عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

مجازا. ومن ذهب إلى التعميم جعل إطلاقه عليه حقيقة كإطلاقه على المتلبّس بالمبدإ في الحال (حال تلبّسه به). فاتّضح أنّ محلّ النزاع هو إطلاق المشتقّ بعنوان الحقيقة على من انقضى عنه المبدأ في حال انقضاء المبدأ فلا تغفل.

* * *

المقام الثاني :

إنّ الظاهر أنّ المسألة لغويّة لا عقليّة كما يشهد له أنّ النزاع في تعيين حدود الوضع وأنّه لخصوص المتلبّس أو الأعمّ منه لا في إمكان الإطلاق وعدمه بعد التسالم في حدود المعنى والمفهوم. هذا مضافا إلى أنّ الاستدلال للمختار بالتبادر وعدم صحّة السلب ونحوهما ممّا يكون من علائم الحقيقة والمجاز يشهد على أنّ البحث لغويّ وإلّا فلا مجال لمثل ذلك كما لا يخفى.

على أنّ ذكر عنوان الحقيقة والمجاز في عنوان النزاع في كلمات القوم من قديم الزمان إلى يومنا هذا دليل أيضا على أنّ البحث لغويّ لأنّ الحقيقة والمجاز من شئون الاستعمال ولا ربط لهما بإمكان صدق المفهوم المتسالم فيه عقلا وعدمه.

ويؤيّد ذلك أيضا ظاهر بعض الاستدلالات ؛ منها : ما استدلّ به العلّامة قدس‌سره في التهذيب للأعمّ بأنّ معنى الضارب ؛ من حصل منه الضرب فيعمّ من انقضى عنه المبدأ على ما حكى عنه المحقّق الأصفهانيّ في تعليقته على الكفاية. (١) فإنّ الظاهر منه أنّ الدليل على كون المشتقّ حقيقة في الأعمّ هو نفس المعنى الموضوع له إذ عنوان من حصل منه الضرب عنوان يصدق على من انقضى عنه المبدأ كما يصدق على من تلبّس بالمبدإ.

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٩٥.

٥٠١

هذا كلّه مع ما في تعليقة الأصفهانيّ أيضا وحاصله : أنّه لو لا الاختلاف في المفهوم والمعنى فما وجه هذا الخلاف العظيم في هذه السنين المتمادية؟ وذلك لوضوح أنّ العقل يحكم بعدم صحّة إطلاق المشتقّ على ما زال عنه المبدأ بعد تلبّسه به فإنّ المعنى الانتزاعيّ تابع لمنشا انتزاعه حدوثا وبقاء والمنشأ مفقود بعد الانقضاء والانتزاع بدونه على حدّ المعلول بلا علّة كما يحكم العقل بعدم صحّة إطلاق الماء على الهواء بعد ما كان ماء وزالت عنه صورة المائيّة فانقلبت هواء.

وتوهّم الفرق بين الجوامد والمشتقّات بأنّ الحمل في الجوامد متواط وهو هو بخلاف المشتقّات فإنّ الحمل فيها حمل ذي هو فلا يصحّ أن يقال للهواء أنّه ماء ولكن يمكن أن يكتفى في المشتقّ بمجرّد الخروج من العدم إلى الوجود فيصحّ الحمل على ما انقضى عنه المبدأ بمجرّد حدوث المبدأ وخروجه عن العدم إلى الوجود فإنّ صاحب المبدأ يصدق بذلك.

فاسد حيث أنّ حمل المشتقّ أيضا متواط لصحّة حمله على شيء من دون واسطة لفظة ذي ، نعم نفس الأعراض كالسواد والبياض لا تصلح للحمل إلّا بواسطة ذى أو الاشتقاق فيقال : الجسم ذو سواد. أو يقال : الجسم أسود. ولذا صرّح العلّامة الطوسيّ قدس‌سره بأنّ حمل أبيض على الجسم كما يقال : الجسم أبيض هو حمل مواطاة. فانقدح أنّ حمل الأوصاف المشتقّة حمل هو هو والمواطاة لا حمل ذي هو وعليه فالتفرقة بين الجوامد والأوصاف المشتقّة في سنخ الحمل لا وجه لها فكما أنّ في الجوامد لا يصحّ الحمل عقلا كذلك في الأوصاف المشتقّة. (١)

وبالجملة فلو كان البحث عقليّا لكان الأمر واضحا إذ مع زوال المبدأ فلا مجال للنزاع في الصدق عقلا. فلا يناسب الخلاف الممتدّ بين الأعلام. لأنّ الميزان في صدق

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٩٥ ـ ٩٦.

٥٠٢

المفهوم المتسالم فيه وعدمه هو وجود حيثيّة الصدق واشتماله على المبدأ وعدمه فمع وجوده يصدق ومع عدمه لا يصدق بالضرورة ولذلك قال في تهذيب الاصول أيضا في صورة كون المسألة عقليّة : ولكنّك خبير بأنّ البحث حينئذ يندرج في عداد الحقائق ومن الواضح أنّه لا معنى للنزاع في أنّ الفاقد للمبدا بعد ما كان واجدا له هل يقع مصداقا له بالفعل بحسب متن الأمر أو لا وسخافته غير مخفيّة إذ ميزان الصدق وعدمه دائر مدار اشتماله على المبدأ وعدمه ولا يعقل صدقه على الفاقد حقيقة حتّى يختاره القائل بالأعمّ وهذا بخلاف ما إذا كان البحث لفظيّا لأنّ الواضع له الخيار في تعيين حدود الموضوع له فله وضع اللفظ للمتلبّس أو للأعمّ منه كما أنّه بالخيار في تعيين الألفاظ. (١)

بل لو كان البحث لغويّا لأمكن جريان النزاع في العناوين غير الاشتقاقيّة أيضا إذ التسمية لا تدور مدار هويّة الشيء فلا مانع من دعوى وضع الانسان مثلا للأعمّ بعد ما كان عنان الوضع بيد الواضع هذا بخلاف ما إذا كان المسألة عقليّة فإنّ فعليّة الشيء بصورته لا بمادّته فإذا زالت الصورة زالت فعليّة الشيء ومع زوالها لا مجال لبقاء الشّىء كالإنسان كما لا يخفى.

* * *

المقام الثالث :

إنّ البحث في المقام ليس في مبادئ المشتقّات وموادّها بل في معاني هيئاتها الطارئة على مواردها ولذا قال الميرزا الشيرازيّ قدس‌سره على المحكيّ عنه في تقريراته المقصود بالبحث في المقام ليس تحقيق معاني مبادئ المشتقّات وموادّها فإنّ الكافل

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٩٨.

٥٠٣

له إنّما هو كتب اللغة ولا معرفة كيفيّة اشتقاقها فإنّ المرجع فيها إنّما هو التصريف بل الغرض إنّما هو معرفة معانيها من حيث أوضاعها النوعيّة وهي معاني هيئاتها الكلّيّة الطارئة على مواردها الجزئيّة الموضوعة لمعانيها بالأوضاع الشخصيّة (١) وهذا المعنى وإن كان أيضا بحثا لغويّا ووضعيّا كما عرفت ولكن حيث لم يبحث عنه بحثا مستوفيا في اللغة بحث في علم الاصول فلا تغفل.

* * *

المقام الرابع :

إنّ المشتقّات المبحوثة عنها في المقام هي التي لها ذات لا مطلق المشتقّات. وتفصيل الكلام فيه : أنّ اللفظ الموضوع لمعنى على قسمين : أحدهما : ما يسمّى بالجامد وهو ما كان لمجموع من مادّته وهيئته وضع واحد ثمّ إنّ الجامد على نوعين : الأوّل ما يكون موضوعا لمعنى منتزع عن حاقّ الذات كالإنسان والحيوان والشجر والتراب وغير ذلك. والثاني : ما يكون موضوعا لمعنى منتزع عن أمر خارج عن مقام الذات وذلك كعنوان الزوج والرقّ والحرّ ونظائرها. وثانيهما : هو ما يسمّى بالمشتقّ وهو ما كان لكلّ واحدة من مادّته وهيئته وضع خاصّ مستقلّ كالضارب. فإنّ هيئة الفاعل موضوعة لمن صدر عنه الفعل ومادّته وضعت لحدث الضرب.

ثمّ إنّ المشتقّ على قسمين : الأوّل ما يكون محمولا وجاريا على الذات وحاكيا عنه بملاحظة اتّصاف الذات بمبدإ اشتقاقه الذي كان خارجا عن ذاته ولو كان المبدأ من الامور الاعتباريّة كالملكيّة وبملاحظة اتّحاد الذات معه بنحو من الاتّحاد كان بنحو الحلول كالأبيض أو الانتزاع كالمالك أو الصدور كالضارب من الأسماء الفاعلين و

__________________

(١) تقريرات الميرزا : ١ / ٢٥٠

٥٠٤

المفعولين والصفات المشبهات وغيرها. والثاني : ما لا يكون حاكيا عن الذات ولا يجرى ولا يصدق عليها خارجا وذلك كالأفعال والمصادر سواء كانت مجرّدة أو مزيدة بناء على ما هو الظاهر من أنّ المصادر المجرّدة أيضا من المشتقّات كما سيأتي إن شاء الله الإشارة إليه. وهذان القسمان من المشتقّات المصطلحة وأمّا النوع الثاني من الجوامد فهو وإن كان منتزعا عن أمر خارج عن مقام الذات وجاريا على الذات كعنوان الزوج ولكنّه ليس من المشتقّات المصطلحة لعدم تعدّد وضع هيئته ومادّته إلّا أنّ عنوان المشتقّ في المقام يشمل ذلك أيضا كما صرّح به في الكفاية حيث قال : لا يبعد أن يراد بالمشتقّ في محلّ النزاع مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا عنها بملاحظة اتّصافها بعرض (من الأعراض المتأصّلة مثل السواد والبياض وغيرهما التي لها حظّ الوجود ولو في ضمن المعروض) أو عرضيّ (كالفوقيّة والتحتيّة والزوجيّة ونحوهما من الامور الانتزاعيّة والاعتباريّة التي لا حظّ لها من الوجود إلّا لمنشا انتزاعها ومصحّحها) ولو كان جامدا كالزوج والزوجة والرقّ والحرّ. (١)

ولعلّ السرّ في ذلك أنّ هذه الجوامد جارية على الذوات وحاكية عنها أيضا كالمشتقّات الجارية على الذوات فللبحث عن كونها موضوعة للذات المتلبّس أو الأعمّ مجال كما لا يخفى. بخلاف النوع الأوّل من الجوامد فإنّ اللفظ فيها موضوع لنفس العناوين الكلّيّة فقطّ لا للذوات المتلبّس بالعناوين الجامدة كالإنسان والتراب.

ثمّ إنّ المشتقّات المصطلحة لا تكون جميعها محلّ البحث بل المبحوث عنه هو ما يكون جاريا على الذات وحاكيا عنه ولذا حكموا بخروج الأفعال والمصادر عن حريم النزاع معلّلا بأنّها غير جارية وحاكية عن الذوات ضرورة أنّ المصادر المزيد فيها كالمجرّد في الدلالة على ما يتّصف به الذوات ويقوم بها من دون دلالة عن

__________________

(١) الكفاية ١ / ٥٩.

٥٠٥

الذوات. إذ المصادر تدلّ على الأحداث ولا تدلّ على الذوات بل هي مغايرة مع الذوات خارجا وعينا. ولذا لا يقال : زيد إكرام ، فيما إذا كان زيد متّصفا بمبدإ الإكرام. بل يقال : زيد كريم. وهكذا في المصادر المجرّدة ، لا يقال : زيد علم ، فيما إذا كان زيد متّصفا بمبدإ العلم. كما أنّ الأفعال بجميع أنواعها لا يجري فيها النزاع لعدم جريانها على الذوات بل إنّما تدلّ على قيام المبادئ بالذوات قيام صدور أو حلول أو طلب فعلها أو تركها منها على اختلاف المبادئ فإنّ الأفعال إذا لوحظت منتسبة إلى الذات بالنسبة التحقيقيّة الانقضائيّة تكون مفاد هيئة الفعل الماضي وإذا لوحظت منتسبة إلى الذات بالنسبة التحقيقيّة التلبّسيّة بين الحدث المتصوّر مستقلّا مع الذات أعمّ من الفعليّ وغيره ممّا لم يتحقّق بعد تكون مفاد هيئة المضارع وإذا لوحظت منتسبة إلى الذات بالنسبة الطلبيّة أي طلب إصدار المادّة وإيجادها عن الذات تكون مفاد هيئة الأمر ففي كلّ هذه الموارد من الأفعال ليست الأفعال محمولة على الذات وحاكية عنها بل لوحظت مستقلّة عن الذات ولذا تكون خارجة عن حريم النزاع كما لا يخفى.

لا يقال : إنّ الأفعال أيضا تكون جارية على الذات. ألا ترى أنّ في قولنا زيد أحرق الخشب أو يحرقه كان الإحراق جاريا على الذات ولا فرق بين الأفعال واسم الفاعل.

لأنّا نقول : إنّ الحكم في مثل : زيد أحرق الخشب أو يحرقه هو الإذعان بصدور الإحراق منه في الزمان الماضي أو في المستقبل ولا حكم باتّحاد الذات مع الإحراق. هذا بخلاف مثل : زيد محرق الخشب فإنّ الحكم فيه هو الإذعان باتّحاد زيد مع المحرق في الوجود.

قال في منتهى الاصول : الفرق هو أنّ تلك النسبة الكذائيّة في الفعل المضارع تلاحظ بين المتمايزين وفى الأسماء بين المتّحدين ولذلك لا يحمل الفعل المضارع على الذوات بخلاف الأسماء المشتقّة.

* * *

٥٠٦

المقام الخامس :

في تعميم محلّ النزاع بالنسبة إلى جميع المشتقّات الجارية على الذات والحاكية عنها :

إذ أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة وصيغ المبالغة واسم الآلة واسم المكان واسم الزمان داخلة في البحث كما صرّح به في الكفاية بل زاد عليها في تقريرات الميرزا الشيرازيّ بعد استثناء اسم الزمان المشتقّات من أسماء الأعيان كالابن وتامر وتمّار وعطّار وحائض بناء على كونه مشتقّا من الحيض بمعنى الدم لا بمعنى السيلان وإلّا لدخل في اسم الفاعل المشتقّ من الأحداث واستدلّ لذلك بعموم اقتضاء أدلّة الأصحاب والعنوانات ، لأنّ كلّ هذه الأوصاف ممّا له زوال فإذا زالت كان إطلاقها على الذوات المتّصفة بها حقيقة إن وضعت للأعمّ من المتلبّس ومجازا إن وضعت لخصوص المتلبّس بها (راجع تقريرات الميرزا الشيرازيّ (١)).

وأمّا ذكر بعض هذه المشتقّات في كلمات بعض الأصحاب دون بعض فلا يدلّ على اختصاص البحث به لأنّ ذكره من باب المثال.

واستشكل استاذنا الداماد في اسم الآلة بدعوى أنّها حقيقة فيما اعدّ للآليّة واستعداد الآلة شيء ثبت لكلّ آلة من أوّل وجوده إلى أن يذوب ويعدم هيئتها فلا مجال للبحث فيه عن كون إطلاقه عند انقضاء الاستعداد حقيقة أو مجازا إذ مع زوال الاستعداد لا يبقى ذات الآلة فإنّ الذات يزول بزوال الاستعداد فلا يدخل في محلّ النزاع.

ويمكن الجواب عنه بأنّا لا نسلّم زوال الذات بزوال الاستعداد بل يمكن أن تكون

__________________

(١) التقريرات / ٢٥٠.

٥٠٧

باقية كما إذا كسر بعض أسنان المفتاح فإنّه مع كسر أسنانه زال عنه الاستعداد للفتح ولم تزل ذات المفتاح.

واستشكل الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره أيضا في صيغ المبالغة بدعوى أنّها موضوعة لمن صدر عنه المبدأ كثيرا أو كثر اتّصافه بالمبدإ كما فسّرها صاحب الفصول إذ لا يمكن صدقهما على من تلبّس بالمادّة الكثيرة في حال واحد لأنّ الأحداث امور تدريجيّة الوجود ولا يمكن اجتماعهما في آن واحد بل الموجود في حال إطلاق اللفظ ليس إلّا حدثا واحدا فالجلّاد مثلا لا يمكن صدقه بالفعل على من تلبّس بالقتل الكثير إذ القتل تدريجيّ الوجود فلا يجتمع مع قتل آخر في آن واحد. وعليه فلا بدّ من أن يكون لفظ المبالغة موضوعا لمن صدر عنه المبدأ كثيرا وهذا المعنى لا يستلزم التلبّس الفعليّ بالقتل الكثير ومن المعلوم أنّ الاتّصاف بكثرة صدور المبدأ عنه أمر ثابت فلا يزول عنه حتّى يبحث بعد الزوال في كون إطلاق اللفظ عليه حقيقة أو مجازا.

وفيه : أوّلا : أنّ صدور الفعل الكثير في آن واحد ممكن كما إذا قتل جماعة بإدخال السمّ في غذائهم أو بإعمال الأسباب الحديثة التي تقتل الناس أفواجا.

وثانيا : أنّا نمنع عدم الزوال لأنّ دوام الاتّصاف بكثرة المبدأ داخل في معنى صيغة المبالغة فالجلّاد مثلا هو الذي كثر عنه صدور القتل ويدوم صدوره عنه فباختلال الدوام يقع البحث في أنّ إطلاق لفظ المبالغة عليه حقيقة أم لا فإن كان موضوعا لخصوص المتّصف بصدور المبدأ عنه ودوامه فلا يصدق على من لم يدم ذلك فيه إلّا مجازا كما لا يصدق على من لم يتّصف بصدور المبدأ عنه كثيرا وإن كان موضوعا للأعمّ من المتلبّس يصدق عليه وإن لم يدم صدور القتل منه. وعليه فمفاد صيغة المبالغة ليس أمرا ثابتا حتّى لا يكون داخلا في البحث.

واستشكل بعض في اسم المكان بدعوى صدقه أحيانا مع عدم تحقّق الحدث فيه بالفعل كصدق المسجد قبل أن يصلّى فيه وصدق المدرسة قبل أن يدرس فيها و

٥٠٨

يستكشف من ذلك أنّ اسم المكان موضوع لما يعدّ لتحقّق الحدث فيه.

وفيه : أوّلا : انّ البحث في المقام في الوضع النوعيّ وهيئة الكلّيّة من دون التفات إلى خصوصيّات الموارد وإلّا فإن كان الموارد ملحوظة لزم تعدّد الوضع وهذا ينافي نوعيّة الوضع فالبحث في زنة المكان بحث في نوعيّة الزنة من دون نظر إلى بعض الخصوصيّات.

وثانيا : بما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ المشتقّات المذكورة كاسم الآلة واسم المكان مستعملة في المعاني الحدثيّة كسائر المشتقّات وإنّما الاختلاف في الجري على الذات. فقولنا : هذا مسجد ، وهذا مفتاح ، كقولنا هذا كاتب بالقوّة ، حيث أنّ الكاتب مستعمل في معناه لا في الكاتب بالقوّة وكذا الكلام في أسماء الأزمنة والأمكنة والآلات فإنّ الجرى فيها بلحاظ القابليّة والاستعداد.

ولكن أورد عليه في تهذيب الاصول بأنّ تلك المشتقّات مع قطع النظر عن الجري والحمل تفيد معاني غير معاني المشتقّات المتعارفة فالمسجد بمفهومه التصوريّ يدلّ على المكان المتهيّئ للعبادة وكذا المفتاح وليكن البحث في المشتقّات في معانيها التصوريّة.

وثالثا : بما في تهذيب الاصول من أنّ هذه الاستعمالات في المعاني المذكورة كالمكان المتهيّئ أو ما يعدّ لتحقّق الحدث استعمالات مجازيّة في ابتداء الأمر ثمّ صارت حقيقة إلّا أنّه استبعد ذلك ولعلّ وجه الاستبعاد هو صدق مثل المسجد والمدرسة والمأذنة على المكان بمجرّد إحداث المكان وإعداده لذلك من دون حاجة إلى مضيّ زمان بحيث لا يصحّ سلب هذه العناوين عن تلك الأمكنة وهذا يكشف عن كونه حقيقة من أوّل الأمر وليس إطلاقا مجازيّا.

ورابعا : بما في تهذيب الاصول أيضا : من أنّ مثل عنوان المسجد والمحراب ونظائرهما انقلب عن عنوان الوصفيّة إلى الأسماء فكأنّها أسماء أجناس لا يفهم العرف

٥٠٩

منها إلّا ذات تلك الحقائق ولا ينسبق المبادئ رأسا وكذا في أسماء الآلات. (١)

* * *

المقام السادس :

أنّه لا فرق بين أن يكون الوصف في المشتقّ ذاتيّا أو غيره من لوازم الذات :

فإنّ البحث والنزاع وقع في وضعها النوعيّة وهيئتها الكلّيّة ولا نظر فيه إلى الأوصاف وخصوصيّات الموارد وعليه فلا يضرّ كون بعض المشتقّات ذاتيّا أو لازما للذات فإنّ الوصف وإن لم يتخلّف عن الذات فيما إذا كان ذاتيّا لبعض المشتقّات ولكنّ البحث في أمثاله من جهة عنوان عامّ أعني هيئة المشتقّ ووضعه النوعيّ.

وممّا ذكر يظهر ما في محكيّ كلام المحقّق النائينيّ قدس‌سره حيث قال : إنّ ما يكون المبدأ فيه منتزعا عن مقام الذات ولا يحاذيه شيء في الخارج وكان من الخارج المحمول كالعلّة والمعلول والممكن وما يقابلانه من الواجب والممتنع خارج عن محلّ البحث بتقريب أنّ في أمثال هذه العناوين لا يعقل بقاء الذات وزوال التلبّس فتكون كالعناوين الذاتية فإنّ الإمكان مثلا منتزع عن مقام ذات الممكن وهو الإنسان لا عن أمر خارج عن مقام ذاته وإلّا فلازمه أن يكون الممكن في مرتبة ذاته خاليا عن الإمكان فلا يكون متّصفا به وحينئذ لزم انقلاب الممكن إلى الواجب أو الممتنع لاستحالة خلوّ شيء عن أحد الموادّ الثلاثة ، أو فقل : إنّ الموادّ الثلاثة أعني بها (الوجوب والإمكان والامتناع) وإن كانت خارجة عن ذات الشيء وذاتيّاته لأنّها نسبة إلى وجود الشيء الخارج عن مقام ذاته إلّا أنّها منتزعة عن ذلك المقام. فلا يعقل أن تخلو ماهيّة من الماهيّات عن إحدى هذه الموادّ الثلاث في حال من الأحوال و

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ١١١.

٥١٠

هكذا العلّيّة والمعلوليّة فإنّها وإن كانتا خارجتين عن مقام ذات العلّة وذات المبدأ إلّا أنّها منتزعتان عن نفس ذاتهما لا عن خارج مقام الذات. فلا يعقل زوال المادّة مع بقاء الذات وإلّا لزم اتّصاف ذات العلّة وذات المعلول بغيرهما وهو كما ترى. انتهى

فإنّ النزاع في مسألة المشتقّ يكون في الوضع النوعيّ للهيئة من جهة أنّ لها مفهوم وسيع أو مفهوم ضيق من دون اختصاص لها بمادّة دون مادّة وعليه فجميع الهيئات في المشتقّات الاسميّة من جهة وضعها الكلّيّ والنوعيّ داخلة في البحث ، سواء كانت مواردها منتزعة عن نفس الذات كالموجود أم لا وسواء كان المبدأ فيها لازما للذات كالممكن أو مقوّما للموضوع كالموجود بالنسبة إلى الماهيّة أم لا. فملاحظة الأوصاف وتقسيمها إلى الذاتيّ وغير الذاتيّ أجنبيّ عن المقام لأنّ البحث كما عرفت في هيئة المشتقّات لا موادّها والمراد من الهيئات ليس الهيئات الخاصّة بمبدإ خاصّ بل المراد منها هو الهيئات العامّة التي لا تختصّ وضعها بمادّة.

كما صرّح في تهذيب الاصول حيث قال : إنّ الهيئات في المشتقّات الاسميّة جميعها داخلة في محلّ البحث ولا يختصّ بما يمكن زواله عن الذات حتّى يتصوّر له الانقضاء وعلّله بأنّ ذلك لأنّ النزاع وقع في عنوان عامّ أعني هيئة المشتقّ ووضعها نوعيّ وحيث أنّ زنة الفاعل وضعت نوعيّا لاتّصاف خاصّ من غير نظر إلى الموادّ وخصوصيّات المصاديق بطل القول بخروج الناطق والممكن وما أشبههما ممّا ليس له معنون باق بعد انقضاء المبدأ عنها إذ قد عرفت أنّ النزاع عنون بعنوان عامّ وهو كافل لإدخالها تحته ولا يكون وضع الهيئات باعتبار الموادّ أو الموارد متكثّرا.

وقال في المحاضرات أيضا : إنّ البحث في المشتقّ إنّما هو في وضع الهيئة فقطّ بلا اختصاص لها بمادّة دون مادّة لما تقدّم سابقا من أنّ وضع الهيئات نوعيّ لا شخصيّ مثلا هيئة فاعل وضعت لمعنى وهيئة مفعول وضعت لمعنى وزنة مفعل وهي اسم فاعل من باب الإفعال وضعت لمعنى وهكذا ومن الواضح أنّ عدم جريان النزاع في

٥١١

بعض أفراد الهيئة من جهة عدم إمكان بقاء الذات فيها مع زوال المبدأ لا يوجب عدم جريانه في كلّيّ الهيئة التي تعمّ ما يعقل فيه بقاء الذات فيها مع زوال المبدأ ولا يكون البحث حينئذ عن سعة مفهوم هذه الهيئة وضيقه لغوا بعد ما كانت الذات باقية حال الانقضاء في جملة من الموارد وما نحن فيه من هذا القبيل ... إلى أن قال : نعم لو كانت الهيئة في مثل لفظ الممكن ويقابلانه موضوعة بوضع على حدة لكان لما أفاده شيخنا الاستاذ قدس‌سره مجالا واسعا إلّا أنّ الأمر ليس كذلك فإنّ الهيئة فيها موضوعة في ضمن وضع لفظ جامع بينها وبين غيرها بوضع نوعيّ وهو هيئة مفعل مثلا فما أفاده شيخنا الاستاذ قدس‌سره خلط بين جريان النزاع في الهيئات الخاصّة والهيئات العامّة التي لا يختصّ وضعها بمادّة. (١)

* * *

المقام السابع : فى اسم الزمان

وقد اختلفت فيه كلمات العلماء ، ذهب الميرزا الشيرازيّ قدس‌سره إلى خروجه عن محلّ النزاع بدليل أنّ الذات المعتبر في اسم الزمان هو نفس الزمان ومن المعلوم عدم قابليّته للبقاء حتّى يقع النزاع في صدق الاسم عليه حقيقة بعد الانقضاء حسب ما هو الشأن في سائر المشتقّات. فإن اريد إطلاق الاسم على الزمان الذي وقع فيه الفعل فهو حقيقة دائما ولو بعد انقضائه وإن اريد إطلاقه على الزمان الآخر فلا شبهة في مغايرته لذلك الزمان فلا معنى لاحتمال كون الإطلاق على وجه الحقيقة وهذا ظاهر إلى ما لا مزيد له. (٢)

__________________

(١) المحاضرات ١ / ٢٨٨.

(٢) تقريرات الميرزا ١ / ٢٥٢.

٥١٢

واجيب عنه بوجوه : منها : ما أفاده استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره من أنّ المتصرّم مثل الزمان باق بنظر العرف ولذا حكموا باستصحاب الزمان لو شكّ في بقائه مع أنّ الوحدة معتبرة في القضيّة المتيقّنة والقضيّة المشكوكة وليس ذلك إلّا لكون الزمان باقيا بالدقّة العرفيّة وعليه فيمكن أن يقال : إنّ الموضوع له في اسم الزمان هو نفس الزمان إذا كان بحكم العرف باقيا فلا وجه لخروجه عن محلّ النزاع فإنّ ما انقضى عنه المبدأ وهو الزمان باق بنظر العرف.

ولذلك قال في نهاية الاصول : إنّ الزمان وإن كان من الامور الغير القارّة ولكنّه أمر متّصل وإلّا لزم تتالي الآنات وقد ثبت في محلّه بطلانه والاتّصال يساوق الوحدة والتشخّص فهو مع امتداده وتدرّجه موجود وحدانيّ يمكن أن يتلبّس بالمبدإ ثمّ يزول عنه فيصير من مصاديق المسألة. (١)

لا يقال : كما في نهاية النهاية بأنّ البقاء فيه مبنيّ على المسامحة والعناية وإلّا في الحقيقة لا يكون الزمان المتصرّم بذاته قابلا للبقاء فإذا تطرفت المسامحة كان إطلاق المشتقّ عليه مجازا حتّى على القول بكون المشتقّ حقيقة في الأعمّ فضلا عن القول بأنّه حقيقة في خصوص المتلبّس بل بالبيان المذكور يصحّ إطلاقه على الأجزاء السابقة على وقوع المبدأ فيقال : هذا اليوم مقتل زيد مع أنّ القتل لم يقع بعد فإنّ المسامحة الجارية بعد الانقضاء جارية بعينها قبل التلبّس بالمبدإ أيضا. (٢)

لأنّا نقول : إنّ النظر العرفيّ في المقام دقّيّ لا مسامحيّ وإلّا لم يكن مفيدا في جريان الاستصحاب مع أنّ المقرّر في باب الاستصحاب هو جريان الاستصحاب في الزمان والزمانيّ والتغاير العقليّ لا ينافي بقاء العرفيّ بالدقّة العرفيّة كما أنّ وجود المادّة و

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ٦٤.

(٢) نهاية النهاية ١ / ٦٤.

٥١٣

المادّيّات في كلّ لحظة غير وجود اللحظات الاخرى بناء على الحركة الجوهريّة ومع ذلك لا يضرّ ذلك بالوحدة الشخصيّة بالدقّة العرفيّة.

قال في منتهى الاصول : إنّ اليوم والشهر والسنة والقرن وأمثالها ولو كان بالنظر الدقيق ما لم ينعدم جزء منها لا يوجد الجزء اللاحق لذلك الجزء ولكنّه عند العرف توجد هذه الامور تماما وكمالا في آن أوّل وجودها وفيما بعد ذلك الآن ويرى العرف بقاء وجودها لا حدوث الأجزاء الأخر وسيجيء بيان هذا المطلب في باب استصحاب الزمان والامور التدريجيّة غير القارّة مفصّلا إن شاء الله تعالى فبناء على هذا يكون اليوم العاشر من المحرّم الذي قتل فيه الحسين عليه‌السلام مثل زيد مثلا له حدوث وبقاء فإذا كان في ساعة منه متلبّسا بالمبدإ وفي ساعة اخرى غير متلبّس به بل كان منقضيا يصدق في الساعة الثانية أنّ هذه الذات كانت متلبّسة بهذا الحدث والآن انقضى عنها مع بقاء الذات. نعم إطلاق المقتل على غير تلك السنة التي قتل فيها الحسين يكون مجازا على كلّ حال سواء قلنا بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ أم لا ويكون إطلاقه من باب المماثلة وهكذا الحال في سائر الألفاظ التي تكون من هذا القبيل. (١)

وممّا تقدّم يظهر ما في تعليقة الأصفهانيّ حيث قال : إنّ اتّصال الهويّات المتغايرة لا يصحّح بقاء تلك الهويّة التي وقع فيها الحدث حقيقة وإلّا لصحّ أن يقال : كلّ يوم مقتل الحسين عليه‌السلام للوحدة المزبورة مع أنّه لا شبهة في عدم صحّة إطلاق المقتل إلّا على العاشر من محرّم وما يماثله. (٢)

لما عرفت من أنّ تغاير الهويّات في نفس الأمر لا ينافي أن تكون تلك الهويّات

__________________

(١) منتهى الاصول ١ / ٨٠.

(٢) نهاية الدراية ١ / ٩٨.

٥١٤

بنظر العرف أمرا واحدا متّصلا بحيث يوجد بأوّل وجوده وتكون الساعات المتأخّرة بقاء وجوده لا حادثا آخر للوحدة الاتّصاليّة العرفيّة بين أجزاء اليوم الواحد وعليه فالحادثة كالقتل إذا وقعت في جزء من اليوم وقعت في أمر واحد مستمرّ في حدّ اليوم. ولذا اطلق المقتل على اليوم المذكور باعتبار الوحدة المذكورة. فزمان وقوع الحادثة كساعة الثامنة من الصباح يتّحد مع بعده وقبله في حدّ اليوم ولذا اطلق المقتل باعتبار الوحدة المذكورة على كلّ اليوم من أوّل وجوده إلى آخره ، ما لم يتجاوز حدّ اليوم وعليه يصير زمان وقوع الحادثة كاليوم كمكان وقوع الحادثة أمرا باقيا. نعم بقاء المكان لا يكون محدودا بحدّ بخلاف اليوم فإنّه محدود بليل هذا اليوم وبهذا الاعتبار يمكن أن يقع النزاع في أنّ اسم الزمان كمقتل الحسين عليه‌السلام هل يكون موضوعا لخصوص زمان وقوع الحادثة الذي يتّصف بوصف القتل وتلبّس به أو للأعمّ منه حتّى يشمل سائر ساعات يوم قتل الحسين عليه‌السلام. وأمّا الليل أو سائر الأيّام فهي مغايرة عند العرف مع يوم العاشوراء فلا وحدة بينها وبين اليوم الذي يكون زمان وقوع الحادثة وعليه فصدق المقتل على اليوم الواحد لا يستلزم صدقه على سائر الأيّام والليالي كما ذهب إليه المحقّق الأصفهانيّ.

وممّا ذكر ينقدح أيضا ما في تهذيب الاصول حيث قال : إنّ العرف كما يدرك الوحدة الاتّصاليّة للزمان كذلك يدرك تصرّمه وتقضّيه ويرى أوّل اليوم غير وسطه وآخره فإذا وقعت واقعة في حدّه الأوّل لا يرى زمان الوقوع باقيا وقد زال عنه المبدأ بل يرى اليوم باقيا وزمان الوقوع منقضيا وبين الأمرين فرق ظاهر وما هو معتبر في بقاء الذات في المشتقّ هو بقاء زمان الوقوع أعني بقاء الشخص الذي تلبّس بالمبدإ عينا وما نحن بصدده ليس كذلك. (١)

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ١٠٥.

٥١٥

حيث أنّ تقسيم اليوم الواحد إلى الأوّل والوسط والآخر لا يوجب المغايرة بين أجزائه بعد كونها أمرا وحدانيّا يحدث بأوّل ساعته ويزول بآخر ساعته كما أن وجود المادّة والمادّيّات أمر مستمرّ وقابل لتقسيمه إلى التقسيمات المختلفة كالأوّل والوسط والآخر أو الشباب والشيخوخة وغير ذلك مع أنّ كلّ لحظة وجودها غير وجود اللحظات الاخرى فإذا لم تكن مغايرة بين أجزاء اليوم الواحد فإذا وقعت حادثة في الساعة الاولى من اليوم وقعت في الأمر الوحدانيّ أيضا وإذا انقضت الحادثة كان اليوم الواحد ما لم يحدث الليل هو الذات الذي وقعت الحادثة فيه وزالت وبهذا الاعتبار يكون قابلا لأن يبحث أنّ المقتل هل يختصّ بذات المتلبّس أو يكون أعمّ من ذلك وبعبارة اخرى زمان وقوع الحادثة المأخوذ في اسم الزمان مأخوذ بنحو كليّ وهو قابل لأن ينطبق على كلّ زمان حتّى مثل اليوم والليل والاسبوع والشهر والسنة والقرن ونحوها من العناوين التي لها بقاء ودوام عرفا فيصحّ أن يقال : إنّ اسم الزمان موضوع لخصوص حال التلبّس أو الأعمّ فإن كان لخصوص حال التّلبّس فإطلاق المقتل على يوم العاشوراء مثلا يكون حقيقة إذا اريد منه وقت حدوث القتل لا بعده وإن كان للأعمّ فإطلاق المقتل على عصر العاشوراء وأواخر ساعاته التي تكون بعد انقضاء المبدأ حقيقة أيضا. نعم لو لم يكن الموصوف بالمقتل إلّا لحظة الحدوث بما هي اللحظة لا بما هو اليوم فهو لا يقبل البقاء ولكن المصاديق الاخرى كاليوم والليل والاسبوع والشهر مثلا تكفي في صحّة النزاع في كون اسم الزمان موضوعا لخصوص حال التلبّس أو للأعمّ فالموصوف باسم الزمان مختلف وامتداد بعض أقسامه كاف في صحّة النزاع. هذا مضافا إلى أنّ لكلّ من الأوّل والوسط والآخر امتداد بل للساعة الاولى أيضا امتداد وباعتبار امتدادها يصحّ النزاع المذكور. فتحصّل أنّ الموصوف باسم الزمان مختلف ربما كان له امتداد كالأمثلة المذكورة وربما لا يكون كذلك كاللحظة العقليّة أو العرفيّة. وحيث أنّ الزمان المأخوذ

٥١٦

في اسم الزمان اخذ بنحو كلّيّ يمكن النزاع فيه باعتبار الأفراد التي لها امتداد كاليوم والشهر والسنة كما لا يخفى.

ومنها : أنّه لو سلّم عدم كون الزمان قارّا ، يمكن أن نقول : إنّ الوضع في أسماء الزمان والمكان واحد بمعنى أنّ الاسم موضوع لظرف وقوع الفعل في الخارج سواء كان زمانا أو مكانا. وعليه فكون المكان قارّا يكفي في صحّة النزاع في أنّه موضوع للمتلبّس أو الأعمّ كما في نهاية الاصول حيث قال : يمكن أن يقال : إنّ الألفاظ الدالّة على زمن صدور الفعل كالمقتل والمضرب ونحوهما لم توضع لخصوص ظرف الزمان مستقلّا حتّى تكون مشتركا لفظيّا بين الزمان والمكان بل وضعت هذه الألفاظ للدلالة على ظرف صدور الفعل زمانا كان أو مكانا فتكون مشتركا معنويّا بينهما فيمكن النزاع فيهما باعتبار كون بعض الأفراد من معانيها وهو المكان قارّا بالذات وبالجملة فليس الموضوع له في هذه الألفاظ أمرا سيّالا بل الموضوع له فيها طبيعة لها أفراد بعضها سيّال وبعضها غير سيّال فافهم. (١)

وتبعه في المحاضرات وجزم به حيث قال : إنّ التحقيق أنّ أسماء الأزمنة لم توضع بوضع على حدة في قبال أسماء الأمكنة بل الهيئة المشتركة بينهما وهى هيئة مفعل وضعت بوضع واحد لمعنى واحد كلّيّ وهو ظرف وقوع الفعل في الخارج أعمّ من أن يكون زمانا أو مكانا وقد سبق أنّ النزاع إنّما هو في وضع الهيئة بلا نظر إلى مادّة دون مادّة فإذا لم يعقل بقاء الذات في مادّة مع زوالها لم يوجب ذلك عدم جريان النزاع في الهيئة نفسها التي هي مشتركة بين ما يعقل فيه بقاء الذات مع انقضاء المبدأ عنها وما لا يعقل فيه ذلك وحيث أنّ الهيئة في محلّ البحث وضعت لوعاء المبدأ الجامع بين الزمان والمكان كان النزاع في وضعها لخصوص المتلبّس أو الأعمّ نزاعا معقولا. غاية

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ٦٥.

٥١٧

الأمر أنّ الذات إذا كانت زمانا لم يعقل بقاؤها مع زوال التلبّس عن المبدأ وإذا كانت مكانا يعقل فيه ذلك وقد عرفت أنّه لا مانع من وضع اللفظ للجامع بين الفرد الممكن والممتنع إذا تعلّقت حاجة بتفهيمه. نعم لو كانت هيئة اسم الزمان موضوعة بوضع على حدة لخصوص الزمان الذي فيه الفعل لم يكن مناص من الالتزام إلّا بخروج اسم الزمان عن النزاع. (١)

ولكن أورد عليه في تهذيب الاصول بأنّه بعيد إذ الجامع الحقيقيّ بين الوعاءين غير موجود ووقوع الفعل في كلّ غير وقوعه في الآخر والجامع العرضيّ الانتزاعيّ كمفهوم الوعاء والظرف وإن كان متصوّرا إلّا أنّه بالحمل الأوّليّ باطل جدّا لأنّه خلاف التبادر من اسمي الزمان والمكان ضرورة أنّه لا يفهم من لفظ المقتل مفهوم وعاء القتل الجامع بينهما أو مفهوم ظرفه وأمّا أخذ الوعاء بالحمل الشائع فهو موجب لخصوصيّة الموضوع له مع عدم رفع الإشكال معه. (٢)

ويمكن أن يكون بنحو الشائع ولكن يكفي فيه إمكان بعض الأفراد وهو المكان كمفهوم الدور فإنّه متصوّر بإمكان بعض أفراده. هذا مضافا إلى أنّ مجرّد كون أخذ المفهوم بنحو الشائع الصناعيّ لا الأوّليّ لا يوجب خصوصيّة الموضوع له لأنّ كلّ مفهوم حاك عن حصصه ومنشأ انتزاعه لا خصوصيّات الأفراد وكقولهم : أكرم إنسانا فإنّه مأخوذ بالحمل الشائع ومع ذلك لم يؤخذ فيه خصوصيّة الفرديّة فتدبّر.

ومنها : ما في الكفاية من أنّ انحصار مفهوم عامّ بفرد كما في المقام لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العامّ وإلّا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة مع أنّ الواجب موضوع للمفهوم العامّ مع انحصاره فيه تبارك وتعالى. انتهى

__________________

(١) المحاضرات ١ / ٢٣٢.

(٢) تهذيب الاصول ١ / ١٠٤.

٥١٨

أوضحه في منتهى الاصول حيث قال : زمان حدوث كلّ حادث سواء كان ذلك الحادث من الامور التدريجيّة غير القارّة مثل نفس الزمان أو من الامور القارّة التي لوجودها بقاء في دار الوجود أو كان دفعيّ الحدوث ثمّ ينعدم دفعة ، عبارة عن تلك القطعة التي تكون ظرفا لحدوث ذلك الحادث ويكون منحصرا به ولا يمكن أن يكون لهذا الحادث زمان آخر غير تلك القطعة فزمان وجود كلّ حادث مطلقا بأقسامها الثلاثة منحصر في الفرد وله مصداق واحد ولكن مفهوم زمان ذلك الحادث عامّ. فلو فرضنا محالا أنّ لذلك الحادث ألف زمان لكان مفهوم زمان ذلك الحادث ينطبق على الكلّ فبانقضاء ذلك الفرد من الزمان أي تلك القطعة التي هي زمان ذلك الحدث لا ينقضي المفهوم العامّ وما هو الموصوف للمشتقّ أي اسم الزمان ليس تلك القطعة الخارجيّة من الزمان بل ذلك المفهوم العامّ وهو لا ينقضي بانقضاء الحدث. (١)

وفيه أوّلا : كما في نهاية النهاية ومنتهى الاصول أنّه بناء على هذا يكون هذا البحث لغوا لا ثمرة فيه أصلا لأنّ ذلك المفهوم العامّ ولو كان لا ينقضي بانقضاء الحدث ولكن حيث أنّه لم يكن له مصداق آخر فلم يبق ثمرة وفائدة لإطلاق المشتقّ عليه حتّى يقع النزاع في أنّ الاستعمال حقيقيّ أو مجازيّ.

ولذا ضعّفه في تهذيب الاصول أيضا بقوله : وأنت خبير بضعفه إذ الغاية من الوضع هي إفهام ما يقع في خاطر المتكلّم ذهنيّا كان أو خارجيّا وأمّا ما لا يحوم الفكر حوله وليس له مصداق في كلا الموطنين كما عرفت في الزمان فالوضع له لغو وعاطل. (٢)

__________________

(١) منتهى الاصول ١ / ٧٩.

(٢) تهذيب الاصول ١ / ١٠٠.

٥١٩

وثانيا كما في تعليقة المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره أنّ الواجب بما هو لا اختصاص له خارجا به تعالى بل توصف به الأفعال الواجبة أيضا وكذلك واجب الوجود لا يختصّ به تعالى لأنّ كلّ موجود واجب الوجود حيث أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد نعم واجب الوجود بذاته مختصّ به تعالى وهو أيضا مفهوم عامّ لكنّه من المفاهيم المركّبة لا ممّا وضع له لفظ مخصوص كى يكون نظيرا للمقام إلّا أنّ لفظ الجلالة يكفي في صحّة الوضع للعامّ مع انحصاره في فرد بلا كلام. (١) وتبعه في تهذيب الاصول أيضا. فتحصّل أنّ الوضع للمفهوم العامّ لعلّه لغرض الحاجة والمفروض أنّه لا حاجة إلى استعمال اسم الزمان في المفهوم العامّ مع أنّه ليس في الخارج إلّا ما لا يقبل البقاء.

وكيف كان فظهر ممّا قدّمناه من أوّل البحث إلى الآن أنّ المشتقّات الاسميّة كلّها تكون محلّا للنزاع فلا مجال لدعوى خروج بعضها عن محلّ النزاع.

* * *

المقام الثامن : في وجه خروج العناوين غير الاشتقاقيّة

وقد عرفت من الأبحاث المتقدّمة أنّ العناوين غير الاشتقاقيّة الصادقة على الذات بذاته كالماء والإنسان خارجة عن محلّ النزاع ولا كلام فيه وإنّما الكلام في وجه خروجها.

ربما علّل وجه خروجها كما في المحاضرات بأنّ المبادئ في أمثال ذلك مقوّمة لنفس الحقيقة والذات وبانتفائها تنتفي الذات فلا تكون الذات باقية بعد انقضاء المبدأ وبتعبير آخر أنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته فإذا فرضنا تبدّل الإنسان بالتراب أو الكلب بالملح فما هو ملاك الإنسانيّة أو الكلبيّة وهو الصورة النوعيّة قد انعدم وزال

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ١٠٠.

٥٢٠