دروس في الكفاية - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

عليه بلا واسطة شيء (١) ، أو بوساطة (٢) عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ، ويتحد معه وجودا ، كان منتزعا عن مرتبة ذاته (٣) ، أو بملاحظة (٤) بعض عوارضه مما هو خارج المحمول (٥) لا بالضميمة (٦) ، ...

______________________________________________________

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) كترتب جواز الايتمام على استصحاب عدالة زيد مثلا كما مر.

(٢) معطوف على «بلا وساطة» يعني : كما لا يكون الاستصحاب لترتيب الأثر المترتب على المستصحب بلا واسطة مثبتا ، كذلك لا يكون مثبتا لترتيب الأثر المترتب عليه بواسطة عنوان كلي ينطبق عليه ويتحد معه ، ويحمل عليه بالحمل الشائع الذي ملاكه التغاير المفهومي والاتحاد والوجودي ، سواء كان ذلك الكلي منتزعا عن مرتبة ذات المستصحب ، أم بملاحظة اتصافه ببعض العوارض التي لا وجود لها في الخارج.

فقوله : «أو بوساطة عنوان كلي» إشارة إلى دفع ما يتراءى من كلام الشيخ «قدس‌سره» من عدم الفرق في مثبتية الأصل بين كون اللازم العادي متحد الوجود مع المستصحب ومتغاير الوجود معه.

وحاصل وجه الدفع : أن تقدم تفصيله ـ : أن المعيار في مثبتية الأصل هو مغايرة اللازم وجودا للمستصحب ؛ بحيث لا يتحدان وجودا ، وأما مع اتحادهما كذلك فليس ترتيب اللازم باستصحاب الملزوم من الأصل المثبت.

(٣) أي : ذات المستصحب ؛ بأن يكون الكلي المنطبق عليه الذي هو موضوع الحكم حقيقة منتزعا عن ذات المستصحب كزيد ، فإن الطبيعي المنتزع عن مرتبة ذاته هو الإنسان المركب من الجنس والفصل ، فاستصحاب زيد لترتيب الأثر المترتب على الإنسان المتحد معه وجودا ليس بمثبت ، وضميرا «عليه ، معه» راجعان إلى «المستصحب».

(٤) معطوف على «عن مرتبة» يعني : بأن يكون الكلي منتزعا بملاحظة بعض عوارض المستصحب من العوارض التي ليس لها ما يحاذيها في الخارج كالعلم والعدالة والفقاهة وغيرها مما لا وجود لها في الخارج. فمن كان متصفا بأحد هذه الأوصاف كزيد مثلا ، وشك في بقائه فاستصحابه لترتيب الأثر الشرعي المترتب عنوان العالم والعادل مثلا ليس بمثبت.

(٥) المراد به : العوارض التي لا يحاذيها شيء في الخارج كالزوجية والولاية وغيرهما مما عرفت ، وضمير «عوارضه» راجع على المستصحب ، و «مما» بيان ل «بعض» يعني : أن المراد ببعض العوارض هو الخارج المحمول.

(٦) معطوف على «خارج المحمول» يعني : لا المحمول بالضميمة ، وهو الذي له ما

٣٨١

فإن (١) الأثر في الصورتين (٢) إنما يكون له حقيقة ، حيث (٣) لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه ، لا لغيره (٤) مما كان مباينا معه ، ...

______________________________________________________

يحاذيه في الخارج كالسواد والبياض والقيام والقعود ، وغيرها من الأعراض التي لها وجود في الخارج غير وجود معروضاتها وإن كان قائما بها ، فإن أثر هذا الكلي كالأبيض المتحد مع زيد مثلا لا يثبت باستصحاب زيد المنطبق عليه عنوان الأبيض والأسود ؛ لأن وجود البياض والسواد غير وجود زيد وإن كان قائما به ، وهذه المغايرة الوجودية توجب مثبتية الاستصحاب.

(١) تعليل لقوله : «لا تفاوت».

توضيحه : أن الأثر الشرعي في الصورتين الأوليين ـ وهما انتزاع الكلي من ذات المستصحب ، وانتزاعه بملاحظة عوارضه التي ليس لها ما بإزاء في الخارج ـ أثر لنفس المستصحب حقيقة ، ضرورة : أن وجود الكلي عين وجود فرده ، فوجود زيد المستصحب عين وجود الإنسان وعين وجود العادل والعالم ونحوهما مما هو من الخارج المحمول.

وهذا بخلاف الصورة الثالثة وهي المحمول بالضميمة ، حيث إن الأثر فيها حقيقة للأعراض كالسواد والبياض وغيرهما مما يحاذيها شيء في الخارج لا للمستصحب كزيد مثلا ، فاستصحابه لا يوجب ترتب الأثر الشرعي المترتب على عنوان السواد مثلا لتغايرهما وجودا ، وعدم كون وجود زيد المستصحب عين وجود السواد مثلا ؛ إلا بناء على حجية الأصل المثبت.

(٢) وهما كون الكلي منتزعا عن مرتبة ذات المستصحب ، ومنتزعا عن المستصحب بملاحظة اتصافه ببعض العوارض التي تكون من الخارج المحمول.

(٣) تعليل لكون الأثر في الصورتين للمستصحب.

وحاصله : أن موضوع الأثر حقيقة هو المستصحب ؛ لأنه وجود الطبيعي الذي اتضح كونه هو الموضوع حقيقة لا مفهومه ، فلا يكون بحذاء الكلي في الخارج سوى المستصحب. وعليه : فترتيب أثر الطبيعة باستصحاب الفرد ليس مثبتا. وضميرا «له ، سواه» راجعان إلى «المستصحب».

(٤) معطوف على «له» ، أي : لغير المستصحب.

غرضه : أن الأثر في الصورتين الأوليين إنما يكون للمستصحب حقيقة لا لغيره حتى يكون ترتيبه على المستصحب مبنيا على الأصل المثبت.

نعم ؛ إن كان ذلك الغير مباينا للمستصحب وملازما له وجودا ؛ كما إذا كان

٣٨٢

أو (١) من أعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة كسواده مثلا أو بياضه ، وذلك (٢) لأن الطبيعي (٣) إنما يوجد بعين وجود فرده. كما أن العرضي (٤) كالملكية والغصبية

______________________________________________________

المستصحب ـ بالكسر ـ مستقبل القبلة في أواسط العراق ، وكان الأثر مترتبا على استدبار الجدي لم يترتب هذا الأثر على استصحاب الاستقبال ؛ لمباينة استقبال القبلة واستدبار الجدي ، وإنما وجدا خارجا منضمين من باب الاتفاق.

وقد أشار إلى هذه الصورة بقوله : «مباينا» ، أو كان ذلك الغير من أعراضه المحمولة عليه بالضميمة ، وهي التي يحاذيها شيء في الخارج كالسواد مثلا لزيد ، فإنه لو كان لسواده أثر لم يترتب على استصحاب زيد ، لمغايرتهما وجودا.

نعم ؛ يترتب أثره باستصحاب نفس موضوعه وهو السواد مع اجتماع أركانه. ففي هاتين الصورتين لما كان للمحمول وجود خارجا ـ وإن كان منضما إلى وجود الموضوع ـ لا يجدي استصحاب الموضوع لإثبات أثر المحمول ، وضمير «معه» راجع إلى المستصحب.

(١) معطوف على «مباينا» يعني : لا لغير المستصحب مما كان مباينا مع المستصحب ، أو كان محمولا عليه بالضميمة ، فإن إثبات أثر ذلك الغير في هاتين الصورتين للمستصحب مبني على حجية الأصل المثبت. وضمائر «أعراضه ، عليه ، كسواده ، بياضه» راجعة إلى المستصحب.

(٢) هذا تعليل حقيقة لقوله : «حيث لا يكون».

توضيحه : أنه بعد تعليل كون الأثر في الصورتين الأوليين ـ وهما الطبيعي والخارج المحمول ـ للمستصحب بأنه لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سوى المستصحب ، أراد أن يبيّن وجه هذا التعليل وقال في وجهه : إن المقام من صغريات كبرى الكلي الطبيعي الذي وجوده في الخارج عين وجود فرده ، فيثبت أثر الكلي باستصحاب الفرد من دون لزوم إشكال مثبتية الأصل.

(٣) كما هو كذلك في الصورة الأولى ، وهي كون الكلي منتزعا عن مرتبة ذات المستصحب.

(٤) كما هو كذلك في الصورة الثانية ، وهي كون العرض من الخارج المحمول الذي لا وجود له في الخارج ، وإنما الوجود لمنشا انتزاعه. ومن هنا تندفع أيضا شبهة مثبتية استصحاب عدم رضا المالك باستيلاء الأجنبي على ماله لإثبات الضمان ، بتقريب : أن موضوع الضمان هو الغصب ، وإثباته باستصحاب عدم رضا المالك منوط بحجية الأصل المثبت.

٣٨٣

ونحوهما لا وجود له إلّا بمعنى وجود منشأ انتزاع ، فالفرد (١) أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين (٢) ما رتب عليه الأثر لا شيء آخر ، فاستصحابه (٣) لترتيبه لا يكون بمثبت. كما توهم (٤).

______________________________________________________

توضيح وجه اندفاع الشبهة : أنه ليس للغصب وجود في الخارج ؛ بل هو منتزع عن وضع شخص يده على مال الغير بدون رضاه ، فلا يكون استصحاب عدم إذن المالك مثبتا.

كما تندفع شبهة مثبتية استصحاب حياة الموقوف عليه في وقف المنفعة لملكية عائداته له ؛ التي يترتب عليها عدم جواز تصرف غيره في حصته من الوقف ، ضرورة : أن الملكية مما لا وجود له في الخارج غير وجود منشأ انتزاعه ؛ فيكفي في ثبوت عدم جواز تصرف غيره في عوائده الذي هو أثر الملكية استصحاب حياته.

وبالجملة : فاستصحاب بعض الموضوعات لترتيب الأثر الشرعي المترتب على بعض الأمور الاعتبارية كالملكية والرقية والزوجية ونحوها ليس بمثبت.

(١) هذه نتيجة كون وجود الطبيعي عين وجود فرده ، وكون وجود العرض الخارج المحمول بوجود منشأ انتزاعه ، فالأثر الشرعي المترتب على الطبيعي أثر لفرده حقيقة ؛ إذ لا وجود له إلّا به ، كما أن الأثر الشرعي المترتب على الأمر الانتزاعي مترتب حقيقة على منشأ انتزاعه ؛ إذ لا وجود له إلّا بوجود منشئه.

فقوله : «فالفرد» راجع على الصورة الأولى وهي الكلي الطبيعي المتحد مع المستصحب كزيد ، فإن الكلي الطبيعي وهو الإنسان متحد معه. وقوله : «أو منشأ الانتزاع» راجع على الصورة الثانية وهي : كون موضوع الأثر ما لا وجود له في الخارج ؛ كالغصب الذي منشأ انتزاعه هو الاستيلاء على مال الغير بدون إذنه ، فاستصحاب عدم الإذن لترتيب حرمة الغصب ليس بمثبت كما تقدم آنفا.

(٢) لأنه مقتضى كون وجود الطبيعي عين وجود الفرد ، وعدم وجود للأمر الانتزاعي إلا بوجود منشئه.

(٣) يعني : فاستصحاب الفرد أو منشأ الانتزاع ـ لترتيب الأثر المترتب على الطبيعي في الصورة الأولى ، أو المترتب على العرض الذي لا وجود له خارجا في الصورة الثانية ـ لا يكون بمثبت ؛ إذ المثبتية مترتبة على مغايرة المستصحب للواسطة وجودا ، وهي مفقودة هنا ، لفرض الاتحاد والعينية.

(٤) هذا تعريض بما أفاده الشيخ «قدس‌سره» من عدم الفرق في مثبتية الأصل بين كون لازم المستصحب متحدا معه وجودا أو مغايرا له كذلك.

٣٨٤

وكذا (١) لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب عليه (٢) بين أن يكون مجعولا

______________________________________________________

هذا تمام الكلام في المورد الأول من الموارد الثلاثة التي توهم كون الأصل فيها مثبتا.

الكلام في المورد الثاني : وهو استصحاب الشرط لترتيب الشرطية عليه

(١) هذا إشارة إلى المورد الثاني من الموارد الثلاثة التي توهم كون الأصل فيها مثبتا ، والمتوهم هو : الشيخ «قدس‌سره» في الأمر السادس من تنبيهات الاستصحاب.

وأما التوهم فحاصله : أن استصحاب وجود شرط شيء ـ كالوضوء أو طهارة البدن أو الثوب ، أو استصحاب وجود ما لا يؤكل معه ، أو استصحاب عدمه ـ من الأصول المثبتة ؛ لأن هذه الاستصحابات ليست بذات أثر شرعي ؛ بل إجراء الاستصحاب فيها إنما هو للكل والمشروط والممنوع التي يترتب عليها الآثار.

وبعبارة أخرى : أن الجزئية والشرطية والمانعية وعدمها من الأحكام الوضعية ، وهي عند أرباب التحقيق غير مجعولة. وجواز الدخول في الكل أو المشروط ، وعدم جواز الدخول حكمان عقليان مترتبان على وجود الجزء أو الشرط ، وليسا من الأحكام الشرعية حتى يصح ترتبهما على استصحاب وجود الجزء أو الشرط ، وعليه : فلا وجه لجريان الاستصحاب في وجود جزء شيء أو شرطه أو مانعة وجودا وعدما ؛ إذ المترتب عليه ليس حكما شرعيا.

وأما دفع التوهم فتوضيحه : أنه لا يعتبر في الاستصحاب مطلقا ، سواء كان مجراه موضوعا ، أم حكما أن يكون الحكم الثابت به مجعولا شرعا بالاستقلال ؛ كالأحكام الخمسة التكليفية بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام ؛ بل يعتبر أن يكون الثابت به ما تناله يد التشريع ، من غير فرق بين وقوعه بنفسه تحت يد الجعل ، وبين وقوع منشأ انتزاعه تحتها ؛ كالجزئية للمأمور به ، وكذا الشرطية والمانعية له حيث إنها غير مجعولة بالاستقلال ، وإنما المجعول كذلك هو منشأ انتزاعها كوجوب الصلاة والأمر بالوضوء والنهي عن لبس ما لا يؤكل مثلا في الصلاة.

وعليه : فاستصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية ليس بمثبت.

وإن شئت فقل : إن الجزئية والشرطية والمانعية أيضا من الآثار الشرعية ، منتهى الأمر أنها وضعية لا تكليفية ، فالاستصحاب في الجزء والشرط والمانع ليس مثبتا.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(٢) هذا في استصحاب الموضوع ، وما قبله في استصحاب الحكم. وضمير «عليه» راجع إلى «المستصحب» ، وضميرا «بنفسه» والمستتر في «يكون» راجعان إلى «الأثر».

٣٨٥

شرعا بنفسه كالتكليف وبعض أنحاء الوضع (١) ، أو بمنشإ (٢) انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية والشرطية والمانعية (٣) ، فإنه (٤) أيضا (٥) مما تناله يد الجعل شرعا ، ويكون (٦) أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ؛ ولو (٧) بوضع منشأ انتزاعه ورفعه ، ...

______________________________________________________

(١) أما الوضع : فكالحجية والقضاوة والولاية والحرية والرقية ، وغيرها مما تقدم في الأحكام الوضعية. وأما التكليف : فكالوجوب والحرمة وغيرهما من الأحكام التكليفية التي هي مستقلة في الجعل. فيجوز استصحاب الولاية والحجية والقضاوة التي يمكن فيها الجعل استقلالا وتبعا ، كما يصح استصحاب الوجوب والحرمة.

(٢) معطوف على «بنفسه» وضمير «انتزاعه» راجع على «الأثر» ، وضمير «أنحائه» إلى الوضع.

(٣) وهي القسم الثاني من الوضعيات كما تقدم في تقسيم الأمور الوضعية إلى أقسام ثلاثة ، وقد اتضح هناك : أن الجزئية وتاليتيها ليست مجعولة بالاستقلال ، وإنما المجعول هو منشأ انتزاعها أعني : الأمر الضمني المتعلق بالجزء كالركوع مثلا. والأمر المتعلق بالوضوء ، والنهي المتعلق بلبس الحرير وما لا يؤكل في الصلاة. لكن لا يخفى : أنه بناء على تعلق التكليف بنفس الجزء أو الشرط أو المانع لا حاجة إلى إثبات الجزئية وغيرها حتى يستشكل في مثبتية الاستصحاب بالنسبة إليها ، ضرورة : أن الجزء وأخويه تكون حينئذ من الموضوعات ذوات الأحكام كالعدالة التي يترتب على استصحابها حكمها من جواز الاقتداء وقبول الشهادة وغيرهما ، من دون لزوم إشكال مثبتية استصحابها أصلا. وعليه : فيترتب على استصحاب وجود الجزء مثلا حكمه ، وهو وجوب إتمام المركب.

(٤) تعليل لقوله : «لا تفاوت» ، وضمير «فإنه» راجع إلى «الأثر».

وحاصله : أن وجه عدم التفاوت في الأثر الشرعي بين كونه مجعولا بنفسه أو بمنشإ انتزاعه هو اشتمال كل منهما على ما يعتبر في الاستصحاب ؛ من كون الأثر الثابت به مما تناله يد التشريع ، سواء كان تنالها له بالاستقلال أم بمنشإ الانتزاع كما في الجزئية وأخويها.

(٥) أي : كالأثر المجعول بنفسه ، يعني : فإن الأثر المجعول بمنشإ انتزاعه كالأثر المجعول بنفسه مما تناله يد الجعل شرعا.

(٦) معطوف على «تناله» ، يعني : ويكون أمر الأثر المجعول بمنشإ انتزاعه بيد الشارع.

(٧) هذا بيان كيفية تناول يد الجعل للأثر المجعول بمنشإ انتزاعه. وضمير «انتزاعه» راجع إلى «الأثر» ، وضمير «رفعه» راجع إلى «منشأ» ، والأولى إسقاط كلمة «ولو»

٣٨٦

ولا وجه (١) لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب (٢) مجعولا مستقلا (٣) كما لا يخفى.

فليس (٤) استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت كما ربما

______________________________________________________

لانحصار كيفية تناول يد التشريع لهذا الأثر بتناولها له ؛ لا أن لتناولها له فردين يكون أحدهما أخفى من الآخر.

(١) إشارة على منشأ توهم مثبتية استصحاب الجزء وأخويه.

وحاصله : أنه يعتبر في الحكم الثابت بالاستصحاب أن يكون بنفسه مجعولا شرعا ، ولا يكفي مجعولية منشأ انتزاعه. وقد أشار المصنف إلى فساد هذا التوهم بقوله : «ولا وجه».

وغرضه : أنه لا دليل على اعتبار الاستقلال في الجعل في باب الاستصحاب ، فإن غاية ما يعتبر فيه من حيث كونه أصلا عمليا أن يثبت به ما يصح إسناده إلى الشارع ولو تبعا ، فإن الجزئية والشرطية والمانعية وإن لم تكن مجعولة بالاستقلال ؛ لكنها مجعولة بتبع جعل منشأ انتزاعها. والمصنف «قدس‌سره» ذكر لدفع الإشكال في حاشية الرسائل هذا الوجه ووجها آخر سيأتي بيانه.

(٢) أي : نفس المستصحب. هذا في الاستصحاب الجاري في نفس الحكم ، والمراد بقوله : «المترتب» هو الحكم المترتب على المستصحب ، وهذا في الاستصحاب الجاري في الموضوع ذي الحكم.

(٣) فيكفي جعله التبعي كما عبر به المصنف في الأحكام الوضعية ، وقد تقدم هناك أن الصحيح التعبير بالجعل العرضي دون التبعي ، وإنما يتجه التعبير بالتبعي في قبال الجعل بالأصالة والاستقلال في القسم الثالث من الأحكام الوضعية ، إذ لها وجود في وعاء الاعتبار ، دون مثل الجزئية ، فلاحظ.

(٤) هذه نتيجة عدم اعتبار الاستقلال في الجعل في صحة الاستصحاب ، وكفاية الجعل مطلقا ولو بجعل منشأ الانتزاع في صحته.

وعليه : فاستصحاب الشرط كالطهارة أو المانع كالنجاسة الخبثية ـ لترتيب آثار الشرطية وهي جواز الدخول في الصلاة مثلا ، والمانعية وهي عدم جواز الدخول فيها ـ ليس بمثبت ؛ إذ المفروض : كون الشرطية والمانعية مجعولتين شرعا بجعل منشأ انتزاعهما ، وعدم كونهما من اللوازم غير الشرعية حتى يكون استصحاب وجود الشرط والمانع لإثباتهما من الأصل المثبت.

٣٨٧

توهم (١) ، بتخيّل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية ؛ بل (٢) من الأمور الانتزاعية ، فافهم (٣).

______________________________________________________

(١) المتوهم : هو الشيخ «قدس‌سره». لا يخفى : أن الشيخ ممن صرح في غير موضع : بأن الجزئية والشرطية والمانعية ليست مجعولة بجعل مستقل مغاير للحكم التكليفي المتعلق بالمركب كالصلاة ، قال عند نقل حجية القول السابع من أقوال الاستصحاب : «وكذا الكلام في غير السبب ، فإن شرطية الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لإنشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة ، وكذا مانعية النجاسة ليست إلّا منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس. وكذا الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب» (١) وقريب منه عباراته في الأقل والأكثر الارتباطيين ، وفي مسألة ترك الجزء سهوا.

(٢) يعني : بل تخيل أن هذه الأمور الانتزاعية ليست من الآثار الشرعية ، فلا تثبت بالاستصحاب إلّا بناء على الأصل المثبت.

والفرق بين الآثار الشرعية والأمور الانتزاعية واضح ؛ إذ المجعول الشرعي موجود في وعاء الاعتبار ، بخلاف الأمر الانتزاعي ، فإنه موجود تصوري محض ينعدم بمجرد الذهول عنه.

هذا بالنسبة إلى الشرطية والمانعية للمكلف به.

وأما شرط التكليف ومانعة إذا فرض الظفر بمقتضيه ، وشك فيهما ، ففي جريان الاستصحاب فيه إشكال تعرض له ولجوابه في الحاشية فراجع.

(٣) لعله إشارة إلى أنه بعد تسليم اعتبار مجعولية الأثر بنفسه ، وعدم كفاية كونه مجعولا بتبع منشأ انتزاعه نقول بعدم مانع أيضا من جريان استصحاب الجزء والشرط والمانع ، ضرورة : أن الأثر الشرعي المترتب على استصحابها هو التكليف النفسي المنتزع عنه الجزئية والشرطية والمانعية.

أو إشارة إلى : أن مراد الشيخ من نفي مجعولية الجزئية والشرطية ونحوهما هو نفي استقلال الجعل عنها لا نفي أصل الجعل ولو تبعا لمنشا انتزاعها ، فيتحد حينئذ مراد الشيخ والمصنف «قدس‌سرهما» ؛ لكنه بعيد ؛ لأن كلام الشيخ في مسألة ترك الجزء سهوا يأبى عن هذا التوجيه حيث قال هناك : إن جزئية السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعا ؛ بل هي ككلية الكل ، وإنما المجعول الشرعي وجوب الكل ، ضرورة : أن كلية الكل منتزعة عن دخل اجتماع أمور في غرض كالمعاجين ، من دون دخل للحكم الشرعي في

__________________

(١) فرائد الأصول ٣ : ١٢٦.

٣٨٨

وكذا (١) لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر ووجوده

______________________________________________________

ذلك ، فتشبيه الجزئية بالكلية يدل على إنكار الجعل ولو بنحو التبعية للجزئية ونحوها.

مضافا إلى : أن الحصر المستفاد من النفي والإثبات عدم الجعل للجزئية أصلا ، لا استقلالا ولا تبعا.

المورد الثالث : استصحاب البراءة من التكليف لنفي العقاب

(١) معطوف على قوله : «وكذا لا تفاوت في الأثر المستصحب» ، وإشارة إلى المورد الثالث من الموارد التي توهم كون الأصل فيها مثبتا ؛ كما يستفاد من كلام الشيخ في التمسك باستصحاب البراءة في أدلة البراءة.

وأما التوهم : فهو ينحل إلى إشكالين :

أحدهما : عدم كون المستصحب حكما ولا موضوعا ذا حكم ، مع وضوح اعتبار كون المستصحب واحدا منهما.

والآخر : كون الاستصحاب مثبتا.

توضيح ذلك ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٥٧٢» ـ أن بعض الأصوليين استدل على البراءة باستصحابها ، والشيخ في مبحث أصل البراءة ناقش في هذا الاستدلال بأنه يتوقف على حجية الأصل المثبت ، حيث إن المستصحب أحد أمور ثلاثة :

براءة الذمة ، أو عدم المنع عن الفعل ، أو عدم استحقاق العقاب عليه. والأثر المترتب على هذه المستصحبات أمران :

أحدهما : عدم ترتب العقاب على الفعل في الآخرة ، والآخر : الإذن في الفعل.

وأما عدم ترتب العقاب عليه في الآخرة : فليس من الأحكام المجعولة الشرعية لتلك المستصحبات حتى يثبت بالاستصحاب.

وأما الإذن في الفعل : فهو من المقارنات لتلك المستصحبات ، فذلك ـ نظير إثبات وجود أحد الضدين بنفي الآخر بأصالة العدم ، فملخص هذه المناقشة : أن استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر لا يصح الاستدلال به على البراءة ، لكونه مثبتا ؛ إذ لا أثر له إلّا عدم ترتب العقاب أو الترخيص في الفعل ، وشيء منهما لا يثبت بالاستصحاب ؛ إذ الأول ليس أثرا شرعيا ، والثاني من المقارنات لتلك المستصحبات ؛ لأن عدم المنع ـ مع القطع بعدم خلو الواقعة عن أحد الأحكام الخمسة ـ يلازم الترخيص المستلزم لعدم العقوبة ؛ لا أن الترخيص من لوازمها الشرعية ، وعليه : فإثبات الترخيص باستصحابها نظير إثبات أحد الضدين بنفي الآخر بأصالة العدم.

٣٨٩

أو نفيه وعدمه (١) ، ضرورة (٢) : أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته ، ...

______________________________________________________

وبالجملة : فاستصحاب البراءة سواء كان أثره عدم ترتب العقاب أم الترخيص في الفعل ، يكون مثبتا ، فلا مجال للاستدلال بالاستصحاب على البراءة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح التوهم والإشكال.

والمصنف «قدس‌سره» دفع الإشكال بقوله : «لا تفاوت في المستصحب ...» الخ.

ومحصله : أن المستصحب في استصحاب البراءة وعدم المنع ليس أجنبيا عن حكم الشرع ؛ إذ كما أن ثبوت الحكم كالوجوب والحرمة بيد الشارع ، كذلك نفيه ، فإن إبقاء العدم كنقضه بالوجود بيد الشارع وتحت قدرته ، وإلّا لخرجت الأحكام الشرعية عن كونها أفعالا اختيارية للشارع ، فكما يصح استصحاب وجود الحكم على تقدير الشك في بقائه ، فكذلك يصح استصحاب عدمه لو شك في انتقاضه بالوجود ، فلا فرق في المستصحب بين كونه وجود الحكم وعدمه ، فالإشكال على استصحاب البراءة من ناحية عدم كون المستصحب أثرا شرعيا ولا موضوعا لأثر شرعي مندفع.

والحاصل : أن نقطة الخلاف في هذه المسألة بين الشيخ والمصنف «قدس‌سره» هي مجعولية عدم الحكم في أصالة البراءة وعدمها ، فصريح الشيخ في ثاني تنبيهات «لا ضرر» هو : عدم مجعولية عدم التكليف ، وأن حكمه بعدم الوجوب أو عدم الحرمة ليس إنشاء منه وجعلا ؛ بل هو إخبار حقيقة ، كما أنه لا أثر مجعول له ، ومن المعلوم : أن مورد الاستصحاب هو خصوص المجعول الشرعي أو موضوعه. والمصنف يدعي : أن عدم الحكم كعدم الوجوب وعدم الحرمة ونحوهما وإن لم يصدق عليه الحكم ، لظهور الحكم في الإنشائي والوجودي ؛ إلّا إن هذا العدم مجعول أيضا ، وهذا المعنى وإن لم يصرح به هنا ولكنه صرح به في التنبيه العاشر بقوله : «فإنه وإن لم يكن بحكم مجعول في الأزل ولا ذا حكم ؛ إلّا إنه حكم مجعول فيما لا يزال».

وحيث كان عدم الحكم مجعولا صح جريان الاستصحاب فيه الموجب لترتب الأثر عليه ، وهو عدم استحقاق العقوبة على المخالفة.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) هذا الضمير وضميرا «وجوده ، أو نفيه» راجعة إلى «الأثر».

(٢) تعليل لعدم التفاوت بين ثبوت الأثر ونفيه ، وحاصله : أن ملاك شرعية الحكم هو كون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ؛ وإن لم يطلق عليه الحكم ؛ إذ لا دليل على اعتبار إطلاق الحكم عليه في جريان الاستصحاب ؛ بل المعتبر في جريانه في كل مورد هو صدق نقض اليقين بالشك.

٣٩٠

وعدم (١) إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر ؛ إذ (٢) ليس هناك ما دل على اعتباره بعد (٣) صدق نقض اليقين بالشك برفع (٤) اليد عنه كصدقه (٥) برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح ، فلا وجه (٦) للإشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب (٧) البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما (٨) في الرسالة من «أن عدم استحقاق

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الإشكال الأول ، وهو عدم كون المستصحب حكما.

وضمائر «نفيه ، كثبوته ، عدمه» راجعة إلى الأثر.

(٢) تعليل لقوله : «غير ضائر» ، وقد مر تقريبه بقولنا : «إذ لا دليل على اعتبار إطلاق الحكم عليه ...» الخ. وضمير «اعتباره» راجع إلى إطلاق.

(٣) غرضه : أن المعتبر في جريان الاستصحاب صدق نقض اليقين بالشك ، وهو حاصل هنا ، سواء أطلق الحكم على المستصحب أم لم يطلق.

(٤) متعلق ب «صدق» ، وضمير «عنه» راجع على «عدمه».

(٥) يعني : كصدق نقض اليقين بالشك برفع اليد من طرف ثبوت الأثر.

وغرضه : أن دليل الاستصحاب يشمل كلا من الأثر الوجودي والعدمي على نهج واحد.

(٦) هذا إشارة إلى دفع الإشكال المذكور ، وهو عدم كون عدم استحقاق العقاب من الآثار الشرعية حتى يترتب على استصحاب البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل.

(٧) متعلق ب «الاستدلال». وقوله : «عدم المنع» معطوف على «البراءة من التكليف».

(٨) متعلق ب «للإشكال» ، والمراد بالرسالة : هو رسالة البراءة من رسائل الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ، قال بعد الفراغ من الدليل الرابع وهو الدليل العقلي الذي أقيم على البراءة : «وقد يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة ، منها : استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر والجنون. وفيه : أن الاستدلال به مبني على اعتبار الاستصحاب من باب الظن ...» إلى أن قال : «وأما لو قلنا : باعتباره من باب الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ؛ فلا ينفع في المقام ؛ لأن الثابت بها ـ أي : بالأخبار ـ ترتب اللوازم المجعولة الشرعية على المستصحب ، والمستصحب هنا ليس إلّا براءة الذمة من التكليف وعدم المنع من الفعل وعدم استحقاق العقاب عليه ، والمطلوب في الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتب العقاب على الفعل ، أو ما يستلزم ذلك ؛ إذ لو لم يقطع بالعدم واحتمل العقاب احتاج إلى انضمام حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان إليه حتى يحصل الأمن من العقاب ، ومعه لا حاجة إلى الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة ، ومن المعلوم : أن

٣٩١

العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية» ، فإن (١) عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول ، إلّا إنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع ، وترتب (٢) عدم الاستحقاق ـ مع كونه عقليا ـ على استصحابه (٣) إنما (٤) هو

______________________________________________________

المطلوب المذكور لا يترتب على المستصحبات المذكورة ؛ لأن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية حتى يحكم به الشارع في الظاهر» (١). و «من» قوله : «من أن عدم استحقاق العقاب» بيان ل «ما» الموصول.

وحاصل الإشكال الذي تقدم توضيحه هو : إن عدم استحقاق العقاب ليس من الأحكام الشرعية حتى يستصحب بنفسه أو يترتب على المستصحب كالبراءة من التكليف.

(١) تعليل لقوله : «فلا وجه للإشكال» ، ومحصله : أن عدم استحقاق العقوبة وإن لم يكن مجعولا ؛ إلّا إنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع ، لما عرفت : من أن نفس عدم المنع مما تناله يد التشريع ؛ إذ كما أن وجود المنع بيده كذلك عدمه ، ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك في الاستصحاب وإن لم يطلق عليه الحكم كما مر آنفا ، وضمير «أنه» للشأن.

(٢) هذا إشارة إلى الإشكال الثاني ، وهو توهم مثبتية الاستصحاب ، ومحصله : أن عدم المنع الذي هو المستصحب وإن كان مجعولا ، وقلنا إنه لا يرد عليه عدم كون المستصحب أثرا شرعيا ؛ لكنه لا يدفع إشكال المثبتية ؛ وذلك لأن الأثر المقصود من استصحاب عدم المنع هو الأمن من العقوبة ، ومن البديهي : أن هذا الأثر عقلي لا شرعي ، فاستصحاب عدم المنع لإثباته مثبت. هذا تقريب التوهم.

(٣) أي : على استصحاب عدم المنع ، وضمير «كونه» راجع إلى عدم الاستحقاق.

(٤) هذا دفع التوهم المزبور : وهو مثبتية استصحاب عدم المنع ، وتوضيحه : أن الحكم بعدم استحقاق العقوبة وإن كان عقليا ؛ لكنه لما كان من الأحكام العقلية المترتبة على الحكم مطلقا ، سواء كان واقعيا أم ظاهريا ؛ كوجوب الموافقة وحرمة المخالفة المترتبين على الحكم بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري ، لم يكن ترتّبه على استصحاب عدم المنع ضائرا ، حيث إن عدم استحقاق العقوبة من لوازم عدم المنع مطلقا ولو ظاهريا كالمقام ؛ إذ الثابت بالاستصحاب عدم المنع ظاهرا.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٥٩.

٣٩٢

لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر ، فتأمل (١).

______________________________________________________

نعم ؛ لو كان عدم استحقاق العقاب من لوازم عدم المنع الواقعي كان استصحاب عدم المنع قاصرا عن إثباته.

وبالجملة : فتوهم مثبتية استصحاب عدم المنع لعدم العقاب مندفع ، فالاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر صحيح ، ولا يرد عليه إشكال المثبتية ، وضمير «هو» راجع إلى «ترتب» ، وضمير «لكونه» إلى «عدم الاستحقاق».

(١) لعله إشارة إلى : أن البراءة المتيقنة حال الصغر عقلية ، والاستصحاب ـ بناء على كونه حجة من باب التعبد ـ حكم شرعي ، فلا يجري فيما ليس له أثر شرعي. أو إلى : أن عدم استحقاق العقوبة من آثار الترخيص والإذن ؛ لا من آثار عدم المنع كما هو مسلم عند العرف ، ضرورة : أن مجرد عدم منع المالك من التصرف في ماله لا يمنع عن استحقاق المؤاخذة ، وإنما المانع عنه هو إذنه في التصرف ، وإثبات الترخيص باستصحاب البراءة وعدم المنع مبني على الأصل المثبت.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ الغرض من عقد هذا التنبيه الثامن : دفع توهم مثبتية الأصل في موارد ثلاثة :

المورد الأول : جريان الاستصحاب في الفرد لإثبات الحكم المتعلق بالكلي له وهو على قسمين :

أحدهما : أن يكون اللازم العادي أو العقلي متحدا مع المستصحب وجودا.

ثانيهما : أن يكون مغايرا له في الوجود.

وقال الشيخ «قدس‌سره» : بعدم الفرق بين القسمين في مثبتية الأصل ، وقال صاحب الكفاية بالتفصيل وهو الفرق بين كون الواسطة متحدة وجودا مع المستصحب ، فلا يكون الأصل مثبتا ، وبين كونها مغايرة له فيكون الأصل مثبتا.

٢ ـ توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن العنوان الكلي الذي يحمل على الفرد بالحمل الشائع ويتحد معه وجودا على أقسام :

الأول : أن يكون العنوان منتزعا عن مرتبة ذاته.

الثاني : أن يكون العنوان منتزعا عنه بملاحظة بعض عوارضه مما يوصف بأنه الخارج عن حقيقة الشيء ؛ لكنه المحمول عليه بلا ضم ضميمة.

الثالث : ما إذا كان منتزعا بملاحظة بعض عوارضه مما كان محمولا عليه بالضميمة.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والأول : كالإنسانية بالنسبة إلى زيد ، فاستصحابه يكفي في ترتيب أثرها. والثاني : كالغصبية والملكية بالنسبة إلى العين المغصوبة والمملوكة ، وكلتا الصورتين تشتركان في أنه لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سوى الذات.

وبعبارة أخرى : الطبيعي في القسم الأول إنما يوجد بعين وجود فرده ، كما أن العرض في القسم الثاني لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه ، فالفرد «كزيد» أو منشأ الانتزاع في الخارج هما نفس ما رتب عليه الأثر لا شيء آخر ، فاستصحاب الفرد أو منشأ الانتزاع كاستصحاب بقاء زيد أو العين المغصوبة كاف في ترتيب ما رتب عليه الأثر كالإنسانية والغصبية.

وأما الثالث : أعني : ما إذا كان المنتزع مغايرا مع المنشأ ويسمى المحمول بالضميمة كالسواد والبياض ، فلا يصح استصحاب لغاية ترتيب آثارهما ، ويعدّ أصلا مثبتا للمغايرة بين المستصحب وما هو الموضوع للأثر.

٣ ـ إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الأصل في القسم الأول والثاني ليس بمثبت لاتحاد الواسطة مع المستصحب وجودا ، وفي القسم الثالث يكون مثبتا لتغايرهما وجودا.

ومن هنا يعلم ما هو نقطة الخلاف بين الشيخ والمصنف وهي : أن الشيخ يرى كون الأصل مثبتا في جميع الأقسام المذكورة ، وقال بعدم إجراء أحكام الكلي على الفرد في جميع الأقسام الثلاثة والمصنف يرى التفصيل بين القسمين الأولين وبين القسم الثالث ، فيكون الأصل مثبتا في القسم الثالث فقط ، دونهما.

٤ ـ المورد الثاني من موارد توهم كون الأصل مثبتا : هو استصحاب الشرط والجزء والمانع لإثبات الشرطية والجزئية والمانعية.

وتقريب التوهم : أن الجزئية والشرطية والمانعية عند أرباب التحقيق غير مجعولة شرعا وجواز الدخول في المشروط والكل وعدم جوازه لمانع من الأحكام العقلية المترتبة على وجود الشرط والجزء والمانع ، وليست من الأحكام الشرعية حتى يصح ترتبها على استصحاب وجود الشرط والجزء ، وعليه : فلا وجه لجريان الاستصحاب.

٥ ـ وأما دفع هذا التوهم : فلأن الجزئية والشرطية والمانعية وإن لم تكن مجعولة على نحو الاستقلال إلّا إنها مجعولة بمنشإ انتزاعها كوجوب الصلاة والأمر بالوضوء والنهي عن لبس ما لا يؤكل في الصلاة مثلا ، ولا يعتبر في الاستصحاب أن يكون الأثر مجعولا مستقلا.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

٦ ـ المورد الثالث من موارد توهم كون الأصل فيها مثبتا هو استصحاب البراءة من التكليف لنفي العقاب.

أما التوهم : فهو ينحل إلى إشكالين :

أحدهما : عدم كون المستصحب حكما ولا موضوعا ذا حكم ، مع وضوح اعتبار كون المستصحب واحدا منهما.

والآخر : كون الاستصحاب مثبتا.

وأما تقريب الإشكال الأول : فلأن المستصحب إما هو براءة الذمة ، أو عدم المنع من الفعل ، أو عدم استحقاق العقوبة ، وشيء منها ليس من الأحكام الشرعية.

وأما كون الاستصحاب مثبتا : فلأن الأثر المترتب على المستصحب إما عدم ترتب العقاب أو لترخيص ، وشيء منهما ليس أثرا شرعيا ، فيكون الأصل مثبتا لعدم ترتب الأثر الشرعي على المستصحب.

٧ ـ وأما دفع الإشكال : فلأن المستصحب في استصحاب البراءة وعدم المنع ليس أجنبيا عن حكم الشرع ؛ إذ كما أن ثبوت الحكم كالوجوب والحرمة بيد الشارع كذلك نفيه ، فكما يصح استصحاب وجود الحكم عند الشك في بقائه ، فكذلك يصح استصحاب عدمه عند الشك في انتفاضه.

٨ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ استصحاب الفرد لإثبات الأثر الشرعي المتعلق بالكلي له ليس بمثبت.

٢ ـ استصحاب الشرط لإثبات الشرطية ليس بمثبت.

٣ ـ استصحاب البراءة لإثبات عدم استحقاق العقوبة ليس بمثبت.

٣٩٥

فهرس الجزء السادس

في شرائط الأصول العملية......................................................... ٥

في اشتراط البراءة العقلية بالفحص................................................ ١٠

في الإشكال على العقل......................................................... ١٣

تقريب الاستدلال على وجوب الفحص بما دل على وجوب التعلم..................... ١٥

حكم العمل بالبراءة قبل الفحص................................................. ١٨

الإشكال في الواجب المشروط.................................................... ٢٢

فتوى المشهور بصحة الإتمام موضع القصر والجهل موضع الإخفات.................... ٣٣

الإشكال على الصلاة تماما موضع القصر مع الجواب................................ ٣٥

تصحيح كاشف الغطاء الإتمام موضع القصر بالترتب................................ ٤٢

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................. ٤٣

ذكر الفاضل التوني شرطا للبراءة وهو أن لا تكون موجبة للضرر على شخص آخر....... ٤٩

الإشكال على ما ذكره الفاضل التوني.............................................. ٥١

قاعدة لا ضرر................................................................. ٥٤

دلالة قاعدة لا ضرر ومعناها..................................................... ٦١

تقديم قاعدة لا ضرر على أدلة الأحكام........................................... ٧٠

في تعارض ضررين وأحكامه...................................................... ٧٨

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................. ٨٢

معنى الاستصحاب لغة واصطلاحا................................................ ٨٧

الأقوال في الاستصحاب......................................................... ٩٠

ما يصح النزاع فيه من معاني الاستصحاب......................................... ٩٤

كون الاستصحاب من المسائل الأصولية......................................... ١٠٠

٣٩٦

بيان ما هو ركن الاستصحاب.................................................. ١٠٣

جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف بحكم العقل..................... ١٠٩

الإشكال على استصحاب حكم الشرع المستند إلى حكم العقل والجواب عنه.......... ١١٣

اختلاف آراء الأصحاب في حجّية الاستصحاب وعدم الحجّية...................... ١١٧

أدلة حجّية الاستصحاب...................................................... ١١٨

رد المصنف على الاستدلال بالإجماع على حجّية الاستصحاب...................... ١٢١

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ١٢٢

توضيح كلام الشيخ في الأخبار التي استدل بها على حجّية الاستصحاب............. ١٢٩

إشكال المصنف على الشيخ تارة من جهة مادة النقض وأخرى من جهة الهيئة......... ١٤١

الجواب على إشكال اختصاص حجّية الاستصحاب بالشك في الرافع................ ١٤٨

الوجوه والاحتمالات في «لا تنقض اليقين بالشك»................................ ١٤٩

الإشكال بأن جواز الدخول في الصلاة يترتب على الوضوء لا على اليقين فلا معنى للنهي عن نقض اليقين    ١٥٢

تقدّم جواب المصنف عن الإشكال بقوله «وذلك لسراية».......................... ١٥٥

إثبات عموم الصحيحة لحجّية الاستصحاب في الموضوعات والأحكام................ ١٥٦

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ١٥٧

تقريب الاستدلال بالصحيحة الثانية على حجّية الاستصحاب...................... ١٦٠

في جواب الإمام عن السؤال في الفرع السادس احتمالان............................ ١٦٢

الجواب عن الإشكال على الاستدلال بالصحيحة الثانية............................ ١٦٦

الإشكال على استصحاب الطهارة والجواب عنه................................... ١٧٠

تعليل عدم وجوب الإعادة باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء خلاف ظاهر الرواية....... ١٧٦

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ١٨٠

تقريب الصحيحة الثالثة لزرارة على حجّية الاستصحاب............................ ١٨٢

حاصل كلام المصنف في دفع الإشكال على الإشكال بالصحيحة الثالثة............. ١٨٥

جواب المصنف عن الإشكال الثاني على الاستدلال بالصحيحة الثالثة............... ١٨٧

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ١٩٠

٣٩٧

تقريب الاستدلال بالرواية الرابعة على حجّية الاستصحاب......................... ١٩٢

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ١٩٦

تقريب دلالة المكاتبة على الاستصحاب.......................................... ١٩٧

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٢٠١

في تفصيل الفاضل التوني بين التكليف والوضع.................................... ٢١٣

الحكم الوضعي نظرا إلى كونه قابلا للجعل وعدم كونه قابلا له على أقسام............ ٢١٥

الخلاف في عدد الأحكام الوضعية.............................................. ٢٢٠

تحقيق المصنف في الحكم الوضعي من حيث الجعل وعدمه.......................... ٢٢٣

ردّ المصنف على الشيخ بأن السببية منتزعة من الحكم التكليفي...................... ٢٢٧

القسم الثاني من الأحكام الوضعية ما لا يقبل الجعل إلا تبعا كالجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية      ٢٣١

ضابط القسم الثالث من الأحكام الوضعية....................................... ٢٣٤

الفرق بين المحمول بالضميمة والمحمول بالضميمة في اصطلاح الفلاسفة............... ٢٤٠

عدم جريان الاستصحاب في القسم الأول من الأحكام الوضعية وهو ما لا يقبل الجعل أصلا ٢٤٤

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٢٤٦

في تنبيهات الاستصحاب...................................................... ٢٤٨

التنبيه الأوّل : في اعتبار فعلية الشك واليقين في الاستصحاب....................... ٢٤٩

التنبيه الثاني : في استصحاب مؤديات الأمارات................................... ٢٥٣

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٢٦٠

التنبيه الثالث : في استصحاب الكلي............................................ ٢٦١

الإشكال على استصحاب القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي................ ٢٦٣

توضيح جواب المصنف عن الإشكال يتوقف على مقدمة........................... ٢٦٤

الكلام في استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي................... ٢٦٥

الإشكال على استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي............... ٢٦٧

الجواب عن الإشكال المذكور................................................... ٢٧٠

٣٩٨

وجه قول المصنف بعدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ٢٧٦

توهم جريان الاستصحاب في القسم الثالث إذا كان من قبيل الوجوب والاستحباب.... ٢٧٨

دفع التوهم المذكور............................................................ ٢٧٩

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٢٨٢

التنبيه الرابع : في استصحاب الأمور التدريجية..................................... ٢٨٤

جواب المصنف عن الإشكال في جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية............. ٢٨٨

لا إشكال في جريان الاستصحاب في نفس الزمان كالليل والنهار.................... ٢٩١

الاستصحاب في الأمور التدريجية إما من قبيل استصحاب الشخصي أو الكلي بأقسامه ٢٩٩

استصحاب الفعل المقيد بالزمان................................................. ٣٠٠

الإشكال بأن الزمان قيد للموضوع فلا يجري الاستصحاب مع انتفاء الزمان........... ٣٠٣

الجواب عن الإشكال أن الإشكال لو كان المناط في بقاء الموضوع هو نظر العقل وليس الأمر كذلك بل المناط هو نظر العقل فلا إشكال............................................................................ ٣٠٤

إشكال تعارض استصحاب وجود الحكم وعدمه والتحقيق في الجواب عنه............. ٣٠٥

تعارض استصحاب الطهارة واستصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد خروج المذي ٣٠٩

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٣١٣

التنبيه الخامس : في الاستصحاب التعليقي........................................ ٣١٦

عدم جريان الاستصحاب التعليقي لأمور والجواب عنها............................. ٣١٨

توهم عدم جريان الاستصحاب التعليقي لعدم وجود المعلق مع توضيح فساد هذا التوهم. ٣٢١

الإشكال بأن الاستصحاب التعليقي معارض باستصحاب الحكم الفعلي الذي هو ضد الحكم المعلق  ٣٢٦

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٣٣١

توضيح محل الكلام في استصحاب عدم النسخ.................................... ٣٣٣

٣٩٩

توهم إشكال انتفاء أركان الاستصحاب مع جواب المصنف عنه..................... ٣٣٥

الإشكال بامتناع استصحاب عدم النسخ في أحكام هذه الشريعة.................... ٣٣٨

الإشكال بأن المانع من جريان استصحاب عدم النسخ هو العلم الإجمالي.............. ٣٤١

محصل ما أفاده المصنف في دفع الإشكال........................................ ٣٤٢

إرجاع المصنف كلام الشيخ الظاهر في القضية الطبيعية إلى ما ذكره من إرادة القضية الحقيقية ٣٤٦

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٣٥١

التنبيه السابع : في الأصل المثبت................................................ ٣٥٣

توضيح كلام المصنف في معنى الأصل المثبت...................................... ٣٥٤

قصور أخبار الاستصحاب عن حجّية الأصل المثبت............................... ٣٦٣

خلاصة الكلام في المقام هو : عدم حجّية الأصل المثبت عند المصنف................ ٣٦٦

في الفرق بين مثبتات الأمارات والأصول.......................................... ٣٧٠

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٣٧٥

التنبيه الثامن : في الموارد الثلاثة التي توهم كون الأصل فيها مثبتا..................... ٣٧٧

ما هو المعيار في كون الأصل مثبتا............................................... ٣٨٠

الكلام في المورد الثاني.......................................................... ٣٨٥

المورد الثالث : استصحاب البراءة من التكليف لنفي العقاب........................ ٣٨٩

خلاصة البحث مع رأي المصنف................................................ ٣٩٣

الفهرس...................................................................... ٣٩٦

٤٠٠