عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

المسبّب عرفيّا كان أو شرعيّا. (١)

حاصله أنّ البيع المسبّبي هو التمليك المتّحد مع الملكيّة وهو مغاير مع البيع السببيّ (وهو الإيجاب والقبول) كما أنّ الملكيّة مغايرة معه لاتّحاد التمليك مع الملكيّة فحيث لا أثر للتمليك حتّى يتّصف باعتبار ترتّبه بالصحّة وبعدم ترتّبه بالفساد فلا مجال للنزاع في كون البيع المسبّبيّ موضوعا للصحيحة أو الأعمّ (لأنّ التمليك والملكيّة متّحد بسيط وليس بمركّب حتّى يكون باعتبار جامعيّته للأجزاء صحيحا وليس سببا ومؤثّرا في شىء حتّى يكون باعتباره صحيحا ونافذا) وأمّا ترتّب الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة على الملكيّة المتّحدة معها التمليك فهو من باب ترتّب الحكم على موضوعه لا المسبّب على سببه ومعه فلا تتّصف الملكيّة باعتبار هذه الأحكام بالصحّة فضلا عن اتّصاف التمليك المتّحد معها باعتبارها. ثمّ إنّه ليست الملكيّة الشرعيّة أو العرفيّة من الامور الواقعيّة بل هما من الامور الاعتباريّة التي تكون متقوّمة بالاعتبار من ناحية الشرع أو العرف فحيث أنّ العرف أو الشرع جعلا لهما سببا خاصّا ليتوسّل به إلى اعتبارهما فلا يتحقّقان في وعاء الاعتبار إلّا إذا تسبّب الشخص بما جعله الشارع أو العرف سببا لاعتبارهما فإن تسبّب الشخص بالسبب الشرعيّ فقد أوجد الملكيّة من دون حالة منتظرة بعد حصول الملكيّة الشرعيّة بسببها التامّة وإن لم يتسبّب به بل تسبّب بالسبب العرفيّ فلا وجود للملكيّة الشرعيّة لعدم تحقّق سببها الشرعيّ. وليس التمليك العرفيّ المتّحد مع الملكيّة العرفيّة سببا شرعيّا للتمليك الشرعيّ المتّحد مع الملكيّة العرفيّة حتّى يكون ترتّبها عليه مناط صحّة التمليك العرفيّ وعدم ترتّبها مناط عدم صحّته بل السبب الشرعيّ هو البيع بمعناه السببى فباعتبار ترتّب الملكيّة والتمليك الشرعيّ يكون صحيحا وباعتبار عدم ترتّبها يكون فاسدا فالتمليك الشرعيّ كالتمليك العرفيّ إمّا

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٧٦ ـ ٧٧.

٤٠١

يكون موجودا بوجود سببه وإمّا لا يكون موجودا بعدم سببه.

فتحصّل أنّ القابل للتأثير والصحّة والفساد ليس إلّا البيع بمعناه السببيّ لا البيع بمعناه المسبّبي وهو التمليك المتّحد مع الملكيّة وعليه فتمّ ما أفاده المعروف من عدم جريان النزاع بناء على وضع ألفاظ المعاملات للمسبّبات لأنّ أمرها دائر بين الوجود والعدم.

ولعلّه لذلك أفاد واجاد سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره حيث قال : المعروف عدم جريان النزاع فيها بناء على وضعها للمسبّبات لأنّ أمرها دائر بين الوجود والعدم إذ الماهيّات امور اعتباريّة متقوّمة بالاعتبار فالشرع إن وافق العرف فيها تحقّق المسبّب وإن خالفهم كما في نكاح بعض المحارم وفي البيع الربويّ فلا لرجوع مخالفته إلى إعدام الموضوع ونفي الاعتبار واعتباره مع نفي جميع الآثار لغو لا معنى له ولو سلّم جوازه فمخالف لارتكاز المتشرّعة لأنّ نكاح المحارم والبيع الربويّ غير واقع رأسا عندهم فإذن يدور أمر المسبّبات دائما بين الوجود والعدم.

وهكذا أفاد الميرزا الشيرازيّ قدس‌سره حيث قال : إنّ جريان النزاع فيها أيضا يتوقّف على جعل معانيها عبارة من الأفعال الخارجيّة (أي الإيجاب والقبول) لا الأثر حيث أنّه أمر بسيط فلو تحقّق كان صحيحا ولو لم يتحقّق فلا شيء حتّى يتّصف بالفساد فيكون أمره دائرا بين الصحّة أو كونه لا شيء كذلك. (١)

تفصيل المحقّق العراقيّ قدس‌سره

وممّا ذكر يظهر ما في بدائع الأفكار حيث قال والتفصيل هو أن يقال إنّ البيع مثلا حيث يراد به المسبّب يتصوّر على وجوه :

أحدها : أنّه أمر حقيقيّ واقعيّ يتحقّق في الواقع عند تحقّق بعض أسبابه وحينئذ

__________________

(١) تقريرات الميرزا ١ / ٤٢١.

٤٠٢

يكون نهي الشارع عنه تخطئته للعرف الذي يرى وقوعه بالسبب الذي توصّل به إليه.

ثانيها : أنّ البيع أمر واقعيّ يتحقّق في الواقع بنحوين من الأسباب إلّا أنّ الشارع اشترط في تحقّق أحكام البيع من وجوب التسليم وحرمة التصرّف في المبيع أن يكون البيع متحقّقا بسبب معيّن مخصوص وإن اشترك السببان أو الأسباب في إيجاده وتحقّقه إلّا أنّ الشارع إنّما يرتّب آثار الملكيّة وأحكامها على تحقّقه في بعضها دون بعض.

وثالثها : أن يكون مفهوم البيع في نظر العرف والشرع شيئا واحدا إلّا أنّ مصاديقه بما أنّها امور اعتباريّة تختلف باختلاف الاعتبار. لهذا قد يعتبر العرف مصداقا لا يعتبره الشرع بل يعتبر غيره.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه بناء على الوجه الأوّل لا مجال للنزاع في أسماء المعاملات (١) وأمّا على الوجهين الآخرين فللنزاع مجال واسع فالقائل بالصحيح يرى أنّ أسماء المعاملات قد وضعت للمعاملة التي يرتّب عليها الشارع آثار الملكيّة وأحكامها إمّا للاشتراط أو للاختلاف في الاعتبار ... إلى أن قال : والقائل بالأعمّ يرى أنّ أسماء المعاملات قد وضعت للمسبّبات التي تتحقّق في الواقع عند تحقّق أسبابها سواء اقترنت بالشرط الموجب لترتيب الشارع آثار الملكيّة عليها أم لم يقترن أو أنّها وضعت لنفس مفهوم أثر المعاملة كمفهوم البيع مثلا مع قطع النظر عن تقييده بمصداق خاصّ باعتبار مخصوص. ولا يخفى أنّ الوجه الأوّل والثالث لا شبهة في إمكانهما وقبول العقل إيّاهما في مرحلة الثبوت ولكن قد يناقش ويشكّ في صحّة الوجه الثاني بما حاصله أنّه لا معنى ولا مسوّغ لإلغاء أحكام الملكيّة من جميع الأنحاء بعد الاعتراف بوجودها وتأثير أسبابها خصوصا إذا قلنا بأنّ الملكيّة من الامور الاعتباريّة فإنّه إذا

__________________

(١) ولعلّ وجهه لأنّ الشارع عند تخطئته العرف ليس له إلّا حكم واحد وهو الحكم بعدم وقوع المسبّب فلا مجال للنزاع في أنّ المسبّب هو الصحيح أو الأعمّ كما لا يخفى.

٤٠٣

فرض تأثير سببها فيها فلا واقع لذلك التأثير إلّا تحقّق اعتبارها عند الشارع فإذا فرض أنّه لا يرتّب أحكامها عليها كان اعتباره إيّاها لغوا محضا. إلّا أنّ هذه المناقشة إذا سلّمنا صحّتها فيما لو كانت الملكيّة من الامور الاعتباريّة فلا نسلّم صحّتها فيما لو كانت الملكيّة من الامور الحقيقيّة الواقعيّة فإنّه يمكن أن يحكم الشارع على بعض أفراد الحقيقة الواحدة ببعض الأحكام ولا يحكم به على بعض أفرادها الاخرى مع اشتراك تلك الأفراد جميعا بتلك الحقيقة لمصلحة هو يعلمها وقد وقع ذلك في الشرع ومنه الربا حيث حكم ببطلانه عموما وصحّته خصوصا حيث يكون ويقع بين الولد ووالده والرجل وزوجته فاتّضح ممّا ذكرنا فساد ما بنى عليه المشهور من أنّ أسماء المعاملات إذا كانت موضوعة للمسبّبات فلا مجال للنزاع المذكور لما عرفت من إمكانه على بعض الوجوه. (١)

حاصله أنّ المسبّب الذي يمكن أن يراد من البيع إمّا له وجود واقعيّ محقّق لسبب واحد ففي كلّ مورد يخالف الشرع يحكم بعدم وجوده لعدم وجود سببه ويخطّئ العرف الذي يحكم بوجوده وإمّا له وجود واقعيّ محقّق بأسباب متعدّدة ولكن اشترط الشارع ترتّب أحكامه الشرعيّة بصورة تحقّقه بسبب خاصّ معيّن وإمّا يكون مفهوما مشتركا بين العرف والشرع ولكن مصاديقه بما أنّها من الامور الاعتباريّة تختلف باختلاف الاعتبار. فالأوّل والثالث ممكن والثاني يناقش فيه بعدم الصحّة لعدم المسوّغ لإلغاء الأحكام بعد فرض وجود الواقعيّ للمسبّب وتأثير السبب أو للزوم اللغويّة إن قلنا بأنّ الملكيّة من الامور الاعتباريّة فإنّ اعتباره الشيء لا يجامع مع نفي الأحكام والآثار وإلّا لزم كون اعتباره لغوا محضا. ولكن يمكن الجواب عنه بأنّه لا مانع من أن يحكم الشارع على بعض أفراد الحقيقة الواحدة ببعض الأحكام ولا يحكم

__________________

(١) بدائع الأفكار ١ / ١٣٨.

٤٠٤

به على بعض آخر بل هذا أمر واقع في الأحكام.

جواب التفصيل المذكور

وأنت خبير بأنّ المسبّبات من الامور الاعتباريّة لا الواقعيّة إذ الامور الواقعيّة لها واقعيّة عينيّة ولا أثر منها في الاعتباريات كما لا يخفى. وعليه فلا يمكن الوجه الأوّل والثاني لأنّهما مبنيّان على واقعيّة المسبّب وقد عرفت أنّه لا واقعيّة له وراء الاعتبار كما لا يمكن الوجه الثالث لعدم كون مفهوم البيع مثلا بمعناه المسبّبيّ المتّحد فيه الشرع والعرف سببا لمصداقه الاعتباريّ حتّى يكون باعتبار تحقّق المصداق صحيحا ومؤثّرا وباعتبار عدم تحقّق المصداق فاسدا وغير مؤثر إذ السبب في تحقّق المصداق شيء آخر وهو البيع بمعناه السببيّ وأيضا لا يكون صحيحا باعتبار كونه جامعا للأجزاء والشرائط لأنّ المفروض أنّ مفهوم البيع بمعناه المسبّبي بسيط فالمفهوم المذكور لا يصحّ اتّصافه بالصحيح بمعنى المؤثّر ولا بالصحيح بمعنى التماميّة كما لا يخفى.

وكيف كان فالمسبّبات من الامور الاعتباريّة وأمرها يدور بين الوجود والعدم ففي كلّ مورد وافق الشرع العرف في ما جعله سببا للأمر الاعتباريّ تحقّق المسبّب وفي كلّ مورد خالف العرف فيما جعله سببا لم يتحقّق المسبّب لا أنّه اعتبر المسبّب العرفيّ ونفى عنه الآثار لأنّه لغو لا يصدر عن الشارع الحكيم ففي مورد الربا حكم بعدم وقوع النقل والانتقال لا بوقوع النقل والانتقال ونفي الآثار وهكذا في مورد النكاح حكم بعدم وقوع العلقة الزوجيّة لا بوقوعها ونفي الآثار.

توجيه المحاضرات جريان النزاع في المسبّبات

ذهب في المحاضرات إلى أنّه يصحّ اتّصاف المسبّب بالصحّة والفساد حيث قال : إنّا لا نعقل للمسبّب في باب المعاملات معنى ما عدا الاعتبار النفسانيّ القائم بالمعتبر بالمباشرة ومن الظاهر أنّ المسبّب بهذا المعنى يتّصف بالصحّة والفساد فإنّ الاعتبار إذا كان من أهله وهو البالغ العاقل فيتّصف بالصحّة حتّى عند العقلاء وإذا كان من غير

٤٠٥

أهله وهو المجنون أو الصبيّ غير المميّز فيتّصف بالفساد كذلك. نعم لو كان صادرا من الصبيّ المميّز فيتّصف بالصحّة عند العقلاء وبالفساد عند الشارع وعلى الجملة فكما أنّ الصيغة تتّصف بالصحّة والفساد فيقال إنّ الصيغة العربيّة صحيحة وغير العربيّة فاسدة أو الصادرة عن البالغ العاقل صحيحة ومن غيره فاسدة فكذلك الاعتبار فيقال إنّ الاعتبار الصادر من العاقل صحيح ومن غيره فاسد وعليه فلا أصل لما ذكروه من أنّ المعاملات لو كانت أسامي للمسبّبات لم تتّصف بالصحّة والفساد بل تتّصف بالوجود والعدم فإنّ هذا إنّما يتمّ لو كان المسبّب عبارة عن الإمضاء الشرعيّ فإنّه غير قابل لأن يتّصف بالصحّة والفساد بل هو إمّا موجود أو معدوم وكذا لو كان عبارة عن إمضاء العقلاء فإنّه لا يقبل الاتّصاف بهما فإمّا أن يكون موجودا أو معدوما إلّا أن المسبّب هنا ليس هو الإمضاء الشرعيّ أو العقلائيّ ضرورة أنّ المعاملات من العقود والإيقاعات أسام للأفعال الصادرة عن آحاد الناس فالبيع مثلا اسم للفعل الصادر عن البالغ والهبة اسم للفعل الصادر من الواهب ... وهكذا ومن الواضح أنّها أجنبيّة عن مرحلة الإمضاء رأسا. نعم انّها قد تقع موردا للإمضاء إذا كانت واجدة للشرائط من حيث الاعتبار أو مبرزة وقد لا تقع موردا له إذا كانت فاقدة لها كذلك. فقد تحصّل ممّا ذكرناه أنّه لا مانع من جريان النزاع في المسبّب بهذا المعنى من هذه الجهة. نعم هو خارج عن محلّ النزاع من جهة اخرى وهي أنّ عنوان البيع وما شاكله لا يصدق عليه عرفا بدون إبرازه في الخارج ولو على القول بالأعمّ فلا محالة يكون البيع أو نحوه موضوعا للمؤلّف من الاعتبار وإبرازه إمّا مطلقا أو فيما أمضاه العقلاء ... إلى أن قال : فلا يصدق على كلّ واحد منهما بالخصوص. (١)

وفيه : أوّلا : بعد تسليم عدم دخالة الألفاظ في الإنشاءات أنّ الاعتبار النفسانيّ

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٩٥ ـ ١٩٦.

٤٠٦

القائم بالمباشر سواء لوحظ منفردا أو مع لفظ البيع وصيغته فهو من الأسباب لا المسبّبات فاتّصافه بالصحّة أو الفساد لا إشكال فيه ولكن لا ينفع في اتّصاف المسبّبات بهما فإن كان هذا الاعتبار صحيحا ترتّب عليه الانتقال وإلّا فلا. لا يقال : إنّ المراد من الاعتبار النفسانيّ القائم بالمباشر هو ما اعتبره المعتبر بسبب اللفظ فالسبب هو اللفظ والمسبّب هو ما اعتبره المعتبر في نفسه. لأنّا نقول : إنّ مختار المحاضرات ومن سبقه ولحقه ممّن ذهب إلى أنّ ألفاظ الإنشاءات حاكيات لا آلة للإيجاد والإنشاء هو أنّ اللفظ مبرز لا سبب ومع عدم كون اللفظ سببا لا مجال لجعل الاعتبار النفسانيّ مسبّبا بل اللفظ مبرز عن السبب ومعه لا مجال لتوهّم كون الاعتبار النفسانيّ مسبّبا فلا تغفل.

وثانيا : أنّ الاعتبار الشخصيّ ليس سببا للاعتبار العرفيّ أو الشرعيّ حتّى يكون ترتّبهما عليه مناط صحّته وعدمه مناط فساده لعدم وجود رابطة العلّيّة والسببيّة بينهما فالصحّة بمعنى التماميّة لا مورد لها لبساطة الاعتبار كما أنّ الصحّة بمعنى التأثير والنفوذ لا مجال لها بعد عدم كونه سببا للاعتبار العرفيّ أو الشرعيّ. وإنّما الشارع أو العرف يجعلان سببا ليتوسّل به إلى المسبّب العرفيّ أو الشّرعيّ فإذا تسبّب الشخص بما جعله الشارع سببا لاعتباره فقد أوجد الملكيّة الشرعيّة بعلّتها التامّة ولا حالة منتظرة بعد إيجادها بعلّتها التامّة وهكذا فيما إذا تسبّب الشخص بما جعله العرف سببا لاعتباره وأيضا كما أنّ الاعتبار الشخصيّ ليس سببا للاعتبار العرفيّ أو الشرعيّ فكذلك لا يكون اعتبار العرفيّ سببا للاعتبار الشرعيّ لعدم وجود رابطة العلّيّة والسببيّة بينهما أيضا.

وممّا ذكر يظهر ما في تهذيب الأصول حيث قال : يمكن أن يقال بإطلاق الفاسد على المسبّبات باعتبار تحقّقها في محيط أهل العرف فيما كان العرف مساعدا لتحقّقها مع عدم ترتّب الآثار عليها في محيط التشريع أمّا مع لحاظ كلّ محيط فالأمر دائر بين

٤٠٧

الوجود والعدم. (١)

لوضوح أنّ التمليك والملكيّة العرفيّة ليس سببا ومؤثّرا بالإضافة إلى الملكيّة الشرعيّة حتّى يكون ترتّبها عليه مناط الصحّة وعدمه مناط الفساد فلا وجه لاتّصافه بالصحّة بمعنى المؤثّريّة كما أنّه لا وجه لاتّصافه بالصحّة بمعنى التماميّة.

وثالثا : أنّ مقتضى تعليله وهو قوله : ضرورة أنّ المعاملات من العقود والإيقاعات أسام للأفعال الصادرة عن آحاد الناس فالبيع مثلا اسم للفعل الصادر عن البائع ... الخ هو كون أسامي المعاملات أسامي للأسباب وهو خارج عن فرض المشهور فإنّ مفروض كلامهم هو ما إذا كانت أسامي المعاملات أسامي للمسبّبات فلا تغفل.

الأمر الثاني :

إنّه ذهب في الكفاية إلى أنّه لو كانت أسامي المعاملات موضوعة للأسباب فللنزاع فيه مجال لكنّه لا يبعد دعوى وضع أسامي المعاملات لخصوص الصحيحة منها وأنّ الموضوع له هو العقد المؤثّر لأثر كذا شرعا أو عرفا والاختلاف بين الشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى بل الاختلاف في المحقّقات والمصاديق وتخطئة الشرع العرف في تخيّل كون العقد بدون ما اعتبر في تأثيره محقّقا لما هو المؤثّر.

وفيه : أوّلا : كما أفاده استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره أنّ أسامي المعاملات موضوعة عرفا للأعمّ. ألا ترى أنّ البيع مثلا يصدق على غير الصحيح من دون عناية وملاحظة علاقة كبيع الفضوليّ وبيع المرهون وبيع السفيه وبيع الصبيّ المميّز وليس ذلك إلّا لكونه موضوعا للأعمّ فاختلال شرائط التأثير لا يضرّ بصدق وجود السبب عرفا

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٨٧.

٤٠٨

وإن شئت قلت كما أفاده استاذنا الفريد قدس‌سره أنّ الواضع لم ينظر إلى الفاسد والصحيح حتّى يأخذ الجامع بينهما بل ينظر إلى الصحيح ووضع اللفظ للطبيعة المتّخذة منه التي تتّحد عرفا مع الصحيح والفاسد الذي له أثر تأهّليّ والشاهد له هو صحّة استعمال لفظ المعاملة في الفاسد الذي له أثر تأهّليّ كاستعمال اللفظ في الصحيح من دون حاجة إلى إعمال عناية وملاحظة علاقة وهو بضميمة أصالة عدم النقل التي كانت أصلا عقلائيّا وجاريا في كلّ لغة تبادر منها المعنى فعلا وشكّ في كونه بوضع الواضع أم لا يدلّ على أنّ الواضع وضع ألفاظ المعاملات للأعمّ من الصحيح الفعليّ.

وإليه يؤول ما في تعليقة المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ الطريقة العرفيّة جارية على الوضع لذات المؤثّر وعدم ملاحظة ما له دخل في فعليّة التأثير في المسمّى والمفروض عدم تصرّف الشارع في المسمّى من حيث التسمية فيتعيّن القول بوضع ألفاظ المعاملات على هذا الوجه لذوات الأسباب لا للصحيح المؤثّر منها وليست كألفاظ العبادات حتّى يتوقّف على دعوى اتّحاد طريقتى العرف والشرع في الأوضاع. (١)

وثانيا : كما أفاده الاستاذ أنّ التخطئة فيما إذا كان للشيء واقع محفوظ ولا واقع للاعتباريّات وراء الاعتبار فحقيقة الأسباب الاعتباريّة ليست لها عين ولا أثر وراء اعتبارها حتّى يكون سببا ومؤثّرا فالأولى أن يقال مكان التخطئة أنّ الشارع لم يعتبر في بعض الموارد ما اعتبره عرف الناس من الأسباب ... لا يقال : لعلّ المراد من التخطئة هي تخطئة المصحّحات من المصالح والمفاسد الباعثة على اعتبار أسباب الملكيّة أو الزوجيّة ونحوهما. لأنّا نقول : إنّ ذلك خلاف ظاهر كلامه فلا يحمل عليه وممّا ذكر يظهر ما في تعليقة المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره حيث قال ولك أن تنزّل عبارة الكتاب على ما هو الصواب من التخطئة في الوجه الباعث على جعل الشيء سببا لا في السبب ولا في

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٧٨.

٤٠٩

لمسبّب فتدبّر جيّدا.

وثالثا : انّ الاختلاف بين العرف والشرع ليس في جميع الموارد في المحقّقات والمصاديق بل ربما يكون الاختلاف في المصداق كما إذا كانت ذات السبب شرعا غير ما هو ذات السبب عرفا كما ربما يكون الاختلاف في التقييد والتضييق لدائرة السبب العرفيّ كما إذا اتّحد السبب وضمّ الشرع إليه ضميمة لها دخل في فعليّة تأثيره. نعم يصحّ اختصاص الاختلاف بالمحقّقات فيما إذا كانت ألفاظ المعاملات موضوعة للمؤثّر التامّ الفعليّ لا لذات المؤثّر كما عرفت أنّها موضوعة لها. ولذلك قال المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره : لتصحيح قول صاحب الكفاية : بل الاختلاف في المحقّقات والمصاديق ... الخ هذا إذا كان اللفظ موضوعا لما يؤثّر في الملكيّة فعلا وأمّا إذا كان لما يؤثّر فيها اقتضاء فالاختلاف تارة في المصداق ... إلى أن قال : واخرى ليس في المفهوم ولا في المصداق بل تقييد وتضييق ... الخ والاختلاف في المصداق كبيع المنابذة والاختلاف في التقييد كاشتراط العربيّة ونحوها في العقد.

الأمر الثالث :

الظاهر أنّ ألفاظ المعاملات مستعملة في الأسباب كالمسبّبات فلا وجه لتخصيصها بالمسبّبات كقوله بعت داري أو باع فلان داره ممّا لا يريد به إلّا وقوع المبادلة لاستعمالها في الأسباب من دون حاجة إلى عناية وعلاقة ألا ترى صحّة القول بأنّ زيدا باع ملك أخيه فيما إذا باعه من دون إذنه مع أنّ الإذن معتبر ولو عرفا في تأثير العقد فصدق البيع على إيجاد السبب ولو مع عدم وجود ما اعتبر في تأثيره شاهد على كونه مستعملا في السبب لا في المسبّب إذ لا مسبّب في هذا المثال على المفروض ومع ذلك يصدق عليه لفظ البيع من دون عناية وملاحظة العلاقة وهو دليل كونه حقيقة فيه. وأيضا يكون ظاهرا في استعماله في السبب فيما إذا حكى خصوصيّات السبب كقوله

٤١٠

باع بالصيغة العربيّة أو باع منجّزا من دون تعليق على شيء أو باع مع تعيّن العوضين أو فيما إذا اعتبر فيه خصوصيّات في السبب كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر أو قوله تعالى و (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) ... الآية ، إذ الظاهر منه جواز الأكل والتصرف لسبب صحيح كالتجارة عن تراض والمنع عن الأكل والتصرف لسبب باطل.

وممّا ذكر يظهر ما في منتهى الاصول حيث ذهب إلى أنّها موضوعة للمسبّبات لا الأسباب وقال : ولا شكّ في أنّ معاني هذه الألفاظ أي البيع أو الإجارة أو الرهن أو القرض أو الصلح أو الطلاق أو النكاح ونحوها عند العرف عبارة عن نفس المسبّبات فلا يريد العرف من قوله : بعت داري بكذا وباع فلان داره بكذا إلّا وقوع المبادلة ... إلى أن قال : وهكذا لا يفهم العرف من قوله : صالحت الشيء الفلانيّ بكذا إلّا وقوع المسالمة على مبادلة الشيء الفلانيّ بكذا وهكذا الحال في سائر العناوين. فبناء على هذا لا يبقى مجال للنزاع في باب المعاملات أصلا. فالذين بحثوا وتكلّموا في أنّ ألفاظ المعاملات هل هي موضوعة لخصوص الصحيح أو الأعمّ منه ومن الفاسد لا بدّ لهم من القول بوضع هذه الألفاظ للأسباب وقد عرفت ما في هذه الدعوى. (١)

لما عرفت من صحّة إطلاقها على الأسباب وعليه فالبحث والتكلّم عن كون ألفاظ المعاملات هل هي موضوعة لخصوص الصحيح أو الأعمّ منه ومن الفاسد له مجال بل هو واقع من الأعلام كما عرفت ولا وجه لرميهم بالبحث عن شيء لا أصل له.

وممّا ذكر يظهر أيضا ما في تهذيب الاصول من أنّ التبادر وارتكاز المتشرّعة وغيرهما تساعد على كون أسماء المعاملات أسامي للمسبّبات أعني تبادل المالين في

__________________

(١) منتهى الاصول ١ / ٦٧ ـ ٦٨.

٤١١

البيع وما أشبهه في سائر المعاملات والمراد من المسبّب ما يحصل بالأسباب ويوجد بها وتخيّل كونها موضوعة لنفس الأسباب المحصّلة أو النتيجة الحاصلة من الأسباب والمسبّبات من صيرورة العوض ملكا للمشترى والثمن للبائع مثلا مدفوع بكون الارتكاز على خلاف الأوّل وأمّا الثاني أعني كونها موضوعة لنفس النتيجة فيردّه عدم صحّة إطلاق عنوان البيع أو الإجارة أو غيرهما على النتيجة وقد عرفت سابقا أنّه بناء على كونها موضوعة للمسبّبات يرتفع النزاع من البين لدوران أمرها حينئذ بين أحد الأمرين الوجود والعدم نعم على القول بكونها موضوعة للأسباب فالتبادر يساعد القول بالأعمّ مضافا إلى ما عرفت من كيفيّة الوضع. (١)

لأنّ دعوى الارتكاز مع ما عرفت من صحّة صدق ألفاظ المعاملات على خصوص الأسباب من دون حاجة إلى ملاحظة علاقة وإعمال عناية كما ترى.

ثمّ بناء على ما عرفت من صحّة استعمالها في الأسباب كالمسبّبات تكون ألفاظ المعاملات مشتركة بينهما اشتراكا لفظيّا لعدم وجود الجامع بين الأسباب اللفظيّة والمسبّبات الاعتباريّة فيحتاج كلّ واحد منهما إلى قرينة معيّنة كسائر المشتركات اللفظيّة كما لا يخفى.

الأمر الرابع :

في جواز الأخذ بإطلاق الخطابات. أمّا بناء على كون ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح والمؤثّر الواقعيّ ، فقد ذهب في الكفاية إلى أنّ مع كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة من الأسباب لا إجمال فيها كي لا يصحّ التمسّك بإطلاق الخطابات عند الشكّ في اعتبار شيء في تأثيرها شرعا لأنّ إطلاقها لو كان مسوقا في مقام

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٨٩ ـ ٩٠.

٤١٢

البيان ينزّل على أنّ المؤثّر عند الشارع هو المؤثّر عند العرف ولم يعتبر في تأثيره عنده غير ما اعتبر فيه عندهم كما ينزّل عليه إطلاق كلام غيره حيث أنّه منهم ولو اعتبر في تأثيره ما شكّ في اعتباره كان عليه البيان ونصب القرينة عليه وحيث أنّه لم ينصب بان عدم اعتباره عنده أيضا ولذا يتمسّكون بالإطلاق في أبواب المعاملات مع ذهابهم إلى كون ألفاظها موضوعة للصحيح من الأسباب. نعم لو شكّ في اعتبار شيء فيها عرفا فلا مجال للتمسّك بإطلاقها في عدم اعتباره بل لا بدّ من اعتباره لأصالة عدم الأثر بدونه فتأمّل جيّدا.

حاصله أنّ الإطلاق اللفظيّ وإن لم يكن موجودا للشكّ في صدق البيع الموضوع للمؤثّر الواقعيّ مع الشكّ في اعتبار شيء في تأثير البيع شرعا ولكن مع ذلك يمكن الأخذ بالإطلاق المقاميّ فكلّ ما يراه العرف مؤثّرا واقعا هو مؤثّر واقعا عند الشارع. نعم لو كان الشكّ بحيث يشكّ العرف في كونه مؤثّرا واقعا فلا مجال للإطلاق المقاميّ أيضا كما أشار إليه بقوله : نعم لو شكّ ... الخ.

عدم الكلّيّة في الإطلاق المقاميّ

وكيف كان فقد أورد عليه استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره بأنّ ألفاظ المعاملات إن كانت موضوعة للصحيح بمعنى المؤثّر في الملكيّة واقعا وكان نظر العرف والشرع طريقين إليه (كما ذهب إليه المصنّف تبعا لهداية المسترشدين ويشهد له ما مرّ منه من حديث التخطئة) فلا إطلاق لفظيّ لها حتّى يمكن التمسّك بها في المشكوك دخله في التأثير إذ المراد من الصحيح والمؤثّر حينئذ هو الصحيح والمؤثّر الواقعيّ وصدقه على المشكوك غير محرز فلا يمكن التمسّك بإطلاق مثل قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، أو (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ،) لإثبات مصداقيّة المشكوك لأنّه تمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة وإن اطلق عليه البيع عرفا لاحتمال دخل المشكوك في تأثيره واقعا فصدق البيع عرفا لا يكفي مع اعتبار كونه مؤثّرا في الواقع بنظر الشرع أيضا.

٤١٣

وأمّا الأخذ بالإطلاق المقاميّ بتقريب أنّ المولى بعد ما كان في مقام بيان الحكم الشرعيّ وإنفاذ السبب شرعا ولم يعيّن محقّقا ولا مصداقا لما هو الموضوع لحكمه فنفس عدم تعيين المصداق كاشف عن عدم تعيّن مصداق خاصّ لموضوع حكمه وأنّ ما هو المصداق لما يؤثّر في الملك عرفا مصداق لما يؤثّر في الملك شرعا بأن يكون مرجع الإطلاق المقاميّ المذكور إلى التلازم بين السبب الجعليّ الشرعيّ والسبب الجعليّ العرفيّ فصدق العرفيّ في المشكوك كاف في كونه مؤثّرا واقعا.

ففيه أنّ تلك المقدّمة خارجة عن مقدّمات الإطلاق اللفظيّ ومن المعلوم أنّه فرق بين الإطلاق اللفظيّ والإطلاق المقاميّ. وهو جواز التمسّك بالأوّل في المستحدثات بعد صدق المفهوم على المستحدث كبعض العقود الرائجة في زماننا كالتأمين فإنّه عقد يشمله أوفوا بالعقود ، بناء على عدم كون اللام فيه للعهد الخارجيّ دون الثاني لعدم إطلاق لفظيّ فيه والإطلاق المقاميّ جار فيما كان رائجا في مرأى ومنظر الشارع حتّى يمكن أن يقال : إنّ ما كان رائجا عند العرف ومؤثّرا كان مؤثّرا عند الشارع وإلّا لزم عليه البيان وحيث لا بيان ينكشف أنّ المؤثّر العرفىّ مؤثّر عنده أيضا فحينئذ لو استحدثت معاملة لم تكن لها سابقة في عهد الشارع لا يمكن التمسّك بإطلاق قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،) لأنّ العقود الصحيحة المؤثّرة واقعا لا إطلاق لفظيّ لها بالنسبة إلى المشكوك كما لا إطلاق مقاميّ لأنّ المعاملة مستحدثة فلا تكون مشمولة لقوله أوفوا بالعقود ، في عهد الشارع. فالإطلاق المقاميّ لا يجدي في جميع موارد الشكّ كالمعاملات المستحدثة فلا يصحّ نفي الإجمال بنحو كلّيّ فيما إذا كانت أسماء المعاملات موضوعة للأسباب الصحيحة الواقعيّة. وممّا ذكر يظهر ما في تعليقة الأصفهانيّ وبدائع الأفكار حيث اكتفيا في رفع الإجمال وصحّة الأخذ بالإطلاق في الخطابات بالإطلاق المقاميّ بالتقريب المذكور مع أنّك عرفت أنّه لا يجدي في المعاملات المستحدثة.

نعم لو ثبت إطلاق لفظيّ للخطابات كما إذا صرّح الشارع بأنّ العقد المؤثّر الواقعيّ

٤١٤

هو العقد المؤثّر بنظر العرف بنحو القضيّة الحقيقيّة فكلّ ما يوجد ويكون مؤثّرا عند العرف يكون مشمولا لأدلّة وجوب الوفاء بالعقود وإمضاء العقود بالإطلاق اللفظيّ كما لا يخفى. ولكن هذا خلف الفرض ولا يوافق ما حكي عن هداية المسترشدين من أنّ البيع لغة موضوع لما يؤثّر في الملكيّة واقعا ونظر العرف والشرع طريقان إليه كما لا يخفى.

إشكال الإجمال في الخطابات

ثمّ إنّ الظاهر من تهذيب الاصول هو إجمال الخطاب إذا قلنا بأنّ الأسامي موضوعة للصحيح الواقعيّ من الأسباب لأنّ الاختلاف بين الشرع والعرف راجع إلى مفهومها لا المصاديق فقط بعد ما مرّ من أنّ الموضوع له لا يكون العقد الصحيح بالحمل الأوّليّ ولا بالحمل الشائع لوضوح بطلانهما (لما مرّ في أسامي العبادات من لزوم تقييد الصلاة بمفهوم الصحّة وضدّها لو اريد من الصحيح الصحيح بالحمل الأوّليّ ومن وجود الجامع في الخارج بنحو الوحدة الحقيقيّة لو اريد من الصحيح الصحيح بالحمل الشائع وكون الموضوع له بنحو الوجود السعيّ ومن كون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا لو كان الموضوع له هو الفرد الواقعيّ الحقيقيّ) فإذن لا محيص عن القول بوضعها لماهيّة إذا وجدت لا تنطبق إلّا على الصحيح المؤثّر (الواقعيّ) فعند ذلك لا بدّ من الالتزام بتضييق دائرة المفهوم حتّى لا ينطبق إلّا عليه ورجوع الاختلاف إلى المصداق مع الاتّفاق في المفهوم وعلى ذلك يلزم الإجمال في الخطابات وعدم جواز التمسّك بإطلاقاتها فمع احتمال دخالة شيء فيها يرجع إلى الشكّ في الموضوع ويكون الشبهة مصداقيّة بخلاف ما إذا كان الوضع للأعمّ أو للصحيح عرفا. انتهى

تحليل وتفصيل

وقد عرفت سابقا صحّة كون الموضوع له هو الصحيح بالحمل الشائع وعدم استحالة كون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا ومع ذلك لا يفيد في المقام بعد اختلاف

٤١٥

نظر العرف والشرع في صدق الصحيح الواقعيّ فتصديق العرف بوجود الصحيح الواقعيّ مع الشكّ في وجوده شرعا لا يخرج الأخذ بالإطلاق عن التمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة اللهمّ إلّا أن يأخذ بالإطلاق المقاميّ ولكنّه كما عرفت غير تامّ في المستحدثات فلا يصحّ نفي الإجمال بنحو كلّيّ كما لا يصحّ إثبات الإجمال بنحو كلّيّ فلا تغفل. هذا كلّه بناء على كون أسماء المعاملات موضوعة للصحيح الواقعيّ أو المؤثّر الواقعيّ.

الإطلاق اللفظيّ بناء على موضوعيّة الصحيح العرفيّ

وأمّا بناء على كون أسماء المعاملات موضوعة للصحيح العرفيّ من الأسباب أو للأعمّ من الصحيح العرفي كما قوّيناه فلا إشكال حينئذ في الأخذ بإطلاق الخطابات لصدقها على المشكوك دخله شرعا والمفروض أنّه لا واقعيّة وراء الاعتبار العرفيّ فمع صدق الصحّة العرفيّة بناء على وضعها للصحيح العرفيّ أو صدق الأعمّ وهو ذات المؤثّر يتحقّق موضوع الإمضاء الشرعيّ وبإطلاقه اللفظيّ الصادق على مورد المشكوك يرفع احتمال دخل ما شكّ في اعتباره شرعا. فالأخذ بإطلاق الخطابات الدالّة على نفوذ العقود والأسباب العرفيّة لا مانع منه كما لا يخفى.

دلالة الاقتضاء

وأمّا بناء على كون أسماء المعاملات موضوعة للمسبّبات فحيث أنّ المسبّب يتعدّد بتعدّد الأسباب العرفيّة كالأسباب التكوينيّة ويتعلّق الإمضاء الشرعيّ كالإمضاء العرفيّ بكلّ واحد من الموجودات الإنشائيّة للمسبّب لأنّ الآثار مترتّبة على آحاد البيع مثلا لا الطبيعيّ منه فإذا كان لدليل الإمضاء الشرعيّ إطلاق دلّ باطلاقه على نفوذ كلّ مسبّب إنشائيّ أو كلّ إمضاء عرفيّ وحيث أنّه لا يعقل وجود المسبّب بدون السبب دلّ بدلالة الاقتضاء على إمضاء كلّ سبب يتسبّب به إليه.

تفصيل بناء على الوضع للمسبّبات

وممّا ذكر يظهر أنّه لا وقع لما قيل من أنّ التمسّك بالإطلاق في المعاملات إنّما يتمّ فيما

٤١٦

إذا كانت أسامي المعاملات أسامي للأسباب دون المسبّبات فإنّ الإمضاء الشرعيّ في الثاني يتوجّه إلى المسبّبات ولا يدلّ على إمضاء أسبابها لعدم الملازمة بين إمضاء المسبّب وهو المبادلة في البيع وما شاكلها وإمضاء السبب وهو المعاطاة أو الصيغة الفارسيّة مثلا ومن الواضح أنّ أدلّة الإمضاء جميعا من الآيات والروايات متّجهة إلى إمضاء المسبّبات ولا تنظر إلى إمضاء الأسباب أصلا ضرورة أنّ الحليّة في قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ثابتة لنفس المبادلة والملكيّة في مقابل تحريمها ولا معنى لحلّيّة نفس الصيغة أو حرمتها ووجوب الوفاء في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ثابت للملكيّة والمبادلة فإنّ الوفاء على ما ذكرناه بمعنى الإنهاء والإتمام ومن المعلوم أنّه لا يتعلّق بنفس العقد فإنّه آنيّ الحصول فلا بقاء له بل لا بدّ وأن يتعلّق بما له قابليّة البقاء والدوام وهو ليس في المقام إلّا نفس المسبّب والنكاح في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «النكاح سنّتي» نفس علاقة الزواج بين المرء والمرأة لا نفس الصيغة وكذا الصلح في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلح جائز ونحو ذلك. وعليه فلو شككنا في حصول مسبّب خاصّ كالمعاطاة مثلا فمقتضى الأصل عدم حصوله والاقتصار على الأخذ بالقدر المتيقّن إلّا فيما إذا كان له سبب واحد فإنّ إمضاء مسبّبه يستلزم إمضائه لا محالة وإلّا لكان إمضائه بدونه لغوا محضا وكذا فيما إذا لم يكن في البين قدر متيقّن كان نسبة المسبّب حينئذ إلى الجميع على حدّ سواء فلا يمكن الحكم بإمضاء بعض دون بعض وفي غير هاتين الصورتين لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن وفي لزائد عليه نرجع إلى أصالة العدم. (١) انتهى

ملاحظة التفصيل المذكور

وذلك لما عرفت من أن المسبّب يتعدّد بتعدّد أسبابه فلا يتصوّر مسبب واحد شخصيّ وله أسباب متعدّدة حتّى يكون بعضها القدر المتيقّن وبعضها الآخر مشكوكا

__________________

(١) حكاه في المحاضرات ١ / ١٨٦ والإشكال مذكور في أجود التقريرات أيضا.

٤١٧

فيه وأيضا كون بعض الأسباب هو القدر المتيقّن لا ينافي شمول دليل الإمضاء لغير القدر المتيقّن بعد كونه مطلقا كما هو المفروض ألا ترى أنّه إذا قيل جئني بإنسان يشمل بإطلاقه كلّ فرد من أفراد الإنسان ولا يوجب كون بعض القدر المتيقّن كرجال العلم خللا في إطلاقه.

ولقد أفاد وأجاد في المحاضرات حيث قال إنّ الإيراد المزبور إنّما يتمّ لو كان هناك مسبب واحد وله أسباب عديدة ولا يعقل أن يكون لمسبّب واحد أسباب متعدّدة على الجميع بل لكلّ سبب مسبّب فإمضاؤه بعينه إمضاء لسببه. (١)

ولقد أفاد وأجاد أيضا في بدائع الأفكار حيث قال : أمّا كون إمضاء المسبب يستلزم إمضاء السبب فتقريبه من وجوه : الأوّل : وهو الذي عليه المعوّل أنّ الدليل الذي دلّ على إمضاء المسبّب مثل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ،) بما أنّه قد دلّ بإطلاقه على إمضاء كلّ فرد من أفراد المسبّب في العرف يكون دالّا بالملازمة والاقتضاء على كلّ سبب يتسبّب به في العرف إليه وإلّا كان إطلاق دليل المسبّب مقيّدا بغير ذلك السبب الذي يدّعى عدم إمضائه أو لا يكون له إطلاق فيما لو شكّ في إمضاء سبب من أسباب ذلك المسبّب وهو على كلا طرفي الترديد خلاف الفرض. (٢)

عدم اختصاص أدلّة النفوذ بالمسبّبات

هذا مضافا إلى إمكان منع اختصاص أدلّة الإمضاء أو الردّ بالمسبّبات. ألا ترى قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ظاهر في المنع عن الأكل بسبب باطل وجوازه بسبب صحيح كالتجارة ومن المعلوم أنّ المسبّب الباطل لا وجود له حتّى يمكن المنع عن الأكل بسببه وبقرينة المقابلة يكون المراد من

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٩٢.

(٢) بدائع الأفكار ١ / ١٤٢.

٤١٨

التجارة هو خصوص السبب أو السبب مع المسبّب. وهكذا أنّ قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، ظاهر في القرارات الإنشائيّة وحمل العقود على المسبّب بالقرارات خلاف الظاهر لأن العقد هو الإيجاب والقبول أو هما مع مسبّبهما.

قال في بدائع الأفكار : إنّ آية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إمّا أن تكون ناظرة إلى تماميّة السبب مع بيان قابليّة المحلّ على النحو المتعارف عند العرف فتكون حينئذ ناظرة إلى إمضاء السبب والمسبّب كليهما وإمّا أن تكون ناظرة إلى تماميّة السبب فقط بلا ملاحظة قابليّة المحلّ فتكون إمضاء للسبب فقطّ وعلى أيّ تقدير تكون الآية من أدلّة إمضاء السبب وما توهّم من أن لفظ العقود ظاهر في الأسباب إلّا أنّها بقرينة تعلّق وجوب الوفاء بها تكون ظاهرة في المسبّبات فإنّ الأسباب أعني بها العقود ممّا تحصل آناً ما ولا تبقى حتّى تكون متعلّقا لوجوب الوفاء فاسد. أمّا أوّلا : فلمنع كون العقد غير قابل للبقاء لشهادة اختيار جلّ العلماء كون الفسخ حلّا للعقد من حين الفسخ وثانيا : نمنع كون وجوب الوفاء من توابع بقاء العقد كي يلزم من عدم بقائه إرجاع وجوب الوفاء إلى المسبّب بل العقد بحدوثه يكون قابلا للوفاء إلى الأبد فيتعلّق الوجوب به. (١)

لا يقال : إنّ العقد وإن كان ظاهرا في القرار الإنشائيّ اللفظيّ الذي يكون سببا ولكن ينافيه تفسيره بالعهد في بعض الروايات.

لأنّا نقول : أوّلا : إنّ العهد أيضا كالعقد قرار إنشائيّ لفظيّ. وثانيا : إنّ العقد لا يخلو من العهد فتفسير العقد بالعهد تفسير ببعض لوازمه فلا ينافي ما ذكر.

وكيف كان فاختصاص أدلّة الإمضاء أو الردّ بخصوص المسبّبات لا وجه له بعد ما عرفت من ظهور بعض الأدلّة في إمضاء الأسباب أيضا بل يكفي في إمضاء الأسباب كالمسبّبات عدم الردع الشرعيّ لأنّه إذا كان في مرأى ومنظر الشارع أسباب

__________________

(١) بدائع الأفكار ١ / ١٤٣.

٤١٩

المعاملات كالبيع والصلح والإجارة ولم يردع عنه الشارع ولم يعيّن أسبابا أخر وراء أسباب عرفيّة كان ذلك إمضاء شرعا لكلّ سبب عرفيّ كما لا يخفى.

حدود الإطلاق اللفظيّ والمقاميّ

نعم يختصّ الإمضاء المذكور حينئذ بما إذا كان في مرأى ومنظر الشارع فلا يشمل ما استحدث في سائر الأعصار بعد عصر الشارع بخلاف مثل قوله : تجارة عن تراض أو أوفوا بالعقود فإنّه يشمل المستحدثات أيضا فإنّ الإمضاء تعلّق بما تصدق عليه التجارة أو العقد بنحو القضيّة الحقيقيّة فلا تغفل. ولذا استغني مع ثبوت الإطلاق اللفظيّ عن الإطلاق المقاميّ بل لعلّه لا مجال للإطلاق المقاميّ بعد وجود الإطلاق اللفظيّ لأنّ من مقدّمات الإطلاق المقاميّ هو عدم تعيين الشارع طريقا وسبيلا ومع الإمضاء للطرق العرفيّة لا مجال للقول بعدم تعيين الشارع فافهم.

فتحصّل أنّه لا مانع من الرجوع إلى إطلاق إمضاء المسبّبات لإزالة الشكّ عن الأسباب فيما إذا شكّ في اعتبار شيء شرعا في تأثير بعض الأسباب العرفيّة كما إذا شكّ في صحّة المعاطاة لاحتمال دخل صيغة الإيجاب والقبول شرعا. نعم لو شكّ في اعتبار شيء عرفا في تأثير بعض الأسباب العرفيّة لا مجال للرجوع إلى إطلاق إمضاء المسبّبات كما لا مجال للرجوع إلى إطلاق إمضاء الأسباب العرفيّة. فالرجوع إلى الإطلاقات عند الشكّ في اعتبار بعض الخصوصيّات شرعا لا مانع منه على جميع التقادير سواء قلنا بأنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح العرفيّ من الأسباب أو الأعمّ من الصحيح العرفيّ أو موضوعة للمسبّبات بل عرفت صحّة الرجوع إلى الإطلاق المقاميّ إن قلنا بأنّ أسماء المعاملات موضوعة للصحيح الواقعيّ أو المؤثّر الواقعيّ من الأسباب فلا تغفل.

التفصيل بين التخصيص والتخصّص

واعلم أنّه فصّل في تهذيب الاصول بين رجوع أدلّة الردع إلى نفي أصل الاعتبار

٤٢٠