عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

التسليمة في الصلاة نسيانا لم تجب عليه الاعادة في الوقت فضلا عن القضاء في خارجه. (١)

إشكالات الشيخ الأعظم قدس‌سره

يرد على ما ذهب إليه المحقّق القميّ ما أفاده الشيخ قدس‌سره بأنّ لازم هذا القول هو انتفاء الصدق بانتفاء أحد الأركان وإن اشتملت على بقيّة الأجزاء والصدق مع وجودها وإن لم يشتمل على شىء من الأجزاء والشرائط وهو ممّا ينبغي القطع بفساده لأنّه منقوض طردا وعكسا. إلى أن قال ما حاصله : مضافا إلى أنّه يلزم أن يكون استعمال اللفظ في المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازا عند الأعمّيّ لأنّه من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكلّ وهو مجاز قطعا مع أنّ الظاهر من كلامه أن يكون هذا الاستعمال حقيقة (٢).

جواب الإشكالات المذكورة

اجيب عن الأوّل بأنّ انتفاء الصدق بانتفاء أحد الأركان مقتضى صحيحة الحلبيّ الدالّة على أنّ ثلاثة أثلاث ... الخ. إذ مع فقدان أحد الأركان لا مجال لبقاء الصلاة.

وفيه : أنّ الصحيحة في مقام بيان المأمور به والصلاة الصحيحة وهو لا ينافي صدق الصلاة بناء على الأعمّ فيما إذا فقد أحد الأركان مع وجود بقيّة الأجزاء والمفروض هو صدق الصلاة عرفا على تلك الصلاة كما ذهب إليه الشيخ قدس‌سره وتبعه صاحب الكفاية ومع هذا الصدق يكشف عن أنّ الجامع ليس هو الأركان الخاصّة المذكورة وإلّا فمع فقدان أحدها لا مجال للصدق كما لا يخفى.

وممّا ذكر يظهر ما في المحاضرات حيث ذهب إلى عدم صدق الصلاة على الفاقد

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٦٣ ـ ١٦٥.

(٢) راجع تقريرات الشيخ / ٥.

٣٤١

لبعض الأركان فيما إذا كان واجدا لسائر الأجزاء والشرائط مستدلّا بأنّ الروايات الكثيرة قد دلّت على أنّ حقيقة الصلاة التي تتقوّم بها هي التكبيرة والركوع والسجود والطهارة من الحدث والمراد منها أعمّ من المائيّة والترابيّة كما أنّ المراد من الركوع والسجود أعمّ ممّا هو وظيفة المختار أو المضطرّ. (١)

وذلك لما عرفت من أنّ الصلاة الواجدة لتمام الأجزاء والشرائط دون ركوع واحد صلاة بناء على الأعمّ ونفى الصلاة بناء على الأعمّ منها كما ترى وأعمّيّة بعض الأركان من جهة المائيّة والترابيّة أو ممّا هو وظيفة المختار أو المضطرّ لا يوجب صحّة سلب الصلاة عن المفروض ترك ركن منها مع اجتماع بقيّة الأجزاء والشرائط.

واجيب عن الثاني بأنّه لا مجال للتشكيك والترديد في صدق الصلاة مع وجود تمام الأركان وإن لم يشتمل على بقيّة الأجزاء بناء على القول بالأعمّ ولذلك يمكن الحكم بالصحّة لو أتى بالأركان مع الاختلال بسائر الأجزاء والشرائط عدى الترتيب والموالاة والوقت والقبلة نسيانا لجريان قاعدة لا تعاد مع صدق الصلاة بخلاف ما إذا أخلّ بالترتيب أو الموالاة فإنّ الأركان المأتيّ بها مع الإخلال بهما ليست بصلاة عرفا وبخلاف ما إذا أخلّ بالوقت والقبلة فإنّ القاعدة لا تجري مع الإخلال بهما كما لا يخفى.

واجيب عن الثالث بأنّ استعمال لفظ الصلاة مع وجود مجموع الأجزاء والشرائط مجاز لو كان الوضع بإزاء مصاديق الأركان على نحو الاشتراك اللفظيّ أو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ إذ اللفظ الموضوع لخصوص الأركان لا يطلق على غيرها إلّا بالعناية والمجاز وأمّا إذا كان الموضوع له هو الجامع بما هو مرآة إلى مصاديقه فالجامع صادق بوجود حصصه وحينئذ فلا إشكال مع وجود جميع الأجزاء في صدق الصلاة لأنّ الصلاة الكاملة أيضا من مصاديق الجامع المشترك وهذا ليس بمجاز كسائر

__________________

(١) نفس المصدر.

٣٤٢

استعمالات الكلّيّات الطبيعية. نعم لو استعمل الجامع المشترك في خصوص بعض أفراده كان مجازا لأنّ الخصوصيّات التي غير حصص الجامع ليست داخلة في المسمّى.

وممّا ذكر يظهر الجواب عمّا حكي عن المحقّق النائينيّ قدس‌سره ردّا على الشيخ الأعظم قدس‌سره من أنّه إن أراد بعدم دخول بقيّة الأجزاء والشرائط في المسمّى عدم دخولها فيه دائما فيردّه أنّه ينافي الوضع للأعمّ فإنّ لازمه عدم صدق لفظ الصلاة على الفرد الصحيح إلّا بنحو من العناية والمجاز ومن باب إطلاق اللفظ الموضوع للجزء على الكلّ وإن أراد به دخولها فيه عند وجودها وخروجها عند عدمها فهو غير معقول ضرورة أنّ دخول شيء واحد في ماهيّة عند وجوده وخروجه عنها عند عدمه أمر مستحيل لاستحالة كون شيء جزء لماهيّة مرّة وخارجا عنها مرّة اخرى فإنّ كلّ ماهيّة متقوّمة بجنس وفصل أو ما يشبههما فلا يعقل أن يكون شيء واحد مقوّما لماهيّة عند وجوده ولا يكون كذلك عند عدمه. انتهى (١).

وذلك لما عرفت من أنّ استعمال الجامع في الفرد الصحيح بعنوان أنّه فرد من أفراده وحصّة من حصصه حقيقة وليس بمجاز والملاك في الصدق هو الأركان وهي داخل في المسمّى وليست بخارجة عنه وبقيّة الأجزاء والشرائط غير داخلة فيه بل هي من المشخّصات والعوارض الخارجيّة لأفراد الجامع ولا ضير في وجودها أو عدمها لأنّ المفروض أنّ الجامع المشترك مأخوذ بنحو اللابشرط. نعم لو استعمل الصلاة في الفرد الصحيح بعنوان أنّ جميع أجزائه وشرائطه داخل في حقيقة الصلاة كان ذلك مجازا. اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الجامع المشترك هو الأركان فصاعدا كالكلمتين فصاعدا في معنى «الكلام» فكما أنّ الجملة المركّبة من ثلاث أو أربع كلمات أو أزيد منها كلام حقيقة كالكلمتين ، فكذلك جميع أجزاء الصلاة مصداق للصلاة حقيقة كالأركان فقط وهذا

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨ وراجع أجود التقريرات ١ / ٤١ ـ ٤٢.

٣٤٣

الجامع ليس جامعا فلسفيّا حتّى يقال : لا يعقل التبادل في أجزاء الماهيّة بل هذا الجامع ونظائره من الجوامع الاعتباريّة التي لا إشكال في تبادله بالنحو المذكور بل هو واقع كما عرفت في الكلام وعنوان الدار ونحوهما وليس صدق هذا الجامع بالنسبة إلى موارده كصدق الكلّيّ في المعين أو على سبيل البدل كما يظهر من المحاضرات وغيرها بل صدقه كصدق الكلّيّ الطبيعيّ فإنّه يشمل جميع مصاديق المسمّى في عرض واحد فلا معنى للبدليّة في صدقه مع كونه صادقا على جميع الموارد عرضا كما لا معنى لها في مقام الوضع. نعم في مقام الطلب يمكن تصوير البدليّة بإرادة أحد المصاديق ولكنّه أجنبيّ عن مقام المسمّى كما لا يخفى.

فتحصّل أنّ ما ذهب إليه المحقّق القميّ قابل للقبول بالنحو المذكور مع إضافة قيد : «فصاعدا» ولا يرد عليه شيء من الإشكالات عدا الإشكال الأوّل الّذي أورده عليه الشيخ الاعظم قدس‌سره من أنّ لازمه هو انتفاء الصدق بانتفاء أحد الأركان وإن اشتملت على بقيّة الأجزاء.

الوجه الثالث :

وهو أن تكون ألفاظ العبادات موضوعة للمركّب من جميع الأجزاء لكن لا من حيث هو بل من حيث كونه جامعا لجملة أجزاء هي ملاك التسمية ومناطها فإذا فقد بعض الأجزاء وصدق الاسم عرفا يعلم منه أنّ مناط التسمية باق نظير الأعلام الشخصيّة التي توضع للأشخاص فإنّ زيدا إذا سمّي بهذا الاسم في حال صغره كان الموضوع له هذه الهيئة الخاصّة لكن لا من حيث أنّها تلك الهيئة الخاصّة ولذلك لا يفترق في التسمية مع طريان حالات عديدة وهيئة غير متناهية بين الرضاع والشيخوخة وليس ذلك بأوضاع جديدة بل تلك الاستعمالات في تلك المراتب من توابع الوضع الأوّل كما هو المحكيّ في تقريرات الشيخ الأعظم قدس‌سره ونسب في هداية

٣٤٤

المسترشدين القول بأنّ ألفاظ العبادات موضوعة بإزاء ما يحصل معه التسمية في عرف المتشرّعة إلى جماعة من علمائنا كالعلّامة وفخر المحقّقين والشهيد الثانى والشيخ البهائيّ وإلى جماعة من علماء العامّة كالقاضي أبي بكر وأبي عبد الله البصريّ وقال : ينبغي حينئذ أن يقال بكونها أسامي لما يقوم به هيآتها بحسب العرف ممّا يصدق معها الاسم سواء اعتبر في حصولها تحقّق بعض الأجزاء بخصوصها كما قد يقال في بعض العبادات أو لا كما هو الحال في الصلاة وهو ثالث الوجوه في المقام. (١)

إشكال الشيخ الأعظم قدس‌سره

وكيف كان فقد أورد عليه في التقريرات بأنّ القول بالوضع لمعنى لكن لا من حيث أنّه ذلك المعنى بل من حيث كونه جامعا لملاك التسمية راجع في الحقيقة إلى القول بكون المسمّى هو القدر المشترك بين الزائد والناقص إذ لا يعقل أن يكون شيء مورد الوضع ولا يكون هو الموضوع له بالخصوص على وجه لا يكون له شريك في ذلك من حيث تعلق الوضع الخاصّ به اللهمّ بالقول بأنّه من باب الوضع الخاصّ والموضوع له العامّ على عكس ما هو المعروف من الوضع في المبهمات إلّا أنّ ذلك أيضا غير خارج عن الاشتراك المعنويّ إذا كان الموضوع له هو نفس العامّ وعن الوضع العام والموضوع له الخاصّ إذا كان الموضوع له مصاديق ذلك العامّ. والأوّل كما مرّ غير مرّة غير معقول والثاني ممّا لا يلتزم به القائل بالأعمّ ولا يساعده شيء من كلماتهم في الأدلّة والأجوبة كما لا يخفى (٢).

جواب إشكال الشيخ الأعظم قدس‌سره

وفيه أنّ القول بكون المسمّى هو القدر المشترك بين الزائد والناقص وهو جملة من

__________________

(١) هداية المسترشدين / ١٠١.

(٢) التقريرات / ٦.

٣٤٥

الأجزاء اللازمة في الصّلاة بنحو الإبهام بمقدار يصدق عنوان الصلاة عليه عرفا يكون معقولا كما مرّ في معظم الأجزاء. إذ إشكال تبادل الأجزاء في الماهيّة يرد فيما إذا لوحظت الأجزاء معيّنة لا مبهمة فكلّ جملة من الأجزاء تكون حينئذ من مصاديق ماهيّة الصلاة.

ولعلّ وجه تشبيه ذلك بالأعلام من جهة أنّ الواضع قد يصرّح بأنّ الوضع للجامع وقد لا يصرّح ولكن المعلوم من وضعه هو ذلك. ومن القسم الثاني وضع ألفاظ العبادات والأعلام إذ الواضع وإن وضع اللفظ بإزاء المركّب التامّ والخاصّ ولكن مقصوده في الحقيقة هو الوضع لجملة أجزاء مبهمة من الأجزاء الصلاتيّة واستعمل اللّفظ في الخاص من باب أنّه أحد مصاديق المعنى فبرؤية المركّب الخاصّ انتقل إلى العامّ ووضع اللفظ بإزائه واستعمل في الخاصّ من باب أحد المصاديق فلا يلزم من ذلك الوضع الخاصّ والموضوع له العامّ. كما أنّ وضع العلم لمجموعة البدن والروح الذي له مشخّصات ثابتة كالأبنية لفلان يكون كذلك إذ الهيئة الموجودة حال الاسم لا دخالة له وإلّا لما صدق عليه الاسم بعد تغييره بالحالات المختلفة مع أنّا نرى بالوجدان صدق الاسم عليه في جميع الحالات ومن ذلك يظهر أنّ الموضوع للعلم هو الروح المخصوص وبدن ما بنحو الإبهام وحيث كان الخارجيّات متعيّنات فالموضوع للأعلام ليس الوجود الخاصّ المتعيّن الخارجيّ بل هو ماهيّته الشخصيّة التي تكون معلومة وممتازة من سائر الماهيّات ومبهمة من جهة حالاتها ولذا صدق الاسم على الماهيّة الشخصيّة ولو تلبّس بالوجود الذهنيّ أو البرزخيّ مع أنّ الخصوصيّات الوجوديّة متغايرة وإنّما الثابت هو الماهيّة الشخصيّة مع بدن ما. وهكذا في المقام.

ولذلك قال استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره إنّ المقصود من تنظير المقام بالأعلام هو أنّ اللفظ في الأعلام كما وضع للمعنى المبهم من روح متعيّن خاصّ وبدن ما كذلك لفظ العبادة وضع لجملة من الأجزاء المعلومة الخاصّة مع الإبهام من جهة عددها وهيأتها.

٣٤٦

ولعلّ إليه يؤول ما في نهاية الدراية من أنّ ظنّى أنّ وضع الأعلام على حدّ ما ذكرناه سابقا من الوضع لهذه الهويّة الممتازة عن سائر الهويّات مع الإبهام من سائر الجهات. (١)

وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية من أنّ الأعلام إنّما تكون موضوعة للأشخاص والتشخّص إنّما يكون بالوجود الخاصّ ويكون الشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده باقيا وإن تغيّرت عوارضه من الزيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيّات فكما لا يضرّ اختلافها في التشخّص (الشخص) لا يضرّ اختلافها في التسمية وهذا بخلاف مثل ألفاظ العبادات ممّا كانت موضوعة للمركّبات والمقيّدات. ولا يكاد يكون موضوعا له إلّا ما كان جامعا لشتاتها وحاويا لمتفرّقاتها كما عرفت في الصحيح منها. (٢)

وفيه أنّه إن أراد أنّ الوجود الخارجيّ المتعيّن الخاصّ موضوع له للأعلام ففيه أنّ بالتغيير وتبدّل الحال لا بقاء للموضوع له مع أنّا نرى بقاء الموضوع له في أيّ تقدير وحال وإن أريد أنّ الوجود الخارجيّ المبهم هو الموضوع له ففيه أنّ الخارجيّات متعيّنات فلا وجود للمبهم في الخارج فلا بدّ من أن يقال أنّ الهويّة المتشخصة والماهيّة المتعيّنة عن سائر الهويّات مع الإبهام من سائر الجهات هي الموضوع له وهي صادقة في جميع الحالات وأنحاء الوجودات من الوجود الخارجيّ والذهنيّ والبرزخيّ وسرّ ذلك هو أنّ أخذ الإبهام فيها وأخذ الإبهام في الماهيّات الذهنيّة لا محذور فيه وتشبيه ألفاظ العبادات مع صدقها في جميع الحالات بالأعلام لا بأس به لأخذ الإبهام في كليهما كما لا يخفى.

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٦٦.

(٢) الكفاية ١ / ٤٠.

٣٤٧

إشكال الإحالة إلى المجهول

فتحصّل أنّه لا إشكال في هذا التصوير إلّا أن يقال أنّه إحالة إلى المجهول فإنّ أخذ جملة من الأجزاء من دون ذكر أشخاصها أو تقييدها بالأركان أو القلّة أو الكثرة كالمعظم غير معلوم المراد ولذا استشكل عليه في هداية المسترشدين بقوله : ويشكل ذلك أيضا مع بعد الوجه المذكور في نفسه أنّه لا معيار حينئذ لتعيين المعنى المراد والرجوع فيه إلى العرف إنّما يكون بعد حصول الغلبة والاشتهار وأمّا قبله فلا يكاد يتعيّن الموضوع له أو المستعمل فيه بوجه لعدم إمكان الإحالة إلى العرف حينئذ بل لا يكاد يحصل في العرف معنى جامع بينهما بحيث يشمل الصحيح والفاسد عندنا. (١)

جواب الإشكال المذكور

يمكن أن يقال انّ الموضوع له معلوم بحسب المفهوم وهو جملة من الأجزاء التي مع وجودها يصدق لفظ الصّلاة عليها عرفا والإحالة في المصداق لا في المفهوم إذ المعنى المذكور معلوم بخلاف المصداق فإنّه يختلف باختلاف الأحوال والمرجع فيه هو العرف.

إشكال الدور

واستشكل عليه بأنّ حوالة تعيينه إلى عرف المتشرّعة مستلزمة للدور لتوقّف تعيين ما اعتبره الشارع في التسمية على عرف المتشرّعة وتوقّف عرفهم بمعرفته على بيان الشارع لهم إذ لم يكن الأمر موكولا إليهم وبعبارة اخرى أنّ الصدق العرفيّ تابع لوجود المسمّى في الواقع ومقام الثبوت فلا يعقل أن يكون وجود المسمّى في الواقع ونفس الأمر تابعا للصدق العرفيّ.

جواب الميرزا الشيرازيّ قدس‌سره

واجيب عنه في تقريرات الميرزا الشيرازيّ قدس‌سره بأنّ الضابط لتعيينه ما يصدق معه

__________________

(١) هداية المسترشدين / ١٠١.

٣٤٨

الاسم عرفا على أن يكون الصدق العرفيّ كاشفا لا عنوانا حتّى يلزم الدور فالحوالة في الحقيقة على الشرع نظير حوالة اللغات على العرف مع توقيفيّتها فكما يكون العرف مرآة للغة فكذلك عرف أهل الشرع يكون مرآة للاصطلاح الشارع. (١)

ولقد أفاد وأجاد وحاصله أنّ الدور المحال هو ما إذا توقّف كلّ واحد في الثبوت على الآخر وفي المقام ليس كذلك لأنّ الصدق العرفيّ تابع لوجود المسمّى في الواقع ومقام الثبوت ولكن وجود المسمّى في الواقع ونفس الأمر لا يتوقّف عليه إذ ثبوته بالوضع لا بشيء آخر نعم يتوقّف إثباته خارجا على الصدق العرفيّ. فاختلف الطرفان فلا يلزم الدور من أن يكون الفهم العرفيّ كاشفا عن تحقّق المسمّى.

ثمّ إنّ إرجاع هذا الوجه إلى الوجه الأوّل كما يظهر من المحاضرات خلاف ظاهر كلماتهم فإنّ جملة من الأجزاء أعمّ من معظم الأجزاء اللهمّ إلّا أن يقال إنّهما وإن كانا مختلفين عنوانا ولكنّهما متّحدان مصداقا فإنّ العرف لا يفهم صدق الصلاة في الخارج إلّا إذا وجد معظم الأجزاء فافهم.

الوجه الرابع :

وهو أنّ حال ألفاظ العبادات كحال أسامي المعاجين قال في الكفاية في تقريبه أنّ ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحيح التامّ الواجد لتمام الأجزاء والشرائط إلّا أنّ العرف يتسامحون كما هو ديدنهم ويطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض تنزيلا له منزلة الواجد فلا يكون مجازا في الكلمة على ما ذهب إليه السكّاكيّ في الاستعارة بل يمكن دعوى صيرورته حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة أو دفعات من دون حاجة إلى الكثرة والشهرة للانس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة أو المشاركة

__________________

(١) تقريرات الميرزا ١ / ٣٢٣.

٣٤٩

في التأثير كما في أسامي المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركّبات واجدة لأجزاء خاصّة حيث يصحّ إطلاقها على الفاقد لبعض الأجزاء المشابه له صورة والمشارك في المهمّ أثرا تنزيلا أو حقيقة.

أورد عليه في الكفاية بأنّه إنّما يتمّ في مثل أسامي المعاجين وسائر المركّبات الخارجيّة ممّا يكون الموضوع له فيها ابتداء مركّبا خاصّا ولا يكاد يتمّ في مثل العبادات التي عرفت أنّ الصحيح منها يختلف حسب اختلاف الحالات وكون الصحيح بحسب حالة فاسدا بحسب حالة اخرى كما لا يخفى فتدبّر جيّدا.

وفيه كما قال استاذنا المحقّق الداماد أنّه يمكن تصوير الوضع ابتداء في المركّبات الشرعيّة أيضا بأن يوضع اللفظ ابتداء لفرد من الصحيح التامّ الواجد لتمام الأجزاء والشرائط كصلاة الحاضر المختار السالم ثمّ يستعمل في الصحاح الباقية وغيرها من الصلوات الباطلة بلحاظ وحدة الأثر أو المشاكلة تنزيلا لها منزلة الكامل ومن المعلوم أنّ الفرد المذكور من الصحيح التامّ غير متبدّل ومشخّص كالمركّبات الخارجيّة ويمكن أيضا أن يوضع اللفظ ابتداء لماهيّة تامّ الأجزاء والشرائط ثمّ يستعمل في الفاسد بعلاقة المشاكلة والمشابهة المذكورة وفي كلتا الصورتين أيضا لا يرد إشكال صاحب الكفاية حيث أنّ اللفظ وضع ابتداء للمركّب الخاصّ سواء كان هو الفرد من الصحيح أو ماهيّة الصحيح لأن الفرد كالماهيّة معيّن والفرد ثابت كما أنّ الماهيّة بما هي ماهيّة غير متبدّل وإنّما أفراد الصحيح متبادلة بحسب اختلاف الأحوال إذ في كلّ فرد يصدق عليه أنّه تامّ الأجزاء والشرائط وهو كاشف عن تشخّص المعنى وثباته.

نعم الأولى أن يقال في ردّ هذا التصوير بأنّ ذلك مستلزم للاشتراك اللفظيّ لأنّ اللفظ بعد صيرورته حقيقة في الفاقد كالواجد يكون مشتركا لفظيّا بين الصحيحة والفاسدة لا مشتركا معنويّا وهو ممّا لا يلتزم به الأعمّيّ فلا يمكن أن يكون هذا التصوير تصويرا لما ذهب إليه الأعمّيّ كما لا يخفى.

٣٥٠

ويقرب منه ما في نهاية الدراية من أنّ مبنى هذا الوجه على الاكتفاء بجامع الصحيحيّ لا بيان الجامع للأعمّيّ فلا يرد عليه غير ما يرد على الصحيحيّ نعم يمكن أن يورد عليه بمنافاته لغرض الأعمّيّ على أيّ حال إذ لو لم يصل الاستعمال إلى حدّ التعيّن كان الظهور الاستعماليّ في الصحيح حجّة فالأعمّيّ كالصحيحيّ ولو وصل إليه لزم الاشتراك اللفظيّ والالتزام بمجرّد المعنى الصحيحيّ مع أنّه أولى بالصدق باطل. (١)

حاصله أنّ الأعمّيّ في كلتا الصورتين من تحقّق الظهور وعدمه لا يصل إلى الجامع بين الصحيح والفاسد فهذا الوجه لا يفيد بحاله على جميع التقادير.

الوجه الخامس :

وهو أنّ حال ألفاظ العبادات حال أسامي المقادير والأوزان وتصويره كما في الكفاية أن تكون ألفاظ العبادات حالها حال أسامي المقادير والأوزان مثل المثقال والحقّة والوزنة إلى غير ذلك ممّا لا شبهة في كونها حقيقة في الزائد والناقص في الجملة فإنّ الواضع وإن لاحظ مقدارا خاصّا إلّا أنّه لم يضع له بخصوصه بل للأعمّ منه ومن الزائد والناقص أو أنّه وإن خصّ به أوّلا إلّا أنّه بالاستعمال كثيرا فيهما بعناية أنّهما منه قد صار حقيقة في الأعمّ ثانيا.

أورد عليه في الكفاية بأنّ الصحيح كما عرفت في الوجه السابق يختلف زيادة ونقيصة فلا يكون هناك ما يلحظ الزائد والناقص بالقياس عليه كي يوضع اللفظ لما هو الأعمّ فتدبّر جيّدا.

وفيه ما مرّ من أنّ الفرد الصحيح أو الماهية الصحيحة غير متبدّلين فيمكن أن يلحظ الزائد والناقص بالقياس عليه. فالأولى هو أن يقال في جواب هذا التصوير أنّه

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٦٧.

٣٥١

إن لاحظ الواضع الفرد الصحيح ووضع اللفظ بإزائه ثمّ استعمل اللفظ في غيره بعناية حتّى يتحقّق الانس فلا فرق بينه وبين الوجه الرابع فيرد عليه ما اورد عليه وهكذا إن لاحظ ماهيّة الصحيح ووضع اللفظ بإزائها ثمّ استعمل اللفظ في غيرها من الصلوات الباطلة بعناية حتّى يتحقّق الانس بين اللفظ والمستعمل فيه.

وأمّا إن اريد بهذا الوجه هو أنّا إذا رأينا أنّ اللفظ حقيقة في الزائد والناقص في الجملة أيضا ككونه حقيقة في المقدار الخاصّ نكشف عن كون اللفظ حقيقة في الأعمّ لا في خصوص المقدار الخاصّ كما اشير إليه بقوله : فإنّ الواضع وإن لاحظ مقدارا خاصّا إلّا أنّه لم يضع له بخصوصه بل للأعمّ منه ومن الزائد والناقص. ففيه : أوّلا : أنّ كون اللفظ حقيقة في غير المقدار الخاصّ من الزائد والناقص في الجملة ممنوع بل هو مستعمل فيهما مسامحة ويشهد له هو مداقّة الناس في المقادير والأوزان إذا كان الموزون من الذهب والفضّة وغيرهما من الأشياء النفيسة وثانيا : أنّ استعمال اللفظ فيهما بنحو الحقيقة كاستعماله في المقدار الخاصّ يمكن أن يكون من باب الاشتراك اللفظيّ فلا يكون ذلك كاشفا عن وضع اللفظ للأعمّ. وثالثا : أنّ المسلّم في أمثال المقادير والأوزان صدقها على الناقص بيسير لا على الناقص بكثير كما فيما نحن فيه فالدليل على فرض الصحّة أخصّ من المدّعى كما صرّح به المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره في تعليقته على الكفاية. (١)

فتحصّل من جميع ما تقدّم إمكان تصوير الجامع على القول الأعمّيّ بالوجه الأوّل.

الجهة الثامنة في عموميّة الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات :

ولا يخفى أنّ الظاهر أن يكون الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات عامّين

__________________

(١) نفس المصدر.

٣٥٢

واحتمال كون الموضوع له خاصّا بنحو الاشتراك اللّفظيّ أو بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ بعيد من جهات :

أحدها : أنّ الصحيحيّ والأعمّيّ لا يلتزمان بالاشتراك اللفظيّ ولا بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ بعد ذهابهم إلى تصوير الجامع.

ثانيها : هو أنّه لو كان كذلك لزم أن يكون استعمال لفظ الصلاة والصوم في الجامع في مثل (الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) و «الصلاة معراج المؤمن». و «عمود الدين» و «الصوم جنّة من النار» مجازا مع أن استعماله جائز بالوجدان ولا يحتاج إلى عناية حتّى يكون مجازا.

نعم مقتضى بعض الوجوه المتقدّمة كالوجه الرابع والخامس المذكورين لتصوير الجامع هو تعدّد الأوضاع غاية الأمر أنّها ملفّقة من أوضاع تعيينيّة وتعيّنيّة.

قال في نهاية النهاية : واحتماله ليس بذلك البعيد بل قريب جدّا فتكون الاستعمالات التي أشار إليها المصنّف من باب عموم الاشتراك ولا بعد في ذلك. انتهى (١)

ولكن قد عرفت سابقا أنّ لازم تعدّد الأوضاع هو الاشتراك اللفظيّ والأعمّيّ لا يلتزم بذلك.

الجهة التاسعة في ثمرة النزاع :

ولا يذهب عليك أنّ ثمرة النزاع على المعروف هو إجمال الخطاب على قول الصحيحيّ وعدم جواز الرجوع إلى إطلاق الخطاب في رفع الشكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته لأنّ مرجع الشكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته إلى الشكّ في وجود ما له

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٤٠.

٣٥٣

المدخليّة في قوام الموضوع له. ومع أول الشكّ إلى الشكّ في وجود المقوّم لا يجوز التمسّك بالإطلاق في مورد المشكوك لأنّه تمسّك به في الشبهات الموضوعيّة والتمسّك بالعامّ أو المطلق في الشبهات الموضوعيّة باطل لأنّ التمسّك بالإطلاق أو العموم فيما إذا انحفظ نفس المتعلّق وتعلّق الشكّ بما هو خارج عن قوامه وفي المقام كلّ شيء شكّ في جزئيّته أو شرطيّته يؤول إلى الشكّ في مدخليّته في الصحيح وليس خارجا عن قوامه كما لا يخفى.

هذا بخلاف قول الأعمّيّ فإنّه يجوز له التمسّك بالإطلاق الذاتيّ فيما إذا لم يكن الشكّ فيما له دخل في انحفاظ الذات بعد تماميّة مقدّمات الحكمة لأنّ مع انحفاظ الذات يكون الشكّ فيما يكون خارجا عن قوام المتعلّق فيرفع الشكّ بأصالة الإطلاق في ناحية المتعلّق.

ثمّ إنّ مع جريان أصالة الإطلاق لا مورد لجريان أصالة البراءة لأنّ أصالة الإطلاق من الاصول اللفظيّة والأمارات. ولا مجال للاصول العمليّة فيما جرت أمارة من الأمارات كما هو واضح.

وبالجملة هذه ثمرة هامّة تنفع للمستنبط في جميع موارد الشكّ فيما يكون خارجا عن قوام المتعلّقات.

ولذلك قال استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره : لا يذهب عليك أنّ للقول بالأعمّ نتيجة مهمّة في أبواب الفقه حيث يجوز له التمسّك بالإطلاقات وإجراء الحكم في الفاسد كجواز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين للمجتهدين المختلفين في الفتوى بالآخر مع العلم ببطلان صلاته أخذا بإطلاق أدلّة جواز الاقتداء بصلاة الغير والقول بانصراف الإطلاق إلى الصلاة الصحيحة كما ترى في المقام مع القول بالأعمّ كما لا يخفى.

هنا إشكالات

أحدها : أنّه لا ثمرة بين القولين لأنّ ماهيّة العبادات مجهولة عند أهل العرف

٣٥٤

والمحاورات لأنّها من المخترعات الشرعيّة ولا سبيل للعرف إلى فهم أجزائها وشرائطها وموانعها فقبل بيان حقيقتها بوسيلة الشارع لا معنى للتمسّك بإطلاقها لأنّ المفروض أنّها مهملة من حيث المعنى والخصوصيّات. هذا مضافا إلى أنّ الأدلّة العامّة كلّها وردت في مقام أصل التشريع وبعد بيان الشارع لحقيقتها يصحّ التمسّك بالإطلاق المقامىّ على القولين فإنّ الصحيحيّ كالأعمّيّ يقول عند الشكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته لو كان المشكوك جزءا أو شرطا لذكره الشارع عند بيان الحقيقة وحيث لم يذكره فلا يكون له مدخليّة في الواجب فيجوز حينئذ الأخذ بالإطلاق المقاميّ على القولين فلا ثمرة في النزاع.

وفيه أوّلا : إنّا لا نسلّم عدم ورود الإطلاقات في الكتاب والسنّة والقول بعدم ورود الإطلاقات في جميع أبواب العبادات رجم بالغيب ولذلك قال سيّدنا الإمام قدس‌سره في تهذيب الاصول : كيف ينكر الفقيه المتتبّع في الأبواب وجود الإطلاق فيها وكيف يرتضي المجيب رمي الأكابر بصرف العمر فيما لا طائل تحته. انتهى. ألا ترى أنّ كلّ جزء من أجزاء الصلاة كالتشهّد والركوع والسجود ورد فيه إطلاق لفظيّ كقوله عليه‌السلام : يتشهّد أو يركع أو يسجد وهكذا. فلو شكّ في اعتبار أمر زائد على نفس هذه العناوين كالتوالي أو الطمأنينة أو غير ذلك يجوز الأخذ بالإطلاق الذاتيّ للأعمّيّ وهكذا الأمر في أجزاء غير الصلاة كالحجّ كما لا يخفى.

قال في منتهى الاصول : وأمّا إجمالها وعدم فهم شيء منها قبل صدور البيان من قبل الشارع وإن كان صحيحا ولكن بعد ما صدر بيان من قبل الشارع بالنسبة إلى عدّة من الأجزاء والشرائط والموانع بحيث يصدق عليه لفظ الصلاة مثلا بناء على الأعمّ ولم نحرز كون دليل المبيّن في مقام بيان تمام ما له مدخليّة في الصلاة مثلا حتّى يمكن التمسّك بإطلاقه المقاميّ ففي مثل هذا المورد يمكن التمسّك بالأدلّة العامّة أي

٣٥٥

الألفاظ الموضوعة للماهيّات المخترعة. (١)

وفيه أنّ مع تسليم عدم الإطلاق في الأدلّة العامّة في المخترعات الشرعيّة كيف يمكن التمسّك بإطلاق الأدلّة العامّة بعد ورود إطلاقات في ناحية الأجزاء بل الصحيح هو ما ذكرناه من جواز التمسّك بإطلاق ما ورد في ناحية الأجزاء كما لا يخفى. نعم لو أراد إمكان ورود أدلّة عامّة تشتمل على ألفاظ العبادات لبيان أمر كالاقتداء أو حكم آخر بعد بيان حقيقة العبادة لصحّ ما أفاده ، نحو ما ورد في جواز اقتداء أحد المجتهدين على الآخر مع العلم بفساد صلاته فإنّه يمكن للأعمّىّ الحكم بصحّته قضاء لإطلاق الصلاة على صلاة الإمام ولو مع العلم بفسادها أو نحو ما ورد في جواز صلاة الرّجل وعدمه مع تقدّم المرأة في الصلاة فإنّه على الأعمّ تكون صلاة الرجل خلف امرأة تصلّي منهيّة عنها بما ورد من أنّه لا تصلّ خلف امرأة تصلّي ولو مع العلم بالفساد بخلاف الصّحيحي فإنّ صلاة الرجل ليست بمنهيّة لو علم بفساد صلاة المرأة.

بل يمكن القول بوجود الإطلاق في الأدلّة العامّة الأوّليّة في المخترعات الشرعيّة إذا كانت لها سابقة في الامم السابقة كالصوم فإنّ العبادة كالصوم حينئذ يكون كالمعاملات الرائجة في الأقوام والملل فكما أنّ للأدلّة العامّة في المعاملات إطلاقا إمضائيّا ، فكذلك يكون للأدلّة العامّة الواردة في هذه العبادات إطلاق إمضائيّ. وإن زاد أو نقص فيها بحسب الشرع الإسلام. فيجوز التمسّك بالإطلاق المذكور الفاقد لما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته. ولذلك قال في المحاضرات : فإنّ من الآيات الكريمة ما ورد في الكتاب وهو في مقام البيان كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ). فالمفهوم من كلمة الصيام عرفا كفّ النّفس عن الأكل والشرب وهو معناه اللغويّ فالصيام بهذا المعنى كان ثابتا في سائر الشرائع والأديان بقرينة قوله تعالى :

__________________

(١) منتهى الاصول ١ / ٦٤ ـ ٦٥.

٣٥٦

(كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). حيث لم يعتبر فيه سوى الكفّ عن الأكل والشرب عند تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود. نعم إنّ ذلك يختلف كيفيّة باختلاف الشرائع ولكن كلّ ذلك الاختلاف يرجع إلى الخارج عن ماهيّة الصيام بل قد يعتبر فيه كما في شرع الإسلام الكفّ عن عدّة امور آخر أيضا كالجماع والارتماس في الماء والكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام وإن لم يكن الكفّ عنها معتبرا في بقيّة الشرائع والأديان. وعلى ذلك فلو شككنا في اعتبار شيء في هذه الماهيّة قيدا وعدم اعتباره كذلك فلا مانع من أن يرجع إلى إطلاق قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ... الآية. وبه يثبت عدم اعتباره. فحال الآية المباركة حال قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ). تجارة عن تراض. وما شاكلهما فكما أنّه لا مانع من التمسّك بإطلاقها في باب المعاملات عند الشكّ في اعتبار شيء فيها فكذلك لا مانع من التمسّك بإطلاق هذه الآية المباركة في باب الصوم عند الشكّ في دخل شيء في صحّته شرعا. (١)

نعم لو حصل من كثرة استعمال ألفاظ المخترعات الشرعيّة التي لها سابقة في الامم السابقة في المرادات الشرعيّة الإسلاميّة انس اللفظ بحيث يظهر لفظ العبادة في المرادات الشرعيّة عندنا فلا مجال للتمسّك بالإطلاق في دفع الشكّ عمّا يحتمل دخله في المرادات الشرعيّة عندنا بناء على قول الصحيحيّ لأول الشكّ المذكور إلى الشكّ في المقوّم كما لا مجال للأخذ بالإطلاق بناء على قول الأعمّيّ لإجمال الأدلّة العامّة في المخترعات الشرعيّة عندنا.

وثانيا : بما في المحاضرات من أنّ الضابط للمسألة الاصوليّة إمكان وقوعها في

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٧٩.

٣٥٧

طريق الاستنباط لا فعليّته وهو موجود في هذه المسألة كما لا يخفى (١).

وثالثا : بأنّ الإطلاق المقاميّ ربما لا يتحقّق في بعض العبادات كما إذا احرز أجزائها من الأدلّة اللبّيّة كالإجماعات ، فلا إطلاق مقاميّ في البين حتّى يتمسّك به على القولين فلا يصحّ دعوى وجود الإطلاق المقاميّ في جميع الموارد.

ورابعا : بأنّه لو شكّ في جزء من الأجزاء الثابتة أنّه واجب أو مستحبّ ليس للصحيحي أن يتمسّك بالإطلاق بخلاف الأعمّيّ كما صرّح به استاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره.

وممّا ذكر كلّه يظهر ما في المقالات حيث استشكل في الثمرة المذكورة. وقال : ذلك مبنيّ على كون الإطلاقات على الأعمّي في مقام البيان وإلّا فلا بيان على الأعمّيّ أيضا لأنّ المهمل بمنزلة المجمل كما لا يخفى وحينئذ لا يبقى ثمرة مهمّة في مثل هذه المسألة (٢).

وثانيها : كما في نهاية الاصول : أنّ التحقيق في المسألة أن يقال انّ وضع ألفاظ العبادات (كالصلاة والصوم ونحوهما لمهيّاتها) ليس بتعيين الشارع فإنّ سنخ هذه العبادات كان معمولا متداولا بين جميع أفراد البشر وأرباب الملل حتّى في أعصار الجاهليّة أيضا وكان هذه الألفاظ المخصوصة موضوعة بإزائها ومستعملة فيها كما عرفت تفصيل ذلك في مبحث الحقيقة الشرعيّة وعلى طبق استعمالهم جرى استعمال الشارع أيضا غاية الأمر أنّه تصرّف في كيفيّتها وما يكون معتبرا فيها من الأجزاء والشرائط وبيّن ذلك بالعمل أو بتصريحات أخر فهذه الألفاظ لم تستعمل في لسان الشارع إلّا في نفس هذه الماهيات وهذا السنخ من العبادات المتداولة في جميع الأعصار

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) مقالات الاصول ١ / ٤٦.

٣٥٨

بين جميع أرباب الملل. واعتبار القيود والخصوصيّات الفرديّة المعتبرة في شرع الإسلام إنّما ثبت بالأدلّة الأخر وليس وضعها بتعيين الشارع حتّى يتوهّم كون الموضوع له خصوص ما صحّ عنده وكان واجدا لجميع ما اعتبر فيه من الأجزاء والشرائط فتدبّر جيّدا. (١)

وعليه فيمكن الأخذ بإطلاق الخطابات في العبادات فيما إذا شكّ في جزئيّة شيء وشرطيّته ممّا لا مدخليّة له في مسمّاها الصحيح في الأعصار السابقة وإن شكّ في دخالته في المأمور به الشرعيّ في زمان الإسلام فلا فرق حينئذ في الرجوع إلى الإطلاق بين القولين فلا ثمرة.

وفيه أوّلا : أنّه يمكن إن يقال أنّ مع ذلك يكون الفرق بين القولين موجودا فإنّ حيطة الإطلاق بناء على قول الأعمّيّ أوسع من قول الصحيحى فإنّ حيطة الإطلاق على قول الصحيحيّ محدودة بحدود وجود ما اعتبر في العبادة في الأعصار السابقة بخلاف الأعمّيّ فإنّه يجرى الإطلاق ولو بالنسبة إلى مثل هذه الامور. نعم لا فرق بينهما بالنسبة إلى ما شكّ في اعتباره بحسب الإسلام كما لا يخفى.

وثانيا : أنّ الرجوع إلى ما تداول في الأعصار السابقة فيما إذا لم يثبت استعمال الشارع تلك الألفاظ تعيينا أو تعيّنا في الصلاة الجامعة للأجزاء أو الشرائط المعتبرة في شرعنا وإلّا فبعد ظهور الألفاظ المذكورة في المعاني الشرعيّة لا مجال للرجوع إلى ما تداول في الأعصار السابقة بأصالة الإطلاق وقد عرفت سابقا في مبحث الحقيقة الشرعيّة تقوية القول بأنّ للاستعمالات الشرعيّة ظهورا في الأجزاء والشرائط المعتبرة عندنا فراجع.

وثالثها : أنّ متعلّق الأوامر الشرعيّة ليس الحصّة الفاسدة ولا الجامع بينها وبين

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ٤٩.

٣٥٩

الحصّة الصحيحة ضرورة أنّ الشارع لا يأمر بالحصّة الفاسدة أو الأعمّ منها وعليه فالأعمّيّ أيضا كالصحيحيّ فإنّ المسمّى وإن كان عنده أعمّ ولكن بحسب أمر الشارع وإرادته يكون مقيّدا بالصحّة فإذا كان الفاسد خارجا عن دائرة المتعلّق فالمتعلّق معنون بضدّ الخارج وهو الصحيح فلا يجوز التمسّك بالإطلاق أو العامّ في الفرد المشكوك لأنّه تمسّك بالإطلاق أو العامّ في الشبهة المصداقيّة كما لا يجوز التمسّك بدليل الخاصّ المقيّد لإخراج الفاسد فإنّ التمسّك به تمسّك به في الشبهة الموضوعيّة ولا فرق حينئذ بين القولين في عدم جواز التمسّك بالإطلاق أو العامّ في الفاقد لما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته لأنّ صدق المتعلّق على الفاقد مشكوك على القولين كما لا يخفى.

وفيه أنّ الشيخ قدس‌سره على المحكيّ عنه في التقريرات أجاب عنه : بأنّه ليس الفاسد خارجا عن العموم بل ليس الخارج إلّا فاسدا. وبعبارة ظاهرة : الفساد ليس عنوانا للأفراد الخارجة وإنّما هو وصف اعتباريّ منتزع من الأفراد بعد اتّصافها بالخروج فكونها فاسدة موقوف على خروجها والعموم حاكم بدخولها فلا يتّصف بالفساد بل يجب اتّصافها بالصحّة إذ لا معنى للصحّة إلّا هذا. وقد قرّرنا في محلّه جواز الرجوع بل وجوبه فيما إذا امتنع الوصف جعله عنوانا للعامّ أو للمخصّص كما في وصفي الصحّة والفساد وتوهّم تقييد المطلوب بالصحيحة ناش عن عدم الفرق بين كون الصفة مأخوذة في موضوع الحكم وبين أن يكون لازما مساويا للموضوع فعلى الأوّل يجب إحرازه وعلى الثاني فما هو الموضوع بحكم اللفظ يلازم وجوده وجود لازمه وما ذكرنا بمكان من الظهور. (١)

حاصله أنّ تعنون المطلق أو العامّ بضدّ الخاصّ أمر صحيح ولكنّه ليست الأفراد الخارجة عن الصلاة معنونة بالفساد حتّى تعنون المطلق أو العامّ بضدّه وهو الصحّة إذ

__________________

(١) التقريرات / ٨.

٣٦٠