عمدة الأصول - ج ١

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

أوّلا فيما اختاره من الصحيح أو الأعمّ.

وثانيا : أنّ بناء الشارع على إرادة هذا الطرف لا حاجة إليه ، كما صرّح به استاذنا المحقّق الداماد لإمكان أن يكون النزاع في أنّ أقرب المجازات أو أشيعها هل هو الصحيح أو الاعمّ فإذا أحرزنا أن الأشيع هو استعمالها في الصحيح أو الأعمّ فلا حاجة إلى إحراز بناء الشارع لوجود بناء العقلاء على تقديم الأقرب والأشيع وهو كاف في التعيين.

وممّا ذكر يظهر ما في دعوى أنّ الألفاظ بعد قيام القرينة على عدم إرادة المعاني اللغويّة صارت مجملة لتردّدها بين المجازات منها الصحيح والأعمّ فيحتاج انحصارها فيهما إلى نصب قرينة اخرى على عدم إرادة غيرهما من المجازات أو إلى إثبات بناء شرعيّ على عدم إرادة غيرهما من المجازات حتّى انحصر أمر الألفاظ فيهما وبدون نصب القرينة أو إثبات بناء شرعيّ صارت الألفاظ مردّدة بين المجازات ولا ترجيح.

وذلك لأنّ الأشيعيّة والأقربيّة كافية في تعيين الصّحيح أو الأعمّ فإذا احرز مثلا أنّ الصحيح هو الأشيع فبناء العقلاء على تقديم ذلك بملاك الأشيعيّة ولا حاجة إلى نصب قرينة أو بناء شرعيّ فلا يحصل الإجمال بعد البناء المذكور كما لا يخفى.

وثالثا : بأنّه لا حاجة مثلا إلى إثبات أنّ عدم نصب القرينة على إرادة ما عدى الصحيحة دليل على إرادة الصحيحة بعد وجود الظهور اللفظى والإطلاقيّ وذلك كما في تعليقة الأصفهانيّ لأنّ المفروض على الصحيحة استعمال اللفظ في الصحيحة بحسب المفهوم والمعنى دائما والظهور اللفظيّ حجة على المراد الجدّيّ ما لم تقم حجّة اخرى على خلافها وكذا بناء على استعماله في الأعمّ أنّ اللفظ دائما مستعمل في الأعمّ وإفادة خصوصيّة الصحيحة والفاسدة بدالّ آخر فمع عدم الدالّ الآخر يحمل اللفظ على

٣٠١

ظاهره ويتمسّك بإطلاقه. (١)

استظهار عدم جريان النزاع من جهة قصور العناوين والأدلّة

وأمّا استظهار عدم جريان النزاع بناء على العدم من جهة قصور العناوين والأدلّة ففيه كما في تقريرات الشيخ قدس‌سره أنّ الوجه في اختصاص العنوان بعد تسليم دلالة الإسم على الوضع أنّ عنوان النزاع إنّما هو من القائلين بثبوت الحقيقة الشرعيّة وإنّما تبعهم في العنوان من لا يقول بها جريا على ما هو المعنون في كلامهم محافظة لما قد يتطرّق إليه من الاختلال. ومنه يظهر الوجه في اختصاص الأدلّة فإنّها تابعة لما هو الواقع في العنوان ولم يظهر من النافي للحقيقة الشرعيّة مع ذهابه في المقام إلى أحد الوجهين التمسّك بما ينافي ما اختاره من العدم. (٢)

هذا مضافا إلى ما في تعليقة الأصفهانيّ من أنّه لا شبهة في قصور عنوان البحث وأدلّة الطرفين عن الشمول إلّا أنّ تسرية النزاع لا تدور مدار العنوان والأدلّة بل ربما يجب تسريته مع عموم الثمرة لغيره كما في ما نحن فيه فإنّه لو ثبت أصالة الاستعمال في الصحيحة أو الأعمّ لترتّب عليه ثمرة النزاع من التمسّك بالإطلاق على الأعمّ وعدمه على الصحيحة. (٣)

والحاصل : أنّ النزاع يجري على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة أو المتشرّعة مع العنوان الموجود في كلماتهم ولا حاجة لجريان النزاع إلى تعويض العنوان بما في تهذيب الاصول من أنّ الأصل في استعمالات الشارع لألفاظ العبادات والمعاملات

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٤٩.

(٢) تقريرات الشيخ ١ / ١.

(٣) نهاية الدراية ١ / ٤٨.

٣٠٢

ما ذا؟ حتّى يدخل فيه جميع الأقوال حتّى على القول بالمجاز. (١)

جريان النزاع وعدمه على مذهب الباقلانيّ

ثمّ إنّ النزاع هل يجري على ما ذهب إليه الباقلانيّ من أنّ ألفاظ العبادات مستعملة دائما في المعاني الحقيقيّة اللغويّة وإنّما اعتبر الشارع خصوصيّة الأجزاء والشرائط بتعدّد الدالّ والمدلول أم لا يجري؟

ذهب في الكفاية إلى إمكان جريانه بأنّ النزاع يكون حينئذ في أنّ قضيّة القرينة المضبوطة الّتي لا يتعدّى عنها إلّا بالاخرى الدالّة على أجزاء المأمور به وشرائطه هو تمام الأجزاء والشرائط أو هما في الجملة؟ (٢)

أورد عليه في بدائع الأفكار ومنتهى الاصول بما حاصله : أنّ هذه الثمرة لا تترتّب في هذا المقام على كلّ واحد من القولين لأنّ اللفظ حسب الفرض استعمل في المعنى الحقيقيّ اللغويّ والخصوصيّات تستفاد من دالّ آخر فإطلاق اللفظ قطعا ليس بمراد لأنّ المفروض هو إتيان القرائن الدالّة على الخصوصيّات وأمّا ذلك البيان العامّ فإن كان بيانا لجميع ما له دخل في غرضه فلأيّ شىء بالإطلاق نتمسّك وإن كان بيانا في الجملة فبأيّ إطلاق نتمسّك؟ (٣)

وأجاب عنه في تهذيب الاصول حيث قال : يمكن أن يقال بناء على هذا القول (مذهب الباقلانيّ) هل الأصل في القرينة الدالّة على الأجزاء والشّرائط هو إقامة القرينة المجملة على ما ينطبق على الصحيحة لكي لا يجوز التمسّك بالإطلاق أو على ما

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٦٦.

(٢) كفاية الاصول ١ / ٣٥.

(٣) بدائع الأفكار ١ / ١١٠ ، منتهى الاصول ١ / ٥٢.

٣٠٣

ينطبق على الأعمّ حتّى يجوز. (١)

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ البحث في الصحيح والأعمّ هو البحث في المراد الاستعماليّ بمعنى أنّ ألفاظ العبادات هل تكون مستعملة في العبادات الصّحيحة أو في الأعمّ كما يشهد له عنوان الحقيقة والمجاز اللذين من أوصاف الألفاظ بالنسبة إلى المرادات الاستعماليّة ولا بحث عن المراد الجدّيّ والذي يفيده مذهب الباقلانيّ هو المراد الجدّيّ لأنّ المراد الاستعماليّ الذي دلّت عليه ألفاظ العبادات هو المعنى اللغويّ الوسيع وتقيّده بالمركّب الشرعيّ بضميمة الدوالّ الأخر والقرائن في دائرة الإرادة الجدّيّة كما لا يخفى.

نعم لو أغمضنا عن ذلك وقلنا بكفاية المراد الجدّيّ مكان المراد الاستعماليّ وكفاية أصالة الإطلاق والتقييد في الإرادة الجدّيّة مكان أصالة الإطلاق والتقييد في الإرادة الاستعماليّة فلا مانع من جريان النزاع على مذهبه أيضا لعموم الملاك.

الجهة الثانية في إمكان اشتمال التعريف لعنوان الصحيح والأعمّ :

ولا يذهب عليك أنّ عنوان البحث (أعني أنّ ألفاظ العبادات هل هي أسام لخصوص الصحيحة أو الأعمّ منها) يشتمل على لفظي الصحيح ومقابله وهو الأعمّ من الفساد ويقع بهذه الملاحظة البحث في معنى الصّحّة والفساد.

ذهب في تهذيب الاصول إلى أنّه من الممكن أن يطرح العنوان بنحو لا يشمل عنوان الصحيح والفساد ، حتّى يحتاج إلى البحث عن معنى الصّحّة والفساد هنا. وقال : الأولى هو إسقاط لفظى الصّحيح والأعمّ من عنوان البحث إذ لا ملزم لإبقاء العنوان على حاله والتزام تكلّفات باردة لتسديده ، فيقال في عنوانه : بحث «في تعيين الموضوع له في الألفاظ المتداولة في الشريعة أو في تعيين المسمّى لها أو في تعيين الأصل في الاستعمال فيها»

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ٦٦.

٣٠٤

على اختلاف التعبيرات. (١)

وفيه : أنّه لا يوجب المفر عن البحث المذكور في معنى الصحيح والأعمّ لأنّه حينئذ يقع الكلام في أنّ المراد من الموضوع له أو المسمّى له أو مقتضى الأصل ما هو؟ فإن قيل في الجواب : هو الصحيح أو الأعمّ فعاد الكلام وإن قيل في الجواب : هو الجامع للأجزاء والشرائط فيمكن السؤال حينئذ بما يطرح في فرض الصحيح أو الأعمّ كما سيأتي بأنّ المراد من الجامع هل هو مفهوم الجامع أو الجامع الخارجيّ وفي الفرض الثانيّ إن كان الموضوع له بنحو الوجود السعيّ يستلزم وجود الجامع في الخارج بنحو الوحدة الحقيقيّة وهو مستحيل.

وإن كان الموضوع له بنحو الفرديّة والمصداقيّة يستلزم أن تكون وضع ألفاظ العبادات لمعانيها من باب الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ وقد مرّ عن صاحب تهذيب الاصول أنّه محال كالوضع الخاصّ والموضوع له العامّ لعدم إمكان مرآتيّة شيء عن غيره وكيف كان فتغيير العنوان بالمذكورات لا يرفع الإشكال.

والأضعف من هذه المذكورات هو جعل العنوان هكذا : هل الموضوع له هو الماهيّة التي إذا وجدت في الخارج ينطبق عليها عنوان الصحيح أو الأعمّ؟ (٢)

فإنّ التعريف المذكور لا يخلو عن عنوان الصحيح والأعمّ ويحتاج إلى تفسيرهما كما لا يخفى.

والأعجب من ذلك هو منع إمكان جعل عنوان الصحيح في التعريف ، حيث قال : والحاصل أنّ أخذ الصحيح في عنوان البحث والقول بأنّه الموضوع له لا يصحّ بأيّ معنى فرض.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٦٧.

(٢) نفس المصدر ١ / ٦٨.

٣٠٥

وأوضح ذلك بأنّه لا وقع للقول بأنّ المراد من لفظي الصحيح والأعمّ هو الصحيح بالحمل الأوّليّ حتّى تقيّد الصلاة بمفهوم الصحّة وضدّها كما أنّه لا وقع لإرجاعه إلى أنّ المراد به ما هو صحيح بالحمل الشائع إذ الصحيح من الصلاة الخارجيّة إن كان موضوعا له بنحو الوجود السعيّ فهو يستلزم وجود الجامع في الخارج بنحو الوحدة الحقيقيّة وقد عرفت استحالته وإن كان بنحو الفرديّة والمصداقيّة فهو مستلزم لكون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا ، أضف إليه أنّ الصحيح تحقيقا هو ما حاز جميع ما يعتبر فيه حتّى ما يتأتّى من قبل الأمر مع خروج مثلها عن حريم النزاع والتشبّث بكون الصحّة أمرا اضافيّا فتكون صحيحة مع قطع النظر عن الشرائط التي تأتي من قبل الأمر ممّا لا يساعده العرف واللغة وتوهّم اصطلاح خاصّ للاصوليّ كما ترى ولا يقصر عنه التمحّل بأنّ المراد من الصحّة هو الصحّة التعليقيّة أعني ما إذا انضمّ إليه جميع ما يعتبر فيها صار صحيحا. (١)

وفيه مواقع للنظر :

أحدها : أنّ من الممكن أن يكون مقصودهم من لفظي الصحيح أو الأعمّ هو تقييد فرد الصلاة بالفرد الصحيح وقد مرّ أنّ الوضع بنحو العامّ والموضوع له الخاصّ بمكان من الإمكان ولا استحالة فيه لأنّ العام وجهة حصصه الخارجيّة ولا حاجة إلى ملاحظة ملازماته من العوارض المشخّصة لأنّ الحصص هي الوجودات الخارجيّة.

هذا مضافا إلى أنّ الانتقال من العامّ إلى الأفراد الخارجيّة بنحو التداعى ممكن وعليه فلا وجه للمنع عن الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ كما مرّ مفصّلا ولكن سيأتي إن شاء الله أنّ الأعمّيّ والصحيحيّ كليهما لا يلتزمان بالاشتراك اللفظيّ ونحوه كالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ فتأمّل.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٦٧.

٣٠٦

وثانيها : أنّا نمنع عدم مساعدة العرف بكون الصحّة أمرا إضافيّا وسيأتي إن شاء الله منع دخالة الشرائط التي تأتي من قبل الأمر أو الشرائط العقليّة المحضة مثل اشتراط كون المأمور به غير مزاحم بضدّه الأهمّ أو كونه غير منهيّ عنه بالفعل في معنى الصحّة بل اللازم في ماهية الصحيح هو جامعيّة الشيء لأجزائه وشرائطه في نفسه وهو معنى عرفيّ ولغويّ.

ألا ترى أنّ المركّبات التوليديّة تتّصف بالصحّة إذا كانت واجدة لأجزائها وشرائطها في نفسها كالسيّارة من دون ملاحظة اجتماع شرائط تأثيرها من وجود البترول أو المحرّك أو عدم وجود المزاحم وغير ذلك وهذا ليس إلّا لعدم دخالة غير أجزائها وشرائطها في نفسها في معنى الصحّة.

معنى الصحّة والفساد ونوع تقابلهما :

لا يقال : كيف تكون الصحّة بمعنى التماميّة والفساد بمعنى عدمها عرفا ولغة مع أنّ بين الصحّة والفساد تقابل التضادّ وبين النقص والإتمام تقابل العدم والملكة لأن الصحّة والفساد كيفيّتان وجوديّتان عارضتان للشيء في الوجود الخارجيّ باعتبار اتّصافه بكيفيّة ملائمة لطبيعته النوعيّة فيقال : «بطّيخ صحيح» بالملاك المذكور كما أنّه إذا اتّصف بكيفيّة منافرة أو بأثر لا يترقّب من نوعه يقال : إنّه فاسد كمرارته أو فساده وهذا بخلاف النقص والتمام ، فإنّ ملاك الإطلاق فيهما إنّما هو جامعيّته للأجزاء والشرائط وعدمها ، فإطلاق الصحّة والفساد بالمعنى المذكور على الماهيّات الاعتباريّة كالصّلاة والصوم من باب التوسّع في الإطلاق ويحتاج إلى اعتبار تخلّف الأثر وادّعاء ترتّب كيفيّة منافرة عليها. (١)

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٦٨ ـ ٦٩.

٣٠٧

لأنّا نقول : إنّ لفظي الصحيح والفاسد لهما إطلاقان : أحدهما : بالنسبة إلى المركّبات التكوينيّة. وثانيهما : بالنسبة إلى المركّبات الاعتباريّة كالمعاملات والعبادات. فإذا اطلقا على المركّبات التكوينيّة كان معناهما مشتملين على الوجودين المضادّين كما ذكر. وأمّا إذا اطلقا على المركّبات الاعتباريّة كان معناهما كمعنى التام والناقص. ألا ترى أنّهم يقولون هذه المعاملة صحيحة وتلك فاسدة مع أن المعاملة الفاسدة هي الّتي لا تجتمع فيها الأجزاء أو الشرائط ولا يزيد عليه بوجود ضدّ وهكذا الإطلاق في العبادات فإنّ إطلاق الفاسد عليها نوعا من جهة فقدان الأجزاء أو الشرائط لا وجود الأضداد كما لا يخفى. وعليه فلفظي الصحيح والفاسد من الألفاظ المشتركة والشاهد عليه أنّه لا يحتاج استعمالهما في التامّ والناقص إلى ملاحظة العلاقة أو تخيّل وجود المنافر وليس ذلك إلّا لكونهما من الألفاظ المشتركة.

وممّا ذكر يظهر ما في تهذيب الاصول أيضا في أخير كلامه. حيث قال : والطريق الوحيد للتخلّص عمّا تقدّم من الإشكال لمن اشتهى إبقاء البحث على حاله ليس إلّا بالقول باستعمال الصحّة والفساد في التمام والنقص أعني استعمال ذلك المفهوم في هذا المفهوم ولكنّه بعد غير صحيح لعدم وجود العلاقة بينهما واتّحادهما بحسب المصداق لا يصحّح العلاقة. (١)

لما عرفت من عدم الحاجة إلى وجود العلاقة بعد صيرورة لفظي الصحيح والفاسد من المشتركات اللفظيّة. هذا مضافا إلى أنّ استعمال المفهوم في المفهوم لا معنى له بل الاستعمال هو استعمال اللفظ في المفهوم بنحو الحقيقة أو الاستعارة.

إذا عرفت ذلك فالصّحة في المركّبات الاعتباريّة عرفا ولغة بمعنى التماميّة ويقابلها الفساد وهو بمعنى عدم التماميّة وتقابلهما تقابل العدم والملكة فالمراد من الصحّة في

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٦٩.

٣٠٨

عنوان البحث هو هذا المعنى العرفيّ.

ولا خلاف بين الفقهاء والمتكلّمين وعلماء الأخلاق والنفس في أنّ الصحّة بمعنى التماميّة والفساد بمعنى عدمها وأمّا تفسير الصحّة بإسقاط القضاء كما عن الفقهاء أو بموافقة الشريعة الموجبة لصدق الطاعة واستحقاق الثواب كما عن المتكلّمين أو بالمقرّبيّة أو المعراجيّة كما عن علماء الأخلاق لا يوجب تعدّد المعنى لأنّ هذه الامور إمّا من المحقّقات لمعنى التماميّة أو من لوازم التماميّة كما أنّ اختلاف مصاديق التماميّة بحسب اختلاف الحالات كالسفر والحضر والاختيار والاضطرار لا يوجب تعدّد المعنى أيضا لأنّ الاختلاف في المصاديق لا في معنى التمام ولذلك يصدق التمام على كلّ واحد منها بلا عناية.

الجهة الثالثة في تصوير الجامع المركّب على قول الصحيحيّ :

واعلم أنّه لا بدّ على كلا القولين من قدر جامع لوضوح فساد القول بالاشتراك اللفظيّ واحتياج كلّ من القول بالاشتراك المعنويّ أو القول بالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ إلى تصوير الجامع. فى أحدهما يكون الجامع بنفسه هو الموضوع له وفي الآخر يكون آلة للحاظ الموضوع له.

تعريف الشيخ الأعظم عن الجامع المركّب

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا إشكال في وجود الجامع المركّب بين الأفراد الصحيحة على تقدير قول الصحيحيّ وهو على ما استفيد من تقريرات (شيخنا الأعظم قدس‌سره) «الماهيّة الجامعة للأجزاء والشرائط التي لها دخل في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها عليها.» (١)

__________________

(١) تقريرات الشيخ / ٤.

٣٠٩

إلّا أنّ الشيخ قدس‌سره خصّص الأجزاء والشرائط بالأجزاء والشرائط الشخصيّة المعتبرة في صلاة المختارين وذهب إلى أنّ استعمال لفظ الصلاة في غير صلاة المختارين مجاز ومحتاج إلى التوسّع.

مع أنّه من الممكن أن نجعل الأجزاء والشرائط غير مختصّة بالأجزاء والشرائط المعتبرة في صلاة المختارين بأن نقول أنّ الملحوظ في هذا التعريف هو عنوان الأجزاء والشرائط على إبهام من دون تعيين لنحو الأجزاء والشرائط وعليه فيشار بهذا التعريف إلى جميع الذوات المركّبة المختلفة بحسب الأجزاء والشرائط كما يشهد له عدم الحاجة إلى إعمال عناية وملاحظة علاقة في إطلاق الصّلاة على صلاة غير المختارين.

فماهيّة الصلاة بالمعنى المذكور حاكية عن جميع أنواع الصلوات الصحيحة لأنّ كلّ صلاة صحيحة واجدة للأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها عليها ويصدق عليها عنوان الجامع المذكور.

ويشهد له عموم قوله عليه‌السلام : «الصّلاة لا تترك بحال» الوارد في مورد الصّلاة الناقصة العذريّة. وتوهّم كون الإطلاق من باب التوسّع لا وجه له بعد مساعدة الارتكاز على كون الإطلاق فيه بنحو الإطلاق في سائر المقامات.

عدم لزوم الخلط بين الصحيح والفاسد

وممّا ذكر يظهر أنّه لا وقع لما يقال من أنّ الجامع المركّب يوجب الخلط بين الصحيح والفاسد لأنّ كلّ ما فرض جامعا يمكن أن يكون صحيحا وفاسدا.

لأنّ ذلك فيما إذا فرض الجامع المذكور مركّبا من الأجزاء والشرائط الشخصيّة كالمؤلّف من أربع ركعات إذ صلاة المسافر في أغلب الأمكنة قصر وتكون أربعة ركعات بالنسبة إلى المسافر فاسدة أو كالمؤلّف من ركعتين إذ تكون تلك الصّلاة عن الحاضرين فاسدة وهكذا.

٣١٠

وأمّا إذا فرض الجامع المذكور مركّبا من الأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها من دون اعتبار نوع خاصّ أو صنف خاصّ من الأجزاء والشرائط فلا يشمل الفاسدة حتّى يلزم الخلط لأنّ مصاديق هذا العنوان الجامع ليست إلّا الأفراد الصحيحة لأنّها هي التي تكون جامعة للأجزاء والشرائط المذكورة دون الأفراد الفاسدة لأنّها ليست جامعة للأجزاء والشرائط الدخيلة المذكورة.

ومن المعلوم أنّ هذا المعنى العامّ مشترك بين جميع أفراد أنواع الصلوات وهو كاف في تصوير الجامع على القول الصحيحيّ.

تعريف المحقّق الأصفهانيّ عن الجامع المركّب

ويقرب إلى ما ذكرناه ما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ الوضع بإزاء سنخ عمل مبهم في غاية الإبهام بمعرّفيّة النهي عن الفحشاء فعلا وغيرها من الخواصّ المحقّقة له بمراتب الصحيحة فقط. (١)

وهكذا ما في نهاية النهاية من أنّه إذا فرض الجامع مركّبا نوعيّا صادقا على جميع المركّبات كأن يقال : الصلاة اسم لعدّة أجزاء ثابت لها الأثر الخاصّ كالنهى عن الفحشاء فلا يتّجه عليه شيء فبهذا الأثر يشار إلى الذوات المركّبة المختلفة بحسب الأجزاء والشرائط المؤثّرة في هذا الأثر. (٢)

تحليل التعريف المذكور

نعم لا يحتاج إلى القيود المذكورة من معرّفيّة النّهي عن الفحشاء أو الأثر الخاصّ

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٥٨.

(٢) نهاية النهاية ٢ / ٣٤.

٣١١

كالنهي عن الفحشاء بعد تقييد الأجزاء والشرائط بما له الدخل في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها.

هذا مضافا إلى أنّ تفسير الصلاة بسنخ عمل خلاف الظاهر من معناها المرتكز في أذهان عرف المتشرّعة بل هي ماهيّة جامعة للأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بها.

والحاصل أنّ الجامع بالمعنى الذي ذكرناه هو المتبادر من لفظ الصلاة الصحيحة لا شيء آخر كالمؤثّر والمطلوب ونحوهما.

كيفيّة حكاية الجامع المركّب عن مصاديقه

ثمّ إنّ هذه الماهيّة الجامعة الجعليّة كالماهيّات التكوينيّة كلّيّ تحكي عن مصاديقها ومتّحدة معها وإن لم تكن جامعا مقوليّا ذاتيّا لأنّ الصلاة بعد كونها مؤلّفة من مقولات متباينة كمقولة الكيف والوضع ونحوهما لا تندرج تحت مقولة واحدة لأنّ المقولات أجناس عالية فلا جنس لها حتّى يمكن اندراجها تحته.

كفاية الجامع الاعتباريّ في الحكاية

إلّا أنّ هذه الحكاية كافية في مقام وضع ألفاظ العبادات والمعاملات لأنّ المقصود هو شمول المصاديق بما اعتبر فيها وهو حاصل بالجامع المذكور كما لا يخفى.

ولا حاجة إلى تفسير المركّبات الاعتباريّة بالجامع المقوليّ الذاتيّ حتّى يرد عليه ما ذكر.

كفاية الجامع الوجوديّ في الحكاية

هذا مضافا إلى إمكان الجواب عمّا ذكر بما في مقالات الاصول من أنّ المقولات

٣١٢

وإن كانت بحسب الذات متباينة بحيث لا يكون فوق كلّ مقولة جنس جامع بين هذه ومقولة اخرى ولكن من البديهيّ أنّ كلّ مقولة بعد ما كان واجدا لمرتبة من الوجود غير المرتبة الاخرى الحاوي لها غيره فلا جرم كان جميعها مشتركة في الحيثيّة الوجوديّة الموجبة لانتزاع عنوان الموجود به والوجود منها وبعد ذلك نقول إنّ التيام الصلاة من المقولات إن كان بلحاظ دخل كلّ مقولة بخصوصيّته الذاتيّة في حقيقة الصلاة فالأمر كما تقول من عدم تصوّر معنى واحد جامع بين المقولات المتباينة وأمّا إن قلنا بأنّ دخلها في الصلاة بلحاظ دخل حيث وجوده الحاوي للمراتب المحفوظة في لمقولات المختلفة بلا دخل خصوصيّته المقوليّة في حقيقة الصلاة فلا ضير حينئذ في جعل الصلاة عبارة عن مفهوم منتزع عن مرتبة من الوجود الجامع بين الوجودات المحدودة المحفوظة في كلّ مقولة مع أخذه من حيث الزيادة والنقصان من سنخ التشكيكات القابلة للانطباق على القليل تارة وعلى الكثير اخرى ولا يتوهّم حينئذ بأنّ الجامع بين الوجودات المزبورة ليس إلّا مفهوم الوجود ولازمه صدق الصلاة على كلّ موجود. لأنّه يقال : بإمكان تحديد الجامع بكونها في الدائرة المخصوصة إذ حينئذ بمثل هذا التحديد يخرج عن سعة دائرة مفهوم الوجود. إلى أن قال : فلا قصور أيضا في تشبيه الصلاة بالكلمة والكلام من حيث الجامع الوجودىّ لا الذاتيّ الماهويّ. (١)

فالجامع الاعتباريّ أو مفهوم الجامع الوجوديّ يكفي في الحكاية عن المصاديق.

عدم دخالة الشرائط المتأتّية من ناحية الأمر

ثمّ انقدح ممّا ذكر في تعريف الجامع عدم دخالة الشرائط المتأتّية من ناحية الأمر فإنّ المعتبر في الجامع هو الأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتّب ما هو الباعث على

__________________

(١) مقالات الاصول ١ / ٤٠.

٣١٣

الأمر والشرائط المذكورة ليست دخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر بل متأتّية من ناحية الأمر كما لا يخفى.

وعليه فالقول الصحيح في تعريف الجامع هو القول باعتبار تمام الأجزاء وقسم من الشرائط وهي التي تكون دخيلة في ترتّب ما هو الباعث على الأمر دون غيرها ممّا يتأتّى من ناحية الأمر.

وممّا ذكر يظهر أيضا سخافة القول بأنّ الجامع هو الماهيّة الجامعة لنفس الأجزاء دون الشرائط كلّها مع أنّه إهمال بلا وجه مع دخالة الشرائط المذكورة في صحّة الصلاة في نفسها كما لا يخفى.

الجهة الرابعة في تصوير الجامع البسيط على قول الصحيحيّ :

ثمّ إنّ هنا وجوها لتصوير الجامع البسيط منها ما ذهب اليه صاحب الكفاية حيث قال في تصوير الجامع البسيط ولا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة وإمكان الإشارة إليه بخواصّه وآثاره فإنّ الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثّر الكلّ فيه بذلك الجامع فيصحّ تصوير المسمّى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما انتهى.

ولعلّ الوجه في استكشاف المذكور هو القاعدة الفلسفيّة من أنّ الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد.

الإشكالات الثبوتيّة ودفعها حول الوجه المذكور :

يرد عليه أوّلا أنّ القاعدة المذكورة في الواحد الشخصيّ دون الواحد النوعيّ إذ يمتنع صدور فعل واحد شخصيّ عن فواعل متعدّدة تامّة الفاعليّة لأنّ مقتضى تماميّة كلّ فاعل واستقلالها في التأثير هو وجوب صدور الفعل عنه ومقتضى تعدّد الفاعل

٣١٤

تعدّد الفعل وعليه ففرض وحدة الفعل مع تعدّد الفاعل يستلزم الخلف فإنّه لا يستقيم إلّا على فرض كون كلّ واحد منها ناقصة التأثير بحيث يكون المجموع علّة تامّة أو على فرض كون بعضها فاقد التأثير وكلاهما خلف.

هذا بخلاف ما إذا كان الواحد واحد نوعيّا فإنّه يجوز استناده إلى المتعدّد. كما عن المطارحات : وأمّا الأمر الكلّيّ كالحرارة المطلقة فيجوز أن يقال بوجه ما أنّ لها عللا كثيرة ، إلى أن قال : فإنّها يجوز أن تقع جزئيّات منها بسبب الحركة واخرى بحسب الشّعاع واخرى بحسب ملاقاة النار.

وعن الأسفار : وأمّا الواحد النوعىّ فالصحيح جواز استناده إلى المتعدّد كالحرارة الواقعة إحدى جزئيّاتها بالحركة واخرى بالشّعاع واخرى بالغضب واخرى بملاقاة النار.

اللهمّ إلّا أن يقال كما في تعليقة نهاية الحكمة بأنّ الذي يقتضيه البرهان هو امتناع صدور المعلول الواحد النوعيّ عن الفواعل المفيضة المتكثّرة نوعا أداء لحقّ التسانخ فإنّه إن كان الفاعل ذا كمال واحد كان فعله الصادر عنه مرتبة نازلة من كماله فلا يمكن أن يصدر عمّا هو فاقد لهذا الكمال. وإن كان الفاعل ذات (ذا) كمالات كثيرة متميّزة في الوجود كان الفعل صادرا عنه بما أنّه واجد لكمال المسانخ له فإذا كان الفاعل متعدّدا كانت العلّة للمعاليل المتكثّرة بالشخص والواحدة بالنوع نفس الكمال المشترك الذي هو واحد بالنوع. (١)

وثانيا : كما في تعليقة الأصفهانيّ أنّ جهة النهى عن الفحشاء والمنكر واحدة بالعنوان لا واحدة بالذات والحقيقة والواحد بالعنوان لا يكشف إلّا عن واحد بالعنوان وهو عنوان الناهي عن الفحشاء والمنكر وإن كان ذات المنكر في كلّ مرتبة (مباينة ظ)

__________________

(١) تعليقة نهاية الحكمة / ٢٤٥.

٣١٥

للمنكر الذي تنهى عنه مرتبة اخرى وعليه فلا يكشف تأثير الصلاة بمراتبها المختلفة كمّا وكيفا في الانتهاء عن الفحشاء عن وحدة حقيقيّة ذاتيّة بين مراتب الصلاة. (١)

يمكن أن يقال : إنّ كشف الواحد بالعنوان عن الواحد بالعنوان كاف في مسألة الوضع ولا حاجة إلى كشف الوحدة الحقيقيّة الذاتيّة بين مراتب الصلاة مثلا.

هذا مضافا إلى أنّ النهي والانتهاء في جميع المنكرات حقيقة واحدة وإن كانت المنكرات التي انتهى عنها مختلفة الحقائق والمتباينات. وهذه الحقيقة هي حقيقة الوجود لأنّ المنكرات وإن كانت من مقولات مختلفة ولكنّها كلّها موجودة وهو كاف في وحدتها حقيقة.

وثالثا : كما في تهذيب الاصول أنّ أثر الصلاة بناء على ما ذكر كثير إذ كونها ناهية عن الفحشاء غير كونها عمود الدين وهكذا. فلو كان الكلّ صادرا عنها لزم أن يكون فيها حيثيّات متكثّرة حسب تكثّر تلك الآثار مع بعد التزامهم بجامع هذا حاله.

بل يمكن أن يقال : إنّه لا معنى لنهيها عن الفحشاء إلّا كونها مانعة ودافعة عنها ومن المعلوم أنّ الفحشاء له أقسام وأنواع فإذن لا بدّ أن تكون فيها حيثيّات تكون بكلّ حيثيّة ناهية عن بعضها ودعوى أنّ ذكر هذه الآثار في كلام الشارع من قبيل التفنّن في العبارة وإلّا فالجميع يرجع إلى معنى واحد وهو الكمال الحاصل للمصلّي بسبب عمله القربيّ تخرّص على الغيب. (٢)

وفيه : أنّه لا مانع من أن تكون الصلاة مجمع العناوين ومتحيّثة بالحيثيّات المختلفة فيؤثّر الصلاة بكلّ واحد من الحيثيّات في أثر خاصّ.

لا يقال : إنّ لفظ الصلاة حينئذ يكون موضوعا للجامع المركّب لا للجامع البسيط.

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٥٢ ـ ٥٣.

(٢) تهذيب الاصول ١ / ٧٢.

٣١٦

لأنّا نقول : انطباق العناوين المختلفة على الشىء البسيط لا يوجب تركيبه بل هو على بساطته ينطبق عليه العناوين المختلفة ألا ترى إطلاق المعلوم والمعلول على الوجود الذهنيّ مع أنّه بسيط وليس ذلك إلّا لكون الوجود الذهنيّ متحيّثا بالحيثيّات المختلفة وأمّا استبعاد تصوير الجامع المذكور فليس في محلّه.

هذا مضافا إلى إمكان أن يقال إنّ أثر الانتهاء عن الفحشاء والمنكر في طول أثر عمود الدين ومن لوازمه إذ مع إقامة عمود الدين يقوم الدين ومع إقامته ترفع الفحشاء والمنكرات بحذافيرها.

رابعا : كما في المحاضرات أنّا نعلم بالضرورة أنّ الأثر في المقام غير مترتّب على الجامع بين الأفراد وإنّما هو مترتّب على أفراد الصلاة بخصوصيّاتها من الأجزاء والشرائط المعتبرة فيها فإنّ ترتّب النهي عن الفحشاء والمنكر على الصلاة ليس كترتّب الإحراق على النار أو كترتّب سائر الآثار الخارجيّة على أسبابها فإنّ الأثر في جميع هذه الموارد تترتّب على الجامع من دون دخل لأيّة خصوصيّة من الخصوصيّات الفرديّة وهذا بخلاف المقام فإنّ النهي عن الفحشاء والمنكر ممّا يترتّب على أفراد الصلاة وحصصها بخصوصيّاتها الخاصّة المعتبرة في صحّتها خارجا ولا ريب في أنّ صحّة صلاة الصبح منوطة بخصوصيّة وقوع التسليمة في الركعة الثانية وهكذا بقيّة الخصوصيّات فالمؤثّر في جهة النهى عن الفحشاء حقيقة تلك الخصوصيّات ومع هذا كيف يمكن القول بأنّ المؤثّر فيه الجامع بين الأفراد فإنّ الالتزام بذلك إنّما هو فيما إذا لم يكن دخل للخصوصيّات في ترتّب الأثر وهذا لا يعقل في المقام إذ كيف يمكن وجود جامع بين المشروط بشىء والمشروط بعدمه. (١)

ولا يخفى أنّ نفي الأثر عن الجامع غير سديد بعد كون كلّ فرد بما هو فرد للجامع له

__________________

(١) المحاضرات ١ / ١٤٦.

٣١٧

التأثير والخصوصيّات الفرديّة توجب ازدياد الأثر أو تشديده باعتبار كونه فردا من الجامع فالأثر للفرد بما هو فرد للجامع وللجامع أثر باعتبار فرده ووجوده في الخارج. كما أنّ النار له التأثير في الإحراق باعتبار فرده ووجوده الخارجيّ.

ولا فرق بين الجامع في الصلاة والجامع في غيرها إلّا في دخالة الخصوصيّات في الازدياد والتشديد فتأمّل.

وممّا ذكرناه انقدح أنّ استكشاف الجامع البسيط من آثاره ممكن ثبوتا ولا يمتنع. ولكنّه يرد عليه من ناحية الإثبات امور :

الإشكالات الإثباتيّة حول الوجه المذكور :

أحدها : ما ذكره استاذنا (المحقّق الداماد قدس‌سره) أنّ الأثر لو لم يكن منحصرا في الصلاة لزم أن يكون الجامع المكشوف به جامعا بين الصلاة وغيرها الذي يكون متّحدا مع الصلاة في الأثر. وعليه فلا يختصّ الجامع بأفراد الصلوات والجامع المذكور ليس هو حقيقة الصلاة قطعا لتطابقه على غير الصلاة.

وإليه يؤول ما في (نهاية النهاية) من أنّ ذلك إن صحّ فإنّما يتمّ إذا اختصّ هذا الأثر بأفراد الصلاة وأمّا إذا عمّ سائر أفراد العبادات أو احتمل عمومه لها أو لبعضها فهو إنّما يصحّ الإشارة به إلى الجامع بين الجميع وليس ذلك صلاة بالقطع. (١)

وثانيها : ما ذكره استاذنا المحقق الداماد قدس‌سره أيضا من أنّ الآثار المذكورة لصحّة الصلاة ليست آثارا لصحّة الصلاة حتّى تكون كاشفة عنها بل هي آثار لكمال الصلاة الذي قلّما يتّفق في الخارج إذ النهي عن جميع أنواع الفحشاء والمنكرات كما هو مقتضى اللام في الجمع لا يكون أثرا لكلّ صلاة من كلّ أحد كما يشهد به الوجدان وعليه فلو

__________________

(١) نهاية النهاية / ٣٤.

٣١٨

اتّخذ المكشوف بهذه الآثار مسمّى للفظ الصلاة صار معنى الصلاة محصورا في بعض الأفراد النادرة وهو كما ترى.

وفيه : أنّه يمكن أن يراد أنّ الصلاة مقتضية للانتهاء عن جميع الفواحش والمنكرات وهذا الاقتضاء ثابت لطبيعة الصّلاة. نعم لو كان المراد من الأثر هو الأثر الفعليّ صحّ ما ذكر.

وثالثها : أنّ الأثر الذي يشار به إلى الجامع مبيّن في الشرع لا طريق إلى العلم به إن كان الواضع هو غير الشارع حتّى يجعله كاشفا عن الجامع البسيط وأما إن كان الواضع هو الشّارع فلا حاجة له إلى استكشافه بالأثر إذ الشارع عالم بالمسمّى.

وفيه : أنّ الإشارة بالأثر إلى الجامع ليس للواضع حتّى يرد عليه ما ذكر بل هي طريق استكشاف للمتشرّعة بعد عدم تصريح الواضع بمسمّى الصلاة كما هو المفروض.

ورابعها : أنّ المؤثّر في القرب والانتهاء هو الصلاة مع قصد القربة. فإن قيل بدخول قصد القربة في المسمّى فكيف يتعلّق به الأمر مع أنّ قصد القربة ناش عن الأمر ومتأخّر عن الأمر وما ذكر من التفصّي عن تعلّق الأمر بقصد القربة لا يصحّح ذلك لأنّه جعل قصد القربة خارجا عن متعلّق الأمر لا داخلا فيه وعليه فالصلاة بدون قصد القربة لا تكون مؤثّرة حتّى تكشف بالآثار. غايته أنّها قابلة للتأثير واللفظ موضوع لذات المؤثّر أو ما قام به الأثر واشير بالأثر إليهما وإن كان هو خلاف الظاهر لانسباق الأجزاء والشرائط من لفظ الصلاة مثلا.

وفيه : أنّ هذا الإشكال وارد على صاحب الكفاية على مختاره وإلّا فسيأتي إن شاء الله تعالى تصوير إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق الأوامر. (١)

__________________

(١) راجع تهذيب الاصول ١ / ١٤٨.

٣١٩

وخامسها : أنّ لازم كون الصلاة بمعنى الناهية عن الفحشاء والمنكر هو كون القضيّة المعروفة : «الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر» حملا أوّليّا وهو كما ترى لأنّ ارتكاز السامعين خلاف ذلك وهو شاهد على أنّ معنى ليس ذلك ولا عنوان المؤثّر ولا عنوان «المطلوب» كما لا يخفى وهكذا الأمر في مثل قوله عليه‌السلام : «الصلاة قربان كلّ تقيّ.»

وسادسها : ما ذكره المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ لازم ذلك هو عدم صحّة استعمال الصلاة مثلا في نفس المعنون إلّا بعناية لأنّ العنوان غير المعنون وليس كالجامع الذاتيّ بحيث يتّحد مع جميع المراتب مع أنّ استعمال الصلاة في نفس الماهيّة التركيبيّة بلا عناية صحيح مضافا إلى سخافة القول بوضع الصلاة لعنوان الناهي عن الفحشاء ما لا يخفى (١).

وسابعها : ما ذكره استاذنا الفريد قدس‌سره من أنّ وحدة الأثر لو دلّت إنّما تدلّ على وجود جهة جامعة لا على أنّها مسمّى لفظ الصلاة وبينهما بون بعيد.

الجهة الخامسة في تصوير الجامع العرضيّ على قول الصحيحيّ

وهو على وجوه :

منها : ما ذهب إليه في نهاية الاصول من تصوير الجامع العرضىّ بعد منعه تصوير الجامع المقوليّ. حيث قال : إنّ جميع مراتب الصلاة مثلا بما لها من الاختلاف في الأجزاء والشرائط تشترك في كونها نحو توجّه خاصّ وتخشّع مخصوص من العبد لساحة مولاه يوجد هذا التوجّه الخاصّ بإيجاد أوّل جزء منها ويبقى إلى أن تتمّ فيكون هذا التوجّه بمنزلة الصورة لتلك الأجزاء المتباينة بحسب الذات وتختلف كمالا

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٥٢.

٣٢٠