد الصحيح فإذا لم يعلم أنّ الصحيح ما هو لم يعلم أنّ الصلاة ما هي بل لزوم الإجمال على هذا المبنى لا يختصّ بالقول بالصحيح ويجري على القول بالأعمّ أيضا. وأمّا على مختاره (صاحب الكفاية) من الوضع للجامع العامّ المشار إليه بالناهي عن الفحشاء فيكون الخطاب مبيّنا ويكون معنى صلّ : آت بالناهي عن الفحشاء. ولكن لا يمكن التمسّك به عند الشكّ والتردّد بين الأقلّ والأكثر لإثبات وجوب الأقلّ لعدم إحراز الموضوع وعدم العلم بتحقّق مصداق ذلك الخطاب المبيّن. كما إذا قال أكرم العالم ولم يعلم أنّ زيدا عالم أم لا فإنّه لا يتمسّك بما دلّ على حكم عنوان العالم لإثبات وجوب إكرامه حتّى على القول بجواز التمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة كما هو واضح وبالجملة عدم التمسّك بعموم الحكم لعدم إحراز تحقّق الموضوع غير عدم التمسّك بالخطاب لإجماله. ثمّ إنّ ما ذكره المصنّف من الثمرة جزئيّ من جزئيّات ثمرة البحث وإلّا فالثمرة في المقام على حدّ ثمرة النزاع السابق (الحقيقة الشرعيّة) تظهر في ألفاظ الواردة في لسان الشارع فتحمل على الصحيح على القول بالصحيح وعلى الأعمّ على القول بالأعمّ فإذا دلّ الدليل على صحّة الاقتداء بصلاة العادل فعلى الصحيح لا يجوز الاقتداء إلّا بمن احرز صحّة صلاته ولو بأصل وعلى الأعمّ تصحّ الصلاة ولو خلف من علم فساد صلاته بعد إتيانه بالمسمّى. (١)

ولقد أفاد وأجاد حيث أنّ معنى الجامع سواء كان بسيطا كما ذهب إليه صاحب الكفاية أو مركّبا مبيّن ولا إجمال فيه ومجرّد عدم جواز التمسّك بعمومه فيما إذا لم يحرز تحقّق الموضوع لا يوجب إجمال ذلك المفهوم وإلّا فما من عامّ إلّا وله شبهات موضوعيّة فيصير كلّ عامّ مجملا بعدم شموله للشبهة الموضوعيّة مع أنّه كما ترى كما أنّ البحث عن

__________________

(١) نهاية النهاية ١ / ٤٠.

٣٦٥

الوضع للصحيح أو الأعمّ يوجب حمل الألفاظ الشرعيّة على خصوص الصحيح إن قلنا بأنّ الموضوع له هو الصحيح أو الأعمّ إن قلنا بالأعمّ وهذه الثمرة كحمل ألفاظ العبادات على المعاني الشرعيّة الذى يكون ثمرة للبحث عن الحقيقة الشرعيّة ولا يختصّ الحمل المذكور بموارد أمر الشارع بالمتعلّقات الشرعيّة حتّى يقال إنّ شمول اللفظ بالنسبة إلى الفاقد للأجزاء المشكوكة أو الشرائط المشكوكة فرع الإطلاق وهو محقّق على القول بالأعمّ دون الوضع للصحيح بل الحمل المذكور جار فيما إذا كانت ألفاظ العبادات موضوعة لأحكام أخر كجواز الاقتداء بصلاة الغير أو كالتخيير بين الحلق والتقصير لمن قد كان حجّ في السابق ونحوهما فإنّ لفظ الصلاة أو الحجّ في المثالين يحملان على الصحيح على القول بالصحيح أو على الأعمّ على القول بالأعمّ وعلى الثاني فلو علم المأموم فساد صلاة الإمام يجوز له الاقتداء به لصدق الصلاة على الفاسدة كما أنّ الحاجّ لو علم بفساد حجّه في العام الماضي كان له التخيير بين الحلق والتقصير لصدق الحجّ على الحجّ الفاسد وفي هذه الموارد ونظائرها لا مجال للبحث عن الإجمال وإمكان البيان للعلم بالصحيح والفاسد بحسب الأدلّة فجعل حمل الألفاظ الواردة في الشريعة على الصحيح بناء على القول بالصحيح أو على الأعمّ بناء على القول بالأعمّ من الثمرة أولى من جعل الإجمال وإمكان البيان من الثمرة لكونه أخصّ.

مضافا إلى ما مرّ من منع الإجمال رأسا.

وجه اندراج المسألة في المسائل الاصوليّة

لا يقال : إنّ ثمرة هذه المسألة ليست ثمرة مسألة اصوليّة بل هي من مبادئها من جهة أنّ البحث فيها في الحقيقة عن ثبوت الإطلاق وعدم ثبوته والبحث الاصوليّ هو البحث عن جواز التمسّك بالإطلاق وعدمه دون ثبوت الإطلاق وعدمه. (١)

__________________

(١) كما في المحاضرات ١ / ١٨٠.

٣٦٦

فإنّه يقال : إنّ البحث هنا أيضا في جواز حمل الألفاظ الشرعيّة أينما وقعت على الأعمّ أو على خصوص الصحيح وحيث أنّ العرف بنفسه لا يعرف الموضوع له في أسامي العبادات بل يحتاج إلى مهارة أهل الفنّ فلا بدّ من أن يبحث عنه في علم الاصول حتّى يظهر بعد البحث جواز حمل ألفاظ العبادات على الأعمّ أو خصوص الصحيح ولذلك قال استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره : يمكن القول بأنّ تشخيص الموضوع له لأسامي في العبادات على عهدة مهرة فنّ الاصول وإلّا فالعرف لا يصل يده إليه فحينئذ لا مانع من عدّ هذه المسألة من المسائل الاصوليّة.

ولا فرق بين وقوع هذه الألفاظ في كلام الشارع أو في كلام المتشرّعة بل في كلام المتكلّم فيما إذا قصد معناه الشرعيّ ومنه يظهر أنّ مسألة نذر إعطاء الدرهم لمن صلّى من إحدى موارد الحمل المذكور فإنّ بعد البحث عن تعيين الموضوع له في ألفاظ العبادة إن قلنا بأنّ الموضوع له هو الصحيح لا يحصل البرّ في النذر أو القسم إلّا إذا كانت الصلاة صحيحة فإذا أعطى درهما لمن صلّى صلاة صحيحة أوفى بنذره بخلاف ما إذا صلّى صلاة باطلة وإن قلنا بأنّ الموضوع له هو الأعمّ يحصل البرّ والوفاء بإعطاء الدرهم لمن صلّى ولو مع العلم بفساد صلاته.

لا يقال : انّ وجوب الوفاء بالنذر تابع لقصد الناذر في الكيفيّة والكمّيّة وأجنبيّ عن الوضع للصحيح أو الأعمّ. (١) لأنّا نقول : إنّما الفرض فيما إذا نوى المتكلّم النذر بإعطاء درهم لمن أتى بمسمّى لفظ الصلاة شرعا.

لا يقال : لا رجحان في مثل هذا النذر. لأنّا نقول : ربما يقصد به تمرين الصبي على العبادة وتشويقه وهو راجع كما لا يخفى.

وبالجملة مسألة النذر من موارد الثمرة المذكورة وهو جواز حمل الألفاظ الشرعيّة

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٨٢.

٣٦٧

على الأعمّ أو على خصوص الصحيحة.

وممّا ذكر يظهر أنّ نتيجة هذه المسألة كمسألة حقيقة الشرعيّة تقع في طريق استنباط الأحكام الفرعيّة فإذا اخترنا أنّ الموضوع له هو الصحيح أو الأعمّ ووردت ألفاظ العبادات في متعلّق الأوامر أو في موضوع أحكام أخر نقول هذه من ألفاظ العبادات وحيث أنّها موضوعة لخصوص الصحيح فمدلولها خصوص الصحيح أو حيث أنّها موضوعة للأعمّ فمدلولها هو الأعمّ فيجوز حملها على المختار من الصحيح أو الأعمّ فلا تغفل. إذا عرفت الجهات المذكورة حان الوقت لملاحظة أدلّة القولين.

أدلّة الصحيحيّ :

ذهب جماعة على المحكيّ في هداية المسترشدين من الخاصّة والعامّة إلى أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للصحيحة منها. فمن الخاصّة السيد والشيخ في ظاهر المحكيّ عنهما والعلّامة في ظاهر موضع من النهاية والسيد عميد الدين في موضع من المنية والشهيدان في القواعد والمسالك. ومن العامّة أبو الحسين البصريّ وعبد الجبّار والآمديّ والحاجبيّ وحكاه الاسنويّ عن الأكثرين. (١) وكيف كان فقد استدلّ له بوجوه :

الأوّل : التبادر قال في الهداية : ألا ترى أنك إذا قلت : صلّيت الصبح أو صمت الجمعة أو توضّأت أو اغتسلت ، لم ينصرف إلّا إلى الصحيح ولا يحمل على الفاسدة إلّا بالقرينة وذلك من أقوى الأمارات على كونها حقيقة. وممّا يوضح ذلك أنّ المتشرّعة إنّما يحكمون بكون الصلاة وغيرها من الألفاظ المذكورة عبارة عن الامور الراجحة والعبادات المطلوبة لله تعالى ولا يجعلونها أسامي لما يعمّ الطاعة والمعصية وقد تكون طاعة وقد تكون معصية بل الأغلب فيها معصية ، بل لا يمكن عدّها مطلقا من

__________________

(١) هداية المسترشدين / ١٠٠.

٣٦٨

الطاعات اصلا إذ لا يتعلّق الأمر حينئذ بما هو مفهوم الصلاة مثلا وإنّما يتعلّق ببعض انواعها خاصّة. (١)

وقال في الكفاية : ولا منافاة بين دعوى التبادر وبين كون الألفاظ الموضوعة للعبادات على قول الصحيحيّ مجملات بحيث لا يمكن الأخذ بإطلاقها في الفاقد لما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته فإنّ المنافاة تكون فيما إذا لم يكن معانيها على هذا القول مبيّنة بوجه من الوجوه مع أنّك عرفت كونها مبيّنة بخواصّها وآثارها ككونها ناهية عن الفحشاء أو وسيلة للمعراج.

وفيه منع :

وذلك لما في تهذيب الاصول من أنّ التبادر هو فهم المعنى من ذات اللفظ وحاقّه ولا معنى لتبادر شىء لم يوضع له اللفظ والانتقال إلى اللوازم الذهنيّة أو الخارجيّة الدائميّة أو الاتفاقيّة إنّما هو بعد تبادر أصل المعنى لأجل الانس وغيره فإذا كان الموضوع له ماهيّة بسيطة مجهولة إلّا من ناحية بعض العناوين المتأخّرة ككونها ناهية عن المنكر أو قربان كلّ تقيّ ، فإنّه أثر وجود الصلاة لا أثر ماهيّتها فلا بدّ لمدّعي التبادر أن يدّعي تبادر نفس المعنى مقدّما على فهم تلك العناوين وعند ذلك لا يعقل أن تكون تلك العناوين معرّفة للمعنى في ظرف التبادر لتأخّر رتبتها عنه أمّا بمرتبتين أو بمرتبة واحدة وعلى هذا يبقى الموضوع له مجهول العنوان والحقيقة في وعاء التبادر من جميع الجهات وإن كان معروف العنوان وواضح الحقيقة في رتبتين بعده. (٢)

ومراده من التأخّر بمرتبتين أو مرتبة واحدة (كما صرّح به) هو أنّ اللوازم المذكورة للصلاة من لوازم وجود الصلاة ومن المعلوم أنّ وجود الصلاة متأخّر عن الصلاة

__________________

(١) نفس المصدر / ١٠١.

(٢) تهذيب الاصول ١ / ٨٢.

٣٦٩

بمرتبة ولوازم وجود الصلاة متأخّر عن الصلاة بمرتبتين وأمّا احتمال تأخّرها بمرتبة فهو من جهة فرض كون الآثار من عوارض الماهيّة أو لوازمها فإنّها في ذلك الفرض متأخّرة عن الصلاة بمرتبة كما لا يخفى.

وكيف كان حاصله أنّ هويّة الصلاة مجهولة ومع كونها مجهولة لا يمكن دعوى التبادر في تلك المرتبة وتعريف الصلاة بالمعاليل والآثار لا يوجب تعريفها في مرتبة الذات ومن المعلوم أنّ التبادر مربوط بمرحلة الذات وهذا الاشكال ممكن الدفع بما في تهذيب الاصول أيضا من أنّه لا يلزم تصوّر الجامع تفصيلا والعلم بحقيقة بل يكفي تصوّره إجمالا وارتكازا فعند ذلك يسوق للصحيحيّ أن يدّعي أنّ الصلاة بحسب ارتكاز أهل الشرع يتبادر منها معنى إجماليّ وهو الجامع الذي لا ينطبق إلّا على الأفراد الصحيحة فلا يكون معنى الصلاة مبهما ومجهولا في ظرف التبادر (١).

هذا مضافا إلى أنّ الإشكال المذكور يرد على مثل صاحب الكفاية حيث ذهب إلى جامع بسيط يعرف بالآثار والمعاليل وأمّا الجامع المركّب كماهيّة هيئة الصلاة الجامعة للأجزاء والشرائط فلا يرد عليه هذا الإشكال لإمكان دعوى تبادره في مرحلة الذات والمعنى.

إشكال صاحب هداية المسترشدين

نعم يرد عليه ما حكاه في هداية المسترشدين وحاصله : أنّه ليس كلّ تبادر أمارة على الحقيقة بل ما لا يكون لغير اللفظ فيه مدخليّة فإنّ سبق المعنى من اللفظ بمجرّد إطلاقه من غير ملاحظة شيء من الامور الخارجيّة معه دلّ ذلك على خصوص الوضع له وأمّا إذا انضمّ إليه شيء آخر أو احتمل انضمام شيء آخر إليه احتمالا متساويا لم يكن ذلك دليلا على كونه حقيقة فيه إذ لا ملازمة بين الفهم المذكور

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٨٤.

٣٧٠

والوضع. ألا ترى أنّ المتبادر من سائر العقود كالبيع والاجارة والمزارعة والمساقات وغيرها إذا اطلقت ليس إلّا الصحيحة مع أنّها تكون موضوعة للأعمّ فكذلك الحال في التبادر الحاصل من الفاظ العبادات فإنّ الظاهر أنّ التبادر الحاصل في المقامين من قبيل واحد. ودعوى أنّ الأصل في كلّ تبادر هو ان يكون مستندا إلى نفس اللفظ لا إلى شىء آخر ممنوعة. والقول بجريان أصالة عدم ضميمة شىء آخر إلى اللفظ في حصول التبادر معارض بأصالة عدم استقلال اللفظ في إفادته. على أنّ الأصل المذكور لا حجّية له فيه في أمثال هذه المقامات إلّا من جهة كونها تفيد الظنّ دون التعبّد فإن أفاد ذلك فلا كلام ولكن الكلام في إفادته ذلك في المقام وهي ممنوعة إن لم نقل بكون المظنون خلافه ويشهد له أيضا أنّه لو كان التبادر هنا ناشئا من الوضع لكان ذلك منساقا إلى الذهن في سائر المقامات وليس كذلك ألا ترى أنّك إذا قلت : رأيت فلانا يصلّي أو جماعة يصلّون لم يدلّ اللفظ على كون ما وقع هو الصلاة الصحيحة ولذا صحّ بعد هذه الحكاية إن نقول إنّ فلانا لا يصلّي صلاة صحيحة ولا يصح ان تقول إنّ فلانا لا يصلّي. فإنّ الثاني محكوم بالكذب فصورة تقيّد الصلاة بالصحّة يوجب صدق الخبر فيما إذا كانت أعماله المذكورة فاسدة بخلاف الثاني ، هذا دليل على أنّ المراد بالصلاة المطلقة هو الأعمّ من الصحيح وإلّا فان كانت تلك الألفاظ منساقة إلى خصوص الصحيحة لم يكن فرق بين الإطلاق والتقييد بل الاخبار بأنّ فلانا لا يصلّي كذب سواء قيّده بالصحيح ام لم يقيّده فإنّ المراد منه واحد وهو الصلاة الصحيحة فظهر من جميع ما ذكر أنّ التبادر المدّعى ليس من جهة الوضع وإنّما هو من جهة قضاء خصوص المقام أو ظهور الإطلاق فيه في بعض المقامات. (١)

__________________

(١) هداية المسترشدين / ١٠٢.

٣٧١

دفع الإشكال بالأخذ بظاهر الحال

أجاب عنه في الهداية بأنّ مجرّد احتمال كون التبادر المذكور ناشئا من الخارج غير رافع للاستدلال إذ لو كان انفتاح أبواب الاحتمالات باعثا على المنع من الأخذ بالظاهر في مباحث الألفاظ لانسدّ إثبات الأوضاع بالتبادر أو غيره في سائر المقامات. وظاهر الحال هنا استناد التبادر إلى نفس اللفظ إذ ليس ذلك من جهة شيوع الصحّة إذ الفاسدة أكثر منها أو كثير ولا من جهة شيوع استعمالها فيها إذ قلّة استعمالها في الفاسدة على فرضها بحيث يوجب صرف الإطلاق عنها لو كانت حقيقة فيها غير ظاهر لإطلاقها كثيرا على الفاسدة أيضا ولا من جهة انصراف المطلق إلى الفرد الكامل وإلّا لانصرفت إلى الفرد الكامل الجامع لمعظم الآداب والمندوبات ومن البيّن خلافه. (١)

عدم صحّة رفع المذكور

وفيه اوّلا : أنّ انسداد إثبات الأوضاع بالتبادر أو غيره لو كان الاحتمال المذكور باعثا على المنع ، ممنوع لكثرة موارد العلم بكون التبادر أو غيره مستندا إلى حاقّ اللفظ ألا ترى أنّ ألفاظ أسماء الأجناس كالماء والخبز واللبن والجبن وغيرها متبادرة معناها ولا احتمال لاستناد التبادر فيها إلى غير حاقّ اللفظ كما لا يخفى.

وثانيا : أنّ التبادر من نفس اللفظ يمكن أن يكون ناشئا من جهة القرينة العامّة أو الدوالّ الاخرى كتعلق الأوامر بألفاظ العبادة فإنّ مع وجود هذه القرينة لا يتبادر منها إلّا الصحيحة منها. إذ الشارع لا يأمر ولا يطلب إلّا الصحيحة فبهذه القرينة كلّ ما يطلق عليه المتعلّق بسبب كونه واجدا للأجزاء والشرائط المطلوبة فهو صحيح كما أنّ كل ما خرج عن المتعلّق بسبب فقدان بعض الأجزاء والشرائط فهو فاسد بنحو ما مرّ

__________________

(١) نفس المصدر.

٣٧٢

في كلام الشيخ قدس‌سره في التقريرات فراجع. وعليه فلا وجه لحصر منشأ استناد التبادر إلى نفس اللفظ في الجهات الثلاثة المذكورة في كلامه لاحتمال أن يكون التبادر ناشئا من جهة اخرى نظير التبادر في العقود والمعاملات كالبيع والإجارة والمزارعة والمساقات مع أنّها موضوعة للأعمّ ومن المعلوم أنّه ليس إلّا من جهة تعدّد الدال والمدلول وكم له من نظير.

وثالثا : أنّ الحكم بكون التبادر مستندا إلى حاقّ اللفظ بمجرّد الظنّ بذلك وقيام ظاهر الحال لا دليل عليه ، نعم لو كان الشكّ في وجود القرينة يمكن أن يقال كما مرّ في بحث التبادر : إنّ بناء العقلاء على نفي الاحتمال المذكور بأصالة عدم القرينة ، خلافا لصاحب الكفاية ، لأنّ المستعلمين لا يتوقّفون عند تعلّم اللغات من المستعملين من أهل المحاورة باحتمال كون التبادر ناشئا من غير اللفظ كما لا يخفى. والاصل حيث كان من الاصول اللفظيّة يدلّ على أنّ التبادر من حاقّ اللفظ. لا يقال : إنّ أصالة عدم القرينة معارضة مع أصالة عدم استقلال اللفظ في إفادة المعنى. لأنّا نقول : لا بناء على أصالة عدم استقلال اللفظ وإنّما البناء على عدم القرينة. وعليه فلا معارضة ولكن أصالة عدم القرينة مختصّة بما إذا كان الشكّ في وجود القرينة لا قرينيّة الموجود.

إشكال استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره

نعم قال استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره : إنّ التبادر عند المستعلم أو المستعمل وأهل المحاورة يمكن أن يكون إطلاقيّا ومن جهة كثرة الاستعمال ولا طريق لنا لإثبات كونه كذلك في صدر الإسلام ولعلّه يكون حادثا بعده فلا يثبت به وضع اللفظ للصحيح من ناحية الشارع لاحتمال أن يكون الوضع الشرعيّ للأعمّ ولكن استعمل في الصحيح بتعدد الدالّ والمدلول فيصير متبادرا فيه بتكرار الاستعمال وأصالة عدم النقل لو كانت جارية تفيد العكس إذ الاصل عدم نقل اللفظ عن معناه اللغويّ والوضع الشرعيّ للصحيح لم يثبت حتّى تجري فيه أصالة عدم النقل. انتهى

٣٧٣

يمكن أن يقال : إنّ العبادات حيث كانت توقيفيّة فاستعمالات المتشرّعة تكون تابعة للاستعمالات الشرعيّة فتكشف تلك عن كون الصحيح هو المعنى الموضوع له عند الشارع المقدّس أيضا اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ التابعيّة في التوقيفيّة والاستعمالات الشرعيّة لا تكون ملازمة للوضع بل غايته هو أنّ الشارع استعمل في الصحاح ولو بضميمة الدوالّ الاخرى فلا تغفل.

فتحصّل أنّ تبادر الصحيح على فرض تحقّقه في المقام لا يدلّ على وضع ألفاظ العبادات للصحيح عند الشارع لاحتمال صيرورته كذلك بتعدّد الدالّ والمدلول وتكرّر الاستعمال فيكون التبادر إطلاقيّا لا وضعيّا. ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون المراد من الصحيح هو تامّ الأجزاء والشرائط أو تامّ الأجزاء والشرائط الراجعة إلى قيود موضوع الأمر لا المعتبرة في تحقّقه الخارجيّ.

استدلال الميرزا الشيرازيّ قدس‌سره

وممّا ذكر يظهر ما في تقريرات الميرزا الشيرازيّ قدس‌سره حيث قال : فنقول الذي يشهد به المنصف المتأمّل بعد تخلية الذهن عن شوائب الأوهام وغواشي الشبهات وإخراجه إلى النور من الظلمات هو أنّه لا يتبادر من تلك الألفاظ مجرّدة عن القرينة إلّا ما أمر الله تعالى به اعني ما يكون موضوعا لأمر الله تعالى وطلبه بحيث لا نقصان فيه ولا حالة منتظرة فيه إلى أمر آخر في توجّه الأمر اليه من شرط أو جزء وأنه يصحّ سلبها حقيقة عن فاقدة بعض الأجزاء والشرائط المعتبرة في الفعل قبل تعلّق الأمر به وبعبارة اخرى الشرائط الراجعة إلى قيود موضوع الأمر لا المعتبرة في تحقّقه الخارجيّ. نجد ذلك من أنفسنا ومن الرجوع إلى عرف المتشرّعة أيضا ، فإنّا نراهم أنّ المتبادر عندهم ما ذكرنا وأنّ أنفسهم لا تمتنع عن نفي تلك الأسامي عن فاقدة بعض الأجزاء أو شرط من الشرائط المذكورة. إلى أن قال : وكيف كان فهذا ما ساعد عليه

٣٧٤

الدليل فلا ينبغى التوحّش من الانفراد. (١)

ملاحظة الاستدلال المذكور

وذلك لما عرفت من أنّ تبادر الصحيح بالمعنى المذكور على فرض صحّته يحصل من جهة تعلّق الأمر وهو قرينة عامّة ولا يرتبط بالوضع الشرعيّ قبل تعلّق الأمر وتبادر هذا المعنى عندنا بالوجدان أو عند عرف المتشرّعة لا يكشف عن كونه كذلك عند الشارع بعد احتمال استعمال الشارع فيه بتعدّد الدال والمدلول وحصول التبادر فيه بتكرّر الاستعمال والإطلاق فيه كما لا يخفى.

الثاني : صحّة السلب عن الفاسد بسبب الإخلال ببعض الأجزاء أو الشرائط.

قال الشيخ قدس‌سره في التقريرات على ما حكي عنه : يشهد به بعد مساعدة العرف والاعتبار طائفة من الأخبار كقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لما تقرّر في محلّه من ظهور هذه التراكيب في نفي الحقيقة والماهيّة فالخبر المحذوف هو الوجود. بل ربما نسب إلى المحقّقين أنّ «لا» غير محتاجة إلى الخبر فيكون العدم المستفاد منه عدما محموليّا وهو أقرب لتسميته بنفي الجنس حيث أنّ المنفيّ هو نفس الجنس لا وجوده وإن صحّ الثاني أيضا وأولى من حيث الدلالة على المطلوب. (٢)

ولا يخفى عليك أنّ الأنسب بمختارهم هو دعوى صحّة السلب عن الأعمّ حتّى ينحصر المفاد في الصحيح وأمّا صحّة السلب عن الفاسد فلا يوجب انحصار اللفظ في الصحيح لبقاء الأعمّ.

قال المحقّق الأصفهاني قدس‌سره إنّ الصحيحيّ إنّما لا يدّعي صحّة السلب عن الأعمّ مع أنّه أنسب إمّا لعدم تعقّل الجامع على الأعمّ أو لأنّ موارد صحّة السلب منحصرة في

__________________

(١) تقريرات الميرزا ١ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

(٢) تقريرات الشيخ / ١١.

٣٧٥

الفاسدة. (١)

ثمّ إنّ من ذهب إلى صحّة السلب عن الفاسد حمل إطلاق أسامي العبادات على الفاسد منها على العناية والمجاز.

ولذلك قال في الكفاية ثانيها : صحّة السلب عن الفاسد بسبب الإخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقّة وإن صحّ الإطلاق عليه بالعناية. (٢)

إشكال الاستدلال بصحّة السلب

وكيف كان في الاستدلال نظر لمنع مساعدة العرف على صحّة السلب عن مطلق الفاسد. ألا ترى أنّ العرف لا ينفون أسامي المخترعات عنها مع اختلال بعض أجزائها أو شرائطها. بل يطلقون عليها تلك الأسامي ما لم تكن فاقدة لمعظم الأجزاء أو الأركان من دون إعمال عناية أو ملاحظة علاقة وليس ذلك إلّا لكون إطلاقها عليها حقيقة. والمفروض أنّ الشارع لم يسلك طريقة اخرى غير طريقتهم في المخترع الشرعيّ فكما أنّ المخترعين وضعوا أسامي مخترعاتهم لها من دون ملاحظة تماميّتها للأجزاء والشرائط كذلك الشارع وضع أسامي عباداته ومخترعاته للأعمّ من الصحيح. وعليه فمن صلّى صلاة من دون قراءة صحيحة أو بدون الساتر مثلا لا يصحّ عند العرف سلب اسم الصلاة عن صلاته ويشهد له صحّة قول القائل إذا رأى جماعة يصلّون (وكانت صلاة بعضهم فاسدة) رأيت جماعة يصلّون ، من دون إعمال عناية أو ملاحظة علاقة.

هذا مضافا إلى أنّه لو سلّمنا مساعدة العرف في صحّة السلب يرد عليه ما أورده استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره على التبادر من أنّه لا طريق لنا لإثبات كونه كذلك في صدر

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٦٩.

(٢) مقالات الاصول ١ / ٤٥.

٣٧٦

الإسلام ولعلّه حادث بعد ذلك فلا يثبت بذلك الوضع الشرعيّ للصحيح.

اللهمّ إلّا أن يستكشف صحّة السلب عند الشارع بصحّة السلب عند عرف المتشرّعة لكون استعمالات المتشرّعة تابعة للاستعمالات الشرعيّة.

ولكن لا يخفى عليك عدم الملازمة بين صحّة السلب عند عرف المتشرّعة وصحّة السلب عند الشارع لإمكان وضعه شرعا للأعم واستعمل في الصحيح بتعدّد الدالّ والمدلول فيصير بتكرّر الاستعمالات حقيقة في الصحيح ولعلّه لذلك قال في المقالات أنّ التبادر وصحّة السلب إطلاقيّان. (١)

إشكال تهذيب الاصول

هذا مع الغمض عمّا أورد في تهذيب الاصول على الجامع البسيط من أنّ الماهيّة مع قطع النظر عن العناوين المتأخّرة مجهولة الكنه فكيف يمكن سلب المجهول بما هو مجهول عن شيء ومع ملاحظة العناوين المتأخّرة يساوق تقييدها بالصحّة الفعليّة فيرجع إلى صحّة سلب الصلاة الصحيحة عن الفاسدة وهي ممّا لا يقبل الإنكار. (٢)

لإمكان الجواب عنه بما في التهذيب أيضا من أنّه لا يلزم تصوّر الجامع تفصيلا والعلم بحقيقته بل يكفي تصوّره اجمالا وارتكازا فعند ذلك يسوغ للصحيحيّ أن يدّعي أنّ الصلاة بحسب ارتكاز أهل الشرع يتبادر منها معنى إجماليّ وهو الجامع الذي لا ينطبق إلّا على الأفراد الصحيحة فلا يكون حينئذ معنى الصلاة مبهما ومجهولا في ظرف التبادر وصحّة السلب. (٣)

كلام الشيخ الأعظم قدس‌سره وملاحظته

وأمّا استشهاد الشيخ قدس‌سره على المحكيّ عنه في التقريرات بمثل قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) تهذيب الاصول ١ / ٨٢ ـ ٨٤.

(٣) نفس المصدر.

٣٧٧

بطهور» و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لإثبات أنّ لفظ الصلاة حقيقة في الصحيح والجامع للأجزاء والشرائط وإلّا فلا مجال لسلب الحقيقة ونفيها عن الفاقد للطهور أو الفاقد للقراءة مع وجود سائر الأجزاء والشرائط.

ففيه اوّلا : كما في نهاية النهاية أنّ المنتفي بانتفاء بعض الأجزاء أو الشرائط هو خصوص هذا القسم (أي الصحيح) ومع تبيّن المراد لا معنى للأخذ بأصالة الحقيقة والحكم بأنّ المستعمل فيه اللفظ هو المعنى الحقيقي فانّ أصالة الحقيقة إنّما تجري عند الشكّ في المراد ودورانه بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ لا مع تبيّن المراد والشكّ في أنّه هو الموضوع له اللفظ أولا فإنّ هذا مورد ما قيل من أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة. (١)

حاصله أنّ استعمال اللفظ في الصحيح أو المأمور به في أمثال هذه الأخبار معلوم عند الطرفين وإنّما الشكّ في كونه موضوعا له أولا وأصالة الظهور أو أصالة الحقيقة لا تنفع في نظائر المقام لإثبات كونه هو الموضوع له لعدم بناء العقلاء عليه وإنّما البناء فيما إذا كان الشكّ في المراد ودورانه بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ.

ولعلّ هو المشار إليه في الكفاية بقوله «فافهم» كما يؤيّده ما حكي عن صاحب الكفاية في وجهه في تعليقة الكفاية فراجع.

وثانيا : أنّ الاستشهاد بظهور هذا التركيب في نفي الحقيقة والماهيّة يصحّ فيما إذا لم يكن استعمال هذا التركيب في نفي الصحّة شائعا وإلّا فلم يبق ظهور في نفي الحقيقة والماهيّة حتّى يتمسّك به لإثبات كونه هو الموضوع له.

وإليه يؤول ما في الدرر حيث قال إنّ استعمال هذا التركيب في نفي الصحّة شائع في الشرع بحيث لم يبق له ظهور عرفيّ في نفي الماهيّة. (٢)

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٤٢.

(٢) الدرر ١ / ٥٤.

٣٧٨

وهكذا يؤول إليه ما في نهاية النهاية حيث قال : انّه كذلك إذا لم تكن كثرة الاستعمال في نفي الحقيقة ادّعاء بالغة حدّا يزاحم ظهور اللفظ في نفي الحقيقة حقيقة. (١)

ومن المعلوم أنّ شيوع استعمال هذا التركيب في نفي الصحّة مجازا أو في نفي الحقيقة ادّعاء بداعي نفي الصحّة مانع من ظهور هذا التركيب في نفي الحقيقة حقيقة.

وعليه فالمقصود من هذا التركيب في المقام هو نفي الصحّة باختلال بعض الأجزاء أو الشرائط سواء قلنا باستعمال التركيب في نفي الصفة أعني الصحّة مجازا دون نفي الحقيقة أو قلنا باستعمال التركيب في نفي الحقيقة ادّعاء باختلال ما يكون دخيلا في الصحّة بأن يدّعى أنّ مع اختلال شرط أو جزء لا بقاء لحقيقة الصلاة وماهيّتها ادّعاء والادّعاء من جهة أنّ بالاختلال المذكور لا ينفي ماهيّة الصلاة على الأعمّ حقيقة بل المنتفي هو صحّة الصلاة فادّعاء نفي الماهيّة لإفادة دخالته في الصحّة كما ادّعي نفي وجود الماء لإفادة عدم صحّة الماء أو كماله في مثل قولهم : «إنّ هذا البلد لا ماء له».

الثالث : الاستشهاد بالأخبار الدالّة على إثبات بعض الخواصّ والآثار للمسمّيات مثل «الصلاة عمود الدين» أو «الصلاة معراج المؤمن» أو «الصوم جنّة من النار» إلى غير ذلك بدعوى أنّ هذه الأخبار بحكم عكس النقيض تدلّ على أنّ ما لا ينهى وما لا يعرج به ليس بصلاة وهكذا.

لا يقال : إنّا لا نعلم بعدم معراجيّة الصلاة الباطلة أو عدم كون الصوم جنّة. لأنّا نقول : إنّ ذلك معلوم بالضرورة الشرعيّة إذ لا أثر للباطل من العبادات.

وفيه أوّلا : أنّ المراد من هذه الأخبار واضح وهو الصحيح إذ الثابت له تلك الآثار والخواصّ ليس هو إلّا الصحيح ولا مجال لتوهّم وجود هذه الآثار للباطل من

__________________

(١) نهاية النهاية ١ / ٤٢.

٣٧٩

العبادات كما لا يخفى. فاللفظ مستعمل في الصحيح ولكن شكّ في كونه موضوعا له أولا. وحينئذ لا معنى للأخذ بأصالة الحقيقة والحكم بأنّ المستعمل فيه اللفظ هو المعنى الحقيقيّ لما عرفت من أنّ أصالة الحقيقة إنّما تجري عند الشكّ في المراد ودورانه بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ لا مع معلوميّة المراد والشكّ في كونه هو الموضوع له اللفظ أولا.

وثانيا : كما في نهاية النهاية أنّ لنا منع استعمال اللفظ في خصوص الصحيح أيضا وإنّما يعلم ارادة الصحيح بدالّ آخر وبقرينة الحكم في القضية. (١)

كما أنّ في قولنا العالم يقتدى به استعمل لفظ العالم في الأعمّ من العادل ولكنّ المراد هو العادل بقرينة المحمول وهو قوله «يقتدى به» إذ الفاسق لا يقتدى به ، كذلك يمكن أن يكون اللفظ في موضوعات هذه الأخبار مستعملا في الأعمّ من الصحيح ولكن المراد مختصّ بالصحيح لقيام القرينة وهي ترتّب الآثار المذكورة عليه.

وثالثا : كما حكي عن الشيخ قدس‌سره أنّه لا إطلاق لهذه الروايات حتّى يمكن الاستدلال بها على أنّ ما لا ينهى ليس بصلاة حيث قال بعد تقريب استدلالهم بالمذكور أنّ ذلك مبنيّ على أن يكون تلك الخطابات واردة في مقام بيان أحكام تلك العبادات على وجه الإطلاق وذلك غير معلوم بل أنّها غير واردة في هذا المقام. (٢)

الرابع : الاستشهاد بالأخبار المذكورة أيضا ولكن مع تقريب آخر وهو كما في بدائع الأفكار أنّه لا شبهة في خروج الفرد الفاسد عن عموم تلك الأخبار ولكنّه يشكّ بأنّ خروج الفاسد عن ذلك العموم هل هو بنحو التخصيص أو بنحو التخصّص وبما أنّ أصالة العموم تقضي بعدم التخصيص في مقام الشكّ في تخصيص العامّ يلزم أن يكون

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) تقريرات الشيخ / ١١.

٣٨٠