عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

الأجزاء كما يصدق على جامع الأجزاء أيضا لكونه لا بشرط عن الزيادة.

وليس الموضوع له هو مفهوم معظم الأجزاء بما هو مفهوم حتى يرد عليه أنّ لازمه هو ترادف لفظ معظم الأجزاء مع لفظ الصلاة وهو بديهيّ الفساد.

كما ليس الموضوع له هو مصداق مفهوم معظم الأجزاء معيّنا حتّى يلزم أن يكون استعماله في غيره مجازا أو مصداقه مردّدا حتّى يلزم التبادل في ماهيّة العبادة وأجزائها مع أنّ الذاتيّ لا يختلف ولا يتخلّف.

بل الموضوع له هو نفس الهيئة الصلاتيّة المركّبة من معظم الأجزاء على نحو الإبهام بما هي مرآة إلى الأجزاء والمصاديق فلا يلزم من ذلك الترادف ولا المحذورات الأخر لأنّ كلّها ناشئة من الوضع للمفهوم بما هو مفهوم أو للمصاديق الخارجيّة بنحو التعيين أو الترديد.

وحيث أنّ الموضوع له مفهوم كلّيّ بما هو مرآة إلى مصاديقه يصدق على جميع مصاديقه كصدق سائر المفاهيم الكلّيّة فالقول بأنّ الموضوع له هو مصداق هذا المفهوم بنحو الكلّيّ في المعيّن أو أنّ الموضوع له هو أحد الامور من أربعة أجزاء أو خمسة أو ستّة على البدل غير سديد لما عرفت من كلّيّة المفهوم وصدقه على جميع مصاديقه نحو صدق سائر المفاهيم الكلّيّة.

وأمّا صدق الصلاة على فاقد معظم الأجزاء كصلاة الغرقى فإن لم نقل بأنّ الإشارة تقوم مقام المعظم وباعتباره يكون صدق الصلاة عليها صدقا حقيقيّا لأنّ معظم كلّ شيء بحسبه فهو مجاز لفقدان معظم الأجزاء وصحّتها بعنوان الصلاة شرعا إلحاق حكميّ كما لا يخفى.

ومنها أنّ ألفاظ العبادات أسماء لأجزاء معلومة كالأركان الأربعة في الصلاة من التكبيرة والركوع والسجود والطهارة فجميع أفراد الصلاة أعني الصحيحة المشتملة على الأركان والزائدة عليها والفاسدة المقتصرة عليها والزائدة عليها تكون من

٤٤١

حقيقة الصلاة ويطلق على جميعها لفظ الصلاة على وجه الاشتراك المعنويّ.

أورد عليه الشيخ الأعظم قدس‌سره على ما حكي عنه بأنّ لازم هذا القول هو انتفاء الصدق بانتفاء أحد الأركان وإن اشتملت على بقيّة الأجزاء (انتهى موضع الحاجة).

والإشكال وارد على هذا الجامع من جهة تقييد الأجزاء بالمعلومة وأمّا إذا أخذها مبهمة ولو من بين الأجزاء المعلومة كما مرّ في الوجه الأوّل فلا يرد عليه الإشكال المذكور كما لا يخفى.

ثمّ إنّا أغمضنا عن ذكر خلاصة سائر الوجوه لأنّها إمّا راجعة إلى الوجه الأوّل أو راجعة إلى الاشتراك اللفظيّ الذي يكون أجنبيّا عن تصوير الجامع المعنويّ بين الصحيح والفاسد فلا تغفل.

٨ ـ ثمرة النزاع على المعروف هو إجمال الخطاب على قول الصحيحيّ دون قول الأعمّيّ فلا يجوز الرجوع إلى إطلاق الخطاب في الأوّل لرفع الشكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته لأنّ مرجع الشكّ فيهما إلى الشكّ في وجود ما له المدخليّة في قوام الموضوع له ومعه يؤول الشكّ إلى الشكّ في صدق الموضوع والتمسّك بالدليل عليه تمسّك به في الشبهات الموضوعيّة وهو باطل هذا بخلاف قول الأعمّيّ فإنّه يجوز له التمسّك بالإطلاق الذاتيّ فيما إذا لم يكن الشكّ فيما له دخل في انحفاظ الذات وكانت مقدّمات الإطلاق تامّة لأنّ مع انحفاظ الذات فالشكّ يكون في أمر لا دخالة له في قوام المتعلّق فيرفع الشكّ بأصالة الإطلاق في ناحية المتعلّق.

فإن كان إطلاق في صلاة الجماعة وقلنا بالوضع للأعمّ وشككنا في جواز اقتداء أحد المجتهدين المختلفين في الرأي أو المقلّدين للمجتهدين المختلفين بالآخر مع العلم بإتيان خلاف رأيه وعدم جوازه يمكن الأخذ بإطلاق الدليل ورفع الشكّ عن اعتبار الموافقة في الرأي والعمل.

ودعوى أنّ الثمرة المذكور مبتنية على وجود الإطلاقات وهي مفقودة كما ترى

٤٤٢

بعد وجود الإطلاقات الواردة في أجزاء الصلاة كالتشهد والركوع والسجود هذا مضافا إلى إطلاقات المخترعات الشرعيّة الرائجة في الامم السابقة كالمعاملات الرائجة في الأقوام والملل فكما يكون للأدلّة الواردة في المعاملات إطلاق إمضائيّ فكذلك الأمر في الإطلاقات الواردة في العبادات الرائجة في الامم السابقة.

لا يقال : إنّ متعلّق الأوامر الشرعيّة ليس الحصّة الفاسدة ولا الجامع بينها وبين الحصّة الصحيحة ضرورة أنّ الشارع لا يأمر بالحصّة الفاسدة أو الأعمّ منها وعليه فالأعمّيّ أيضا كالصحيحيّ فإنّ المسمّى وإن كان عنده أعمّ ولكن بحسب أمر الشارع وإرادته يكون مقيّدا بالصحّة فإذا كان الفاسد خارجا عن دائرة المتعلّق فالمتعلّق معنون بضدّ الخارج وهو الصحيح وعليه فلا يجوز التمسّك بالإطلاق في المشكوك الجزئيّة أو الشرطيّة لأنّه تمسّك بالإطلاق في الشبهات المصداقيّة كما لا يجوز التمسّك بدليل الخاصّ المقيّد لإخراج الفاسد فإنّ التمسّك به تمسّك به في الشبهات الموضوعيّة.

لأنّا نقول : ـ كما أفاد الشيخ الأعظم قدس‌سره على ما حكي عنه ـ إنّ تعنون المطلق أو العامّ بضدّ الخاصّ أمر صحيح ولكنّه ليست الأفراد الخارجة عن حقيقة الصلاة معنونة بالفساد حتى تعنون المطلق أو العامّ بضدّه وهو الصحّة إذ مثل قوله عليه‌السلام «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لا يفيد إلّا خروج ذلك من حقيقة الصلاة ومتعلّق الحكم غايته أنّ المتعلّق بعد خروجه متعنون بعدم مثل هذا المورد.

نعم مثل هذا المورد معنون بالفساد بعد اتّصافها بالخروج فكونه فاسدا موقوف ومترتّب على خروجه ولذلك لا يوجب خروجها عن المتعلّق تعنون المطلق بضدّ الفساد لأنّه في حال الخروج لا يكون معنونا بالفساد وعليه فالمتعلّق لا يكون معنونا بالصحيح حتّى يشكل التمسّك به في الموارد المشكوكة.

هذا مضافا إلى أنّ الاستعمالات الشرعيّة لا تنحصر فيما إذا كانت مأمورا بها حتّى

٤٤٣

يقال إنّ المأمور به لا يمكن أن يكون فاسدا لإمكان أن يستعمل ألفاظ العبادات بعنوان الموضوع لحكم آخر ففي هذه الصورة لا يكون لفظ العبادة مأمورا به فيمكن التمسّك بإطلاقه مثلا إذا دلّ الدليل على صحّة الاقتداء لصلاة العادل فعلى الصحيحيّ لا يجوز الاقتداء إلّا بمن احرزت صحّة صلاته ولو بالأصل وعلى الأعمّيّ تصحّ الصلاة خلف الغير ولو لم يوافقه في العمل بعد إتيانه بمسمّى الصلاة هذا.

والحقّ أن يقال : إنّ ما ذهب إليه المعروف من إجمال الخطاب على الصحيحيّ وعدمه على الأعمّيّ منظور فيه فإنّ إجمال الخطاب فيما إذا كان القائل بالصحيح قائلا بالوضع لأفراد الصحيح فحيث لم يعلم أنّ الصحيح ما هو لم يعلم أنّ الصلاة ما هي وأمّا على تصوير الجامع سواء كان بسيطا أو مركّبا فهو مبيّن ولا إجمال فيه ومجرّد عدم جواز التمسّك به في الموارد المشكوكة لا يوجب إجمالا في المفهوم وإلّا فما من عامّ إلّا وله شبهات موضوعيّة فيصير كلّ عامّ مجملا بعدم شموله للموارد المشكوكة مع أنّه كما ترى. فلا وجه لجعل الإجمال ثمرة الصحيحيّ وعدمه ثمرة الأعمّيّ بل الثمرة في المقام هو أن يقال : إنّ البحث عن الوضع للصحيح أو الأعمّ يوجب حمل الألفاظ الشرعيّة على خصوص الصحيح على قول الصحيحيّ وعلى الأعمّ على قول الأعمّيّ ولا يختصّ الحمل المذكور بموارد أمر الشارع بالمتعلّقات الشرعيّة بل هو جار فيما إذا كانت ألفاظ العبادات موضوعة للأحكام الأخر كالتخيير بين الحلق والتقصير لمن حجّ في السابق فلو علم الحاجّ بفساد حجّه في العام السابق كان التخيير المذكور على الأعمّيّ دون الصحيحيّ فلا تغفل.

ثمّ إنّ تشخيص الموضوع له في أسامي العبادات حيث يحتاج إلى مهارة فنّ علم الاصول إذ العرف لا يصل يده إليه بنفسه فلا مانع من عدّ هذه المسألة من المسائل الاصوليّة فنتيجة هذه المسألة كمسألة الحقيقة الشرعيّة تقع في طريق استنباط الأحكام الشرعيّة مثلا إذا ورد لفظ من ألفاظ العبادات في متعلّق الأوامر أو في

٤٤٤

موضوع أحكام أخر نقول هذا من ألفاظ العبادات وحيث ثبت أنّ ألفاظ العبادات موضوعة لخصوص الصحيح فمدلولها خصوص الصحيح أو حيث أنّها موضوعة للأعمّ فمدلولها هو الأعمّ. وإذا عرفت الامور المتقدّمة فقد حان الوقت لملاحظة أدلّة الصحيحيّ وادلة الأعميّ.

أدلّة الصحيحيّ

ولا يخفى عليك أنّ أدلّة الصحيحيّ فهي متعدّدة ؛ منها : التبادر بتقريب أنّه إذا قيل لك صلّيت الصبح أو صمت الجمعة أو توضّأت أو اغتسلت للصلاة لم ينصرف إلّا إلى الصحيحة ولا يحمل على الفاسدة إلّا بالقرينة وذلك من أقوى الأمارات على كونها حقيقة في ماهيّة هيئة الصلاة الجامعة للأجزاء والشرائط.

اورد عليه بأنّه ليس كلّ تبادر أمارة على الحقيقة بل ما لا يكون لغير اللفظ فيه مدخليّة فإن انسبق المعنى من اللفظ بمجرّد إطلاقه من غير ملاحظة شيء من الامور الخارجيّة دلّ ذلك على خصوص الوضع له وأمّا إذا انضمّ إليه شيء آخر لم يكن ذلك دليلا على كونه حقيقة فيه إذ لا ملازمة بين الفهم المذكور والوضع.

ألا ترى أنّ المتبادر من سائر العقود كالبيع والإجارة والمزارعة والمساقات وغيرها إذا اطلقت هو الصحيحة مع أنّها تكون موضوعة للأعمّ.

والشاهد لذلك صحّة الجمع بين هذين القولين : رأيت فلانا يصلّي ، ولا يكون صلاته صلاة صحيحة وعدم صحّة الجمع بين هذين القولين : رأيت فلانا يصلّي ولا يصلّي للمناقضة في الثاني دون الأوّل ، هذا دليل على أنّ المراد بالصلاة المطلقة هو الأعمّ من الصحيح والفاسد وإلّا فلا فرق بين الإطلاق والتقييد في عدم جواز الجمع لوجود المناقضة في الصورتين.

وعليه فتبادر الصحيح من جهة استناد العمل إلى نفسه في مثل قوله صلّيت الصبح

٤٤٥

أو صمت الجمعة أو من جهة تعلّق الأمر في مثل ايت بالصلاة والصوم من القرائن الخاصّة والعامّة لا يرتبط بالوضع الشرعيّ.

هذا مضافا إلى أنّ تبادر هذا المعنى عندنا من إطلاق لفظ العبادات مجرّدا عن القرائن الخاصّة والعامّة لا يكشف عن كونه كذلك عند الشارع بعد احتمال استعمال الشارع فيه بتعدّد الدالّ والمدلول وحصول التبادر فيه بعد ذلك بتكرّر الاستعمال والإطلاق فيه إذ لا أصل في البين حتّى يتعيّن حال استعمال الشارع فلا تغفل.

وبالجملة فالظهور المذكور أعمّ من أن يكون من ناحية الوضع أو تكرّر الاستعمال فلا يكون دليلا على كون ألفاظ العبادات موضوعة عند الشارع للمعاني الصحيحة.

ومنها أنّه ربما يقال إنّ صحّة السلب عن الأعمّ تدلّ على أنّه موضوع لخصوص الصحيح واستدلّ له بأنّ ذلك ممّا يساعد له العرف والاعتبار مضافا إلى دلالة طائفة من الأخبار كقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لما تقرّر في محلّه من ظهور هذه التراكيب في نفي الحقيقة والماهيّة فالخبر المحذوف هو الوجود بل ربما نسب إلى بعض المحقّقين أنّ «لا» غير محتاجة إلى الخبر فيكون العدم المستفاد منه عدما محموليّا وهو أقرب لتسميته بنفي الجنس حيث أنّ المنفيّ هو نفي الجنس لا وجوده.

اورد عليه أوّلا بمنع مساعدة العرف على صحّة السلب عن مطلق الفاسد ألا ترى أنّ العرف لا ينفون أسامي المخترعات عنها بمجرّد اختلال بعض أجزائها بل يطلقون عليها تلك الأسامي ما لم تكن فاقدة لمعظم الأجزاء من دون حاجة إلى إعمال عناية أو ملاحظة علاقة وليس ذلك إلّا لكون إطلاقها عليها حقيقة.

والمفروض أنّ الشارع لم يسلك طريقة اخرى غير طريقة العقلاء في مخترعاتهم فكما أنّ المخترعين وضعوا أسامي مخترعاتهم لها من دون ملاحظة تماميّتها للأجزاء والشرائط فكذلك الشارع وضع أسامي عباداته ومخترعاته للأعمّ من الصحيح.

٤٤٦

فدعوى صحّة السلب كما ترى. هذا مضافا إلى أنّه لو سلّمنا مساعدة عرف المتشرّعة في صحّة السلب فلا طريق لنا لإثبات كونه كذلك في صدر الإسلام لاحتمال صيرورته كذلك بعد ذلك بتعدّد الدالّ والمدلول وتكرّر الاستعمالات عند المتشرّعة فلا يثبت بذلك الوضع الشرعيّ للصحيح وأمّا الاستشهاد بالأخبار المذكورة ففيه أن مع تبيّن المراد لا معنى للأخذ بأصالة الحقيقة والحكم بأنّ المستعمل فيه اللفظ هو معناه الحقيقيّ فإنّ مجرى أصالة الحقيقة إنّما هو عند الشكّ في المراد ودوران الأمر بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ لا في ما إذا كان المراد معلوما وشكّ في كونه حقيقة أو مجازا فإنّ في مثله لا بناء من العقلاء على الحمل على الحقيقة هذا مضافا إلى ما قيل من أنّ استعمال هذه التراكيب في نفي الصحّة شائع في الشرع بحيث لم يبق له ظهور عرفيّ في نفي الماهيّة وعليه فشيوع استعمال هذه التراكيب في نفي الصحّة مجازا أو في نفي الحقيقة ادّعاء بداعي نفي الصحّة مانع من ظهورها في نفي الحقيقة حقيقة فالمقصود من هذه التراكيب نفي الصحّة باختلال بعض الشرائط والأجزاء لا نفي الحقيقة.

ومنها الأخبار الدالّة على إثبات بعض الخواصّ والآثار للمسمّيات كقوله عليه‌السلام «الصلاة عمود الدين» أو «معراج المؤمن» بدعوى أن هذه الأخبار تدلّ بحكم عكس النقيض على أنّ ما لا يوجب المعراج ليس بصلاة فيختصّ موضوع له للفظ الصلاة بالصلاة الصحيحة.

وفيه أوّلا أنّ ذلك مبنيّ أن يكون تلك الخطابات واردة في مقام بيان أحكام تلك العبادات على وجه الإطلاق وهو غير معلوم.

وثانيا أنّ الصحيح في أمثال تلك الأخبار معلوم بقيام القرينة لا باستعمال اللفظ فيه وهو الحكم المذكور فيها كقولنا العالم يقتدى به فإنّ لفظ «العالم» مستعمل في الأعمّ من العادل ولكن المعلوم هو إرادة العادل بقرينة حمل المحمول عليه.

ومنها حكمة الوضع بدعوى أنّها تقتضي اختصاص الوضع بالمركّب التامّ لوجود

٤٤٧

الحاجة إلى ذلك كثيرا.

وفيه منع حصر الحاجة فيه لعدم ندرة الحاجة إلى استعمال ألفاظ المركّبات في غير التامّ أيضا وهكذا مع وجود الحاجة لا وجه لتخصيص غير التامّ بالفاقد لشرائط التأثير بل يعمّ الفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط الداخليّة أيضا بعين الملاك.

أدلّة الأعميّ

وأمّا أدلّة الأعمّيّ فهي أيضا متعدّدة ذهب العلّامة على المحكيّ في غير موضع من النهاية وولده فخر المحقّقين في محكيّ الإيضاح والشهيد الثاني والشيخ البهائيّ إلى القول بالأعمّ واستدلّوا لذلك بوجوه :

الأوّل : التبادر : بدعوى أنّه لا يتبادر من ألفاظ العبادات إلّا معظم الأجزاء.

وفيه أنّ التبادر غير معلوم الاستناد إلى حاقّ اللفظ ولو سلّم أمكن أن يكون إطلاقيّا وحاصلا من كثرة الاستعمال فلا يدلّ التبادر المذكور على كونه كذلك في صدر الإسلام.

الثاني : حكمة الوضع : فإنّها كما تقتضي الوضع للمركّبات التامّة فكذلك تقتضى الوضع للأعمّ منها لوجود الحاجة إلى الإفادة والاستفادة بالنسبة إلى كليهما ولا وجه لاختصاص الوضع بأحدهما مع كثرة الحاجة في كليهما فكما أنّ بناء المخترعين ليس على اختصاص أسامي مخترعاتهم بالكامل منها فكذلك يكون بناء الشارع لعدم اتّخاذه طريقا آخر لإفادة مراداته فألفاظ المركّبات موضوعة للأعمّ.

والمقصود من الأعمّ مع وسعة أطرافه كما يظهر من ملاحظة ألفاظ المخترعات هو معظم الأجزاء لأنّه الذي يتبادر من ألفاظ المخترعات ويصحّ إطلاقها عليه من دون عناية.

الثالث : صحّة سلبه عن خصوص الصحيح تدلّ على أنّه مجاز في خصوص

٤٤٨

الصحيح وحيث لم يكن خصوص الفاسد أيضا متبادرا يستكشف من ذلك أنّ الموضوع له هو الأعمّ منهما.

وفيه : أنّى لنا بإثبات وجود ذلك في صدر الإسلام وعهد الشارع ولعلّه صار هكذا بالإطلاق والاستعمال في مرور الزمان ولا أصل حتّى يثبت ذلك.

الرابع : صحّة تقسيم ألفاظ العبادة إلى الصحيحة والسقيمة بدعوى أنّه لو لا وضعها للأعمّ لزم تقسيمها إلى نفسها وإلى غيرها وفيه أنّه لو سلّم ذلك فأنّى لنا بإثبات ذلك في عهد الشارع.

الخامس : صحّة تقييد أسامي العبادات بالصحّة والبطلان بدعوى أنّه لو لا وضع تلك الألفاظ للأعمّ لزم التناقض فيما إذا تقيّدت بالفاسدة والتكرار فيما إذا تقيّدت بالصحّة.

يرد عليه ما اورد على الوجه الثالث والرابع.

السادس : إطلاق أسامي العبادات على الأعمّ في جملة من الأخبار كقوله عليه‌السلام «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس» بدعوى أنّ المستعمل فيه في قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة» أعمّ وإلّا لزم أن يكون الاستثناء منقطعا وهو خلاف الأصل. وفيه أنّ مجرّد الاستعمال لا يدلّ على الحقيقة هذا مضافا إلى إمكان المناقشة في بعض ما استدلّ به لاستعمال أسامي العبادات في الأعمّ كقوله عليه‌السلام «دعي الصلاة أيّام أقرائك».

السابع : أنّه لو كانت ألفاظ العبادات أسامي للصحيحة لزم فيما إذا نذر أو حلف أن لا يصلّي في مكان مكروه أو مباح من وجود الشيء عدمه وبطلان التالي قاض ببطلان المقدّم (إلخ.)

وفيه أن الفساد إنّما يقتضي عدم تعلّق الحلف أو النذر به إذا كان المتعلّق مع قطع النظر عن الحلف أو النذر فاسدا لأنّ المقصود هو ترك الصلاة الصحيحة في الأمكنة المذكورة.

٤٤٩

وأمّا الفساد الذي جاء بواسطة تعلّق الحلف أو النذر بتركه فهو لا يقتضي عدم تعلّق الحلف به بل هو مؤكّد لتعلّقه لأنّ الفساد حاصل بالتعلّق فلا ينافي تعلّقه به.

هذا مضافا إلى أنّ هذا النقض يرد على الأعمّيّ أيضا لو كان الناذر قاصدا للصحيح كما هو الغالب فالمحذور المذكور من لوازم إرادة الصحيح لا القول بالصحيح.

فتحصّل ممّا مرّ إمكان تصوير الجامع على كلا القولين وأنّ الأقوى هو الأعمّ أخذا بدليل الحكمة فلا تغفل.

أسامي المعاملات :

هنا امور : الأوّل في تحرير محلّ النزاع والمشهور هو عدم جريان النزاع في كون المعاملات موضوعة للصحيح أو الأعمّ بناء على وضع أسامي المعاملات للمسبّبات لأن أمره يدور بين الوجود والعدم فإنّ الشرع إن وافق العرف في اعتبار شيء تحقّق المسبّب كموافقة الشرع مع العرف في اعتبار الملكيّة بالبيع الغير الربويّ وإن خالفهم كنكاح المحارم أو البيع الربويّ فلا يتحقّق المسبّب الشرعيّ وعليه فالمسبّبات الشرعيّة أمرها بين الوجود إذا وافق الشرع العرف في اعتبار شيء وبين العدم إذا لم يوافقه في الاعتبار ومن الواضح أنّ اعتبار كلّ معتبر لا واقع له وراء نفسه فالاعتبار الشرعيّ قائم بالشارع كما أنّ الاعتبار العرفيّ قائم بالعرف فإذا تسبّب الشخص بما جعله الشارع سببا لاعتباره فقد أوجد الملكيّة الاعتباريّة الشرعيّة بالتسبيب ولا حالة منتظرة بعد حصول الملكيّة الشرعيّة بعلّتها التامّة الشرعيّة وإن لم يتسبّب بما جعله الشارع سببا فالملكيّة الشرعيّة لم توجد بعدم سببها وإن حصل الملكيّة العرفيّة.

لا يقال : إنّ التمليك العرفيّ المسبّبيّ سبب بالإضافة إلى الملكيّة الشرعيّة فإذا ترتّب عليه الملكيّة الشرعيّة كان ذلك مناط الصحّة وإلّا فهو مناط فساده.

لأنّا نقول : نحن نمنع ذلك إذ لا سببيّة بين التمليك العرفيّ المسببيّ والتمليك الشرعيّ

٤٥٠

حتّى إذا ترتّب الأثر كان صحيحا وإذا لم يترتّب عليه كان فاسدا بل التمليك العرفيّ كالتمليك الشرعيّ أمر اعتباريّ يكون أمره بيد معتبره ففي مورد الربا مثلا حكم الشارع بعدم وقوع النفل والانتقال أصلا لا بوقوع النقل والانتقال العرفيّ ونفي الأثر وإلّا لزم اللغويّة وهو لا يصدر عن الشارع الحكيم نعم القابل للتأثير وعدمه هو الأسباب دون المسبّبات عرفيّة كانت أو شرعيّة.

وأمّا ما يقال من صحّة اتّصاف المسبّب بالصحّة والفساد إذا كان المراد من المسبّب هو الاعتبار النفسانيّ القائم بالمعتبر بالمباشرة فإنّ هذا الاعتبار إذا كان من أهله فيتّصف بالصحّة حتّى عند العقلاء وإذا كان من غير أهله كالمجنون فيتّصف بالفساد.

ففيه أوّلا : أنّا لا نسلّم كون الاعتبار المذكور مسبّبا بعد فرض عدم دخالة شيء وراء الاعتبار النفسانيّ. وثانيا : أنّ الاعتبار النفسانيّ ليس سببا لاعتبار العرفيّ أو الشرعيّ لعدم وجود رابطة العلّيّة والمعلوليّة بينهما بل الشارع أو العرف يعتبر ان الملكيّة الشرعيّة أو الملكيّة العرفيّة عند تسبّب الشخص بما جعله العرف أو الشارع سببا لاعتبار الملكيّة ولا دخالة لاعتبار الشخص في الاعتبار العرفيّ أو الشرعيّ كما لا يخفى.

فتحصّل أنّ الأقوى هو ما ذهب إليه المعروف من عدم مجال للنزاع إن كانت أسامي المعاملات أسام للمسبّبات بخلاف ما إذا كانت موضوعة للأسباب فإنّ للنزاع في أنّ المراد منها هو خصوص الصحيحة أو الأعمّ مجالا.

الثاني : أنّ بعد معلوميّة أنّ محلّ النزاع هو الأسباب لا المسبّبات ربما يدّعى أنّ أسامي المعاملات موضوعة لخصوص الصحيحة منها وأنّ الموضوع له هو العقد المؤثّر التامّ والاختلاف بين الشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف المعنويّ بل الاختلاف في المحقّقات.

وفيه : أنّ صدق أسامي المعاملات على غير الصحيح من دون عناية وملاحظة

٤٥١

علاقة كبيع المرهون وبيع السفيه بضميمة أصالة عدم النقل شاهد على كونها موضوعة للأعمّ فاختلاف شرائط تأثير السبب لا يضرّ بصدق وجود السبب عرفا وعليه فالموضوع له هو ذوات الأسباب لا الصحيح المؤثّر للتامّ والمفروض عدم تصرّف الشارع في المسمّى من حيث التسمية. فتأمّل.

الثالث : أنّ بعد استعمال ألفاظ المعاملات في الأسباب كالمسبّبات تكون ألفاظ المعاملات مشتركة بينهما بالاشتراك اللفظيّ لعدم وجود الجامع بين الأسباب اللفظيّة والمسبّبات الاعتباريّة.

ولا وجه لتخصيص الاستعمال الحقيقيّ بالمسبّبات بدعوى الارتكاز على أنّ المراد من «بعت داري لكذا» ونحوه ليس إلّا وقوع المبادلة.

وذلك لاستعمالها أيضا في الأسباب من دون عناية ألا ترى صحّة القول بأن زيدا باع ملك أخيه فيما إذا باعه من دون إذنه فصدق البيع على إيجاد السبب ولو مع عدم وجود ما اعتبره في تأثيره شاهد على كونه مستعملا في السبب دون المسبّب إذ لا مسبّب في هذا الفرض وهكذا نرى صحّة نهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر مع أنّه ليس إلّا بيع السببيّ وهكذا.

الرابع : في الأخذ بإطلاق الخطابات عند الشكّ في اعتبار شيء شرعا ولا يخفى عليك أنّه بناء على المختار من أنّ أسامي المعاملات موضوعة للأعمّ من الصحيح العرفيّ لا إشكال في الأخذ بإطلاقها لصدقها عليها عرفا بعد الشكّ في دخل شيء شرعا ومع صدق الصحيح العرفيّ يتحقّق موضوع الإمضاء الشرعيّ فيؤخذ بإطلاقه اللفظيّ عند احتمال مدخليّة شيء شرعا. وهكذا يكون الأمر إن قلنا بأنّها موضوعة للصحيح العرفيّ من الأسباب بعين الملاك.

وأمّا إذا قيل أنّها موضوعة للصحيح والمؤثّر الواقعيّ فلا يجوز التمسّك بإطلاقها اللفظيّ عند الشكّ في اعتبار شيء لأنّه تمسّك بالعامّ في الشبهات

٤٥٢

الموضوعيّة لاحتمال دخل المشكوك في تأثيره واقعا.

نعم يمكن التمسّك بالإطلاق المقاميّ بأن يقال : إنّ المولى بعد ما كان في مقام بيان الحكم الشرعيّ وإنفاذ السبب شرعا ولم يعيّن محقّقا ولا مصداقا لما هو الموضوع لحكمه فذلك كاشف عن عدم تعيين مصداق خاصّ لموضوع حكمه شرعا وعليه فصدق الصحيح العرفيّ يكفي في إثبات كونه مؤثّرا واقعا بالإطلاق المقاميّ ولكن الإطلاق المقاميّ لا يجري إلّا فيما كان كذلك في عصر الشارع وأمّا إذا لم يكن كذلك بأن كان مستحدثا ولا سابقة لصدق أسامي المعاملة عليه عرفا كعقد التأمين ونحوه فلا مجال للإطلاق المقاميّ أيضا هذا بخلاف الإطلاق اللفظيّ فإنّه مأخوذا على نحو القضيّة الحقيقة كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيره ، فلا تغفل.

لا يقال : إنّ الأخذ بالإطلاق اللفظيّ أو المقاميّ فرع كون أدلّة الإمضاء إمضاء للأسباب لا المسبّبات وهو غير ثابت لوضوح اتّجاه أدلّة الإمضاء من الآيات والروايات إلى إمضاء المسبّبات إذ الحلّيّة في قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ثابتة لنفس المبادلة والملكيّة في مقابل تحريمها ولا معنى لحلّيّة نفس الصيغة أو حرمتها وهكذا وجوب الوفاء في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ثابت للملكيّة والمبادلة فإنّ الوفاء الإنهاء والإتمام ومن المعلوم أنّه لا يتعلّق بنفس العقد لأنّه آنيّ الحصول فلا بقاء له بل لا بدّ وأن يتعلّق بماله قابليّة البقاء والدوام وهو ليس إلّا نفس المسبّب وعليه فإذا شكّ في حصول مسبّب خاصّ كالمعاملات فمقتضى الأصل هو عدم حصوله والاقتصار على القدر المتيقّن إلّا إذا كان له سبب واحد فإنّ إمضاء مسبّبه يستلزم إمضاء سببه وإلّا لكان إمضاء المسبّب لغوا وكذا فيما إذا لم يكن في البين قدر متيقّن وكان نسبة المسبّب إلى الجميع من الأسباب على حدّ سواء إذ لا يمكن الحكم بإمضاء بعض دون بعض.

لأنّا نقول : أوّلا : إنّا نمنع اختصاص أدلّة الإمضاء ، بالمسبّبات ، لظهور قوله تعالى :

٤٥٣

(لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) في المنع عن الأكل بسبب باطل وجوازه بسبب صحيح ومن المعلوم أن المسبّب الباطل لا وجود له حتّى يمكن المنع عن الأكل بسببه فإذا كان المنع عن الأكل متوجّها إلى السبب كان المراد من «التجارة عن تراض» بقرينة المقابلة هو خصوص السبب أو السبب مع المسبّب.

ولظهور قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) في القرارات الإنشائيّة والإيجاب والقبول لا المسبّب منها ولا أقلّ أن يكون المراد السبب والمسبّب كليهما.

والاستدلال بتعلّق وجوب الوفاء لكون المراد هو خصوص المسبّب في غير محلّه لأنّ وجوب الوفاء من توابع العقد بحدوثه لا من توابع بقاء العقد.

وثانيا : أنّه لو سلّمنا اختصاص أدلّة الإمضاء بإمضاء المسبّبات فلا يذهب عليك أنّ الدليل بإطلاقه على إمضاء كلّ فرد من أفراد المسبّب في العرف يدلّ بالملازمة والاقتضاء على إمضاء كلّ سبب يتسبّب به في العرف إليه وإلّا كان إطلاق دليل المسبّب مقيّدا بغير ذلك السبب الذي يدّعى عدم إمضائه أو لا يكون له إطلاق وهو خلاف الفرض فالرجوع إلى الإطلاقات اللفظيّة لا مانع منه على جميع التقادير نعم لو شكّ في اعتبار شيء عرفا في تأثير بعض الأسباب العرفيّة لا مجال للرجوع إلى إطلاق إمضاء المسبّبات أو إطلاق إمضاء الأسباب العرفيّة لأنّ الشكّ يرجع إلى الشكّ في صدق الموضوع كما لا يخفى.

تبصرة :

١ ـ إنّ الشرائط على قسمين : أحدهما : ما يكون دخيلا في قوام الشيء ومتعلّق الأمر. وثانيهما ما يكون متأتّيا من ناحية الأمر أو غيره من العوارض كالخلوّ عن العناوين المتزاحمة فما له المدخليّة في الصدق هو الأوّل دون الثاني فمن ذهب إلى أنّ أسامي العبادات موضوعة لخصوص الصحيح منها جعل القسم الأوّل من الشرائط دخيلا في صدق الصحيح دون القسم الثاني فما يتأتّى من ناحية الأمر خارج عن ذلك

٤٥٤

كما هو الظاهر من الشيخ حيث قال في تعريف الصحيح هو الماهيّة الجعليّة الجامعة للأجزاء والشرائط التي لها مدخل في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها.

فقصد الامتثال ونحوه خارج عمّا يعتبر في صدق الصحيح ضرورة أنّه في مرتبة متأخّرة عن الأمر فكيف يعقل أخذها في المسمّى وفي متعلّق الأمر ومن الواضح أنّ المراد من الوضع للصحيح أو الأعمّ هو الوضع لما هو واقع في حيّز الأمر.

ثمّ إنّ المراد من الشرائط في القسم الأوّل هو الخصوصيّة الحاصلة في الشيء بسبب الشرائط ككون الصلاة مع الطهارة أو مقرونة مع الستر وهكذا ومن المعلوم أنّ تلك الخصوصيّة ليست خارجة عن الشيء والخارج هو ما يوجب الخصوصيّة كنفس الطهارة أو الستر وعليه فتلك الشرائط أعني الخصوصيّة الحاصلة بسبب الشرائط كالأجزاء داخلة في ماهيّة العبادة ولذا يصحّ الفرق بين الأجزاء والشرائط بأنّ الأجزاء من المقوّمات والشرائط من المقدّمات لما عرفت من دخالة الخصوصيّة الحاصلة في ماهيّة العبادة دون موجبها.

٢ ـ إنّ خصوصيات بعض أفراد الماهيّة من المزيّة أو النقصان كالشرائط والأوصاف المندوبة أو المكروهة كوقوع الصلاة في المسجد أو في الحمّام لا يوجب مزيّة أو نقصانا في ملاك ماهيّة المأمور بها فإنّ الطبيعة باقية في تلك الموارد كسائر الموارد وإنّما الفرق من ناحية الامتثال أو عدمه بالنسبة إلى خطاب آخر كخطاب «صلّ في المسجد» أو «لا تصلّ في الحمّام» فطبيعة الصلاة لا تكون في تلك الموارد أقصر أو أزيد ملاكا من الصلاة التي اتي بها في غيرهما بل هي هي وإنّما الفرق في امتثال سائر الخطابات وعدمه وعليه فلا وقع لما قيل من أنّ العبادة المكروهة أقلّ ثوابا لما عرفت من أنّ قلّة الثواب أو زيادته من ناحية الامتثال وعدمه بالنسبة إلى خطابات أخر فإسناد قلّة الثواب إلى الطبيعة المأمور بها كالصلاة ليس على ما هو عليه كما لا يخفى.

٣ ـ إنّ الصلاة مثلا من المخترعات الشرعيّة اسم للهيئة التركيبيّة من الأجزاء و

٤٥٥

الشرائط الدخيلة في باعثيّة المولى نحو الأمر بها وعليه فالطبيعة لا تحكي إلّا عمّا يكون مأخوذا فيها شطرا أو شرطا فالأجزاء الندبيّة كالقنوت خارجة عن حقيقة مسمّى الصلاة لصدقها على فاقدها كما هو الشأن في كلّ مشخّص من المشخّصات الفرديّة فإنّه خارج عن حقيقة المسمّى كالإنسان ولو كانت تلك الأجزاء أو المشخّصات عند الضميمة مورد انطباق المسمّى لكون أجزائه وشرائطه مأخوذة بنحو اللابشرط لا «بشرط لا» فكما يصدق إنسان على زيد بما هو زيد لا مجرّدا عن الخصوصيّات الفرديّة فكذلك يصدق عنوان الصلاة على واجد الضميمة الندبيّة ولكن ذلك لا يكون دليلا على دخولها في حقيقة مسمّى الصلاة أو الإنسان لصدق عنوان الإنسان أو الصلاة على فاقد المشخّصات الفرديّة.

وعليه فوجود الجزء الاستحبابيّ لا يكون دخيلا في الصحّة كما لا يكون فقدانه موجبا للفساد ومزيّتها أو منقصتها لا تسري إلى حقيقة المسمّى إلّا من باب «زيد أبوه قائم» والعناية والمجاز والقول بأنّ المسمّى في المخترعات الشرعيّة هي معان بسيطة مشكّكة كالتخضّع فينتزع مرتبة كاملة منها عن جميع الأجزاء الواجبة والمستحبّة ومرتبة منها تنتزع عن الأجزاء الواجبة بضميمة بعض الأجزاء الندبيّة ومرتبة منها تنتزع عن الاجزاء الواجبة فقطّ ، مردود بعد ما عرفت من أنّ المسمّى هو الهيئة التركيبيّة من الأجزاء والشرائط الدخيلة في باعثيّة الأمر لا العناوين البسيطة.

فإذا عرفت خروج الأجزاء الندبيّة عن حقيقة المسمّى فلولا شبهة الزيادة في الصلاة لأمكن القول بأن الرياء في الأجزاء الندبيّة لا يضرّ بصحّة الصلاة لأنّ الرياء يوجب فساد الجزء الاستحبابيّ لا الطبيعة المأمور بها ولكن حيث يصدق عنوان الزيادة في الصلاة فهو يقتضي البطلان في المركّبات الشرعيّة التي منع عن الزيادة فيها فتدبّر جيّدا.

* * *

٤٥٦

الأمر الحادي عشر : الاشتراك

وجوه الامتناع :

الحقّ هو إمكان تحقّق الاشتراك بل وقوعه لضعف وجوه الامتناع وقوّة أدلّة الإمكان والوقوع وتفصيل ذلك أنّه يستدلّ للامتناع بوجوه :

منها : أنّ الاشتراك يوجب الإخلال بالتفهيم الذي هو المقصود من الوضع لأنّ القرائن الدالّة على تعيين أحد المعاني خفيّة والإخلال ينافي حكمة الوضع.

واجيب عنه بمنع الإخلال أوّلا لإمكان الاتكال على القرائن الواضحة ومنع كونه مخلّا بالحكمة ثانيا لتعلّق الغرض بالإجمال أحيانا.

منها : أنّ استعمال المشترك في القرآن الكريم محال لأنّه إمّا يوجب التطويل بلا طائل مع الاتّكال على القرائن أو الإجمال في المقال لو لا الاتّكال عليها وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى الله عن ذلك.

واجيب عنه بمنع لزوم التطويل أوّلا فيما كان الاتّكال على حال أو مقال التي اتي به لغرض آخر كقوله تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً.) ومنع كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى ثانيا مع كونه ممّا يتعلّق به الغرض وإلّا لما وقع المشتبه والمجمل في كلامه تعالى وقد أخبر في كتابه الكريم بوجوده فيه. قال الله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَ

٤٥٧

أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ...) الآية (١). هذا مضافا إلى أنّ استحالة الاستعمال في القرآن الكريم لا يدلّ على امتناع الاشتراك مطلقا كما لا يخفى.

منها : أنّ الوضع عبارة عن جعل اللفظ وتعيينه للمعنى وفانيا فيه وفناء اللفظ بتمامه لتمام المعنى لا يقبل التعدّد ولا يعقل أن يكون شيء واحد فانيا دفعة واحدة فناءين في أمرين متباينين كما لا يعقل أن يكون وجود واحد وجودا للماهيّتين.

وفيه : أنّ حقيقة الوضع هو تخصيص اللفظ وتعيينه للمعنى ممّن يصلح لأن يتّبع كما مرّ في محلّه وهذا التخصيص والتعيين يؤول في الحقيقة إلى اعتبار الواضع الارتباط والاختصاص والعلقة بين طبيعة لفظ خاصّ وطبيعة معنى خاصّ أو ماهيّته فالارتباط والاختصاص أمر اعتباريّ يحصل بفعل الواضع وهو تخصيصه وتعيينه للفظ بالنسبة إلى معناه. ومن المعلوم أنّ في مرحلة الوضع لا تنزّل بين اللفظ والمعنى بحيث يجعل اللفظ وجودا لفظيّا لمعناه إذ التنزيل يحتاج إلى مئونة زائدة ولا شاهد عليه ومجرّد سراية القبح والحسن من المعنى إلى اللفظ لا يكون شاهدا على التزيل لأنّ السراية معقولة أيضا فيما إذا كان اللفظ علامة على المعنى وحاكيا عنه. كما ليس في تلك المرحلة هو هويّة وفناء اللفظ في المعنى إذ لا شاهد عليه ومجرّد كون إلقاء اللفظ إلقاء المعنى لا يكون دليلا على أنّ بينهما هو هويّة واتّحاد لإمكان أن يكون ذلك من جهة ارتباط اللفظ بالمعنى ارتباطا أكيدا لا من جهة فناء اللفظ في المعنى. هذا مضافا إلى أنّ الفناء في مرحلة الوضع مع الالتفات إلى اللفظ غير معقول ولا مجال لتوهّم عدم الالتفات بالنسبة إلى اللفظ في حال الوضع مع أنّ الواضع في صدد جعل الارتباط والعلقة بين اللفظ والمعنى بتخصيصه اللفظ للمعنى. وتوهّم الفناء في لحاظ المتكلّم عند الاستعمال لا يوجب امتناع جعل الواضع إيّاه مستعدّا للمرآتيّة بالنسبة إلى المعنيين

__________________

(١) آل عمران / ٧.

٤٥٨

أو أزيد كما أفاده في تهذيب الاصول. هذا مضافا إلى أنّ توهّم الفناء في لحاظ المتكلّم أيضا ممنوع بعد كونه ملحوظا باللحاظ الآليّ في مقابل اللحاظ الاستقلاليّ بالنسبة إلى المعنى إذ اللحاظ لا يجتمع مع الفناء ولو كان اللحاظ آليّا بل ربما يكون اللفظ ملحوظا استقلالا من جهة اخرى في عين كونه ملحوظا آليّا بالنسبة إلى معناه كما إذا أراد المتكلّم الفصاحة والبلاغة أو التلفّظ بالقراءة الصحيحة أو التلفّظ باللغة الخاصّة مع علمه باللغات المتعدّدة. لا يقال : إنّ اللحاظ الآليّ لا يجتمع مع اللحاظ الاستقلاليّ. لأنّا نقول : اختلاف الحيثيّات يكفي في إمكان الاجتماع لأنّ اللفظ من حيث حكايته عن المعنى يكون ملحوظا آليّا ومن حيث خصوصيّات نفسه يكون ملحوظا استقلاليّا.

منها : ما حكي عن تشريح الاصول وأوضحه المحقّق الأصفهانيّ في تعليقة الكفاية ومحصّله بتوضيح منّي أيضا أنّ الوضع عبارة عن جعل الملازمة الذهنيّة بين طبيعة اللفظ وطبيعة المعنى أو عبارة عمّا يستلزمه الملازمة المذكورة من تعيين اللفظ وتخصيصه بالمعنى كما مرّ في باب حقيقة الوضع وهذه الملازمة بعد العلم بها توجب انتقال السامع من اللفظ إلى المعنى والاشتراك في الوضع بمعنى الوضع لكلّ من المعنيين بالنحو المذكور بحيث لو لم يكن هناك إلّا معنى واحد ووضع واحد وليس أحد الوضعين متمّما للآخر ولا ناظرا إليه مستحيل لأنّ اللفظ إن كان ملازما للمعنيين دفعة واحدة بانتقال واحد لا بانتقالين لزم الخلف بعد ما عرفت من أنّ مقتضى كلّ وضع هو جعل الملازمة بين اللفظ وكلّ واحد من المعاني المشتركة على سبيل الاستقلال والمفروض في حال الاشتراك هو جعل ملازمتين بالإضافة إلى معنيين وعدم كون أحد الوضعين متمّما للآخر ولا ناظرا إليه وجعل الملازمتين يوجب الانتقالين لا الانتقال الواحد ففرض ملازمة اللفظ للمعنيين دفعة واحدة بانتقال واحد خلف في حقيقة الوضع. وإن كان اللفظ ملازما لأحد المعنيين على الترديد ففيه

٤٥٩

ما ذكر أيضا من لزوم الخلف في حقيقة الوضع لما عرفت من أنّ حقيقة الوضع هو جعل الملازمة بين اللفظ وكلّ واحد من المعانى بشخصه مستقلّا ففرض ملازمة اللفظ لأحد المعنيين على الترديد ينافي الوضع لكلّ واحد منهما مستقلّا. وإن كان اللفظ ملازما للمعنيين بملازمتين مستقلّتين وانتقالين حقيقيّين كما هو المفروض فلازمه بعد عدم وجود الترتّب بين الانتقالين هو تحقّق الانتقالين دفعة واحدة من غير ترتّب بمجرّد سماع اللفظ وهو مستحيل (لأنّه يرجع إلى صدور المعلولين من علّة واحدة وهو خلاف قاعدة الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد).

وفيه أوّلا كما في تهذيب الاصول في البحث عن جواز استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد ، أنّ القاعدة العقليّة لا مورد لها في أمثال المقام لأنّ باب الدلالة ليس من قبيل صدور الشيء عن الشيء مع أنّها لو كانت من هذا القبيل لا يمكن إجراء القاعدة فيها إذ هي مختصّة بالبسيط من جميع الجهات. (١)

وعليه فلا مانع من حدوث الانتقالين من لفظ واحد كما يصحّ تصوّر الشيئين في عرض واحد وإلّا لما صحّ التصديق بكون الشيء شيئا إذ لا بدّ عند الإذعان من تصوّر الطرفين معا.

وثانيا : كما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ الوضع ليس جعل اللفظ علّة تامّة للانتقال كي يلزم هذا المحال بل جعله مقتضيا له فإن كان هناك اقتضاء واحد لمكان وحدة اللفظ والمعنى ولم يكن هناك مانع كقرينة المجاز تحقّقت الملازمة الذهنيّة وخرجت من حدّ الاقتضاء إلى الفعليّة وإن كان هناك اقتضاء آت متعدّدة متساوية الأقدام أو كانت هناك قرينة المجاز فلا يتحقّق المقتضي وهو معنى الإجمال إلى أن تقوم قرينة معيّنة وهي في الحقيقة من قبيل رفع المانع عن تأثير المقتضي في المقتضى. وممّا

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٩٧.

٤٦٠